الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة العقل والدين

عبدالحق رحيوي

2016 / 12 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


محنة العقل والدين
ساهمت الحضارة الإسلامية بقسط وفير في الفكر الإنساني، ورسم معالم فكر علمي، يقطع مع التفسيرات الأسطورية للعالم، خصوصا في العصر الوسيط، سواء في المشرق أو المغرب الاسلامي. فلا يمكن أن ننكر أبدا اسهامات ابن الهيثم، وابن سينا، الخوارزمي، وابن رشد، وابن خلدون ..الخ. ولولا بعض المناورات على هامش الفكر، وتبادل الاتهامات وسوء الفهم للعلم والدين، لكان للحضارة الإسلامية دورا بارزا في صناعة التراث العلمي والفكري ورسم معالم عالم جديد، ومن الأمم التي يقتدى بها في القول والفعل.
الوضع الآن لم يعد كما كان، فالعالم الاسلامي تحول الى عالم مستهلك لما أنتجه العلم والغرب وتخلف عن قطار التقدم، فساء وضعه وهجرت أرضه لولا تلك الصدفة الجيولوجية "البترول"، لكان الوضع أسوء مما هو عليه.
أمام هذا الوضع المقلق والقلق، خصوصا في ظل تنامي العنف الطائفي والتخلف الحضاري، سواء على مستوى الاقتصاد والسياسة والعلم، لا بد من طرح أسئلة جذرية حول أسباب هذا التخلف لعلنا نجد وصفة تعيد لهذه الحضارة المتهالكة، الروح العلمية، لتطهر بها عقلها من جهل مقدس.
حتى لا نردد ما يردده العامة ونكتفي بالقول أن أهل الإسلام تخلفوا لسبب واحد، يتمثل في تخليهم عن الإسلام، وكأن هناك من سرق منا الإسلام وهرب، أو وضعه وراء ظهرنا فلم نعد نراه. لنفترض هذا الطرح صحيح، فما سبب تقدم الحضارات الأخرى التي لا تدين بدين الإسلام ؟
اذا كان الغرب هجر دينه كما تهاجر الطيور بعد أن يجف المكان، فإنه مع ذلك يبقى الغرب متقدما علينا بسنوات ضوئية، سواء على مستوى الاقتصاد، والسياسة، والرياضة، والفن ..الخ، وهو الآن يصدر لنا ما أنتج وما نستهلكه بأغلى الأثمان. هذا التقدم لا يمكن أن نفصله عن تقدم العلم ويقظة العقل الغربي، ونبشه في أسرار الطبيعة، فهو عقل متأمل، وفاعل، ومنتج...فمنذ أن تم تحرير العقل الغربي من سلطة الكنيسة، وسلطة الكتاب المقدس، وهو يمارس وظيفته التأملية ينظر الى خلق الله من نبات، وحيوان..ويسافر عبر الفضاء لعله يتمكن من فك لغز الوجود، هل هو في حالة تمدد أم انكماش؟ ومستقبل الحياة فوق الأرض وباقي الكواكب القريبة منها، ومكونات الذرة، وعملية التكون والخلق، دون الاكتفاء بالنظر وإنما ابتكر آلات يرى بها ما لا يرى بالعين المجردة وأعاد تركيب الأشياء.
إن الفاصل بيننا وبين الأمم المتقدمة يبقى في الأساس أن العقل الإسلامي تم سجنه في أمور بسيطة ولم يغادر جسد المرأة، وشروط الوضوء، وكيفية الصلاة، وتقسيم الإرث... بمعنى آخر تم سجن العقل الإسلامي في الفقه وأصول الدين دون أن يقترب من الطبيعة أو الكون فوقف موقف المتأمل المنبهر، ولم يخرج من هذه النظرة الجمالية، فالطبيعة لا ترى بالعين المجردة فقط، وإنما الطبيعة مركبة وترى بالبصيرة لا بالبصر، وتحسب بالرياضيات، كما قال جاليلي "الطبيعة مكتوبة بحروف رياضية لا يقرأها إلا من كان رياضيا". فلم نستطع محاكاة الطبيعة في شيء، مستسلمين أمامها ومن تكيف مع شروطها نجى ومن استسلم حملته الطبيعة الى باطنها. مع العلم أن الإسلام هو دين التأمل والعمل، دين العقل.
من هنا يمكن أن نعرف كيف وصل العلماء الى الفضاء، وصنعوا الطائرات والسيارات والهواتف وثبتوا الأقمار وسط زحام الكواكب، ورصدوا كل صغيرة وكبيرة، وزرعوا الأعضاء في جسد الإنسان. فالسبب هو أن الغرب لم يتخلى عن العقل ولم يسجنه معلنا الحرب على العلم والفلسفة. بل ترك العقل يسبح في الكون العميق، يصيب العقل أحيانا ويخطئ، لكن في كل مرة يصيب يصنع شيء يفيد الإنسان إن أحسن توظيفه، ونكتفي نحن بشراء ما وصل إليه الغرب ولو دفعنا الأمر الى الاقتراض أو شراءه بالتقسيط، فيحقق فائض في الخزينة ونعيش نحن على ايقاع الديون.
العقل في العالم الاسلامي لا زال يعاني من تركة الفقهاء والفتاوى بين محرم للعلم ومجرم للتفكير والتعبير، مع قلة قليلة من الفقهاء التي قرأت التراث الإنساني والديني، ودافعت عن حرية العقل والإنسان.
هكذا هو حال الدين في عالمنا، حدوده مرسومة مسبقا، سواء بقصر نظر الفقهاء، أو سلطة السياسي والحاكم.. وساء حاله كما يبيع بعض الأطباء شواهد طبية بأغلى الأثمان أو لمن يدفع أكثر، ضاربين بعرض الحائط القسم والأخلاق التي من المفترض أن تتوفر في كل الإنسان، يبيع بعض الفقهاء فتواهم كذلك.
ويمكن أن نختزل وضع الدين الإسلامي اليوم كوضع التقنية تماما، ففي الدول المتقدمة تقتات الناس من التقنية وتتعلم وتضيف الى رصيدها المعرفي والمهاري ما كان لا يمكن أن يتحقق في غياب التقنية، لكن حال التقنية عندنا مختلف، في الغالب وبعيدا عن الاستخدامات الإدارية للتقنية، فإنها توظف في الحياة اليومية للبحث عن أجساد النساء وفي تصريف الرغبات أو البحث عنها، وتسويق الوهم الجنسي. والعيب ليس في التقنية وإنما في عقلنا الذي أساء استخدامها، الأمر نفسه يمكن أن يقال على الدين، فالدين نعمة أنعم بها الله على الإنسانية ولكن هناك إمكانية اساءة استعماله، سواء عن قصد أو غير قصد.
لذلك يمكن أن نقول أن الدين يعيش محنة في أرض المسلمين، نظرا لسوء فهمه وتأويله وغالبا ما نستمعل الدين كوسيلة للتبرير، تبرير فشلنا وسوء حالنا،وسياستنا غير العادلة، فنبرر بالقدر ظلم من ظلمنا، وما أرسل الله أنبياءه إلا لرفع الظلم عن عباده لا لتبريره. عندما نتخلى عن الدين باعتباره دفاعا عن العقل ودعوة الى التفكير نكون منطقيا قد تخلينا عن العقل، فالعقل ليس أعدل قسمة بين الناس فقط، وإنما العقل هو الوحيد الذي يمكن أن يحل لغز الكون، فوضع حدود للعقل وهجرة السؤال وعدم استخدامه هو السبب الحقيقي في تخلفنا لا نهضة بدون عقل. فكل ما علينا فعله هو إحياء القلق الفكري في الإنسان، ولا يمكن إحياءه إلا من خلال القدرة على السؤال والتساؤل، فالسؤال كما يقول هايدغر هو تقوى الفكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه النص المؤسس
محمد البدري ( 2016 / 12 / 24 - 22:03 )
أشك كثيرا في القول بان الحضارة الإسلامية ساهمت بقسط وفير في الفكر الإنساني لان لو لها نصيب ذو قيمة لما توقفت عن انتاج ذلك القدر الموصوف بالوفير. إن سبب تقدم الحضارات الأخرى التي لا تدين بدين الإسلام انها اقتحمت بؤرة المرض الديني وهو النص المقدس ذاته، اي نص الانجيل والتوراه. اما نحن فلا زلنا نعتقد ان قول الفقهاء وكبت السياسي هو السبب حسب قول المقال -حدوده مرسومة مسبقا، سواء بقصر نظر الفقهاء، أو سلطة السياسي والحاكم- في حين ان معظم العامة من الناس لا يعرفون ماذا قال الفقهاء، ولا حتي السياسي مستعد لان يعرف شيئا سوي قمعه السياسي لصالح النص القرآني. فالقرآن ذاته هو بؤرة مرض المسلمين وصديد فكرهم المتخلف. شكرا للجهد المبذول للخروج من سرير المرض التاريخي.

اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران