الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة حلب منعطف في مسير الحرب الدائرة في سوريا

سماح هدايا

2016 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


معركة حلب منعطف في مسير الحرب الدائرة في سوريا
استعادة النظام السّوري عبر روسيا وإيران سيطرته على معظم حلب كان خسارة كبيرة للثّورة على المستوى الإنساني، لما رافقه من إبادة شاملة ومذابح جماعيّة وعمليّات تهجير قسري ونزوح مروّعة وتكلفة إنسانيّة عالية. من الصعب الحديث بعقلانية وحياديّة، في ظل الموت الفظيع وأعداد الضحايا وقصص المأساة؛ ومن الصعب أيضا، الكلام الدّقيق عن معركة حلب ونتائجها، نظرا للبس الذي أحيط بها وما رافقها من تشويش وفوضى وتناقض في الخطاب والسرديات. لكنّ الأكيد أنّ القوة العسكرية الباطشة، لن تحقق شيئاً من دون شرعيّة سياسيّة، ومن دون امتلاك قوّة فاعلة على الأرض. ومع أنّ الأوضاع أصبحت مهيّئة لاختراق الواقع القائم بوقف إطلاق نار على نحو ما، وفق توافق روسي تركي مع قوى المعارضة والثورة في الميدان، والسير نحو حل سياسي ؛ فمن المؤكدّ أنّ الأمور لن تسير بسهولة بعد هذه الدماء والحرب الوحشيّة، وقد يكون الاتفاق هشا وموارباً، لاسيما بوجود ميليشيات طائفيّة معادية للحل السياسي تتحالف مع النظام. فمن المؤكّد في ذاكرة تاريخنا أنّ الدم الذي تبخّر في انصهار النار والحجر والبشر على الأرض السوريّة، سينقلب قريباً، على حيثيّات المشهد وعلى المجرمين، لتتحوّل المأساة إلى مفصل تاريخي خطير يدفع نحو الأمام بمشروع سوريا الحرّة.
عمليات التّمويه السياسي باسم التسوية، قد تنجح في تحقيق مكسب سياسي وعسكري؛ لكنّ مشروع الثورة سيعمل على إنتاج عقليّة سياسيّة وعسكريّة جديدة ناضجة، تتابع المسير؛ فالمعركة فصل من حرب ولا تنتهي في جولة ومشهد؛ لأنّ الزمن مستمر لا يتوقف عند حدث قصير مهما كان هوله. حلف النظام الشعوبي الطائفي نجح، واقعيا، بدعم الطيران الروسي وقيادته العسكريّة، في السيطرة على أحياء حلب الشرقية المدمرة؛ وتهجير المدنيين وطرد الثوار لتغيير الخريطة العسكرية والسياسية والعقائديّة لحلب؛ عبر تحقيق خسارة إنسانية فادحة من ناحية الدمار الساحق الذي لحق بالمدينة العريقة وبأهلها، مستغلا وجود العسكر بين المدنيين. لكن هذا الضجيج الذي تثيره سرديّة الانتصار الساحق، وتضخيم الهزيمة بالخطاب والإعلام، والعزف على إيقاع الانهيار، ليس انتصارا استراتيجيا بقدر ما هو سعي لكسرالإرادة وتطويق قوى المعارضة والثورة وجرّها إلى الاستسلام والتسوية؛ خصوصا مع عجز الحاضن الإقليمي عن حماية الخطوط الحمراء للحرب.
العجز عن تحقيق الانتصار الحقيقي للغازي والمعتدي يتجلى في سياسة الأرض المحروقة، وهو ما ظهر في بربرية المعركة التي خاضتها روسيا والعصابات الطائفيّة الإيرانية وعصابات الأسد، بتدمير أحياء حلب الشرقيّة وحرق الأطفال والنساء والشيوخ والرجال ودهس البشر وارتكاب المجازر. الحرب في سوريا، هي عدوان وإرهاب وانتقام وإجرام؛ فلا أحد يمكن أن يبرّر ما حدث في حلب بحق المدنييين باسم دين ، أو رمز ديني، أو قضية نبيلة.أو حتى بشرعيّة حرب على الإرهاب ونصرة العلمانيّة الديمقراطيّة . لذلك لن ينتصر النظام وحلفاؤه مهما قتلوا؛ لأن القتل لن يغير في إرادة الشعوب الثائرة التي تدافع عن وجودها ومصيرها؛ بل جروح الشعوب العميقة هي شروخ تاريخية، ويتكوّرالجرح الغائر في العظم والعصب نارا، ويتحوّل إلى انفجار عظيم وتحد قوي. فما حصل بحلب الشرقيّة لن يمر من دون آثار عميقة، أقلّها الاصرار على النصر والثأر من القاتل، ونمو آليات مجابهة وتصد غير اعتيادية، وبزوغ فرص جديدة في التوافقات القادمة.
أعظم الانتصارات المجيدة تتكوّن في مرجل المحن الشديدة؛ فالأوقات الصعبة تحمل ميزة إيجابيّة، وهي قدرتها على تفجير القوة الداخلية للإبداع؛ فبصيص الأمل ينير الطريق المظلم لاستمرار الكفاح من أجل الهدف النبيل المنشود. ماحصل في حلب، لا يكفي وصفه بوصمة عار وانهيار إنساني ومأساة وكارثة؛ فرثاء المدن الزائلة انتهى عهده، والتوصيف المأساوي لن يقدم شيئاً للشعب السوري وثورته. الحرب الآن حرب نهوض لا حرب سقوط، تستدعي العض على المأساة بالتحليل المنطقي والخطاب الناضج ومراجعات جديّة لاستنباط تكتيكات وحلول جديدة، والاسترشاد بالقراءة التاريخيّة الموضوعيّة والعمل وفقها، بكل التقنيات الممكنة؛ فلا حل للحرب على سوريا بالاستسلام والإذعان للطغيان والتسوية غير العادلة. وواهم من يرى أن الثورة انتهت في مأساة حلب ؛ فحلب محطة من حرب واسعة في سوريا وما حولها...هي ليست أول الحرب ولا آخرها. الحرب طاحنة وفصولها كثيرة وأشكالها متغيّرة. وقد تشعل نيران حرب أوسع وأشد شراسة؛ فمساعي الصلح والتسوية لن تردع مطامع روسيا وايران عن مدّ الهيمنة وبسط النفوذ، كذلك لن تكبح المطامع الامريكية والغربيّة التي تستغل كل القوى لتمزيق المنطقة حفاظاعلى مصالحها وعلى أمن المشروع الصهيوني وبرامجها العسكريّة السياديّة.
سوريا أصبحت نقطة محوريّة في التّحارب الدولي الظاهر والخفي: أمريكا، روسيا، إيران، تركيا، إسرائيل، العرب. لكنّ أي نظام يميل للفوضى بمعنى التغيير نحو التفكك. الفوضى التي حدثت في سوريا، إن لم يحصل احتواؤها بشكل صحيح، فسوف تمتدّ وتغيّر في الواقع الذي تم إيجاده ليبتلع أهل المنطقة ...وبالتالي؛ فالأدوات التي أسست لقيام اللادولة ، إن لم يحصل استبعادها؛ ستتسع مفعولاتها.. الاضطراب الذي حدث في المنطقة سيشمل الآخرين. الطريقة الجيدة لاحتوائه هي استئصاله جذريا، وهذا لا يحصل حتى الآن، فكل ما يحصل حلول ترقيعية مجزوءة. أما محادثات الحل السياسي التي جاءت بسرعة البرق بعد حلب...فيشوبها اسئلة كثيرة، وبالذات حول التوقيت والتنفيذ والمبدأ. فما الذي تملكه الدول والقوى المجتمعة لتنفيذ حل عادل شامل تضمنه وتضمن وقف الاعتداء على سوريا وشعبها وانسحاب جميع الأطراف المعتدية وإزاحة النظام الذي قتل الشعب؟.هل سيتمكن هؤلاء الذين أسهموا في الحرب بعد هذه السنوات من تحقيق انتقال سياسي يستند إلى بيان جنيف وقرار مجلس الأمن2254 ؟
الجرح السوري عميق جدا، والشفاء منه مرهون بالحوار والتّحالف السوري السوري، وإعادة النظر في العلاقة مع الحاضن الاقليمي. وبعيدا عن التّنظير في الدروس المستقادة من حلب؛ فإنّ استحقاقا أمام قوى الثورة والمعارضة لإعادة صياغة التفكير واستراتيجيّة العمل والخطاب. معركة حلب مهمّة في سياق السير العام للثورة؛ أزالت الغشاوة عن الصورة الحقيقية لأفراد وأسماء وجهات محسوبة على المعارضة والثورة، سواء في الوسط السياسي، أو المدني، أوالعسكري، أو الإعلامي. وكشفت عن الضعف الشديد في أداء المعارضة ووعيها وفي تماسك عمل الفصائل، وما ظاهرة الهرب الفردي من ركب المعارضة بعد معركة حلب، للتملّص من المسؤوليّة ، أو حالة الاختراق العسكري إلا تأكيدا على ضعف الإيمان بالثورة ونقص الوعي؛ بالإضافة إلى الفرقة والتشرذم والفوضى والانتهازيّة والولاءات المشبوهة.. فلو كان هناك جبهة وطنيّة سورية متينة جديّة لها شرعية ومرجعيّة شعبيّة، لاتسع مجال الصمود والمواجهة بطريقة أفضل.
مازالت جذوة الثورة عاملة بقوة، رغم تكسير العظام. ومثلما دفعت حلب والثورة خسارة في الحرب؛ فللمعركة التي أثبتت قوة عزيمة الثوار نتائج سياسية مهمة، وانعاكسات كبيرة على حلف العدوان والطغيان، الذي بدأ الشرخ يقسم وحدته باختلافات جوهرية في المصالح والنفوذ، ستؤثر في الاصطفاف المستقبلي. وربما سيضطر الحاضن الاقليمي الذي يمسك العصا من المنتصف في لحظة ما لخوض حرب مصيرية، تتفق في نتائجها مع صالح الثورة السورية ومشروع التحرّر. لكنّ أهميّة معركة حلب يكمن في تغيير ذهنية المعركة، خصوصا، بعد اكتشاف السوريين اصطفاف العالم ضدهم، وعدم مساعدتهم. واصبح هناك ضرورة لصعود صوت قوى سياسية وعسكريّة واقعيّة جديدة، تسحب البساط من تحت الأقدام القديمة. إنّ توحيد الجهود السياسية والعسكرية لا مجال لتأخيره. قضية سوريا لم تعد ثورة فقط. بل جزء من حرب دولية، هي نضال ضد عدوان يستهدف الوجود والتاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة