الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفولة على تل القصب 2

صلاح حسن رفو
(Salah)

2016 / 12 / 21
كتابات ساخرة


طفولة على تل القصب

2
طفل الانابيب
فطنتُ قبل اقراني الاطفال بأننا نسكن مجمعاً قسرياً وليست قرية كما كنا نظن، اذ ليست هناك ادنى عشوائية في هندسة وتصميم بيوت المجمع . نسقٌ مرتبٌ لكل محلة على شكل قطار ابيض . بيوتٌ طينية نائمةٌ جدرانها على اكتافِ بعضها البعض . كل بيوتنا متشابهة، لكل منزلٍ بابينِ احدهم صغير يطلُ على المحلة يسمى "باب الشارع" والاخر الكبير نسبياً يطل على الشارع الرئيسي المبلط للسيارات يسمى "باب الحوش" اذ ان لكل بيت حوشٌ كبير . اقتنع الاهالي بطول رحلة المكوث في هذه الارض، ولكون جميع سكان المجمع من خلفية زراعية تجد في كل منزل العشرات من اشجار الزيتون والتين والرمان والعنب والتوت . المياه في هذه المجمعات معدومة، لذا اضطر الناس لحفرالابار بجهودٍ مضنية، الا ان المياه كانت مالحة وغير صالحة للشرب، فكانت رزقاً وفيراً لهذه الاشجار والخضروات المنزلية والمواشي . اصبح شراء الماء الصالح للشرب واجباً وفرضاً على السكان رغم دخلهم المحدود، فراجت مهنة بيع الماء بالساحبات الزراعية مربوطةٌ بخزان ماء كبير. يـُجلب الماء من منابع قرانا القديمة التي رُحلَ ابائنا منها بسبب التغيرات السياسية التي طرات في المنطقة، ولكون وجود هذه الحشود بالقرب من الجبل سببت مشاكل كثيرة للحكومة الجديدة النشأ( كما إدعت)، فكان الحل بأبتكار هذه المجمعات القسرية في اراضي سهلية يمكن السيطرة عليها وجرفِ وتهجير تلك القرى القديمة .
الابتكار دائما يكون سيد الموقف، فزيارة بيوت الاصدقاء البعيدين بمحلة او اكثر لا تعني الالتفاف وعبورالبيوت كلها للوصول الى المبتغى، بل فقط نحتاج ان نمرُ من "باب الشارع" للجار الذي يقابلنا ونخرج من باب حوشه لنصل للمحلة الاخرى . قليلةٌ جدا هي البيوت التي تغلق ابوابها الامامية "باب الشارع" الا ما ندر، فمثل خلية نحل تجد امراة دخلت لتطلب حاجة من جارتها وترى في نقطة ابعد امرتان تتشاجران على ساقية مياه الحمام التي تمر من امام منزل جارتها وتجد لمة اخرى امام منزل اخر. بيتٌ واحد لم نستطع كأطفال ان ندخله ونكتشف خفايا الحوش والغرف، لذا كُـنا ننسج من خيالنا عن ذلك المنزل واصحابه مئات القصص والخرافات:
_ يقال ان مخدات نومهم مليئة بالدنانير!
_ كانت لديهم مواشي كثيرة فأكلت الدابةُ بعض من دنانيرهم الكثيرة، فقرروا بعد الحادثة بيع كل اغنامهم!
_ ربُ البيت لا يـُدخن، ليس من اجل صحته بل لكونه بخيلٌ جداً .
_ منَ منِ المحلة يبيع البيض غيره؟ّ! آليس معيباً ان تبيع البيض لجارك؟!
_ يقالُ انه سافرَ الى الخارج من اجل الانجاب وفشل، رغم زواجه بأمراتين.
_ الاطباء البريطانيين اقترحوا عليه عمل "طفل انابيب" لكنه رفض !
_ مامعنى طفل انابيب ؟!
_ لا نعرف، لكنه شيء سيء على اية حال .
_ تصوروا كم سيكون الامر مضحكاً لو كان صديقنا في المحلة مستخرجاً من انبوبة، كيف كنا سنلاعبه او نحدثه ؟ّ! لعله كان سيتحدث بلغة غريبة !
_ سمعتُ بأن جارنا البخيل هو اول من جلب الطاحونة المائية للمنطقة وكان يأخذ النقود قبل طحن الحبوب .
كل هذا واكثر كنا نتداوله عن جارنا ( خلف دالا ) الذي رحل عن دنيانا دون ان نعرف سر من اسرار ثروته التي تلاشت واختفت دون وجود وريث لها .

صلاح حسن رفو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-