الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البنت التي طارت عصافيرها.. أقصوصة

نقوس المهدي

2016 / 12 / 9
الادب والفن


بلا عقد ولا فاتحة ولا زغاريد، أخذ بيدها.. لم تنبس أمها بكلمة، اكتفت بتقبيلها، ثم شيعتها بالألم القاسي والعبرات والقلب المعنى، بعد أن دست في أذنيها دزينة من الوصايا عن الطاعة والنظافة وآداب الجماع..
لم تأخد في يديها متاعا ولا في جيدها ذهبا كالعرائس..
ولم تخضب جديلتها بحناء
ولم، ولم، ولم
بطن ناقص يقي من مصاريف زائدة
- استريها يا ولية.. صاح الرجل
فنضَّت المرأة عنها عباءتها الكحلية
ودثرت البنت من فوق ومن تحت
ومشت تتعثر في أطرافها
خائفة ووحيدة، وتائهة، وذاهلة، وطفلة كانت، لم تنهد، ولم يجر ماء الأنوثة في المجريين الصاخبين، حبتا قمح على جلد ناشف فوق صدر ضامر على قفص من العظام الناتئة، وكنوز مفاتنها لَم تبرز بعد، ولا سال عسل الغواية على محاسنها، وكأَن الرب الإِلَه لَم يود أن يفتنها، وهي بنت ثلاث وعشر، لا تزال تداعب ملائكتها البريئة بأصابع ناعمة وروح مطمئنة.. وتلعب الغميضة بعيون مفتوحة، وتتهجى أسماء الأشياء الحسنى، قبل أن يعابثها القدر العبوس، ويستخلصها من حضن صويحباتها عدو الله الآفلة شيبته العصية الرجيمة على الستين، ليخرب ما فاض عن أحزانها وخيباتها الباقيات
يا لقلب أمها!!
بخطوات من أدركته الحاجة كان يغد السير إلى جحره، وكأنه يجرها إلى حتفهاـ فتتملص من يده وتتخلف، تلتقط حجرا، تلعب الحجلة، أو تجري وراء فراشة آبقة، فينهرها بعنف، فترتعد، فتجري إليه، فتمسك بيده، محتكة به، متمسحة بطرف دشداشته المتسخة
وقبل أن تبتلعهما الثلة، التفتت رامية بنظراتها الحسيرة وقلبها الكظيم على الخيام الساهمة تحت صهد الظهيرة، فيما يتهادى من بعيد بعيد أنين ناي شجي حزين
ثم بكت...
وعلى حصير بارد في حجرة باردة جلست، وعرير صرصار يضل طريقه إلى مسامعها فيزيد من خفقان قلبها، وصوت الكافر يتردد بأدعية وكلام مبهم لا يبين، ويرسم ابتسامة خبيثة غامضة لا اثر لرحمة فيها، بينما تحاول أن تفر بعيدا بخيالها الصغير إلى هناك، حيث أمها المسكينة المعذبة تناجي السماء، وتخفي نشيجها المكتوم. وحيث الحمائم تستظل تحت العريشة الظليلة، وحيث القبرات تنط على أفنان الشجر المتداغل
جفف وجهه. كانت عيناها تراقبانه بانكسار وذعر، ونظراتها ترجوانه ألا يقترب. مشط لحيته الكثة، وصب قطرات عطر في كفه ممرا إياها فوق رقبته وخديه وأذنيه ثم نظر إليها بخبث كاشفا عن أسنان منخورة متفرقة ومدببة. اقشعر بدنها وشعرت بالاشمئزاز والتقزز. جلس بقربها، أمسك ذراعها بقوة، وقال لها: "اقتربي". لم تكن تعرف ما سيجري لها، بل لم تكن تدري ما تفعل، ولما جاءت؟.. أحست بخطر قريب، وبخوف داهم يشل أوصالها، ويسري في دواخلها إحساس غامض بالخوف. فابتعدت عنه، صفعها على خدها قائلا: "قلت لك انت لي، وسأفعل بك ما أشاء". عرفت أن لا خلاص لها، وأنه لا محالة سيأخذ ما يريد، ولم يكن جسدها الضئيل يحتمل المزيد من الضرب، أرسلت نظراتها الكسيرة سابحة في زرقة السماء الشاسعة الممتدة في البراري والحقول، قبل أن يغلق الباب وتحل عتمة خفيفة بددت النور الجاثم على ركام الغبار والذباب، أحست بيديه الثقيلتين الباردتين تحملانها، وتقتحمان بخشونة طراوة ظهرها النحيل، أحست بقشعريرة، واجتاحتها رغبة بالتقيؤ، أو الهروب. ألقت برأسها المنهك على الوسادة واستسلمت، حين عراها وكشف عن محاسنها، حز الذل والألم جسدها الصغير، وفغرت فاها، ليس من خوف، وإنما من الدهشة، لأنها لم تستطع أن تصدق ما سيحدث أمام هذه الحركات المريبة الغريبة الشديدةَ العبث. ولم يكن أمامها من بين القناعات البدوية المكتسبة، والحيل الضرورية الراسخة، سوى البكاء، ثم بكت.. بكت في صمت جسور، وتمنت أن ينتهي كل شيء بسرعة.. عضت على شفتها السفلى، وغمَّضَت عينيها، وشهقت بقوة، في تلك الأثناء التي اضطربت خلالها المحيطات، واصطفقت الأمواج، وطارت أسراب السنونو، وجفلت الخيل في مرابطها، وتفرقت الفراخ فزعة من شبح باز لاح في الأعالي، ووسط بركة من الدماء الساخنة التي تنز من ينبوعها، أخذ يقضم حلمتي صدرها الضامر، ويعض على شفتيها اليابستين، ويلوك لحمها، ويفترسها بوحشية وسادية لا توصف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما