الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا نحو التخامد

عبدو خليل

2016 / 12 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


سوريا نحو التخامد
تبدو الكتابة في الراهن السوري أقرب إلى الترف على خلفية المشهد القاسي الذي مازال مفتوحاً على كل الاحتمالات، رغم تفاؤل البعض بمعطيات التقارب الروسي التركي وعن قرب ترجمته على الأرض. على الأقل لوقف حمامات الدم السوري.
و بعيداً عن ساحات المعارك العسكرية التي خفت وتيرتها مع سيطرة النظام على حلب. تبدو المعارك الأخرى مجرد تحصيل حاصل. رغم محاولات البعض اضفاء صفة الأهمية عليها، لكن ما يفضح الحقيقة الجلية، أن حلب كانت بمثابة مدماك لكل أطراف الصراع. التهليل والنشوة التي اجتاحت النظام مع استسلام طرفها الشرقي تحت وقع الصواريخ والبراميل، كذلك الارتدادات التي حدثت مؤخراً في صفوف المعارضة. بشقيها العسكري والسياسي، و رضوخ دول بحجم تركيا وأمريكا لقبول الحل الروسي أو التزام الصمت.
هكذا هي مفاعيل المدن ذات الثقل. تغير من مجريات التاريخ و السياسات. عندما اجتاحت إسرائيل بيروت في ثمانينات القرن الماضي اهتزت النظم العربية من المحيط إلى الخليج ودخلت حالة إرباك، و لأول مرة اعترفت الدول العربية بإسرائيل كدولة. واقع. وعندما وقعت بغداد تحت الاحتلال الأمريكي تغيرت موازين القوى الإقليمية. خاصة فيما يخص منطقة الخليج العربي، و مع سيطرة داعش على الموصل سارع المجتمع الدولي لتغيير خططه في عموم الشرق الأوسط لمواجهة موجة الإرهاب.
يتجلى هذا الشيء اليوم في سوريا مع عودة النظام لبسط سيطرته على كامل حلب. أي العودة الى المربع الأول. هذا المربع الذي طالما سخرت منه المعارضة السورية نتيجة التصاقه كتوصيف بأحد الوجوه الإعلامية التابعة للنظام. بات اليوم حقيقة. رغم المساحات الشاسعة الواقعة تحت سيطرة شتى أنواع الميليشيات، إلا أن سوريا المفيدة التي تحدث عنها الأسد الابن قبل ثلاث سنوات صارت في قبضته. اليوم تكتشف المعارضة السورية مدلول تلك المفردتين. سوريا المفيدة. وسط حالة إحباط شديدة أخذت تسري في أوساط الحالمين بالتغيير. بالحرية والكرامة. إنه الفشل بعينه و لا بأس من معارك جانبية. سياسية وفكرية لإلقاء اللوم على الغير أو التنصل من تحمل التبعات. هذا لسان حال الخندق المجابه للنظام وحلفائه، وربما تأتي هذه المقالة ضمن السياق ذاته.
في الحقيقة كل المؤشرات تدل أن المكنة الثورية التي كانت تحاول أن تنقل سوريا من دولة ذات نظام مستبد، إلى دولة تشاركية ديمقراطية قد توقفت في منتصف الطريق. لذا ترتفع الأصوات اليوم من كل حدب وصوب. داخل وخارج سوريا. للمطالبة بضرورة رفع تلك المكنة المعطوبة من قارعة الطريق. المتمثلة بالمعارضة كمنظومة ثورية. لإفساح المجال أمام ما هو جديد و قادر على مواصلة المشوار المنشود. فهل تنجح أم أن سوريا تمضي نحو التخامد؟
قبل محاولة الإجابة على السؤال لابد من التذكير بتجربة المعارضة السورية في ثمانينات القرن الماضي لزحزحة النظام عن سدة الحكم و التي انتهت بتقوية ظهره بدلاً من قصمه. اليوم و كأن التاريخ يعيد نفسه. مع فارق التوازنات الإقليمية و ثورة الاتصالات الرقمية التي لم يتجاوز دورها أكثر من التوثيق والرصد. لم نجد منعكساً سياسياً أو موقفاً دولياً مبنياً على تلك الثورة الرقمية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة كما تم التبجح بذلك. إزاء صور الدمار والمجازر التي تنقل على الهواء مباشرة. كأن العالم مازال يعيش عصر الصمام الالكتروني أو الحمام الزاجل. أو كأن سوريا هي نفسها. سوريا الثمانينات.
يكمن الخلل الأكبر في نكسة التجربة السورية نحو التغيير. في المرة الأولى و الثانية. الثمانينات و الراهن. في معضلة حقيقية يمكن حصرها في فشل المعارضات السورية طيلة ثلاثة عقود بتشكيل كتلة تاريخية. حسب مفهوم جرامشي الذي يبدو الأكثر قدرة. كمفهوم ثوري وفلسفي. على تفكيك الحالة السورية خلال المرحلتين. جرامشي وكما هو معروف، ربط عملية التغيير بضرورة تشكيل كتلة تاريخية متقاربة في المصالح و الأهداف للدفع بالتاريخ نحو الأمام. التغيير. هذا المفهوم الذي اشتغل عليه أيضاً المفكر العربي الراحل محمد عابد الجابري وعرفه على أنه تجميع لفئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة، و وجد في الاشتغال على هذه الكتلة مقدمة للخروج بدول العالم العربي نحو فضاءات أوسع من الحريات و النمو و الازدهار.
و بعيداً عن إثبات صحة نظرية الكتلة التاريخية التي أنتجها جرامشي على خلفية البون الشاسع ما بين شمال وجنوب إيطاليا. البعض قال أنها فصلت لتناسب واقعاً معيناً، و نالت نصيبها من النقد. إلا أن الراحل محمد عابد الجابري يحيلنا مجدداً إلى البحث في كراساته القديمة. خاصة مع فشل أغلب ثورات الربيع العربي. على الأقل تبدو عليها جميعاً مظاهر الترنح و المرض، و تبدو الحالة السورية كما عرجنا على ذلك في مادة سابقة، وقلنا انها نموذج مثالي للدراسة و التمحيص.
و بالعودة إلى ثمانينات القرن الماضي حيث انقسمت المعارضة السورية. اغلبها كانت ذات ميول يسارية وقومية، على نفسها إزاء الحركة المسلحة التي قامت بها الكتلة الإسلامية المتمثلة بالإخوان. لم تلقى صدى سوى لدى أنصار الزعيم اليساري رياض الترك. و التزمت الأقليات الصمت. اعتبروا الصراع يدور على السلطة. خاصة الكرد. لم يعنهم الأمر بشيء. في الوقت ذاته كانت الأرياف السورية. خاصة الشرقية منها. تعيش حالة عزلة حقيقية عن مجريات الأحداث في حلب وحماة تحديداً، و ظنت الحركات الإسلامية أنها قادرة لوحدها على قلب التاريخ لصالحها. حاولت أن تجرف الأمور باتجاه طائفي لاستمالة هذا المخزون. برميل البارود المدفون. فشلوا فشلاً ذريعاً، و استفرد بهم النظام ليرتكب بصمت مجزرته الشهيرة في حماة، و تحول سجن تدمر إلى رمز و كابوس يلاحق عموم الشعب السوري.
اليوم و بعد أكثر من ثلاثة عقود يعيد التاريخ نفسه. لكن هذه المرة تنتفض أغلب المدن والقصبات السورية، تعم المظاهرات حتى تلك القرى النائية والمنسية، التي لم تكن يوماً ما في دائرة الحسابات، تتجه الأمور نحو التصعيد. النظام يمارس هواياته المعتادة في القتل، و يخلط الأوراق. نظام بارع. يلوث الثورة بالإرهاب. بدورهم التيارات والحركات الإسلامية يسيل لعابهم لأخذ حصتهم من القتل. و هكذا بين ليلة وضحاها تبدو الثورة التي حلم بها السوريون. ليست أكثر من حرب. أو بأحسن الأحوال صراعاً طائفياً.
بالعودة الى جرامشي. نكتشف فشل المعارضات السورية بتشكيل تلك الكتلة التاريخية. لم تستطع إقناع الشعب السوري. المفيد. حسب نظرية الأسد. سوريا المفيدة بالنهاية ليست جغرافيا فقط. إنما هي مجموعة من المصالح المتقاطعة والمشتركة بين مجموعات من البشر. قد يكون التعبير. المفيد بشرياً. قاسياً من حيث النظرة الإنسانية و مفاهيم حقوق الإنسان. لكنه الواقع بكل أسف. استطاع الأسد الابن الحفاظ على الكتلة التي شكلها الأسد الأب خلال فترة حكمه، و صان مصالحها و مزجها بجملة مصالح دولية و أحابيل و قمع دموي ليقترب بالنهاية من شاطئ النجاة. في الوقت الذي اعتمدت فيه المعارضة السورية على مظلومية المهمشين و الفقراء و المستضعفين، و مزجها للمرة الثانية بترياق طائفي لكسب المعركة. لكنه لم يجذب سوى جهاديي ومتطرفي العالم، هؤلاء كانوا في الواقع هم القيمة المضافة لنجاحات خطط النظام السوري. وكانوا بنفس الوقت عالة وحملاً ثقيلاً على الثورة السورية، في الوقت الذي وازن فيه النظام ما بين بعده الطائفي. العلوي. كأقلية مستفردة بالسلطة، و بين تحقيق مصالح شريحة واسعة من الأكثرية التي من المفروض انها مغلوبة على أمرها و نقصد هنا. السنة.
إذاً يمكن القول أنه حيثما نجح النظام بالحفاظ على كتلته التاريخية. السلبية. فشلت المعارضة بتشكيل تلك الكتلة. لا بل بدت أكثر تفككاً و أقل انسجاماً يوماً بعد آخر مع تدفق التمويل و الدعم ، و تفشي سجالات المحاصصة و توزيع الغنائم. و لم تكترث بتحقيق جملة من المصالح. تلك التي تخص جزء كبير من الشعب السوري. الجزء المفيد. على سبيل المثال. تم تحييد مصالح الضباط المنشقين الذين وجدوا أنفسهم مجرد متسولين على أبواب الفنادق التي تقيم فيها المعارضات السورية. و هذا ربما يفسر توقف حركة الانشقاقات عن كتلة النظام. و الأقليات أخذت تشعر بتهديد وجودها مع تنامي النفس الإسلامي وسيطرته على مفاصل المعارضة. حتى أبناء الريف الذين كانوا بالواقع وقود هذه الثورة، فجأة وجدوا أنفسهم في زمهرير مخيمات اللجوء بانتظار السلل الغذائية المقدمة من جمعيات ومؤسسات دولية. ناهيكم عن مصالح التجار و الصناعيين. حتى زعماء العشائر لم يجدوا لأنفسهم مكاناً بين تلك الكتلة التي بدت وكأنها منفصلة تماماً عن تلبية طموحاتهم و مصالحهم، و صار الهدف من الثورة بعد توجهها نحو التسلح. ليس أكثر من إقامة شرع الله.
نعم سوريا اليوم تمضي نحو التخامد. النسبي. بإرادة شعبية ودولية. قد يستغرق هذا الأمر سنوات عدة، وقد يترافق هذا التخامد مع معارك كر وفر. هنا وهناك، و هدن و اتفاقيات. لكن بالتأكيد عجلة التاريخ السوري تحررت من مستنقع الطين اللزج، و لا أحد يستطيع التنبؤ بما هو قادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024