الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القناعة كنز لا يفنى ؟!

سليمان جبران

2016 / 12 / 14
الادب والفن


سليمان جبران: القناعة كنز لا يفنى ؟!
الأمثال والحِكم انعكاس للبيئة التي تنشأ فيها. لذا نجد في أمثالنا وحِكمنا الشعبيّة ما لا يستحقّ حفظه وترديده. ماذا نتوقّع من شعب عانى الفقر والجهل قرونا طويلة ؟ يكفيه ما لاقاه تحت حكم بني عثمان الجاهل الجائر. أربع مئة سنة حكمنا بنو عثمان، باسم الدين، فأشاعوا فينا كلّ العيوب: الفقر والجهل والسلبيّة بتسليم أمورنا للأيّام.
وإلّا فما معنى " اليد التي لا يمكنك كسرها قبّلْها " ؟ هل يرضى اليوم من في رأسه ذرّة عقل بهذا القول الخانع المتخاذل ؟! ومثله كثير طبعا. كلّ "حكمة" ورثناها عن السلف لا بدّ فيها من إعمال المنطق المعاصر. نقبلها إذا لاءمت ظروفنا اليوم، ونرفضها إذا حملت قيمًا قديمة بالية.
ثمّ إنّ الحكمة المقبولة أيضا قد تلائم ظرفّا ولا تلائم غيره. ليست هناك حكمة مطلقة، تصلح لكلّ زمان ومكان. لا ننسَ أنّ الحكايات تحكمها عادة المبالغات و"النهاية السعيدة". حكايات "كرم حاتم الطائي" من هذه المبالغات طبعا. و"ضيافة بدوية" للحطيئة مثلها، وأكثر تطرّفا. إذا زارني أحدهم، وفي بيتي الطعام، استقبلته على الرحب والسعة. وإلّا فإنّي أقدّم عذري، ولا بدّ له من قبوله مقدّرا شاكرا.
والقناعة ؟ قيمة حميدة، لكنّها لا تصحّ في كلّ زمان ومكان. إذا كان جاري اغتنى على حسابي، نتيجة استغلالي، فهل أقبل ظلمه واستغلاله متلفّعا بحكمة السلف- "القناعة كنز لا يفنى" ؟ حتّى "أطيعوا أولي الأمر منكم" لا أقبلها إلّا إذا كان "أولو الأمر" هؤلاء يعملون لما فيه مصلحتي ومصلحة جاري !
قرأت في أحد المواقع مؤخّرا مقالة طويلة عريضة خلاصتها الحثّ على التزام "القناعة والقبول" ! تذكّرت نصّا، كان في كتاب القراءة للصفوف الإعداديّة. عن الصيّاد شبه العاري يدخل قصر غنيّ، يبيعه سمكة وحيدة كان اصطادها في شبكته طوال الصباح، معربا عن سعادته القصوى بالفقر والعري والقناعة. بل يغبطه الغنيّ على حياته تلك !
ليست هناك قيمة مطلقة إذن. الكرم سجيّة رائعة، والقناعة مثله. لكن ما يصلح في ظرف لا يصلح في كلّ ظرف. في رائعة الجواهري "أبو العلاء المعرّي" يعرض النجفيّ الثائر للقيم، فيبيّن لنا أنْ ليست هناك قيمة مطلقة. ليست القناعة ولا الصبر ولا غيرها من المثل العليا، أو "المثل الدنيا"، بأسلوبه، التي يشيعها الأدباء أعوان الحاكم الجائر، فيتبنّاها كثيرون من أبناء الشعب – ليست تلك قيمًا لا يجوز رفضها في أيّ ظرف، أو مناقشتها حتّى:

وإن صدقتُ فما في الناس مرتكبا / مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعٌ، شواظُ الحقّ أرهفه / سيفًا، وخانعُ رأيٍ ردّه خشبا
وربّ راضٍ من الحرمان قسمتَه / فبرّر الصبرَ والحرمان والسغَبا
أرضى، وإنْ لم يشأ، أطماعَ طاغيةٍ / وحالَ دون سوادِ الشعب أن يثِبا
وعوّضَ الناسَ عن ذلٍّ ومَتربةٍ / من القناعة، كنزًا مائجًا ذهبا !
جيشٌ من المُثُل الدنيا يمدّ بهِ / ذوو المواهب جيشَ القوّةِ اللجِبا

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا