الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -28-

كمال عبود

2016 / 12 / 17
الادب والفن


حكاية آمنة
فانتازيا من وحي الحرب ..

**1**
زمنٌ بين قذيفتين ... زمن ساكِنٌ ... هاديءٌ كهدوء الموتى ...
في هذ الزمن أناسٌ .. بشر .. يمارسون بكل اهتمام لعبة الحياه ...
فضاءٌ بين سماء هدرتْ به طائرات الحرب ..
وأرضٌ تعج بغبار الموت تحت سلاسل الدبابات الغليظة الصوت والشكل ...
في ذاك الفضاء متسعٌ كي يطيرَ سرب الحمام وعصافير الدوري غير آبهٍ لما في الفضاء من غربان ..

**2**
نهرٌ شطر المدينة إلى شرقيّة وغربيّه ، كلٌ شطرٍ رمى أحذيتَه البالية وأوساخ قمامتهِ في النهر ... ورمى أجساداً - جثثاً - للطرف الآخر من النهر ..
فاض النهر بالأوساخ وامتلأ رصاصات فارغة وجرذانا ..
في كل شطر من المدينة بضعة أطفال شكلوا فريقاً لكرة القدم كي يتبارى مع الفريق الآخر .. في الشطر الآخرْ .

**3**
بين قريتين .. هُدم الجسر الوحيد
بين عائلتين .. تسلٌق غضب وحقد
بين أخ وأخيه جدار شاهق بين معارضٍ وموالي
ازداد التشريق ، تشرنقاً
في زمن الحرب
ازدادت الحكايا بؤساً ..
تولد حكايا ...
تموت حكايا ..
في زمن الرعب ...
بين قذيفتين ...
حكايةُ آمنه

**4**
آمنة فتاة في العشرين ، تهوى الجلوس على شرفة المنزل في الطابق السابع للبيت المُطلِ على الشارع ، حركة الناس تبدو من الأعلى مثيره ، فيها تسارع وفيها تداخل .. تبدوا الرؤوس أكبر من الأجسام .. تبدو كالدمى ... تبدو كالعفاريت الصغيرة .. وتيرة الأصوات المختلطةُ تشيء بأن الغروب قد أتى...

ذاك المساء كان كغيره حين ثار البركانُ بحممهِ ولهيبهِ ، ثار من أسفل الشارع ، علا صوت الصاعقة ، ارتفع اللهيب وامتدت ألسنة النار والدخان الأسود الخانق .. أختلطت الاجساد والحجارة والزجاج وأصوات الألم والصراخ ..

كانت سيارة ملغومة قد انفجرت وحدث دمار الحي المليء عيشاً وحياة ..
آمنه ، بين المصابين ، قذفها الرعب والانفجار فسقطت فوق شادر سيارة بيك آب ونقلت إلى المشفى فاقدة الوعي
أنقذها القدر من الموت ، وعادت إلى الجامعة ...

**5**
لم تكن آمنه تتجرأ على الكلام مع شاب إلا في ذاك اليوم ... في الجامعة التقيا ... جلسا في الحديقة الصغيرة لكلية الآداب ...
قال لها: سأخرج الى الشارع ، احتفل معك بكأسين من العصير ...
خرج الشاب ولم يعد...
اختلط دمه بأسفلت الشارع وبقايا أشلاء وقطع لحم بشرية متناثرة ، تحترقُ مع السيارات المركونة هناك مع احتراق المحلات ، وعويل الناس والسيارات ..
لقد انفجرت سيارة مفخخة ..
كان البركان الثاني الذي عاشته آمنة!

**6**
لم تدر آمنة ما حلّ بها ، تركت الجامعة .. مكثت في البيت ... غارت بسمتها وغار الكلام ، أصبحت ميتةَ وهي حيٰة ...
ثمّ أتى الانفجار التالي ...؟

رأت نفسها تُبقبق كدجاجة .. تتحرك في البيت دونما هدف ... توصوصُ ببحيح الصوت ... تلمس أسفل بطنها .. تتحسس شيئاً ما ... كرةٌ تنزلق من بطنها للأسفل ...؟

واختفت آمنة .. يومان كاملان لم تظهر من غرفتها ، ولم تنبس ببنت شفه مع أحدٍ ... كانت تهذي ... هذيانٌ أقرب الى هذيان الجنون ...
بعد شهر عادت إليها مظاهر المرض .. كتلة تتحرك الى أسفل البطن .. تتحسس آمنة سير الكرة ونزولها .. تدور .. تهذي .. تصرخ .. وتغيب .. تسجن نفسها في غرفتها وفي بكائها الدائم .. ولأنّ الأمر سيظهر ، مع الأم اقرب الناس الى آمنة .. ظهر الخفاء .. وكان ذهول الأم وفقدانها للتوازن ... صارت تهذي وتضرب نفسها وابنتها آمنة..

**7**
لاحظ الأب حالة القلق في البيت تتكرر دائماً ... لذا قرّر قائلاً :
سأزوج آمنة لابن أخي ..
جُن جنون آمنة .. علا صراخها وهذيانها ، فقدت الأم توازنها ، رفضت قائلة ، لا لا لا ما في زواج ..
فتح الأب فمه : أول مرة من عشرين عاما أسمع هذه اللهجة ؟ ما الأمر ..؟
ولولت الام .. تمتمتُ .. جالت البيت مرات .. جلست ... قامت..
اختلط الكلام ، والرجل ينظر كالأبله
قال الرجل: ستتزوج ... يعني ستتزوج ، غداً سأحضِر ابن اخي.
ارتمت الأم عند قدمي الزوج : أبوس رجليك لا ، بنتك ما خرج زواج ، هيك قال الطبيب ..
ثارت ثائرة الرجل ، ركل بقدمه زوجته .. ركلها ثانيةً ..: ماذا ... طبيب ..؟
قالت المرأة الباكية : لا لا لا والله ، طبيبة ما طبيب..

قال الرجل: إذا ما تقولي الحق الآن ، هلق ، سأرمي عليكي يمين الطلاق!
ارتعبت المرأة : والله أقول الحق، ابنتك آمنه حالتها غريبة ، لها ما للنساء ولكنها لا تُنجب ... إنّها تبيض .. كالدجاجة .. كل شهر ترمي بيضة .. بيضة كبيرة .. نخفيها ونرميها في الزبالة .. والله العظيم .. اسأل الدكتوره رنا ، هي احتارت ، وحالة آمنة ما موجوده بالكتب .. الله يخليك ارحمنا
كانت الدموع تسابق كلام الأم ، وكان الزوج كأنّهُ لا يصدّق ما سمع .. تهاوى على المقعد من شدة الغضب .. طرد إمرأته إلى غرفة أخرى .. وسوس له الشيطان أموراً كثيرة ولم ينم تلك الليلة ...
تأكدّ أبا آمنة بطريقة ما من الطبيبة وصحة أقوالها ، ودفن الغمّ والهمَّ في فؤاده ..

**8**
سُدتْ جميع السبل في وجه آلِ آمنه ولم يعرفوا السبب أوالعلاج .. ثمّ اهتدوا الى حكيم .. فدخلوا عليه ..
كان الحكيم يُحدّثُ رجلاً : لقد تعلّمتُ الكثير من أخطائي وأخطاء الآخرين .. ثم التفت إلى أبي آمنة وزوجته ، بعد أن خرج الضيف : ما القصة يا بني ..؟

بعد أن سمع قصة آمنه قال الحكيم : منذ متى بدأت القصة؟
قال الأب : منذ اشتدّ سعير الحرب..
قال الحكيم : توقّعتُ هذا ..
لن تُشفى إلّا أذا خرجتْ من ساحة الحرب .. أَخْرِجوا آمنة إلى السلام .. إلى منطقَةٍ آمنة.
****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع