الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم الصناعي ..إلي أين...؟

عطا درغام

2016 / 12 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


كل عام تُخرج لنا المدارس الآلاف من الخريجين ، فينضموا إلي طابور العاطلين ، فيكونوا عبئاً علي الدولة وعالة علي المجتمع.. وتبذل الدولة الجهود في تطوير التعليم وإعداد خريج قادر علي مواجهة المستقبل، وخصوصاً في التعليم الصناعي الذي هو مقياس التقدم في مصر، وبالتالي إعداد خريجيه ليكونوا صناعاً مهرة ومنتجين أسوةً بالصين ودول جنوب شرق آسيا التي غزت منتجاتها للأسواق العالمية بالمشروعات الصغيرة.
ومما يؤسف له، ضياع كل هذه الجهود والأموال سديً ؛لأنه يتخرج خريج جاهل في النهاية ، فتجد خريجي المدارس الفنية يجهلون المهن التي درسوها وتخرجوا فيها ..تُخرج لنا المدارس الآلاف كل عام دون فائدة منهم.
بعد التخرج يقاسي خريجو التعليم الصناعي البطالة ، ويعانون الفاقة ويندبون حظهم العاثر ، ويشكون ظروفهم القاسية ، ويبكون أمسهم الضائع.. وما ذلك إلا لأنه أعرض بعد تخرجه عن الصناعة التي بيديه ، ولأنه يقنع في الدراسة بالقدر الذي ينقله من سنة إلي أخري.فإذا تخرج تبخر من رأسه كل ما تعلمه ، وإذا أراد أن يعمل لا يجد المهنة التي يتقنها ويجيدها ، فيضيق ويسخر ويثور لأن المدارس الفنية تُعده للشهادة لا للمهنة ..تهيئه للوظيفة لا للحياة.
فإذا كان التعليم الفني لا يؤهل للمهنة ولا تستفيد منه الدولة فما الفائدة من..؟..إن طالب التعليم الصناعي يضيّع من عمره ثلاث سنوات من عمره دون أن يتعلم شيئاً ، فلقد تخرّج دون أن يتعلم شيئاً عن القسم الذي يلتحق به. وفي نهاية المطاف يتنقل بين الأعمال المختلفة كي يستطيع العيش.
وعلي الرغم من الأموال الطائلة التي تنفقها الدولة لشراء الأجهزة والمعدات الحديثة لتعليم الطلاب وتأهيلهم لسوق العمل ، فممنوع علي الطلاب الاقتراب من هذه الأجهزة لأنها عُهدة ، ومما يدعو للأسف أنها مشوّنة بالمدارس تحت مسمي ( ورش) دون الاستفادة منها حتي يتخرج الطالب، ويجد نفسه في النهاية عُملة ممسوحة في سوق العمل لأنه لم يتعلم شيئاً.. ويقتصر دور مشرفي الورش علي حصر غياب الطلاب فقط دون الاهتمام بتعليمهم علي هذه المعدات الحديثة.
وجدير بالذكر أن الدول المتقدمة لا تهتم بالحفاظ علي الأجهزة بقدر تعلم الطالب عليها ؛ وتعمل علي صيانتها وتغييرها باستمرار ، فالأهم عندهم هو تخريج عضو صالح نافع منتج . أما أمناء الورش عندنا ، فيمنعون الطلاب الاقتراب من هذه الأجهزة..احترس فهي أجهزة بالملايين وعهدة حكومية ..إذا حدث لها شيء سأذهب في سين وجيم ..وبكل أسف فهي مجرد أجهزة موجودة حبر علي ورق دون الاهتمام بالتدريب عليها.
قد يلتحق الطالب بالتعليم الصناعي بسبب ضعف مجموعه ولا يحرص علي تعليم مهارات القسم الذي يلتحق به ، ومن ثم يحرص علي الحصول علي شهادة تُخفض له عدد سنوات الخدمة العسكرية. ومما يزيد الطين بلة أن بعضهم لا يحسنون القراءة والكتابة ،ولا ندري كيف نجحوا..فليس هناك سبيل غير الغش الذي انتشر بصورة رهيبة ، بل يصل الأمر إلي نجاح بعض الطلاب في الورشة التي لا يحضرونها بالمرة ..كيف ومتي..؟ ......لا ندريّ..!!!!
يلتحق الطالب بالتعليم الصناعي متقيّدا بالمجموع الذي حصل عليه دون دراية بأهداف التعليم الصناعي وضرورة الالتحاق بقسم من الأقسام الموجودة به، وإجادة المهنة التي يدرسها . وفي هذا تقصير من القائمين علي العملية التعليمية في ضرورة حث الطالب في تشجيعه علي التعليم الفني وترغيبه فيه وإجادة المهنة لأنه أمل المستقبل.وفوق ذلك، لا بد من توفير مرشد تعليمي في التعليم الفني أسوة بالتعليم الثانوي ليعرّفهم أهداف التعليم الصناعي والقسم المناسب الذي يلتحق به لا لالتحاق أعداد بالآلاف دون سياسة واضحة وشغل أماكن فقط .
وثمة أمر مهم يجب توضيحه، وهو الحرص علي التطبيق الصحيح لمناهج التعليم الصناعي ، فعلي الرغم من وضعها ومناسبتها لتأهيل الطلاب لحرفة ، فعدم تطبيقها بصورة واقعية يجعل الطلاب ينصرفون عن المهنة التي يتعلمونها . تجد فرقاً شاسعاً بين المجالين النظري والعملي.الدراسة كلها نظرية في مقابل العملية التي لا تُغري الطالب وتجذبه لتعلمها وتطبيقها بصورة صحيحة .
ولذا فيجب أن تسير الدراسة العملية جنباً إلي جنب مع الدراسة النظرية، فيُحدث ذلك نوعاً من التوازن لدي طالب التعليم الصناعي ، بل التركيز أكثر علي الناحية العملية فالصنعة أجدي وأنفع للدولة . والطالب لن يستطيع فهم الصنعة إلا إذا أكثر تعليمه من التدريب العملي حتي يجرب ويختبر ويخطئ ويصيب مرة أخري حتي يتقن الصنعة؛ كي يمكنه في النهاية من الاعتماد علي نفسه في تدبير عيشه عن طريق مزاولة المهنة .
وبعد أن أصبح التعليم الصناعي لا جدوى منه، وضياع الأموال الكثيرة التي تنفقها الدولة عليه حتي أصبحت أمواله مهدرة دون عائد ؛ فلذا هو يحتاج من الدولة التطوير والاهتمام بالكيف لا الكم ، والعمل علي توفير عوامل الجذب للالتحاق به ليتحقق الهدف منه وصرف مبالغ تشجيعية للطلاب وتشغيل الورش الموجودة بالمدارس وتطبيق سياسة المدرسة المنتجة بصورة صحيحة وليس حبراً علي ورق كما يحدث في المدارس.
ويمكن العمل علي تطوير التعليم الصناعي بإصدار حزمة من القرارات التي من شأنها تعمل علي إعداد خريج قادر علي إتقان المهنة وتأهيله لسوق العمل ، وذلك بسن قانون بعدم نجاح الطالب إلا إذا كان مُتقناً للصنعة التي درسها حتي يمارسها فيعيش منها. فيتعلم طالب النجارة كيف يصنع الأبواب والشبابيك والموبيليات ، وطالب الكهرباء كيف يقوم بعملية توصيل الكهرباء..؟ والتريكو والنسيج والمعادن والجلود...إلخ؛ فيخرج لنا في النهاية رجالً صالحين نافعين للمجتمع..فبمزيد من التنظيم وتغيير السياسة العقيمة يستطيع الشباب الوصول بمصر إلي مصاف الدول المتقدمة.
كما أنه يجب علي الدولة أن تعمل علي تطبيق سياسة مشروع التخرج لكل طالب في المدارس الصناعية ، وذلك لإعطاء الفرص في الابتكار ومدي اختبار الحماس المهني عند الطلاب وجديتهم في الدراسة بدلاً من التدريب الصيفي الذي لا جدوى منه ، ولا يأخذه الطلاب بمحمل الجدية ويعتبرونه نوعاً من اللهو وتضييع الوقت . وفي النهاية يحصلون علي دبلوم ويطالبون الدولية بالحصول علي وظيفة.
وفي النهاية ، هناك سؤال يطرح نفسه
لماذا لا تعمل الدولة علي جذب الاستثمار العربي والأجنبي وكسر الروتين الإداري..؟...إن ذلك يتمثل في جذب الاستثمار العربي والأجنبي في تبني المدارس الصناعية واستغلال الورش الموجودة بالمدارس وجعلها منتجة وتسويقها في الأسواق المحلية والعربية ، وأن تشجع هؤلاء المستثمرين علي تبني خريجي التعليم الصناعي والاستفادة بهم في المهن المختلفة التي تعلموها أثناء دراستهم ؛ فيساهم ذلك في القضاء علي بطالة المدارس الفنية التي تشكل عبئاً كبيراً علي الدولة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة جميلة
ايدن حسين ( 2016 / 12 / 17 - 07:21 )

القمر جميل .. و الاجمل من ذلك .. الوصول اليه
و احترامي
..

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة