الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الجندي … أنت تجرحني!

فاطمة ناعوت

2016 / 12 / 22
بوابة التمدن


حين أنت تزورُ إحدى كنائسنا القبطية خارج مصر، فكأنك قد دخلتَ مصرَ، وتقفُ على أرض مصرية بكل ما تحمل الكلمةُ من معنى وتاريخ وحاضرة وطباع وبشر. تلك حيلة نفعلها أحيانًا حين تضطرُنا الظروفُ للإقامة خارج مصر الوطن مدة طويلة نسبيًّا، نكسر بها حِدّة الحنين إلى الوطن، Home-sickness. تدخل أيًّا من كنائسنا القبطية خارج مصر، فتشاهد الوجوهَ الطيبة بملامحها المصرية الصميمة. الأزياء المصرية للسيدات والصبايا والأطفال والرجال. اللهجة الدارجة المصرية كما اعتادت أُذناك على سماعها في وطنك. الترحاب المصريّ والحنوّ المصري وخفّة الظلّ المصرية. العادات المصرية المعهودة. القفشات المصرية المعروفة بين المصريين في أوقات مزاحهم. وإن كنتَ محظوظًا وذهبت في يوم عطلة وتناولت الطعام هناك، ستجد كلَّ صنوف الطعام المصري بروائحه الطيبة التي تكوّنت معها طفولتُنا وكبرنا على مذاقها. ذاك أن كلَّ سيدة من سيدات الكنيسة المصريات قد أعدّت في بيتها الصنفَ الذي تجيد طهوَه وجلبته معها لكي يتناوله المصريون هناك، بصرف النظر عن عقيدتهم وانتماءاتهم. فكل من يدخل الكنيسة المصرية مُرحّبٌ به، خصوصًا لو كان مصريًّا. الهُوية المصرية، هي فيزة الدخول التي تضمنُ لك مكانة مميزة ووقتًا طيبًا مملوءًا بالسلام داخل أي كنيسة مصرية في أي مكان في العالم. لن تُسأل عن ديانتك، فأنت الآن تقفُ على أرض مصرية طيبة لا تمايزُ بين العقائد، لأنها تحترم الجميعَ كونهم بشرًا. أنت الآن داخل سفارة مصرية مباركة، من سفاراتنا المصرية في كل دول العالم. على أنها سفارة ليس بها سفيرٌ واحد، فكلُّ شعبها سفراءُ لبلدهم الجميلة مصر. في كنيستنا المصرية في بيروت، تذوقتُ أشهى ملوخية في التاريخ صنعها بيده أبونا رويس راعي الكنيسة، وفي كنيستنا المصرية في كاليفورنيا تذوقت أحلى "محشي" بيد إحدى السيدات المصريات، وفي كاتدرائية الأنبا أنطونيوس في أبو ظبي شاركتُ في قلي أقراص الطعمية المصرية الشهية مع شقيقاتي القبطيات هناك. إن أنت دخلت أية كنيسة في مصر أو خارجها، دون أن تُفصح عن ديانتك الإسلامية، سوف تسمعهم في نهاية صلواتهم يدعون بالخير والبركة لمصر ونيل مصر العظيم ولحاكم مصر، وللشعب المصري من غير المسيحيين. جرّب بنفسك لتستمع، مثلي، بمن يدعو لك بالخير والرغد، وهو لا ينتمي لدينك، فهو يحبُّك دون قيد أو شرط. يحبك مهما كانت طبائعك وسلوكك ورؤيتك له. يحبك مُسبقًا وسلفًا كونك إنسانًا، ويحبك ويباركك حتى لو لم تحبّه.
فارقٌ واحد وحيد، يفرق بين كنائسنا القبطية داخل مصر، وبين كنائسنا القبطية خارجها. فارقٌ مُرٌّ. فارقٌ مخجلٌ.
ليس جوار أبواب كنائسنا المصرية بالخارج ذلك الشيء الخشبيّ البغيض المسمّى: "كشك حراسة"، يقبع فيه جنديٌّ مسلح لحماية الكنيسة من الإرهابيين! فقط في مصر يوجد ذلك الشيء الُمخجل المُخزي المُهين. لماذا لا يوجد بالإمارات، مثلا، كشك حراسة على كنائسنا المصرية وكاتدرائياتنا؟ ببساطة لأن، أقولها بخجل، دور العبادة هناك غير مهدّدة. فلا موجب لحارس وسلاح وتأمين. المواطن الإماراتي، والوافد الذي يعيش فوق أرض الإمارات ووافق على شروط التواجد بها، يعلم تمام العلم أن العقيدة ليست شرطًا للحقوق والواجبات. ليست شرطًا للمواطنة. لأنها ليست شرطًا للإنسانية.
الإنسان في الإمارات، كما هو في سائر الدول المتحضرة في كل العالم، يستمد حقوقه من مجرد كونه "إنسانًا". لا تنظر الدولةُ، ولا المواطنون والوافدون، إلى عِرقه أو عقيدته أو لونه أو نوعه أو طبقته. له حقّ الاعتقاد وممارسة طقوس عقيدته بكامل الأمن ومن دون حراسة. بل أن، يزداد خجلي وأنا أقولها، المعبد البوذي والمعبد الهندوسي في دولة الإمارات، ليس على أبوابهما ذلك الكشك التأميني المخجل. البوذيون والهندوس آمنون في دولة الإمارات العربية المسلمة، بينما أقباطُ مصر غير آمنين في بلادهم!!! أيُّ عارٍ! كلما مررتُ بكنيسة في مصر وشاهدتُ ذلك الكشك الخشبيّ، شخصتْ عيناي في عيني الجندي الرابض داخله، ثم أُطرقُ منه خجلا لأنني أكاد أسمعه يقول لي صامتًا: أنا هنا لأن بينكم إرهابيين يفجّرون الكنائس ويقتلون المُصلّين المسالمين! أنتم شعبٌ غير متحضر!” صدقتَ أيها الجندي، بكل أسف! وجودك يجرحني ويُشعرني بالفشل. سأقول إننا تحضّرنا حين تتركُ مكانك جوار الكنيسة، وتذهب لتؤمّن حدودنا من الأعداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التعصب المقيت
جلال البحراني ( 2016 / 12 / 22 - 18:47 )
في روما مرة كنت أتجول مع صديق أسترالي (أبيض) مررنا بكنيسة، قال هيا ندخل
دخلنا الكنسية الكبيرة وما إن شاهدت تمثال المسيح حتى أمرت صديقي بالذهاب لخلفي go to my back
اندهش لكنه اصطف خلفي، فرفعت يداي لأذني وكبرت متباهيا بالصلاة! لكزني على كتفي ضاحكا not here you moron!
ضحكنا، كان بالقرب منا قسيس سمعنا، ضحك هو الأخر قائلا، no problem you can pray!!
ومرة في المغرب مع صديق أردني مسيحي أيضا، ذهبنا لمسجد محمد الخامس، من خلال الهويات عرف الشرطي أني مسلم فسمح لي بالدخول ومنع صديقي المسيحي العربي إذ سأله شاكا باسمه هل أنت مسلم فلم ينكر أنه مسيحي، خجلت من فعل الشرطي ولم أدخل المسجد!
قال صديقي أدخل أنت لقد أتينا كل هذه المسافة لرؤية المسجد، سأنتظرك، قلت لا أريد رؤية المسجد بدونك


2 - من هزّ بيت جاره .. سقط بيته
شاكر شكور ( 2016 / 12 / 23 - 03:12 )
سيأتي يوم وقد أتى فعلا ستضطر الحكومة لوضع اكشاك حراسة ليس امام الكنائس فقط بل امام بيت كل صاحب مبدأ وطني شريف ينادي بالمساواة والعدل وحب الوطن وأمام بيت كل سياسي مثقف ينادي بفصل الدين عن الدولة وقد تحققت هذه النبوءة الآن عندما حظى السيد القمني بكشك حراسة وقد يحدث هذا مع كل مواطن نزيه امثالكِ وما دام دستور مصر يعلو قبته الهلال (إله القمر) وتحكمه شريعة الصحراء فلن يرضى عنكِ الأخوان الدواعش حتى تتبعين ملتهم وتصّلين على اميرهم بُكرة و أصيلا ، تحياتي للجميع

اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ