الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكوين

عبدالكريم الساعدي

2016 / 12 / 20
الادب والفن


تكوين

كنتُ كتلة من طين حري، أوشكتْ على التحجر، مرمية فوق طاولة صغيرة، قرب نافذة ترتدي ستارة حمراء، تطلّ على حديقة منزل باذخ بالهدوء والسكينة، ثمة أشياء تجاورني، شفرات، قطعة خشبية مسطّحة، قطعة بلاستيكية مستطيلة الشكل بحجم قبضة اليد، تتوسطها شمعة بيضاء، صغيرة، لم يشتعل فتيلها بعد، آنية من فخار لأزهار صناعية، تتكئ عليها صورة لفتى وسيم، يرتدي معطفاً أسود، ترتسم على محياه ملامح الحزن، عيناه ترقبان جفافي، تحاصران وجودي بالدمع، أخلع عباءة صمتي، أسأله:
- من أنت؟
لم يعرني جواباً.
الشك يشهر عريه، أحتسي قلقي، خدر الإهمال، جحيم وحدتي، أنزف ما تبقى من بلل، أقبع في ظلام الوحشة، أحلّق في فضاء التذكّر، يا ترى من يكون؟. تبعثرني ريح النسيان، تسكنني الحيرة، ألثم خدّ الأمل، لعلّه ينطق ذات يوم؛ ليبدّد جنون فضولي. في الصباح يوقظني صرير الباب، تدخل امرأة جميلة، يسبقها عطرها، تفيض عذوبة ورقّة، تتجه نحو النافذة، تفتحها، تلتفت نحو الصورة، تمسح ما تعلّق من غبار بها، تبتسم في وجه الفتى الوسيم، تقبّله، تحدّثه همساً، تمتدّ يدها نحوي، تغمرني بدفئها، تسكب قليلاً من الماء عليّ، يخالني أستحمّ بين أناملها، تكورني، تستقطع بعضاً منّي، تطوقني بعينيها، تشكّلني كيفما تشاء، تصنع عنقي، ثم رأسي، وبلمسة سحرية تغرز شفرتها في جزء من رأسي، تحدّق في الصورة، تظهر عيناي، تلونهما، تلمسهما؛ فيبرقان بالضياء، أتشكّل كومة من أحلام، تعيد النظر إليه، تصوغ جسدي ثانية، أنفاً حادّاً، شفتين ممتلئتين، يحتضنان نصف ابتسامة، تقبلهما بشغف، أتوهج بنبيذ شفتيها، تمسح قطرات العرق من فوق جبينها، أتعرّق، تدثّرني بأنفاسها اللاهثة، بعطرها؛ فتدركني نشوة التكوين، تضعني إلى جانب الصورة، تخرج فرحة.
أسأله:
- من أنت؟
لم يعرني جواباً.
أحدّق في المرآة، في الصورة، يتعرّى شكّي، قلقي، أراه خلف دموعي صامتاً، أدنو منه، أبتسم، ضوء الشمعة يعكس ظلاً واحداً:
- كنتُ أنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما