الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس ومشاريعه المضحكة

جواد البياتي

2016 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


المجلس ومشاريعه المضحكة
جواد البياتي
كأنما كتب على مجلس نوابنا سوء الطالع في كل خطواته ومشاريعه الخرقاء ، وهذا ينعكس بالطبع على العقول التي تحركه لأعتقادها بديناميكية الحراك التشريعي للدولة البرلمانية ، حتى اعطته علامة الرسوب الكاملة في كل ادواره او مراحله ، ولم يعد الناخب العراقي الذي ساهم بشكل او بآخر بدفع هؤلاء تحت قبة البرلمان ظنا منه انهم سيمثلونه بصناعة دولة مدنية حضارية عصرية وادخالها من اجل حجز مكانها في ماراثون سباق الحضارات ، لكن الامال خابت بعد ان تحول الصراع داخل المجلس الى صراع طائفي حتى اعلان سقوط الموصل ، فلم يعد هناك مايخفى على الشعب فقد كشف السونار العراقي زيف الازياء وما تجر اذيالها وما تخفي القفاطين . ولم يبق لدى هذا الشعب غير جيشه المغوار وقواته الامنية وحشده الشعبي والعشائري ونداء المرجعية الذي وقا العراق شر التخلف الديني المتمثل بالدواعش .
وعندما أمِن كل من هؤلاء على عرشه داخل البرلمان وانجلى الخوف من قلوبهم بعد امتصاص صدمة داعش وبعد ان هيأ كلّ منهم حقائبه للعودة مهجره ، تحركت خلجاتهم من جديد لتنزف خليط قيحها الدفين من اجل تحجيم هذا الشعب كعاشق للحرية فطرحوا مشروع قانون تحريم تجارة المشروبات الروحية والتهديدات التي رافقت المعترضين عليه حتى وصل الامر الى بعض عمليات قتل بعض العاملين في هذا القطاع من الايزيديين والمسيحيين ، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد ليخرج علينا بعض النواب الذين عاشوا في احضان الاقطاع لتقديم مشروع قانون العشائر الذي يحاولون ان يبرروا قناعاتهم بجدواه عبر تحجيم وتشذيب وتنظيم دور العشائر خير من بقائها بشكلها الذي يعكسه بعض الخارجين عن السنن العشائرية الاصيلة المتفق عليها عرفا ، ويكون من تقدم بهذا المشروع للبرلمان قد قدم انجازا ثوريا للعراق في عهده الديمقراطي ودخل في محفل صراع الحضارات دون عناء . هذا فضلا عن مشاريع القوانين العديدة التي تقدم بها الكثير من النواب من الذين يعتقدون انهم يخدمون بها اسيادهم دون الالتفات الى مصلحة ناخبيهم .
لاشك ان من تقدم بمثل هذه القوانين لا يرجوا جزاءا ولا شكورا بالشكل الذي يتصوره الناس الطيبين " السذج بنظر النواب " اذ يدركون جيدا ان مثل هذا القانون الذي كان مشرعا سنة 1916 تحت اسم نظام دعاوي العشائر المدنية والجزائية ، وتم الغاؤه بعد ثورة 14 تموز مباشرة لما فيه من تكريس للنظرة الدونية لأبناء العشائر كونهم افراد غير متمدنين مثلما هو تكريس للاقطاع واستعباد الارض وما فوقها واكدت قوانين الثورة على استعادة ملكية الاراضي التي استعادتها الدولة من الاقطاعيين .
لذلك يأتي مشروع قانون مجلس قبائل وعشائر العراق فرصة لاستعادة نفوذهم العشائري بعد اختفاء نفوذهم النيابي ان عاجلا ام اجلا ، اضافة الى ان اصل الحركة في تقديم القانون وما يحمله من نوايا ستصب في المشروع الانتخابي الجديد لهؤلاء
على شاشة احدى القنوات الفضائية ، كنت اتابع حوارا بين مؤيدين ومعارضون ، وما أدهشني هو ان نائب متشوق لأصدار هذا القانون يرد على نائب معترض فيقول له بالحرف الواحد : لا تخاف اذا صار شي محد يوصل يمّك . وكأن النائب المعارض يعترض على القانون بشكل شخصي !! بل واكثر من ذلك فهو يتهم النائب المعارض انه مدني لاعلاقة له بالعشائر وشرائعها وسننها . بل يلمح ان لهذا النائب نظرة استعلائية على العشائر ، وهذا وحده يعتبر تحريضا ضد النائب المعارض !.
.ان هذا البعد الفلسفي الساذج في تفسير الاشياء طامة كبرى في طريق التخريب، وسواء كان المواطن اطلع ام لم يطلع على مسودة المشروع فهو يبدو مقرفا من عنوانه الاستفزازي للشارع العراقي الذي يطمح في الوصول بالفرد العراقي اينما يكون الى افاق المدنية بمعناها الواسع ، ولا اعتقد ان احدا سمع من قبل بقانون ( عشائر ) شُرّع حصرا بالعشائر ذاتها ، فأبناء العشائر هم مواطنون من الدرجة الاولى يخضعون للقانون العراقي العام وليس لقانون يعزلهم عن بقية العراقيين ، وهذا هو المخيف في مثل هذه القانون في حال حصول المشاكل ، فإلى اي القوانين سيلجأ القاضي في احتكامه لقضية ؟ الى قانون العقوبات العام ؟ ام الى قانون العشائر ؟ على اعتبار ان الجريمة لم تكن مهنية ، ثم من سيختار القانون الذي سيخضع له المتهم .
ان تشريع مثل هذه القوانين لاتعني بحقوق ابناء العشيرة بقدر ما تعني بشيوخها وان فلسفة الدفاع والتفقه بإيجاد منافذ لأخراج هكذا قوانين لا يغير من الامر شيئا ، فالصفة هي هي واحدة والاصل هو واحد ، وليس من المستغرب ان يكون من قام بتقديم هذا القانون هو احد سليلو الاقطاع بوجه يرتدي قناع الديمقراطية . دون الانتباه الى ان الثورات في التاريخ ما قامت الاّ ضد الاقطاع ومشايخ الملكيات كما حدث في اوربا وروسيا القيصرية .
لم تكن مثل هذه القوانين يوما دعما للانظمة الديمقراطية الحديثة المبنيعلى الحريات وحقوق الانسان ، بل هي محاولة تسلل فايروسي الى جسم الوطن من اجل اعادة خلايا الاقطاع السرطانية للفتك بالمجتمع العراقي ، وربما تفتق ذهن هؤلاء السادة بعد ان ايقنوا من ان ابواب الحرية التي فتحتها ثورة 14 / تموز / 1958 كانت بداية التدهور في الاقتصاد الزراعي والصناعي والخراب الاخلاقي ايضا من خلال اساءة فهم معنى الحرية التي منحتها الثورة للفلاح الامي المتخلف المستعبد والمملوك للشيخ وعائلته وسركاله ، دون ان يدركوا ان القوانين الرصينة الصارمة والمنضبطة هي الكفيلة بصناعة الانسان في كل زمان ومكان .
ينصرف الذهن هنا الى ان نوابنا الافاضل يشرّعون القوانين وفق مقاساتهم الشخصية والعائلية والقبلية ، فالعودة الى الخلف سهلة جدا ولكن تصحيحها يكون اصعب اضعاف المرات ، ولا زال هناك وقت لتصحيح الخطأ الحضاري ، وسحبه وقبره وحفظ ماء الوجه ، هو التصحيح الاصوب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح