الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( تكوين ) نص أدبي يتقاطع و يلامس أكثر من نظرية فلسفية و فكرة كبرى/ دراسة نقدية بقلم: الأستاذ أحمد طنطاوي/ مصر

عبدالكريم الساعدي

2016 / 12 / 21
الادب والفن


( تكوين ) نص أدبي يتقاطع و يلامس أكثر من نظرية فلسفية و فكرة كبرى
دراسة نقدية بقلم: الأستاذ أحمد طنطاوي/ مصر
لقصة ( تكوين ) للقاص عبدالكريم الساعدي
______________________________________________________

أتراني كنت يومًا نغمًا في وتر
أم تراني كنت قبلا موجة في نهر
أم تراني كنت في إحدى النّجوم الزّهر
أم أريجا ، أم حفيفا ، أم نسما؟
لست أدري!
(إيليا أبو ماضي - الطلاسم)
-----------------------------
كان هذا الجامُ حيًا يرزقُ
و هو اليومَ جمادٌ ينطقُ
كلما قبلتَ فاهُ يخفقُ
هيمانًا و يردُ القبلا
منه حي الحِس مشبوبٌ رُوَاعْ
( رباعيات الخيام - ترجمة محمد السباعي )
-------------------------------------------
نص ( تكوين ) للقاص العراقي عبدالكريم الساعدي يتقاطع و يلامس أكثر من نظرية فلسفية و فكرة كبرى, فهو يلامس مثلا نظرية العود الأبدي عند ( نيتشه ) التي تقول بافتراض التقاء زمن الماضي مع زمن المستقبل في نقطة متفجرة حالية , فكل الأشياء سيعاد خلقها من جديد, و تلامس أيضًا فكرة التجسد أو التمثل, وما يطلق عليه «ملء الزمن» حسب القديس بولس, أي المسافة بين اختفاء و ظهور أو بين مجيئين حسب المعتقد المسيحي, و أيضًا فكرة تقمص الروح أو التناسخ أو رجوع الروح إلى الحياة بجسد آخر, و الكارما أو الولادة الجديدة حسب الديانات الهندية و هي مبدأ تحسين النفس عبر التجارب, فأي فعلٍ سواء كان خيراً أم شراً سيرتد على صاحبه بالنهاية, و أيضًا فكرة ( التحديق ) كما في قصة الكاتبة " تغريد" [ حياة معكوسة ]:
ذات صباح ..
كانت أمي تلعب معي و تطعمني ..
على جدار الغرفة معلقة صورتي و أنا عجوز أبتسم بفم خالي من الأسنان ..
صحت و أنا أبكي ..
رجاء أنزلي هذه الصورة إنها تؤلمني و تذكرني بالماضي ..
حركت يديها لأعلى، ثم قالت لي:
أنت أكبر مني .. أنزليها .. لا يمكنني بلوغها !!


فها هنا الأمر يتعلق بكينونة الذات , فهو يمثِّل نوعًا من التماهي النرجسي ,,. وعى آخر مكافئ.. تمثل عبر الصورة , فالنظر إلى النفس ( خارج النفس) هو انغلاق على الذات, حضور و غياب في الوقت نفسه, حسب جاك دريدا, فيما أطلق عليه ( الأثر), فالمفردة الواحدة في اختزانها أثرًا من مفردات أخر هي مختلفة عنها و متقاطعة, و الأثر يتميز بمفارقة الحضور و الغياب معًا .. الأثر قابع دومًا في خفاء يستجلب علامات أخرى تجعل المعنى منحرفًا عن مساره. مفهوم التحديق بدأ مع العالم النفسي جاك لاكان فيما أسماه مرحلة المرآة ( مجددًا مفاهيم فرويد), و أيضًا إلى " ميشيل فوكو" .. في مرحلة المرآة يجابه الطفل نظرتان .. نظرة الأم إليه ثم نظرته هو إلى خياله في المرآة, و هذا التبادل في النظر _ في الحالتين _ يشكل وضعًا مزدوجًا ( ناظر.. و منظور إليه)، و بالنسبة للأنا ( الأنا كفرد فاعل.. و بينها كمادة منظور إليها ), و الصورة في المرآة ليست الطفل .. بل ( الأنا المثالية ), فكل مفردة تختزن أثراً من مفردات أخرى، تختلف عنها بقدر ما تتقاطع معها. لكن الأثر ذاته لا يتمتع بكينونة الحضور، وهنا تكمن المفارقة، فحضوره مرهون بغيابه، إذ لا توجد إشارة كاملة بذاتها، والأثر, و يرتحل الدال عن دالته يكمن دائماً في هذا الظل أو الخفاء الذي يصطاد علامات أخرى، تحرف المعنى عن مساره. .غير أن أكبر ما يلتصق به النص من إشارات فهي الظاهراتية أو الفلسفة الفينومينولوجية كما عند مؤسسها هسرل, و معناها أن لتجاربنا شكل خاص تفرضه طبيعة الشيء الذي نتناوله بحيث يمكننا ونحن نحلل بنية تجربة معينة الوصول إلى إجابات على التساؤلات التي طرحناها قبلا, أي إنها تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر كنقطة بداية ثم تنطلق منها لتحليل الظاهرة, ووسيلتها الوضع بين أقواس " أي تعليق الحكم، أي وقف التعليق بالأحكام الشائعة ابتغاء تمكيني من أن أصبح مشاهداً محايداً لذاتي وسائر الأشياء " - مدخل جديد إلى الفلسفة، عبد الرحمن بدوي.
عناصر النص هي:
1_ الشخص [و ذاته ]
2_ الأشياء في حالة وجود أصم
3_ المرأة وهى مستوى التقاطع في القصة.. المُظهِر للعبة و الخدعة .. هي الآتية من بعيد كي تحقق الظهور ( ثم تخرج ) لتدرك المثيلين. و يتحقق التجسد ..
الوضع كالآتي :
** شكل جنينيي يتخلق أو في حال عود أبدى
** أشياء جامدة صماء
** موجود {حي } منعكس هو الذات المتخلقة في شكل مجسم مجسد في حال عماء
( الفتى الوسيم في الصورة )
الشكل الصلصالي في طور تمثله (التذكر و التكون) في حال { مجاورة و مواجهة ] مع الأشياء.
إذن الموثق كالآتي:
العارف هو الجنين المتخلق.
الآخر ( الصورة المتحققة بالفعل ) في حال نسيان و اضطراب، و تشويه حياتي في مقابل صفاء البكارة و التكون الأول.
و المرأة هي العنصر الإيجابي المساهم.
المرايا هي الكاشفة، و الظل هو [ الحقيقة ]، المفترض هنا أن الصلصال هو الوجود الحقيقي بينما ( الماثل المتكون قبلا ) هو الصورة الخادعة، و كأن النص يفصح عن نظرية معرفية- وجودية ( إبستمولوجية- انطولوجية ) تذكر بنظرية المثل الأفلاطونية, حيث المثال هو الأصل و الحقيقة, و نحن فقط و الأشياء مجرد صور و نماذج مبسطة لهذا المثال الحقيقي و الكامل.
إطلالة سردية
--------------
عبد الكريم الساعدي مجدد في مجال القصة القصيرة, اختط لنفسه نهجًا حداثيًا أساسه ( الفكرة و الوجدان فى تلاحم و امتزاج خاص ] ينشأ عن اتحادهما تنامي الخط السردي, فالتنامي و التطور الحدثي ( من الحدث ) له معنى ملتصق بالفكرة و الشعور أكثر من ارتباطه بالشكل ( كبناء ثلاثي: مقدمة و وسط و خاتمة تنويرية ] ، بل هي سيال شعري متكامل و نسق متشرنق حول ذاته، ( نمط جديد من القص القصير )، و هو أيضًا لا يطيل في قصصه القصيرة, الأمر الذي يجعلها في تقديري أقرب إلى { الأقصوصة الشعرية الحداثية }، بيد أن هذا النص أنا أراه { قصة قصيرة جدًا ] بامتياز، لها كل مقوماتها الفكرية و التأملية و الشعرية المعبرة عن هذا النوع الأدبي النقي كما أراه فى نظرتي الخاصة. و قد لاحظت أن القاص يبدو أنه في مرحلة ( فكرية - أدبية ) جديدة تنحو نحو الاجتلاء و التعرف, بدأها بنص ولادة، إحدى قصص مجموعته القصصية ( كوميديا العالم السفلي ). هو يلوّن أعماله الجديدة بقزحيات كونية كبرى.


*أحمد طنطاوي / مصر
2016-12-20








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و