الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراحلة ذكرى .. قمة في الانتماء و روعة في الأداء

محمد عبعوب

2016 / 12 / 26
الادب والفن


الفنانة التونسية الراحلة "ذكرى محمد" من خلال ما قدمته من أعمال رائعة خلال تجربتها الليبية، يُخيَّل لي و لكل من استمع إلى هذه الأعمال بكل جوارحه أنه إنما يستمع إلى سمفونية رائعة لبلابل وعنادل من مختلف الألوان تصدح غناء شجيا في يوم ربيعي مشرق دافئ وقد أسكرها شذى حقول مترامية تحفل بخمائل و ورود من كل لون ونوع..
رغم ضعف الألحان و الأداء الموسيقي المصاحب لبعض الأدوار والأغاني التي أدتها الراحلة الرائعة في رحلتها الليبية ، ورغم إغراق كلمات هذه الأغاني في التغني بالبداوة ولغة بعضها المباشرة وسوقية مصطلحاتها في بعض الأحيان، فإن أداء "ذكرى" المنتمي الى لون محدد ضمن ألوان أخرى أدتها في رحلتها الفنية، وغنى طبقاتها الصوتية وقدرتها على إضفاء ألوان مشوقة على هذه الأعمال كانت تغطي بكفاءة نادرة على هذا الضعف الموسيقي وقصر ومحدودية اللحن وبداوة الكلمات وسوقيتها، وتحول تلك الأعمال إلى روائع تأسر القلوب .
و كما يبدو لي؛ و أنا هنا مستمع هاوٍ يشدني جمال صوت هذه الفنانة حد الإبهار، و لا أملك أي ثقافة فنية سوى ما كسبته بالفطرة، أعتقد أن ما أعطى لإنتاج هذه الفنانة التي لم تتكرر كصوت غني متميز حتى الآن، من قوة وعمق وقبول خلال مرحلتها الليبية – رغم ما نقل عنها من تنكر لهذه المرحلة وندمها عليها – هو انتمائها إلى بيئة فنية ولون غنائي مشترك الجذور في البلدين الجارين ليبيا وتونس يمكننا أن نصفه بالمتقارب حد التطابق في كثير من نغماته وإيقاعاته، وهو ما جعلها تؤدي أعمالها بشكل منتمي طبيعي خال من التصنع سواء لجهة تقارب اللهجة أو الألحان والتوزيع ..
ويمكننا أن نلمس تميز هذا اللون من الأداء الفني المنتمي لذكرى إذا ما استمعنا لبعض الأغاني التي أدتها بأصوات أخرى ليبية او عربية، كما يمكننا التحقق من هذا التميز بعد استماعنا إلى ما قدمته الراحلة في فترة حياتها الفنية المصرية والخليجية.. فمع روعة ورقي ما قدمته خلال هاتين الفترتين وذلك بحكم رقي الكلمات والألحان وتقدم وجمال التوزيع الموسيقي المرافق لهذه الأعمال، لا يمكن لأي مستمع يمتلك ذائقة فنية حتى متوسطة إلا أن يكتشف أن ذكرى كانت تؤدي تلك الأعمال بحنجرتها وحبالها الصوتية فقط، وأن أدائها لم ينبع من جوارحها وأعماقها المنتمية إلى بيئة فنية مختلفة مثلما أدت أعمالها الليبية، وأنها إنما كانت تؤدي بشكل وظيفي أعمالا ذات روابط بعيدة عن ثقافتها الفنية التي اكتسبتها جينيا من بيئتها .
وأرجو ألا يفهم القارئ هنا أنني ارمي للانتقاص من قيمة وجمال ورقي ما قدمته ذكرى من أعمال مصرية وخليجية، ذلك أن اللونين المصري والخليجي قد أصبحا يهيمنان على سوق الإنتاج الغنائي في الفضاء العربي في ظل غياب راع و ممول مبدع و قوي للون الغنائي المغاربي، فضلا عن رقي كلمات الأعمال المشرقية وقوة وجمال ألحانها و روعة التوزيع الموسيقي المرافق لها الذي يتجاوز بمسافات شاسعة واقع الأغنية الليبية سواء على مستوى الكلمات أو الألحان أو التوزيع الموسيقى. ولكن ما أردت أن أوضحه هنا هو أن الفرق يكمن في منابع الأداء بين المرحلتين في حياة ذكرى الفنية الذي يعطي في تقديري وضعا متميزا لإنتاجها في مرحلتها الليبية، وهو فرق لا يمكن لأي متابع يتمتع بذائقة عميقة أن يتجاهله او يقلل من قيمته، رغم ما نقل عن الراحلة من أقوال تقلل من قيمته ..
وفي الختام أقول إن ذكرى كصوت فني يمكن وصفه بأنه كان صوتا لا يمكن الإحاطة به، متجاوزا للموسيقى ، بل هو في ذاته ولوحده عزف موسيقي لا يحتاج لأي مساندة موسيقية ويمكنه أن يشد المستمع وينقله بغنى طبقاته وجماله الى حالة من الوجد النادر .. رحم الله ذكرى التي رحلت جسدا وستبقى صوتا بيننا ما حيينا ..
انتهى النص..
القراء العزاء أستسمحكم في أن أرفق لكم هنا رأي لصديق مهتم بالموسيقى في أعمال الراحلة والتي وصلتي في رسالة خاصة كاستجابة لالتماس قدمته له لمعرفة رأيه في هذه الفنانة، وفي ما قدمته أنا من آراء حول إنتاجها في المرحلة الليبية، وهو في تقديري رأي يتجاوز في عمقه وحرفيته ولغته ما جاء في السطور التي كتبتها.
نص الرأي:
(.... أغبطك على هذا التحليل الرائع عن قامة غنائية حرثت في وجدان الليبيين أنغاما ﻻ يمكن سقوطها من ثقوب الذاكرة .. أراك تنحاز كثيرا لذكرى محمد .. و لك الحق في ذلك .. صوتها عريض يصل إلى أوكتافين موسيقيين .. أي أنه يتجاوز قرارين وجوابين بلغة الموسيقا ( الموسيقى) .. والعرب التي يتوفر عليها صوتها ﻻ تضاهيها اﻻ عرب كبار المغنين .. نغمتها الشرقية الأصيلة تجذب المستمع الشرقي من أذنه .. رغم أن البعض يعيب عليها استغراقها في الشرقية وبعدها عن الأداء اﻷوبرالي الغربي وهو في نظري مهم جدا للمغني .. ﻷن الغناء ليس كله ( ربع تون ) .. وقد تكون ذكرى معذورة في ذلك ﻷنها لم تدرس الموسيقا في مقاعد الدرس ولم تتلق حتى تدريبات في هذا المجال .. أعتقد أيضا أنها لم تكن تستمع لغير النغم الشرقي وهو ليس حد الغناء .. عبدالوهاب الرائع ترك العود عشرة أعوام كاملة وصار يصنع ألحانه الرائعة على البيانو فقط لكي يثري أذن المتلقي العربي بمذهب غنائي غاية في الروعة .. واﻷمثلة كثيرة ﻻ يمكنني حصرها في هذه النافذة .. وﻻ اظلم ذكرى لو قلت أنها ﻻ تقدر على أداء ألحان المدرسة الرحبانية ﻻفتقار قاموسها السمعي لهذا النمط الغنائي .. ذكرى ممكن أن تغني الموال المحدود وغناوة العلم كما يغنيها الليبيون .. بصوتها الخام العريض ( رغم أني ﻻ أحبها عندما تزداد درجة الصوت فيتحول الى زعيق لا يريحني ) . أما عن تنكرها لتجربتها الليبية فهذا محسوب عليها وحدها .. فلوﻻ ليبيا لكانت ذكرى نكرة ﻻ يذكرها سوى رواد الحانات في صفاقس .. ثم إن المستمع غير الليبي ﻻ يحتفظ بكثير من الود لصوتها حين غنت ألحانا مصرية وخليجية .. هناك قامات كبيرة لم تستطع ذكرى التونسية مجاراتها حتى وإن لم يقتلها زوجها وبقيت مقيمة في مصر .. لكنها تظل ظاهرة صوتية لم تجد من يقف على رأسها وهي تغني) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن