الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصري اليوم تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت

فاطمة ناعوت

2016 / 12 / 24
بوابة التمدن


قالت الشاعرة والكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت، إنها تشكر الشخص الذي قاضاها لأنه دون قصد منه أكسبها كنوزًا كثيرة، وإنها بريئة من تهمة ازدراء الأديان حتى وإن سُجنت، وإنها تري أن الذين يعتبرون أن الدين بحاجة لحمايتهم هم من يزدرونه ويحقّرون من شأنه، وأكدت أن حربها مع جماعة الأخوان المسلمين بدأت منذ عام 2005، وأنها ضد قانون التظاهر لكنها مع تنفيذ ما جاء به واحترامه الي أن يسقط بطريقة شرعية؛ وإلى نص الحوار:


// كيف استقبلتِ حكم محكمة الجنح بالحبس 3 سنوات في ازدراء الأديان؟
** قبلها كان الدكتور شريف أديب المحامي، قد طمأنني إلى أن البراءة مضمونة. إلى أن جاء يوم الحكم الأول في ديسمبر 2015، بالإدانة. جاءني أول اتصال من الاستاذ عمرو أديب يقول لي "قلبي عندك"، ثم ال Bbc وفوجئت بأنه الحكم ضدي 3 سنوات سجن! يومها توالت الاتصالات من عديد الشخصيات الرفيعة تواسيني، منهم الوزير حلمي النمنم الذي أخبرني أنه يساندني بصفته وشخصه. كذلك فعل من سبقه من وزراء الثقافة السابقين وهم أساتذتي وأصدقائي. ومنذ الحكم الأول وحتي صدور الحكم الثاني في 24 نوفمبر، وأنا بحالة من الإنكار والاستنكار، أن شيئًا مثل هذا يحدث في مصر. ومنذ بداية القضية وأنا، والجميع، نعرف أنها دعوى كيدية ورغبة من الخصم الإخواني في نيل بعض الشهرة المجانية على حساب اسمي؛ ما جعلني أثق ان القضية إلى هباء لأن الخصم اقتص الكلام من سياقه على نهج "لا تقربوا الصلاة"، فلم يقدم للنيابة كامل البوست بما يحوي من فيديوهات وأخبار داعمة، تشرحه وتوضحه. لهذا لم أعبأ بالأمر وتوصرت أن النيابة سوف تنصفني حين تبحث وتقرأ كامل البوست، لكنه للأسف كان قد ذهب حين قام أدمن صفحتي بمسح البوست من الصفحة. لكنني كنت أراهن على بحث النيابة والتوثق من البوست كاملا. قلت لنفسي لا ضير أن هذا الشخص يود بعض الشهرة ولسوف ينالها، وينتهي الأمر. حتي أنني لم أوكل محاميا، وكل الأساتذة المحامين الذين تولوا القضية منذ البدء وحتى المنتهى تفضلوا بالدفاع عني متطوعين دون أجر.

// وماذا عن الحكم الثاني الذي صدر ضدك بالحبس 6 شهور مع ايقاف التنفيذ؟
** لست راضية أيضا عن هذا الحكم بكل تأكيد لأنني بريئة من هذه الفرية المغرضة، وإن أدانني القضاء، لكن ما يرضيني جزئيًا هو أني حريتي لم تُسلب. ولو كنت سجنت لكانت إهانة لمصر.

// وماذا عن سفرك للخارج بهذه الفترة؟
** سافرت إلى كندا للتكريم في أبريل 2016، ثم سافرت الي أمريكا لحضور مؤتمر بواشنطن في يونيو. وهناك قال بعضهم إنهم رتبوا لي موعدا مع الخارجية الأمريكية لتدويل قضيتي وإحراج مصر دوليا بوصفها بلدًا مناهضًا لحرية التعبير، لكنني رفضتُ بحسم وقلت لهم: لن أكون خنجرا في ظهر مصر. فمصر الوطن لم تؤذني ولا حاكمها ولا حكومتها، إنما خصومي نفرٌ من الإخوان يكيدون لي بسبب موقفي الحاسم منهم في 30 يونيو 2013 وما قبلها منذ 2005. بعد ذلك ذهبتُ لمهمة عمل صحفية بدولة الإمارات لبضعة شهور، أنجزتُ خلالها كتابًا سيصدر قريبًا عنوانه "إنهم يصنعون الحياة". وبعدما أنجزتُ مهمتي عدتُ من تلقاء ذاتي يوم 18 أكتوبر وقدمت معارضة استئنافية وحضرتُ جلستها يوم 20 أكتوبر الماضي، وانتظرتُ عدل القضاء في جلسة الحكم يوم 24 نوفمبر التي انتهت بوقف التنفيذ.

// وما رد فعل الأسرة علي القضية وكيف تعاملت مع الأمر؟
** بالطبع كانوا خائفين عليّ قبل جلسة الحكم 24 نوفمبر وطالبوني بالسفر، لكنني رفضتُ ومكثت في مصر واثقة في عدل الله وعدالة القضاء المصري. كان ابني مازن مرعوبًا من فكرة سجني لكنني أخبرته أن سجني ليس مشينًا بل هو تكريم. فأنا لم أخن وطني ولم اختلس ولم أقتل، إنما أشفقتُ على نفس لا تقوى على الشكوى، فاطمئنت نفسه. سجني لم يكن ليضيرني فأنا ولله الحمد قد كبّرت أبنائي وأصدرتُ عشرات الكتب وفزتُ بجوائز عالمية وأكملتُ رسالتي على خير وجه فماذا أنتظر بعد هذا لأحققه؟ يكفيني أن كثيرًا من التكفيريين قد غيروا معتقداتهم الخاطئة بعد قراءة كتبي وأصبحوا معتدلين وهم الذين أعلنوا هذا في كثير من محاضراتي وندواتي وعلى صفحاتهم. لو لم أفعل في حياتي سوى أن شخصًا دمويًّا تغيّر بسبب كتبي ومقالاتي إلى شخص سويّ محب للناس، يكفيني هذا لأموت راضية مرضية.

// وماذا عن أوساط المثقفين والأدباء؟
** ساندتني قاماتٌ فكرية وأدبية وثقافية وفنية وإعلامية رفيعة لا مجال لحصرها لكثرتها، وكذلك نقابات وأحزاب ومؤسسات ورابطات ثقافية وأدبية محترمة. وأيضًا اتحادات كتاب غربية وعربية أعلنوا تضامنهم الكامل معي ووقعوا بيانات شجب للحكم الصادر ضدي. وفي اجتماعه السنوي هذا العام في جوهانسبرج، عمل نادي القلم الدولي أعلي تصعيد يمكن اتخاذه، ويسمى Empty Chair ، الكرسي الشاغر، حيث وضعوا مقعدًا شاغرًا يحمل علم مصر وعليه اسمي كنوع من الاعتراض على حبسي. وكل تلك التضامنات والدعم لم أطلبه أبدًا بل فعله أولئك المثقفون من تلقاء أنفسهم. حتى الأساتذة المستشارين المحامين الذين تفضلوا بالدفاع عني، سواء الدكتور المستشار شريف أديب، أو المستشارين هشام حمودة وهاني حمودة لم يطلبوا مني أتعاب محاماة بل قدموا علمهم وجهدهم ووقتهم دعمًا ومحبة لشخصي ولمبدأ الحرية والعدل.

// هل شعرتِ بعد هذا الموقف بأن وطنك يعاملك بما لا تستحقين؟
** لا لوم على وطن فيما يفعله أفرادٌ في ذلك الوطن. كل ما يحدث في مصر من فوضى وفساد وجهل وعدم احترام للقانون وإهدار لقيم الجمال والنظافة والتحضر، وطمس لحقوق الإنسان والحيوان وقتل الأخضر وشيوع القمامة في كل صوب، وغيرها من المخزيات، نحن الملومون في كل ما سبق، وليس مصر. نحن جميعًا، ولا أستثني أحدًا، مدينون لمصر لما أوصلناه لها من تدهور ورجعية وظلام. وكلما صدمتني سلبيات ومُخجلات بين جنبات مصر، أشعرُ بالذنب كأنني من فعل كل هذا. نحن من صنع كل ما حولنا من قبح، وليس مصر.

// متي شعرتِ بالخوف من هذا الحكم؟
** لم أشعر بالخوف ولا للحظة واحدة. فأنا موقنة من نصاعة موقفي وأنني في هذه التغريدة انتصرتُ ليس فقط للإسلام، بل للإنسانية وللقيم النبيلة في وجوب حسن التعامل مع الحيوان كما أمرنا الإسلام وكافة الأديان، وكافة الفلسفات والشرائع النبيلة، وكما أقرّها الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: (إن الَله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدُكم شفرتًه وليرح ذبيحته.) ولهذا فكوني مسلمةً وكوني إنسانة، أرفض تعذيب الحيوان وترويعه قبل نحره، ثم يدّعي مدّعٍ كذوب أنه يقدم أضحية لله قربانًا وهو يعنّف ويعذّب ويذلّ وينتقم ويقسو على كائن لا يستطيع لنفسه دفعًا ولا شكوى! أيُّ نفاق وأيُّ ازدراء للدين ما يصنعون! أنا لم أخف ولا أخاف الموت لأنه لقاءٌ بربي حبيبي الأحنّ الأرحم. لدرجة أنني كتبتُ في وصيتي إن أنا قُتلت على يد إرهابيّ جهول، فإنني أعفي قاتلي من دمي، لأنه لم يفعل سوى أن أنفذ أمر الله لأن لكل أجل كتابًا موقوتًا ووقتها ستكون لحظة أجلي التي لا رادّ لها. وأرفضُ أن أحمل سلاحًا ولا حتى Defence Spray ورفضتُ استئجار بودي جار يحميني رغم التهديد المخيف لشخصي منذ عهد الإخوان المرّ، وحتى قبلها. ودائمًا ما أخبر ابني ألا يخاف من موتي لأنني تركت له كنزًا هائلا هو اسمي النظيف وسيرتي المحترمة وحبّ الناس الهائل لي.

// تطرقت بعض الأخبار إلى أنك من المشمولين بقرار العفو الرئاسي، وهو ما لم يحدث، ما تعليقك؟
** ما كان ممكنًا أن يشملني العفو الرئاسي لأن وقتئذ لم يكن قد صدر حكمٌ ضدي. فالقائمة الأولى من العفو الرئاسي صدرت قبل جلسة الحكم عليّ بأسبوع كامل. وحتى لو كانت بعدها ما كنت ليشملني العفو أيضا لأن الحكم لم يكن نهائيًّا وباتًا ولم أكن في السجن بالفعل حتى يتسنى لرئيس الجمهورية إصدار عفو عني. ولم أشعر يومًا بأنني مجرمة حتى أطلب عفوًا رئاسيًّا.

// هل تأثرت حياتك وعملك بالأحكام؟
** الحمد لله لم أتأثر أبدا ولم أتوقف عن عملي يوما ولم تتوقف أعمدتي الأسبوعية الثابتة بمختلف المجلات والجرائد أبدًا. ولم أتوقف عن تأليف الكتب وإصدارها. ولي كتاب وشيك الصدور يصدر خلال أيام مع معرض القاهرة الدولي للكتاب عنوانه "حوارٌ مع صديقي المتطرف". وكذلك باقي أعمالي ومحاضراتي وأسفاري وشئوني الحياتية والأسرية المعتادة. الكتابة بالنسبة لي هي وجودٌ وتنفس وخفق قلب، ودونها الموت. أبدأ يومي بكتابة مقالي تحت أي ظرف وحتى حين أكون على سفر في أحد الأسفار الطويلة كأستراليا أو كندا أو أمريكا أكتب مقالي بالطائرة وأرسله من الطائرة. هناك جرس تنبيه على هاتفي يدقّ كل يوم في التاسعة صباحًا ليذكرني بمقالي، وحين أسمعه أكون قد أرسلتُ مقالي لأبدأ يومي. كان سؤالي الدائم هل سيسمحون لي بالكتابة والقراءة في السجن أم لا؟ فالكتابة والقراءة والموسيقى هم أكسجين يومي الذي لا أحيا دونه. وحين أود مكافأة نفسي أذهب إلى دار الأوبرا التي أسميها "دولة الأوبرا". التأثير الوحيد من تلك القضية هو معرفتي قدر محبة الناس لي، وهو ما أدهشني بحق وأعتز به لدرجة أنني شكرت ذلك الشخص الذي قاضاني لأنه أكسبني أصدقاء جددًا ما كنتُ لأكسبهم ولو عشت ألف عام، وهذا كنز هائل.

// كيف ترين حرية الرأي والتعبير في مصر؟
** مازالت عند درجة صفر. وكانت في أوائل القرن الماضي في درجة أرقى مما نحياه الآن، وهذا مثير للعجب ومثير للتساؤل: هل حقًّا قمنا بثورتين؟! قال يوسف إدريس منذ نصف قرن: "إن الحريات الممنوحة لكل الكتاب العرب مجتمعين لا تكفي كاتبًا واحدًا ليبدع". لهذا تجد أن المبدعين في مصر يكتبون وأمامهم رقيب داخلي يجلس على المكتب، فلا نكتب إلا 10٪ ممنا نودّ قوله. وهذا مؤشر خطر. لأن أمة يخاف كتّابُها هي أمة محكوم عليها بالنكوص والفناء. وهذا أمرٌ مخجل لأن الله تعالى في عليائه قد أعطانا حريتنا في أن نؤمن به أو نكفر، فكيف نجعل من أنفسنا آلهة على بعضنا البعض من دون الله؟! الله في عليائه قد سمح لسيدنا إبراهيم عليه السلام أن يجادله ويحاوره ويتساءل عن قدرات الله، فلم يعصف به ربُّه ولم يصعقه بل أجابه ومنحه تجربة عملية كان شاهدًا عليها. فبأي حق نكمم أفواه بعضنا البعض وما نحن إلا بشرٌ لا سلطان لنا على سوانا فيما يفكر وفيما يود أن يقول؟! خصمي الإخواني الذي قاضاني لم يقرأ القرآن ولا عرف تعاليم السنّة النبوية وإلا ما تجرأ على "ارتكاب" جريمة مقاضاتي لأنني أدافع عن مخلوقات حرّم اللهُ تعذيبها وإذلالها وإهانتها.

ما تخيلك فى حالة حبسك 3 سنوات فى قضية ازدراء الاديان؟
مفيد فوزي، الصحفي الكبير، قال على شاشات الفضائيات: “ لو فاطمة ناعوت اتحبست أنا هخاف!” طبعًا قالها بشكل مجازي. وبعدما صدر الحكم بوقف التنفيذ ضدي أرسل لي رسالة تقول: “لن أشعر بالخوف الآن، مبروك.” المجتمع الخائف لا يتقدم ولا يتطور. هذا الإرهاب الفكري الذي نحياه مهين للشعب المصري، لأنه يُعدّ نوعًا من أنواع الوصاية كأن هذا الشعب العظيم الذي شيّد الحضارة العريقة حشدٌ من الأطفال نخاف عليهم أن يسمعوا الآراء المختلفة فينحرفوا. كأننا نتعامل مع صبية مراهقين بلا عقل. لهذا أقول للمحتسبين الذين يقاضوننا: لا تفترضوا العته والفقر الذهنى فى هذا الشعب العظيم. عيب.

هل أنت مع رأى إلغاء مادة ازدراء الأديان؟
دون شك. فهي مادة هلامية تُستخدم كيديًّا للنيل من خصومنا دون سند دستوري ولا فكري ولا منطقي. هذه المادة مهينة للشعب لأنها تفترض فيه الغباء والتبعية واللاأهلية وعدم النضوج، ومهينة للأديان لأنها تفترض فيها الضعف والهزال والهشاشة. إنما المادة 98و من قانون العقوبات مادة تزدري الدين ، لأنها تراه كسيحًا يحتاج إلى عكاز يستند إليه. والمفترض في الأديان أنها قوية تحمينا وتسندنا وتقوينا، وليس هي التي تطلب حمايتنا وسندنا. الأديان قوية بديمومتها وقدرتها على بناء الإنسان ودعمه بالقيم النبيلة وقدرتها على العبور من زمن إلى زمن دون أن تنهار. فالله تعالى قد أنزل الرسالات الثلاث لكى تحميك من نفسك وتحمي سواك منك وتحميك من سواك، ولكي تنظم حياتنا وتبني أفكارنا وتهذّب أرواحنا وتقوي عقولنا. الدين يحميني ويحميك، فمن أنت لكى تحمى دين الله؟!


تعليقك عن ملف الشباب المحبوسين داخل السجون؟
هذه القصة معقدة لأن لها أكثر من جانب. أولا أنا ضد قانون التظاهر، لأنني أؤمن أن من حق أي مواطن أن يتظاهر "سلميًّا" للمطالبة بما يراه أصلح. وثانيًا أنا مع إلغاء هذا القانون وكتبتُ حول هذا غير مرة. وثالثًا أنا مع احترام القانون، أي قانون، "مادام موجودًا"، لهذا يأتي رابعًا، أن يحترم الناس هذا القانون إلى أن ننجح في إسقاطه تشريعيا. وهذا بالضبط ما فعلته مع المادة 98 ( و ) التي أراها مهينة ومضحكة وغير عادلة وغير دستورية. هذه المادة ظلمتني وكادت أن تسجنني، لكنني احترمتها وقدمت نفسي للعدالة حتى ننجح في إسقاطها. هذا ما أفهمه، أن على كل من يريد إسقاط قانون ما، فعليه اتباع الطرق الشرعية لإسقاطه عن طريق البرلمان والجهات التشريعية والمحاكم الدستورية. لكن قبل ذلك، فما عليه سوى احترام القانون، مهما يكن ظالمًا من وجهة نظره. هذا طبعًا لا ينطبق على التظاهر بطرق غير سلمية أو بأساليب عنيفة فهذا مرفوض قطعيًّا.

ما هى رؤيتك لجماعة الإخوان المسلمين ؟
معركتي الفكرية بدأت مع الاخوان منذ عام 2005 وقت حصولهم على 88 مقعدا بالبرلمان وقتها. لكن معاركي دائمًا نظيفة من جانبي، فأنا لا أعرف "الفُجر" في الخصومة كما يفعلون. لا أتطاول ولا أطلق بذاءات ولا أروج شائعات، وهي أمور يجيدون فعلها معنا نحن خصومهم الفكريين. حاربت الإخوان بالكتابة والفكر وبكشف مخازيهم منذ عام 1928 وقت عرّابهم الأكبر حسن البنا، وصولا إلى سيد قطب الذي قال "ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن". وحين أفعل هذا فليس سوى أن أُذكّر الناس بمخازيهم حين تحالفوا مع الإنجليز ضد الملك فاروق، ثم تحالفوا مع الملك ضد الجيش، وتحالفوا مع فئات من الشعب ضد الملك وضد الجيش وهلم جرا. فهم قوم لا مطلب لهم سوى السلطة والكرسي والمغانم، وكل طفل صغير في مصر الآن يعرف أنهم ليسوا حماة الإسلام كما زعموا طوال تاريخهم بالزور والكذب وكما أوهموا البسطاء عهودا طوالا، إنما مطمعهم "الأوحد" هو عرش مصر وخيرها من أجل أهلهم وعشيرتهم داخل مصر وخارجها. الاخوان يقتلون بعضهم البعض من أجل المغنم. وللقارئ أن يبحث عن قضية "السيد فايز" الإخواني عام 1952 ليعرف طبيعة "الكود" الإخواني غير الأخلاقي حتى في تعاملهم مع أنفسهم. لهذا كانت فترة حكم الاخوان لمصر "ضرورة حياة" حتى ينكشفوا أمام المخدوعين فيهم من أبناء الشعب، وهو ما كان ونشكر الله عليه. فلولا تلك الفترة لظل بسطاء الشعب يسبّحون بحمدهم.

ما تعليقك على فكر الاخوان؟
لا أحد ينكرُ القدرة الفائقة للإخوان من حيث تحديد هدف لا يُحادُ عنه، وتنظيم فائق لكل فصائل الجماعة إنْ على المستوى الأفقي، الجغرافي، بدءًا بالفرد، مرورًا بالأسرة والكتيبة وصولا للشبكة المعقدة للجماعة في أكثر من سبعين دولة إسلامية وغير إسلامية، أو على المستوى الرأسيّ، التراتبيّ للأعضاء، بدءًا برتبة عضو مؤيد ثم منتسب ثم منتظم ثم عضو عامل وصولاً إلى رتبة المرشد العام. لا نملك إلا أن نُعجب بمثابرتهم على مبدئهم الذي استنّه حسن البنّا عام 1928، ولم يحد عنه المرشدون السبعة التالون حتى آخرهم محمد بديع. أما المبدأ فيقول: "الإسلامُ عقيدةٌ وعبادة، ووطنٌ وجنسية، وروحانيةٌ وعمل، ومصحفٌ وسيف". نرفض نصفَ هذا المبدأ ونتفق مع نصفه الآخر، نحن المسلمين المعتدلين. فأما أن "الإسلامَ عقيدةٌ وعبادة"، فلا خلافَ حوله. وأما أن "الإسلامَ وطنٌ وجنسية"! فلا عقلَ يقبل هذا، ولا منطق. نرفضه ليس فقط لأننا وطنيون نُقرُّ بأن مصرَ هي الوطنُ والجنسيةُ والحبُّ الأكبر، بل نرفضه، كذلك، لأن به عوارًا منهجيًّا. جمعٌ بين ما لا يجتمع. خلطٌ بين ثابت ومتحوّل. بين الوراثة الجبرية، وبين الاقتناع والاختيار والإيمان. العِرق والجنسية والوطن هي من الثوابت المفروضة على الإنسان بحكم الميلاد والنسب. فالمصريُّ مصريٌّ لأن آباءه مصريون، ولا خيار له في هذا. حتى إن اكتسب باختياره فيما بعد جنسيةً أخرى، يظلُّ أصلُه مصريًّا للأبد. أما العقيدة، فهي اختيارٌ وقرارٌ يخصُّ المرءَ ولا أحد سواه. لأن أسوأ المؤمنين هم ورثةُ الدين عن آبائهم دون تدبّر واقتناع ثم قرار واختيار. فاللهُ تعالى لن يُحاسبنا كوارثي عقيدة بل كمختارين لها بكامل الإرادة، مؤمنين بها كامل الإيمان. مثل هذا العوار المنهجيّ والوطنيّ جعل مرشد الجماعة رقم 7، السيد مهدي عاكف، يقول بملء الفم: "طز في مصر"، دون أن يطرف له جفنٌ، ودون أن يشعر أنه يرتكب خطيئةً تستوجب أن تتبرأ منه مصرُ، وتُسقط عنه الجنسية المصرية النبيلة. نأتي للجزء الثالث من المبدأ الإخواني: "الإسلامُ روحانيةٌ وعمل"، فلا خلاف حول هذا، وينطبق على الإسلام مثلما ينطبق على الأديان كافة. ثم يأتي الجزء الرابع لنختلف من جديد. "الإسلامُ مصحفٌ وسيف"! لماذا؟!! خطأ منهجيٌّ جديد! جمعُ ما لا يجتمع! فالمصحفُ كتابُ حياةٍ، والسيفُ أداةُ إزهاق حياة! المصحفُ منهجٌ للعيش والترقّي والتعالي بالنفس عن الشهوات والخطايا، فيما السيفُ أداةٌ لتنفيذ أبشع الخطايا وأهولها عند الله: القتل! المصحفُ رسالةٌ من السماء للإنسان لكي "يسمو" (من السموّ والسماء)، ليحاول أن يُقارب صورةَ الله على الأرض، بينما السيفُ ينزل بالإنسان من مرتبة البشر إلى مرتبة الضواري التي تفترس وتنهش لأن ليس من لغة حوار فيما بينها إلا لغةُ الغريزة وحب البقاء والأنا، بينما الإنسانُ كرّمه اللهُ بالعقل، جوهرة الترقّي، الذي يهذّب مطامعَه شيئًا فشيئًا حتى تتحوّل "الإثرة" إلى "إيثار"، فتذوبُ "الأنا" وسط: "الأنتَ والهُوَ والآخر والكلّ"، فتسود المحبةُ بين البشر ويعمُّ السلام ونُعمّر الكونَ على ما يحبُّ اللهُ ويرضى. لم أفهم السيفين المتقاطعين تحت المصحف الشريف بشعار الإخوان! كيف يجتمعُ اسمُ "الله" واهب الحياة، مع "السيف" رمز إزهاقها؟!!! ثم نأتي للكلمة الوحيدة على شعار الإخوان: "وأعدّوا". وهي بالطبع إشارة للأية(60) من سورة "الأنفال": "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، تُرهبون به عدوَّ الله وعدّوكم." متغافلين عن الآية التالية من السورة نفسها: "وإن جنحوا للسِّلم فاجنحْ لها، وتوكل على الله". وأسألُ نفسي دومًا: لماذا لم يختاروا كلمة "وجادلْهم"، مثلاً، لتشير إلى الآية (125) من سورة "النحل": "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلْهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمُهتدين." أليس الجدلُ بالحُسنى وبالسلم أرقى وأطيب من الترهيب بالقسر والعنف؟ بل هو أجدى وأنفعُ سبيلا! ثم يأتي السؤال التالي: في شعار حزب "الحرية والعدالة"، الذي كوّنه "الإخوان المسلمون"، كيف تحول السيفان المعقوفان المتقاطعان إلى ورقتي شجر ناعمتين تحتضنان مُثمّنًا على شكل زهرة مسالمة حانية، تعلو عبارة طيبة تقول: "نحملُ الخيرَ لمصر"؟ كيف، بقدرة قادر، أصبح السيفان زهرةً وورقتي شجر، واستُبدِلت بمفردة "أعدّوا"، عبارةٌ تحمل: "الخيرَ"؟ فكر الإخوان إقصائى وأحادى. الفكر الإخواني تلخصه مقولة عرّابهم حسن البنّا: أطع مرشدك مصيبا كان أم مخطئًا، لأن خطأ المرشد أفضل من صوابك!"

مباردة السيسى بتجديد الخطاب الدينى ما تعليقك؟
الدولة المصرية تحارب الإرهاب المسلح، ولا تحارب الإرهاب الفكرى ، الذى يفرخ الارهابيين. فالإرهاب الفكرى هو المولد والمفرخ والأصل فى الإرهاب المسلح. لا سبيل إلى تجديد الخطاب الديني وهناك تكميم للأفواه وترحيب بإقامة دعاوى الحسبة ضد المفكرين والأدباء والمثقفين. تجديد الخطاب الديني يتطلب عمليات من العصف الذهني المجتمعي الذي يقوم على احترام الفكر واحترام الاختلاف في الرأي واحترام حرية التعبير والنهضة الحقيقية بالتعليم الكارثي في مصر على وضعه الراهن.

رؤيتك لثورتى 25 يناير و30 يونيو؟
كلاهما ثورة. حتى وإن أقررنا اليوم بأن ثورة يناير كانت غير كاملة النزاهة وأن هناك أياد قد حرّكتها واستغلتنا، إلا أننا نزلنا الميادين ونحن أبرياء نظن أننا ننهض بمصر ونرتقي بها، لهذا أعتبرها ثورة لأنني حين شاركتُ فيها شاركتُ فيها بكامل براءتي وكامل وطنيتي وحبي لمصر. أما ثورة 30 يونيو فهي "الثورة" بأل لام العهد والواحدية والتخصيص. فلولا تلك الثورة لضاعت مصر وأُذل المصريون، لا سمح الله ولا قدّر.

كيف ترين انخفاض شعبيته؟
تلك أمور طبيعية تحدث في كل المجتمعات التي تعاني من انهيارات اقتصادية تعقبها ثورات تتلوها انهيارات اقتصادية. ثم يختار الشعب زعيما يظن أن الخير معقود بناصيته "الآن وفورا" فيفاجأ الشعبُ أن الحال العسرة على حالها، فينقم على من اختاره وقد ظن أن بيده عصا موسى التي ستلتهم ثعابين الفقر والجهل والمرض، ناسيًا أن الجهد يجب أن يكون مجتمعيًّا وليس رئاسيًّا، وفقط. مصر لم تستطع بعد أن تغدو دولة مؤسسات، ويود الشعب أن تظل دولة One Man Show ففي يد الرئيس كل مقاليد الأمور، وعليه أن يوفر لي الرغد وأنا نائم في فراشي. صرّحتُ قبل ترشّح الرئيس السيسي للرئاسة بأنه أذكى من أن يترشّح لأنني كنت أعلم أن شعبيته الجارفة سوف تهتز كثيرًا بعدما يصبح رئيسًا. مصر حملٌ ثقيل وتبعة مخيفة على كل من يتولاها لأن مشاكلها متجزرة وعميقة وصعبة التغيير في المدى المنظور.

هل ترين أن السيسى انتحر سياسيا؟
دعني أضرب لك مثلا يوضح لك رأيي في هذا الشأن. سيدة مريضة فقيرة عمرها 80 عاما. جلبنا لها طبيبين. الأول يفكّر في تلك السيدة باعتبارها مخزنًا للأعضاء التي يمكن الاستفادة منها ببيعها. فيقوم بنزع كليتيها وكبدها ومقلتي عينيها وبيعهما لمرضى أثرياء. والطبيب الآخر يودّ علاجها بصدق فيبحث عمن يتبرّع لتلك السيدة بكلية وفص كبد ومقلة عين. الطبيب الأول لا يمكن ان نعتبره مجازفًا باسمه حين يقوم بعلاج تلك السيدة لأنه يراها صفقة مربحة، والسارق لا عبأ بتلوث اسمه. بينما الطبيب الثاني يجازف باسمه وسمعته لأنه ربما لا يجد من يساعده في إنقاذ حياة تلك المريضة المسنّة خصوصًا حين يجد أن أبناءها قد تنكّروا لها ورفضوا مساعدتها. هناك طبيب منتفع، وطبيب منتحر. تلك المريضة الفقيرة هي مصر، والطبيب الأول هو الإخوان. والطبيب الثاني هو نموذج الرئيس عبد الفتاح السيسي. رئاسته مصر بكل أمراضها الراهنة ومشاكلها المتجزرة العميقة، وفي ظل عدم وجود من يمد يده بجدية وصدق من بين أبناء الشعب عن طريق العمل الجاد والاستثمار الجاد والنهوض الجاد بالدولة الواهنة العجوز، تعتبر نوعًا من المجازفة والانتحار السياسي، وهذا سبب انخفاض الشعبية الذي تكلمنا عنه. فالطبيب الثاني حين يخفق في علاج السيدة لعدم وجود الدعم الكافي للعلاج، سوف يلعنه الناس ويرمونه بالفشل، فيكون هذا لونا من الانتحار. لكنه الانتحار النبيل والمجازفة الوطنية من أجل تلك الجميلة التي تستحق الحياة: مصر. على الشعب المصري بكامله محاربة الفساد والجهل بكافة أشكالهما؛ إن كنّا بحق نود إنقاذ مصر من الويل المحيق بها.

//ما رأيك فى تقدم دولة الأمارات؟
منذ سنوات وأنا أتأمل مكانة "الإنسان" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأغبطُ تلك التجربة الفريدة التي دشّنها قبل خمسة وأربعين عامًا سموّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، فصنع ذلك المجتمع العربي الإسلامي الفريد الذي احترم الإنسانَ كونَه إنسانًا، من دون النظر لأية اعتبارات أخرى عِرقيةً كانت أو عَقَدية أو طبقية أو عنصرية، ثم أكملَ من بعده تلك المسيرة النهضوية المستنيرة أبناؤه المثقفون بعدما ربّاهم على التواضع الجمّ والمحبة الكاملة للبشر كافة وتقديس قيمة الإنسان، فنشأتِ الأجيالُ الجديدة وقد أصبحت القيمُ الإنسانية العليا واحترام حقوق البشر مغروسةً داخل عقولهم كجزء من البنية الصلبة التي لا تتبدّل مهما تبدّلت القوانين والأعراف والظروف. كتبتُ فيما سبق عشرات المقالات عن تلك الظاهرة الحضارية والمجتمعية الفريدة في دولة الإمارات من خلال زياراتي العديدة الخاطفة للإمارات، ومن خلال القراءة وحكاوي الأصدقاء والأهل المقيمين بها، ولكن، أثناء زيارتي الأخيرة التي امتدت شهورًا لكتابة كتاب عن التجربة الإماراتية عنوانه "إنهم يصنعون الحياة"، بدأت أعاينُ بعيني وألمسُ بيدي ما كنتُ قرأت وسمعت عنه من قبل، لأتأكد أن ثمة طفرةً إنسانية حضارية مدهشة صنعها رجلٌ عظيم واستأنفها رجالٌ متحضرون أحبوا وطنهم واحترموا مواطنيهم فآمنوا أن الاستثمار الأعظم لا يكون إلا في "الإنسان"، فصنعوا خلال سنوات قليلة ما جفّت حلوقُنا ونحن ننادي به في مجتمعاتنا العربية منذ سنوات طوال، سبقنا للمناداة بها آباؤنا وأجدادُنا الأدباء والمفكرون المشغولون بقيمة الإنسان في مجتمعنا المصري والعربي. آمن زايد بأن الإنسان هو محور كل تقدم حقيقي، وأن الإنسان المتعلم؛ هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها المجتمعات. ونتذكر قوله المأثور: إن الثروة ليست ثروة المال بل ثروة الرجال، فهم القوة الحقيقة التي نعتزّ بها.”

هل المرآة تتقدم فى عصر السيسى؟
حتى الآن لا. هناك محاولات خجول للنهوض بالمرأة من الجانب الرئاسي لكنها غير مدعومة لا برلمانيا ولا حكوميًُّا ولا مؤسساتيًّا ولا حتى مجتمعيًّا، وأخجل ان أقول ولا حتى نسويًّا. فحين تظل تُلحّ على فكرة خاطئة سنوات بعد سنوات، تصبح تلك الأغلوطة، مع مرور الوقت، حقيقة يقبلها الجميع دون جدال. وهذا ما حدث حين ألحّ الشارعُ الرجعي على ان المرأة ناقصة وتابعة ودون أهلية، صدّق المجتمع تلك المغالطة، وللأسف صدقتها المرأة نفسها، فتأكدت مع الوقت من عدم استحقاقها الأهلية والاستقلال والقيادة. لهذا ستجد المرأة في مصر منتهى طموحها أن تكون وزيرة في وزارة خدمية، لا سيادية، عكس الإمارات مثلا التي أصبحت المرأة فيها وزيرة قيادية ورئيسة برلمان ومبعوثة الأمم المتحدة وصانعة قرار، وكابتن طيار، مثلما كان لدينا نحن مصر ثاني كابت طيارة في العالم عام 1923 وهي كابتن لطيفة نادي، فهل لدينا اليوم مثل هذا؟ مصر ليست بخير للأسف.

هل تقرأين القرآن؟
قرأته بمعظم تفاسيره عشرات المرات وأحفظ ثلاثة أجزاء تجويدًا، وإن كنتُ أتحفظ على السؤال ولا يروق لي.

لماذا هاجمتى البرلمان؟
إنما هاجمت الآلية التي يترشّح بها المرشحون للبرلمان. قلتُ إن بيع الصوت وشراءه أسوأ وأرخص وأحطُّ من بيع الجسد. لأن من تبيع جسدها لا تضرّ إلا نفسها، بينما من يبع صوته يضّر أمة بأسرها. وهو ما أسميته "دعارة انتخابية". لكن بعض المواقع الصفراء حذفت كلمة "انتخابية" فأشيع أنني قلت "دعارة"! هل هذا منطقي؟ مقالاتي موجودة لمن يود أن يعرف الحقيقة. وقلتُ إن من يصرف قرشًا لدخول البرلمان ينتوي أن ينال عشرة بعد فوزه، فما بالك بمن يصرف ملايين؟ وبعد فوزي في الجولة الأولى باثنين وأربعين ألف صوت دون دعايا ولا صور ولا أموال، وبفارق حوالي عشرين ألف صوت عن الفائز الثاني في دائرتي، أعلنت في تصريح آخر أنني في حال فوزي سوف أقدم طلب إحاطة برفع الحصانة عن النواب إلا تحت القبة. وبديهي أن هذا التصريح أثار ضدي "جميع" المرشحين للبرلمان. بعد ذلك بيوم فوجئت بصفحات فيس بوك مزورة تحمل اسمي وتطلق كلاما رخيصًا حول محاربتي للجيش ولثورة 30 يونيو وتلك نكاتٌ مخجلة يدحضها تاريخي المدون ومقالاتي وكتبي الموجودة لكي ذي عينين. وبالطبع خسرتُ في الجولة الثانية بسبب تلك الشائعات الرخصية. لكنني لم أعبأ، لأنني لم أرد دخول البرلمان للتربح، بل للتضحية بوقتي وجهدي من أجل الناس، ففرحتُ بخروجي وفوزي بوقتي وجهدي لصالح مشروعي الأدبي والثقافي الذي هو حياتي.

رأيك في قضيتى العنف والتحرش الجنسى ضد المرأة بمصر؟
غياب الإيمان "الحقيقي" والتدين "الحقيقي"، والتعليم "الحقيقي" يقف وراء ظاهرة العنف ضد المرأة والتحرش بها. لابد من تصويب صورة المرأة فى الإعلام وفي كتب المدرسة. لا تصدق أن ملابس المرأة هي السبب في التحرش بها، لأن إحصاءات اليونسكو أكدت أن أعلى نسبة تحرش بالنساء في العالم تحتلها أفغانستان التي تُدثّر المرأة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. السبب هو هبوط التعليم وشيوع صورة المرأة المشوهة لدى المجتمع، وتهاون القانون مع مرتكبي تلك الجرائم ما يضطر النساء أن يصمتن عن ملاحقة الجاني في معظم الأحيان حتى لا تُهان هي نفسها في قسم الشرطة أثناء تقديمها بلاغا ضد المتحرش أو ضد من مارس عليها عنفًا جسديًّا أو معنويًّا.

ما هى المهنة الأقرب لقلبك: الهندسة أم الشعر أم الكتابة أم الترجمة؟
المهنة الأقرب لقلبي هي الشعر، فالشاعر يعيد صياغة العالم وفق ما يريد. بوسعه اللعب بالشموس والأقمار والمجرات والنجوم. بوسعه أن يلهو بمياه المحيطات ويسرق الأنهار ويهدم الجبال ويشيّد القلاع فوق ورقته البيضاء. بوسعه أن يجمع النجوم من السماء واللآلئ من قاع المحيط لينظم عقدًا لحبيبته. من سوى الشاعر قادرٌ على صنع كل ذلك؟

ما هى أخر كتابتك؟
يصدر فى الفترة المقبلة بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب يناير المقبل كتابي الجديد بعنوان: "حوار مع صديقي المتطرف" عن دار بردية ومصر العربية. وأظن أن هذا الكتاب سيحدث ضجّة ثقافية وجماهيرية. وأحدث ديوان صدر لي هذا العام عنوانه: "الأوغاد لا يسمعون الموسيقى”.


// ولماذا أطلقتي علي الأوبرا المصرية "دولة الأوبرا"؟
** لأنها بالفعل دولةٌ مستقلة لها: شعبٌ خاص، ومجلس حكّام خاص، ونهجُ عيش خاص، وقانونٌ خاص. قانونُها: الجمال والأناقة والتحضّر والنظافة واحترام الإنسان. نهجُها: الفنون الراقية التي تحارب التلوث السمعي والبصري الذي يضرب خاصرة مصر، مجلّس حُكّامها: مجموعة من رموز مصر الفنية الرفيعة. شعبُها: جمهور مثقف اختار أن يرفض القبحَ ويتعلّق بأهداب الجمال الهاربة من واقعنا مع ستينيات القرن الماضي. نلوذُ بدولة الأوبرا من دولة الواقع الراهن الذي تكسوه الركاكةُ والقمامة وسوءُ السلوك والألفاظ والفنون الهابطة. جمهور الأوبرا لن تراه كثيرًا في شوارع مصر، لأنه متشرنق في بيته، يخاف الخروج إلا إلى دولته الخاصة: دولة الأوبرا. في تقديري الشخصي، أن تلك "الدولة" الصغيرة، التي تستقر في جزيرة الجبلاية بالزمالك، هي التي أنقذت "دولة مصر" الهائلة من غزو الإخوان الإرهابيّ الظلاميّ. لهذا، حينما هاجم وزيرُ الثقافة الإخواني دولة الأوبرا، قلتُ له على الفضائيات وفي مقالاتي: “أهلا بك في عُشّ الدبابير، أهلا بك في حقل الألغام. أبشِرْ، أوشك نظامُكم على السقوط.” لأن المثقفين قد يصمتون طويلا مكتفين بمظلّتهم التي يحتمون فيها من قبح الواقع، لكن إن مسّ الضُّرُّ ملاذَهم، خرجوا كالنسور الجوارح الجريحة، يذودون عن عُشّهم، ويدحرون اللصوصَ ويطردون قنّاصةَ الأعشاش الآمنة. وهو ما كان. صمد المثقفون في اعتصامهم أمام وزارة الثقافة المصرية، ورفعوا "لاءَهم" الغاضبة الرافضة إقالة د. إيناس عبد الدايم، باعتبارها الرمز الحالي لدولة الأوبرا. غنيّنا في الشوارع ورقصنا وألقينا القصائدَ وعزفنا الموسيقى وعبّئنا الناس للتوقيع على استمارات "تمرّد" لتشتعل ثورةُ النور والحرية في 30 يوينو، بعدما غار المصريون على هُوية مصر المهدَدة، فطردوا الظلام وشرّعوا الأبوابَ للنور والتحضر. تدخلُ دار الأوبرا المصرية، فكأنما دخلتَ دولة أخرى. كأنما سافرت في الزمان إلى مصرَ في خمسينيات الزمن الجميل. وكما نحبُّ مشاهدة الجمهور الأنيق في حفلات أم كلثوم، أحبُّ تأمل جمهور اليوم في الأوبرا، لأتأكدَ أن الرقيَّ كامنٌ في شعبنا، وإن تراكمت عليه طبقةٌ من غبار الصحارى، نجلوها الآن لنعود مصريين. المسرحُ الكبير، بمقاعده ال1200، وأدوار البلكون الخمسة محتشدة بالبشر دائمًا. فنحن شعبٌ خطير لا يشبهه شعبٌ آخر. يعرف كيف يصبر في نبلٍ، وكيف يثور في رقيّ، وكيف يسخر من المحن ويروّضها، وكيف، أثناء كل هذا، يخلق الفنَّ الرفيعَ، ثم يتذوّقه. لا تكاد تصدق أنه في بلد واحد، ولحظة تاريخية واحدة، ثمة مايسترو يرفع عصاه فيُغرق الفضاءَ بالموسيقى والجمال، وثمة من يرفع مِعولَه فيهدم وطن! هل أحلم أن تفرض الحكومةُ المصرية واجبًا قوميًّا يُلزم المواطنين بالذهاب للموسيقى مرةً أسبوعيًّا؟ لو حدث، لاختفتِ الجريمة! هاتوا المُخرّبين الغلاظ أعداء الحياة، لحضور الأوبرات والباليه والموسيقى العربية والكلاسيكيات، وأعدكم سيخرجون على عكس ما دخلوا. لو لم تَذُب أرواحُهم حبًّا للوطن والناس ولخالق الناس، فلله الأمرُ من قبل ومن بعد، وإنهم لمأزومون لا شفاء لهم. فالموسيقى تُربّي الروح. تُهذِّبُها. تُشذِّبُها من النتوءات، وتُنقِّيها من الشوائب. لهذا قال هوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد في “الأوديسة”: “الشعراءُ والمغنّون هم أقربُ البشر إلى قلوب الآلهة. وهبتهم الربّةُ فنَّ الغناء لا ليُطربوا الناس، بل لكي يسهروا على رعاية الأخلاق. فالشعراء رسلٌ يعيشون على الأرض لينقلوا الرغبات الإلهية إلى الإنسان. وبالموسيقى يبتهلُ الإنسانُ للآلهة لتخلصه من الوباء والمرض.” ثم وصف هوميروس كيف أوقف الإغريقُ أحد الأوبئة بقوة الموسيقى التي بددت غضب الآلهة.

// وما سبب هذا التغيير برأيك؟
** السبب في ذلك هو "رياح الشرق" حيث أرسلنا للخليج خير أطبائنا ومهندسينا وعلمائنا ومعلمينا وعمالنا، ثم عادوا إلينا وقد تشبعوا بالشكلانية والتدين القشري والرجعية. ثم جاء الانفتاح الذي جعل من يتحكم بالناس هو الذي يملك المال، وهم طبقة التجار والحرفيين، فانحدر الذوق العام وانهار المسرح والفنون والقيم وحتي اللغة أنحدرت.

// كيف تشكلت ثقافتك، ومتي بدأتِ التعلق بالقراءة؟
** تمكنت من اللغة العربية الفصحى بسبب قراءتي منذ طفولتي لأمهات الكتب مثل أغاني الأصفهاني والشوقيات وغيرهما وحفظي عدة أجزاء من القرآن الكريم. والسبب الآخر هو أنني كان لي جدٌّ فقد بصره في حادث وكان عاشقًا للقراءة وموسوعي في الثقافة فتحولت «محنته إلى منحة لي»، وبدأت أشرع في القراءة له وكنتُ أغلط كثيرًا ويصحح لي أخطائي حتى تمكنت من الفصحى، وتفوقت على زملائي في المدرسة في اللغة العربية والأدب، مع تفوقي في الرياضيات والعلوم واللغات الأجنبية.
 قرأت كثيرًا فشرعت في الكتابة، ودخلت الوسط الأدبي عام 2000 بعدما نهلت من كتب العقاد وجبران وعبدالصبور وطه حسين وحقي والحكيم وإدريس وغيرهم، فضلا عن أدباء روسيا وأوروبا وأمريكا. .
كنت مختلطة بعالم المثقفين في مقاهي وسط البلد شيئًا ما ولكني بعدت عنهم تمامًا في 2003 عندما وجدت أن أحاديثهم في معظمها أحاديث نميمة ومعارك صغيرة ومراهقات فكرية. فانعزلت في مكتبي ومكتبتي لتنمية معيني الأدبي والنهل من القراءة والتفرغ للكتابة. هذا هو عالمي الذي أجد نفسي به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى


.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس




.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام


.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على




.. شرطة لوس أنجلوس تبحث عن عصابة تسرق المحلات بغضون دقيقة