الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق اليسار - العدد 91

تجمع اليسار الماركسي في سورية

2016 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 91 كانون أولديسمبر 2016 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *

الليبرالية الجديدة في سوريا


ماتت الليبرالية القديمة في سوريا التي كانت مجسدة في حزب الشعب بزعامة رشدي الكيخيا وناظم القدسي، في مرحلة ما بعد تسلم حزب البعث السلطة إثر انقلاب الثامن من آذار 1963. كانت فكرتا الديموقراطية والليبرالية منبوذتين، ليس فقط من البعثيين وإنما أيضاً من الناصريين والإسلاميين والشيوعيين، وعندما بادر الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي، في مشروع موضوعات المؤتمر الخامس في شهر آذار 1978 إلى طرح فكرة «الديموقراطية»، بمعناها البرجوازي بعيداً عن «الديموقراطية الشعبية» و»الديموقراطية الثورية»، اتُهم من ماركسيين آخرين بـ»الانحراف»، وقد كان رأي الدكتور نايف بلوز الذي ترك الحزب في الشهر الأخير من عام 1978 عقب انعقاد المؤتمر الخامس الذي تبنى الموضوعات، بأن الأخيرة تحوي بذرة «نزوع ليبرالي إن لم يتم تحصين فكرة الديموقراطية بلقاح ماركسي قوي».
بعد ربع قرن من الزمن تم تلمس عياني لنبوءة الدكتور بلوز: عقب سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي يوم التاسع من نيسان 2003 بدأ الأمين الأول للحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي رياض الترك بشم رياح صدام أميركي ــ سوري بعدما تم تعويم الدور الإقليمي السوري، انطلاقاً من الدخول السوري إلى لبنان في الأول من حزيران 1976 عبر توافق أميركي ــ سوري وهو ما كان الحدث الذي شكل بداية الصدام بين الحزب والسلطة السوريا عبر بيان صدر أواخر ذلك الشهر ضد الدخول العسكري السوري إلى لبنان. في أيلول 2003 طرح الأستاذ الترك نظرية «الصفر الاستعماري» وبعد عودته من جولة في القارتين الأوروبية والأميركية بدأ للمرة الأولى في كانون الأول 2003، في تأييد فكرة التخلي عن الماركسية وتأييد استبدال اسم الحزب.
كان سقوط بغداد هو المنصة الرئيسية لنشوء «الليبرالية الجديدة» في سوريا: قبل هذا كان هناك إرهاصات عند ماركسيين عقب سقوط الكتلة السوفياتية في خريف 1989 وتفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 لطرح أفكار بعيداً عن الماركسية بتأثير صدمة ذلك السقوط والتفكك. في كتاب كريم مروة: «حوارات»، دار الفارابي، بيروت 1990، تم طرح «ضرورة البحث عن نظرية ثورية جديدة من أيديولوجيات عدة للوصول إلى حركة ثورية جديدة»، في طرح جديد من قبل قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني. ترافق هذا عند شيوعيين وماركسيين عرب كثر بالحديث عن: "نهاية الإيديولوجية في العمل السياسي»، وعن أن "الحزب السياسي يتحدد من خلال برنامجه السياسي وليس عبر منهجه المعرفي التحليلي". في نيسان 1998 طرح الدكتور جمال الأتاسي، أمين عام التجمع الوطني الديموقراطي: يضم خمسة أحزاب وحركات سورية: الاتحاد الاشتراكي، الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي، حركة الاشتراكيين العرب، حزب البعث الديمقراطي، حزب العمال الثوري العربي فكرة «تحويل التجمع من تحالف إلى حركة سياسية واحدة بألوان أيديولوجية متعددة»

كانت المفاجأة هي موافقة قيادة المكتب السياسي على الفكرة، التي تمت مقاومة كبرى لها في الحزب، وقد كان لخروج رياض الترك من السجن في يوم 30 أيار 1998 دوراً حاسماً في موت تلك الفكرة، وهو الذي أعلن في صحف عدة لاحقاً أنه «لن يشتغل سوى تحت راية الحزب الشيوعي». في المؤتمر التداولي للحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي في آذار 2001 كان هناك شخص واحد فقط طرح فكرة التخلي عن الماركسية واستبدال اسم الحزب من بين 45 مندوباً. عقب التاسع من نيسان 2003 كان هناك صورة سورية يسارية مختلفة: اتجاه كبير في الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي وحزب العمل الشيوعي بأطره المستمرة تنظيمياً بعد إعادة الترميم عام 2000 أو التي لم تستمر، وفي حزب العمال الثوري العربي، نحو تبني طروحات «الليبرالية الجديدة» التي تجسدت في مقولات "موت الأيديولوجيا" و"الحزب برنامج سياسي فقط" و"الديموقراطية هي المنظار إلى كل المواضيع والديموقراطية مفتاحية وشرطية أمام القضايا الأخرى: الوطنية والقومية والاقتصادية الاجتماعية " مع ميول كانت صريحة أحياناً ومضمرة حيناً آخر نحو تحبيذ الاستعانة بالخارج من أجل التغيير الداخلي ما دامت الديكتاتوريات قد "جففت الينابيع الداخلية للتغيير". كان ملفتاً للنظر أن الليبرالية الجديدة السورية قد أتت من هذه المنصات الحزبية: الشيوعية المنشقة عن السوفيات وخالد بكداش عام 1972، ومن «اليسار الجديد» الذي ولّد حزب العمل الشيوعي عام 1981 من رحم رابطة العمل الشيوعي والحلقات الماركسية، عندما ولدت الأخيرة من انزياح أفراد عن حركات عروبية في البعث وحركة الاشتراكيين العرب وحركة القوميين العرب إثر هزيمة 1967، ومن حزب البعث اليساري عام 1964 الذي تولد عنه بالعام التالي حزب العمال بزعامة ياسين الحافظ الذي مزج الماركسية والعروبة والليبرالية. وجدت الليبرالية الجديدة هوى كبيراً عند مثقفين سوريين كثر في فترة 2004 ــ 2011، بعدما كانت الماركسية مسيطرة عليهم في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، ولم تلاق رواجاً سوى عند أفراد قلائل في الحزب الشيوعي خالد بكداش، مثل الدكتور عبد الرزاق عيد، فيما انزاح الكثير من الشيوعيين الأكراد ــ ومعظمهم كانوا مع بكداش ــ نحو الاتجاه القومي الكردي.
كاتجاه عام، لم تتلون الليبرالية الجديدة السورية وتتحدد فقط بنزعة الاستعانة بالخارج بل وبالذيلية التحالفية مع الإسلاميين، كما تجسد هذا عند حزب «الشعب الديموقراطي»، المؤسس من قبل رياض الترك عام 2005 وعند بقايا مثقفي لجان المجتمع المدني، حيث ظهرت هذه الذيلية ابتداءً من إعلان دمشق المجلس الوطني السوري وصولاً إلى الائتلاف. بحسب عبارة قيلت عام 2011 تعقيباً على إعلان المجلس من اسطنبول من أحد الكوادر المعارضة لرياض الترك في الحزب الشيوعي ــ المكتب السياسي: «شهوة الزواج السياسي مع الإخوان المسلمين عند رياض موجودة منذ أحداث 1979 ــ 1982»، وهي في الواقع لم تكن موجودة عند غيره في الحزب واقتصر الأمر في خط قيادة الحزب على تكتيك سكوتي غير هجومي على «الإخوان» في تلك الأحداث مع اعتبار التناقض الرئيسي مع السلطة والثانوي مع الإسلاميين وفي الوقت نفسه تقديم خط ثالث: وطني ديموقراطي تغييري جذري متمايز عنهما.
كيف سيكون مصير الليبرالية الجديدة السورية بعد فشل الإسلاميين المدعومين من الغرب على الأقل حتى 2014، في مجابهة 2011-2016، مع السلطة، كما تقول حلب مثلما قالت حماة 1982 عن مجابهة 1979 ــ 1982؟
-----------------------------------------------------------------------------------------------

إعلان موسكو حول التسوية السورية
(20/12/2016)
(صدر عقب الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية روسيا وتركية وايران)
1- إيران روسيا وتركيا تؤكّد احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية كدولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان .
2- إيران روسيا وتركيا على قناعة أن لا وجود لحل عسكري للأزمة في سوريا. وتدرك أهمية دور الأمم المتحدة في الجهود الرامية إلى حل هذه الأزمة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254. الوزراء الثلاثة يأخذون بالاعتبار حلول المجموعة الدولية لدعم سوريا. ويحثون جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى التعاون لإزالة العقبات التي تعترض تنفيذ الاتفاقات الواردة في الوثائق المذكورة.
3- إيران روسيا وتركيا تدعم الجهود المشتركة في شرق حلب التي تسمح بالاجلاء الطوعي للسكان المدنيين والخروج المنظم للمعارضة المسلحة. يرحّب الوزراء كذلك بالاجلاء الجزئي للسكان المدنيين من الفوعة وكفريا والزبداني ومضايا. وملتزمون بضمان استمرارية وسلامة وتمام هذه العملية. يعرب الوزراء عن تقديرهم لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية على المساعدة في تنفيذ الإجلاء.
4- يوافق الوزراء على أهمية تمديد نظام وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الانسانية دون عوائق وحرية تنقل المدنيين داخل البلاد.
5- إيران روسيا وتركيا تعرب عن استعدادها للمساهمة وتشكيل الضمان لاتفاقية مستقبلية بين الحكومة السورية والمعارضة، الاتفاقية التي تدور حولها المفاوضات. ودعت إيران روسيا وتركيا كل الدول التي لها تأثير على الوضع "الميداني" للتصرف على المنوال ذاته.
6- إيران روسيا وتركيا على قناعة تامة بأن الاتفاقية المذكورة ستساعد على إعطاء الزخم اللازم لاستئناف العملية السياسية في سوريا وفقا لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 2254.
7- الوزراء يأخذون في الاعتبار الدعوة الكريمة لرئيس جمهورية كازاخستان لعقد الاجتماعات المناسبة في أستانا.
8- إيران روسيا وتركيا تؤكّد على عزمها في المكافحة الجماعية لتنظيم الدولة وجبهة النصرة وفصل المعارضة المسلحة عنها (عن هذين التنظيمين).
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
هيئة التنسيق الوطنية
لقوى التغيير الديمقراطي
بيان سياسي
عقد المكتب التنفيذي اجتماعه بتاريخ ٢٠١٦/١٢/٢٨ عقب احداث ميدانية خطيرة، في كل من حلب وادلب والباب ووادي بردى والغوطة الشرقية، وتطورات سياسية هامة، في ضوء اعلان موسكو وتفاعلاته، واستكمال الاتصالات لعقد اجتماع للقوى الوطنية الديمقراطية. وقد تم التداول في تلك المسائل ويرى فيها
١ -إن معركة حلب حسمت في لحظة إطباق الحصار على شرق المدينة، بعد سقوط طريق الكاستيلو. وقد التقط الجانب الروسي اهمية تحول الموقف التركي والتقيا في ممارسة دور مباشر في دفع مسار الحل السياسي امام حالة الاستعصاء في مفاوضات جنيف ٣، بدءاً من اجراء محادثات مباشرة في تركيا مع الفصائل المسلحة المحاصرة وابرام اتفاق لفك الحصار عنها وعن المدنيين المحاصرين.
هذا النجاح في فك الحصار والخروج الآمن للمسلحين والمدنيين، كان البداية لانطلاق اجتماعات وتنسيق روسي تركي وايراني وباطلاع امريكي ومعرفة من النظام السوري، وفي صدور اعلان موسكو، الذي أخرج المأساة السورية من حالة السكون وانسداد الأفق بفعل عوامل فرضتها عملية اختلال موازين القوى وحالة الانتقال لدى الادارة الأمريكية.
٢- وفي ضوء ما تحقق فتحت روسيا وتركيا وباشتراك إيران طريقاً نحو الحل السياسي، ونحن نرى ان التأكيد على وحدة وسيادة سورية دون اشتراطات مسبقة على شكل النظام السياسي إلا بمشاركة كافة ابناء الشعب السوري، وفي ايجاد آليات لتفعيل القرار ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥، وعلى أساس بيان جنيف ١. وفي اصرار على وقف شامل ومستمر لإطلاق النار على كامل الأراضي السورية، يكون مدخلاً لفك الحصار عن العديد من المناطق، وادخال المساعدات الانسانية.
٣- إن مفاوضات جادة وشاملة يبدأ التمهيد لها من آستانا، وتصل الى جنيف وبرعاية دولية، تستوجب ان تبني على ما تم في مؤتمر جنيف ٣ ودون استبعاد لأحد، وتمهد لتحقيق الانتقال السياسي.
وبهذا الشأن ترحب هيئة التنسيق الوطنية بإعلان موسكو الصادر عن وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وترى فيه ارادة جادة للامساك بطريق الحل السياسي، وأن أسس نجاح أي لقاء أو مؤتمر تتطلب عدم الخروج عن مضمون بيان جنيف /1/ والقرارات 2118 و2254، وأن يكون متابعة للعملية السياسية التي بدأت في مؤتمر جنيف /3/ تحت مظلة الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى سوريا، وأن يكون مؤتمر الأستانة محطة لاستئناف العملية السياسية التفاوضية في موعدها المحدد أواخر الشهر، انما تستوجب المزيد من الوضوح والتشاور.
٤ -إننا في هيئة التنسيق نرحب بالاتفاق على وقف إطلاق النار الشامل على جميع الأراضي السورية، بما فيها الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ونأمل الالتزام به، بدءاً من منتصف ليل الخميس ٣٠١٦/١٢/٢٩، وبالضمانات الروسية والتركية، وموافقة الأطراف المعنية الملتزمة بالحل السياسي، ووضع الآليات اللازمة لمراقبة تنفيذه.
٥- ان السعي المشترك لعقد اجتماع لقوى المعارضة الوطنية الديمقراطية الذي بدأ التواصل بينها بشأنه، ضرورة وطنية للدفع باتجاه الحل السياسي وبعيداً عن الاستقطابات والانحياز الاقليمي والدولي مؤتمراً لإنقاذ سورية وتعزيز فرص نجاح الحل السياسي ووحدة جهود المعارضة في المرحلة الانتقالية وبناء سورية المستقبل، وتعزيز بناء مشروع وطني للتغيير الجذري والشامل.

دمشق في 29/12/2016 المكتب التنفيذي
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مواد ماركسية :
نقد روزا لوكسمبورغ للبلاشفة في السلطة
نشر في‫:الاربعاء, كانون اول 4, 2013 - 16:59

الكاتب/ة: توني كليف.
ترجمه‫/ته الى العربية‫: وليد ضو
المصدر‫: http://al-manshour.org/node/4815
خلال شهري أيلول وتشرين الأول عام 1918، وأثناء وجودها في سجن برسلاو، كتبت روزا لوكسمبورغ كتيبا عن الثورة الروسية. لم تستعمل روزا فقط الصحف الألمانية كمصدر لمعلوماتها إنما اعتمدت أيضا على الصحف الروسية التي كان رفاقها يهربونها لها إلى داخل زنزانتها. لكنها لم تنته من كتابته، فعند بداية الثورة الألمانية كانت روزا خارج أسوار السجن.صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتيب عام 1922، بعد وفاة روزا لوكسمبورغ، على يد رفيقها بول ليفي. هذه الطبعة لم تكن كاملة، وعام 1928 صدرت طبعة جديدة على اعتبار أنها مخطوطة تم العثور عليها حديثا.
كانت روزا لوكسمبورغ من أكثر المتحمسين لثورة أكتوبر وللحزب البلشفي، وأوضحت ذلك في كتيبها، عندما كتبت:
"كل ما يمكن لحزب أن يقدمه من شجاعة وبعد نظر ثوري واتساق في لحظة تاريخية مفصلية، لينين وتروتسكي وبقية الرفاق استطاعوا أن يقدموه على أحسن وجه. كل الشرف والقدرة الثورية التي تفتقر إليهما الاشتراكية الديمقراطية الغربية تمثلا في البلاشفة. انتفاضة أكتوبر لم تكن الخلاص الفعلي للثورة الروسية، لكنها كانت أيضا الخلاص للاشتراكية الأممية" (1).
كما كتبت:
"ليس مهما هذا السؤال التكتيكي الثانوي أو ذاك، ولكن قدرة البروليتاريا على الفعل، وقوة العمل، وإرادة الاشتراكية على القيام بشيء مماثل. من هنا، مضى لينين وتروتسكي ورفاقهما قدماً كمثال للبروليتاريا في العالم، وكانوا الوحيدين الذين استطاعوا الهتاف مع أولريخ فون هوتن: "لقد تجرأنا!".
هذا الأمر أساسي ودائم في السياسة البلشفية. في هذا المعنى فقد قدموا خدمة تاريخية خالدة لسيرهم على رأس البروليتاريا الدولية واستيلائهم على السلطة السياسية والعمل على حل المشاكل في سبيل تحقيق الاشتراكية، ولأنهم فرضوا حلا نموذجيا يحتذى به في كل العالم للنزاع بين رأس المال والعمال... بهذا المعنى، إن المستقبل في كل مكان يرتبط بـ"البلشفية"" (2).
على الرغم من إشادتها الكبيرة بثورة أكتوبر، اعتبرت روزا لوكسمبورغ أن القبول بكل ما فعله البلاشفة دون تمحيص لن يكون في خدمة الحركة العمالية. الأسلوب الماركسي في التحليل، وفقا لها، كان بعدم قبول أي فكرة دون إخضاعها للنقد الثوري.
وكان واضحا أن ظروف عزلة الثورة الروسية سببتها خيانة الاشتراكية الديمقراطية الغربية الأمر الذي أدى إلى تشوهات في تطورها. من دون الدعم الثوري الأممي، "لا مجال إلا أن تصبح أكبر الطاقات وأكبر التضحيات المبذولة من البروليتاريا داخل بلد واحد إلى تشابك لمتاهة من التناقضات والأخطاء" (3).
بعد أن كشفت عن بعض تلك التناقضات والأخطاء، أبرزت بوضوح عن أسبابها، قائلة:
"كل ما يحدث في روسيا هو أمر مفهوم ويمثل سلسلة حتمية من الأسباب والنتائج، نقطة البداية والنهاية هي: فشل البروليتاريا الألمانية واحتلال ألمانيا الإمبريالية لروسيا. ذلك يعني أنك ستطلب من لينين ورفاقه ما يفوق قدرتهم في مثل هذه الظروف حيث توجب عليهم اعتماد أفضل أشكال الديمقراطية، ديكتاتورية العمال، وتحقيق الاقتصاد الاشتراكي المزدهر. بموقفهم الثوري المصمم، وقوتهم المثالية على العمل وولائهم غير القابل للكسر للاشتراكية الأممية، ساهموا بما تسمح لهم قدراتهم بذلك في ظل ظروف صعبة إلى حد بعيد" (4).
في وقت تحوّل العوامل الموضوعية الثورات إلى خطأ فادح، أما العوامل الذاتية الكامنة في القيادة فتجعل هذه الأخطاء أمرا خطيرا. إنها تحتوي على مخاطر خاصة عندما تتحول إلى فضائل: "لا يبدأ الخطر فقط عندما يحولون الفضائل إلى ضرورة ويجمدون مجمل النظام النظري للتكتيكات التي فرضت عليهم في مثل هذه الظروف الصعبة، ويريدون تقديم ذلك كنموذج للتكتيكات الاشتراكية للاشتراكية الأممية" (5).
ولكن كان ذلك فكرة خطيرة على وجه التحديد، عندما استغلتها الأحزاب الستالينية (وكذلك من قبل بعض الذين يعتبرون أنفسهم معادين للستالينية).
انتقدت روزا لوكسمبورغ البلاشفة في السلطة لما اعتبرته سياستهم الخاطئة فيما يتعلق بما يلي:
1. مسألة الأراضي.
2. مسألة القوميات.
3. الجمعية التأسيسية.
4. الحقوق الديمقراطية للعمال.
سنتناول كل مسألة على حدة.
السياسة الاشتراكية للأراضي، قالت روزا لوكسمبورغ، يجب أن تهدف إلى تشجيع تحقيق اشتراكية الانتاج الزراعي:
"... وحده التأميم الواسع للأراضي، والوسائل التقنية الأكثر تقدما وتركيزا للانتاج الزراعي، يمكن أن يكون نقطة الانطلاق لتحقيق الطريقة الاشتراكية للانتاج. بالطبع، ليس من الضروري تجريد صغار الفلاحين من أراضيهم، ويمكننا بكل ثقة تركهم حتى يكتسبوا طوعيا مزايا متقدمة من الانتاج الاجتماعي وإقناعهم بمزايا الاتحاد داخل التعاونيات وثم إدراجهم في الاقتصاد الاشتراكي بشكل عام. كل الإصلاحات الاقتصادية الاشتراكية المتعلقة بالأراضي يجب أن تبدأ بشكل واضح مع الملكيات الكبيرة والمتوسطة. هنا لا بد من تحويل كل حق بالملكية لصالح الأمة، أو الدولة، التي، مع الحكومة الاشتراكية، تهدف إلى الأمر نفسه لأنها وحدها تتيح تنظيم الانتاج الزراعي المترابط مع متطلبات الانتاج الاجتماعي بشكل واسع" (6).
ومع ذلك، كانت السياسة البلشفية، على العكس من ذلك: "كان الشعار الذي أطلقه البلاشفة يعتمد على ضبط وتوزيع الأراضي بواسطة الفلاحين... ليس فقط... تدبيرا اشتراكيا، بل حتى يقطع الطريق على مثل هذه التدابير، لأنه يراكم العقبات أمام التحول الاشتراكي للعلاقات الزراعية"(7).
روزا لوكسمبورغ كانت على حق، كما أثبتت الأيام، وكانت كلامها نبويا، عندما أشارت إلى أن توزيع الأراضي على الفلاحين من شأنه تعزيز الملكية الخاصة في الريف، وبالتالي سيزيد مجموعة جديدة من الصعوبات في مجال تحقيق اشتراكية القطاع الزراعي في المستقبل:
"في السابق لم يكن هناك سوى مجموعة صغيرة من النبلاء والرأسماليين المالكين للأراضي وأقلية صغيرة من البرجوازيين الأثرياء الذين يعارضون الإصلاح الاشتراكي للأراضي. ومصادرة الأراضي على يد حركة جماهيرية ثورية كان مجرد لعبة أطفال. ولكن اليوم، بعد أن تحقق "الضبط" [المصادرة]، فإن معارضة كل محاولة لتحقيق اشتراكية الانتاج الزراعي ستكون كبيرة، فالفئة الحديثة والمطورة من الفلاحين المالكين للأراضي ستدافع عن بأسنانها وأظافرها ضد كل هجمة اشتراكية" (8).
وأهمية هذه الحقيقة- عزل الطبقة العاملة الصغيرة في بحر من العداء، من الفلاحين الرأسماليين الصغار، أنها أُثبِتت بصعود ستالين!
ومع ذلك، لم يكن أمام لينين وتروتسكي أي بديل. صحيح أن برنامج الحزب البلشفي ينص على تأميم كل الأراضي. وأن لينين جادل بقوة ضد الاشتراكيين الثوريين الذين كانوا يؤيدون فكرة توزيع الأراضي على الفلاحين. مع ذلك، عام 1917، عندما تتطلبت مسألة الأراضي حلا فوريا، تبنى لينين على الفور شعار الاشتراكيين الثوريين الأكثر إدانة، أو حتى الحركة الفلاحية العفوية. وإذا لم يفعل البلاشفة ذلك، كانت ستقع الطبقة العاملة المُدنية التي يقودها في عزلة عن الريف، وستكون الثورة قد ولدت ميتة، أو على الأكثر قصيرة الأجل (كما كان الحال مع الثورة المجرية عام 1919).
أي استراتيجية أو تكتيك بلشفي يمكن التغلب على التناقض الأساسي في الثورة الروسية، خاصة أنه يكمن ضمن طبقتين متناقضتين، الطبقة العاملة والفلاحين، الأولى جماعية، والثانية فردية. في بداية العام 1906 كان تروتسكي قد افترض أن احتمال الثورة المقبلة، حيث ستقود الطبقة العاملة الفلاحين، ستنهي تعارض الأخيرين المرير مع العمال إلا أن الثورة يمكن أن تنقذ قوة العمال من الإطاحة:
"البروليتاريا الروسية... ستواجه عداء منظما ناتجا عن ردة فعل الناس وجهوزية البروليتاريا لتقديم المساعدة لتنظيم الثورة. عندما تترك لوحدها، فمن الأكيد أنه سيتم سحق الطبقة العاملة في روسيا على يد الثورة المضادة عندما يوجه الفلاحون هجومهم إلى الطبقة العاملة. لن يبقى شيئا للعمال، وسينعكس ذلك على مصير الحكم السياسي، وبالتالي مصير الثورة الروسية بمجملها وامتدادا إلى الثورة الاشتراكية في أوروبا" (9).
تحليل روزا لوكسمبورغ لسياسة البلاشفة المتعلقة بالأراضي يظهر حقيقة الوضع في الثورة الروسية، ويشير إلى المخاطر المتكررة الكامنة في السياسات البلشفية. ولكن الوضع لم يسمح للبلاشفة اتخاذ أي سياسة ثورية للأراضي إلى جانب تلك التي نفّذوها: الخضوع للإرادة الديمقراطية والعفوية للفلاحين لتوزيع الأراضي المصادرة من مالكيها.
لم تكن روزا لوكسمبورغ أقل انتقادا للسياسة البلشفية المتعلقة بمسألة القوميات، فقد حذرت من الأخطار التي تهدد الثورة:
البلاشفة مسؤولون جزئيا عن أن الهزيمة العسكرية تحولت إلى انهيار وانهزام روسيا. بالإضافة إلى ذلك، البلاشفة أنفسهم، وإلى حد كبير، زادوا من الصعوبات الموضوعية لهذا الوضع من خلال وضعهم لشعارهم موضع التنفيذ: ما يسمى بحق الشعوب بتقرير مصيرها- أو الذي كان يشير ضمنيا- إلى تفكك روسيا" (10).
وبدلا من اعتماد شعار حق الشعوب بتقرير مصيرها اقترحت روزا سياسة "العمل على تحقيق وحدة القوى الثورية على امتداد الإمبراطورية... والدفاع بالأسنان والأظافر عن وحدة أراضي الأمبراطورية الروسية كمجال للثورة ومعارضة كل أشكال الانفصال، والتضامن البروليتاري غير الانفصالي في جميع الأراضي ضمن نطاق الثورة الروسية بوصفها القيادة السياسية العليا" (11).
كم كانت روزا لوكسمبورغ على خطأ في هذه المسألة!
لو عمل البلاشفة بنصيحتها بشأن هذه المسألة لكانت قد تمكنت الطبقات الحاكمة في الدول المضطهدة سابقا أكثر فأكثر من حشد الجماهير الشعبية إلى جانبها وزيادة عزلة السلطة السوفياتية. من خلال اعتماد حق الشعوب في تحقيق مصيرها داخل الدول المضطهدة سابقا يمكن كسب الوحدة الثورية لجميع الشعوب. وكان ذلك السبيل الذي استطاع البلاشفة من جمع التفاف على الأقل جزء من الأراضي التي فقدت في الحرب العالمية وبداية الحرب الأهلية- في أوكرانيا، على سبيل المثال. وبسبب الانحراف عن سياسة حق الشعوب في تقرير مصيرها صُدَّ الجيش الأحمر عند أبواب وارسو، وثم جلبوا لأنفسهم كراهية الجورجيين عندما احتلوا جورجيا وأغرقوها بنظام بيروقراطي معاد للديمقراطية (12).
في المسألة القومية، وكذلك مسألة الأراضي، أخطأت روزا لوكسمبورغ لأنها انطلقت من مبدأ القرار الشعبي، وهو مبدأ مركزي لأفكارها وأعمالها بشكل عام.
واحدة من الانتقادات التي وجهتها روزا لوكسمبورغ إلى البلاشفة كانت الجمعية التأسيسية. فكتبت:
"صحيح أن لينين ورفاقه كانوا يدعون بشدة إلى عقد الجمعية التأسيسية حتى حين انتصارهم في أكتوبر، وهذه المسألة كانت إحدى النقاط الأكثر عنفا في هجمات البلاشفة ضد حكومة كيرنسكي.
في الواقع، يقول تروتسكي في كتيبه المثير للاهتمام، من أكتوبر إلى بريست- ليتوفسك، أن ثورة أكتوبر تمثل "خلاص الجمعية التأسيسية" وكذلك للثورة بشكل عام. "وعندما قلنا"، يتابع، "ان الوصول إلى الجمعية التأسيسية لا يتم من خلال مجلس زيريتيلي ولكن فقط من خلال استيلاء السوفيتات على السلطة، كنا على حق تماما".
بعد الدعوة إلى الجمعية التأسيسية، حلها القادة أنفسهم في 6 كانون الثاني عام 1918.
ما اقترحته روزا لوكسمبورغ في كتيبها كان الاعتماد على سلطة السوفيات إلى جانب الجمعية التأسيسية. ولكن الحياة نفسها أظهرت بوضوح أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى ازدواجية السلطة، التي من شأنها تهديد جهاز سلطة العمال، السوفيتات. برر قادة البلاشفة حلّ الجمعية التأسيسية في البداية على أساس أن الانتخابات قد أجريت بموجب قانون عفا عليه الزمن الذي أعطى حجما أكبر لأقلية غنية من الفلاحين الذين رفضوا، في الجلسة الأولى والوحيدة من الجمعية، إقرار القوانين المتعلقة بالأراضي، والسلام وبنقل السلطة إلى السوفيتات. روزا لوكسمبورغ ردت على هذا بالقول ان البلاشفة كان يمكنهم بكل بساطة إجراء انتخابات جديدة وفق قانون لا يعاني من التشوهات.
ولكن السبب الحقيقي لهذا الحلّ كان أعمق من ذلك.
كان كل ذلك نتيجة أن السوفيتات كانت تمثل منظمات الطبقة العاملة في حين اعتمدت الجمعية التأسيسية على أصوات الفلاحين. لذا لم يكن من قبيل المصادفة أن لا يحظى البلاشفة، الذين كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة في المؤتمر الثاني للسوفيتات في 8 تشرين الثاني عام 1917 والذي انتخبه نحو 20 مليون شخص، على تأييد أكثر من ربع الجمعية التأسيسية التي انتخبها كل سكان روسيا. الفلاح، السعيد بملكيته الخاصة، لا يمكن أن يعرّف عن نفسه كبلشفي، حتى لو كان سعيدا بالدعم الذي يقدمه البلاشفة بما خص توزيع الأراضي والنضال من أجل السلام. لذا كانت السوفيتات تشكل دعما أكثر موثوقية للسلطة العمالية من الجمعية التأسيسية أكثر من أي وقت مضى.
ولكن هناك سببا أساسيا آخر- لا علاقة له بغلبة عدد الفلاحين بين سكان روسيا- بعدم وجود جمعية تأسيسية (برلمان) إلى جانب السوفيتات. فالأخيرة هي شكل محدد من أشكال حكم الطبقة العاملة، وفي الوقت نفسه كان البرلمان شكلا محددا من أشكال الهيمنة البرجوازية.
في الواقع، خلال الثورة الألمانية غيّرت روزا لوكسمبورغ رأيها تغييرا جذريا وعارضت شعار الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل في ألمانيا: "مجالس "العمال" والجمعية الوطنية". وبالتالي كتبت في 20 تشرين الثاني عام 1918:
"كل من ينظّر من أجل تحقيق الجمعية الوطنية يكون، بوعي أو بغير وعي منه، ينقل الثورة من المستوى التاريخي إلى مستوى الثورة البرجوازية، ويكون عميلا مموها للبرجوازية أو ممثلا غير واعيا للبرجوازية الصغيرة...
البدائل لا تكمن في الاختيار بين الديكتاتورية والديمقراطية. هناك الديمقراطية البرجوازية والاشتراكية الديمقراطية. ديكتاتورية البروليتاريا هي الديمقراطية بالمعنى الاشتراكي للكلمة"(13).
وكان نقد روزا للبلاشفة لأنهم مسؤولين عن تقييد وتقويض الديمقراطية العمالية. وبشأن هذه المسألة وبحسب التاريخ المأساوي لروسيا [الحقبة الستالينية] الذي يثبت أن كلامها كان، نبويا، وصحيحا تماما.
الجزء الأساسي من كتيب روزا لوكسمبورغ عن الثورة الروسية، كما كل كتاباتها وخطبها، كان يركز على إيمانها بالعمال، واقتناعها بأنهم، هم وحدهم، قادرين على التغلب على الأزمة التي تواجه الإنسانية. فقد اعتبرت بحماس أن الديمقراطية العمالية هي جزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية والاشتراكية:
"... الاشتراكية الديمقراطية ليست شيئا يبدأ فقط في أرض الميعاد بعد إنشاء أسس الاقتصاد الاشتراكي، ولا يأتي كهدية عيد الميلاد للشعب الذي يستحقها، في غضون ذلك، دعمت بإخلاص حفنة من الطغاة الاشتراكيين. الاشتراكية الديمقراطية تبدأ في وقت واحد مع بدايات تدمير الحكم الطبقي وبناء الاشتراكية. إنها تبدأ في نفس اللحظة لاستيلاء الحزب الاشتراكي على السلطة. تماما كما هو الأمر مع ديكتاتورية البروليتاريا.
نعم، الديكتاتورية! ولكن هذه الديكتاتورية تتمثل في طريقة تطبيق الديمقراطية، وليس في القضاء عليها، وبحيوية تشن هجمات صارمة على الحقوق الراسخة والعلاقات الاقتصادية للمجتمع البرجوازي، بدونها لا يمكن تحقيق التحول الاشتراكي. ولكن هذه الديكتاتورية يجب أن تكون عملا طبقيا وليس أن تقودها أقلية باسم الطبقة"(14).
على الرغم من أنها دعمت من دون تردد ديكتاتورية الطبقة العاملة الموجهة ضد أعداء الاشتراكية، واعتبرت أن الديمقراطية الكاملة والمتسقة وحدها يمكن أن تضمن سيادة الطبقة العاملة، ويمكن أن تعطي مجالا لإمكانياتها الهائلة. واعتبرت أن البلاشفة انحرفوا عن هذا المفهوم:
"الافتراض الضمني الكامن في نظرية لينين- تروتسكي عن الديكتاتورية هو التالي: التحول الاشتراكي هو صيغة جاهزة تكمن في جيب الحزب الثوري، والذي يحتاج إلى إخراجها فتصبح قيد التنفيذ. لم يكن الأمر كذلك لسوء الحظ- أو ربما لحسنه. وبعيدا عن كونه مجموعة من الوصفات الجاهزة التي لا تحتاج إلا إلى التطبيق، التطبيق العملي للاشتراكية كنظام اقتصادي واجتماعي وقضائي هو شيء مخفي في ضباب المستقبل. ما لدينا من امكانات في برنامجنا ليس سوى عدد قليل من المعالم الرئيسية التي تشير إلى الاتجاه العام الذي نبحث في سبيله عن الإجراءات الضرورية، وتغلب عادة المؤشرات السلبية على ذلك. وبالتالي نحن نعرف أكثر أو أقل ما يجب القضاء عليه في البداية من أجل تمهيد الطريق أمام الاقتصاد الاشتراكي. ولكن عندما يتعلق الأمر بطبيعة آلاف القضايا والإجراءات العملية، الكبيرة والصغيرة، الضرورية لإدخال المبادئ الاشتراكية في الاقتصاد والقانون وجميع العلاقات الاجتماعية، فإن كل ذلك لا يمكن العثور عليه في برنامج أي حزب اشتراكي أو نص مكتوب. هذا ليس عيبا إنما هو الذي يجعل من الاشتراكية العلمية متفوقة على تلك الطوباوية. ينبغي للنظام الاشتراكي لأي مجتمع أن يكون، وأن يكون فقط، نتاجا تاريخيا، يولد من تجاربه الخاصة، ويولد في سياق تحقيقه، ونتيجة للتطورات التاريخية الحية، الذي- تماما كالطبيعة العضوية، للتحليل الأخير، يشكل جزءا من هذه العادة الدقيقة التي تنتج لأي حاجة اجتماعية حقيقية وسائل إشباعها، إلى جانب العمل في الوقت عينه على الحل. ومع ذلك، من الواضح أن الاشتراكية بحكم طبيعتها لا يمكن فرضها أو إقرارها بمرسوم من الأعلى [فتوى]" (15).وتوقعت روزا لوكسمبورغ أن ائتلاف عمال روسيا لن يكون نشطا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية:
"... الاشتراكية سيتم فرضها من وراء عدد قليل من المكاتب الرسمية بواسطة عشرات من المثقفين... ومع قمع الحياة السياسية، السوفيتات تصبح مقيدة أكثر فأكثر، من دون انتخابات عامة، وبدون حرية غير مقيدة للصحافة، ومن دون صراع حر للأفكار، ستموت الحياة في كل مؤسسة عامة، وتصبح مجردة من الحياة، وتبقى البيروقراطية فقط باعتبارها عنصرا نشطا. ستتراجع الحياة العامة تدريجيا، وبعض العشرات من قادة الحزب الذين لا تنضب طاقتهم وبخبرة لا حدود لها يأمرون ويحكمون. من بينهم، في الواقع، عشرات من العقول الرائدة والنخبة من الطبقة العاملة يدعَون من وقت إلى آخر إلى لقاءات حيث يصفقون لخطابات القادة، ويوافقون على القرارات المقترحة بالإجماع- وبالعمق، تحكم عصبة، ديكتاتورية، بالطبع ليست ديكتاتورية البروليتاريا، ديكتاتورية حفنة من السياسيين، إنها ديكتاتورية بالمعنى البرجوازي، بمعنى حكم اليعاقبة" (16).
نقد روزا لوكسمبورغ للثورة الروسية، كما هو حال جميع كتاباتها، لا يمكن أن يقدم أي عزاء للنقاد الإصلاحيين للاشتراكية الثورية، ولكن يمكن أن يكون بمثابة مساعدة لأولئك الذين يرغبون في الحفاظ على عِلم عمل الطبقة العاملة حيا وغير مقيدا. نقدها للحزب البلشفي يندرج ضمن أفضل التقاليد الماركسية، وضمن مقولة كارل ماركس الأساسية: "النقد غير الرحيم لكل الأشياء الموجودة".
هذا النص هو الجزء السابع من كتيب توني كليف- روزا لوكسمبورغ- الصادر عام 1959 (الذي أعيدت مراجعته عام 1969) في العدد الثاني والثالث لدورية الاشتراكية الدولية
الهوامش:
(1). R. Luxemburg, The Russian Revolution (New York, 1940), p.16.
(2). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.56.
(3). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.5.
(4). R. Luxemburg, The Russian Revolution, pp.54-55.
(5). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.55.
(6). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.18.
(7). R. Luxemburg, The Russian Revolution, P19.
(8). R. Luxemburg, The Russian Revolution, pp.20-2l.
(9). L. Trotsky, Itogy i Perspektivy (Moscow, 1919), p.80.
(10). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.23.
(11). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.29.
(12). نقد روزا لوكسمبورغ لسياسة البلاشفة بشأن المسألة القومية هو استمرار للفروقات معم حول هذه النقطة لأكثر من عقدين، يمكن الاطلاع على المزيد حول هذا الموضوع في هذا الرابط- روزا لوكسمبورغ والمسألة الوطنية.
(13). R. Luxemburg, Ausgewählte, vol.II, p.606.
(14). R. Luxemburg, The Russian Revolution, p.54.
(15). R. Luxemburg, The Russian Revolution, pp.45-46.
(16). R. Luxemburg, The Russian Revolution, pp.47-48.
--------------------------------
الشيوعية المصرية
Posted on March 11, 2012 "مصر المدنية"
سمير أمين
عندما توجهت لباريس في عام 1947، لم أكن أعرف شيئاً عن المنظمات الشيوعية المصرية، أو تاريخها. ولم أتعرف عليها إلا من بعض أعضاء حدتو الذين طردوا من مصر، وانتقلوا إلى فرنسا منذ 1947، أو 1948، وخاصة يوسف حزان وشقيقته ميمي، وأندريه بيريسي، وآخرين. ولم ألبث أن سمعت وجهة نظر أخرى تنتقد حدتو من إسماعيل، ومصطفى صفوان، وريمون أجيون، الذين قابلتهم في دورية “الشرق الأوسط”. وبالتدريج مِلت إلى وجهة النظر التي تنتقد حدتو، وعندما تقرر إنشاء حزب جديد، هو الحزب الشيوعي المصري، الذي عرف باسم صحيفته وهي “راية الشعب”، قررت الانضمام لهذا الحزب. وقد انضممت للحزب رسمياً في عام 1952، وكما قلت من قبل، كنت أقوم ببعض المهام لهذا الحزب في باريس حلال الفترة من 1952، وحتى 1957. فكنت أتلقى تقارير الحزب التي تحلل الأوضاع، وأقوم بترجمتها للفرنسية تمهيداً لنقاها للحزب الشيوعي الفرنسي، وعن طريق ريمون أجيون عادة، للحزب الشيوعي الإيطالي. وعند مرور فؤاد مرسي بباريس (ولا أذكر التاريخ بالضبط)، ترك لي رزمة من مطبوعات الحزب الشيوعي المصري، وحدتو، وطلب مني إعداد تقرير يقارن بين آراء التنظيمين بما يتمشى مع وجهة نظر الحزب. وقد قمت بهذه المهمة بأسلوب جدلي رصين أعجب فؤاد، وهكذا تبنت قيادة الحزب هذا التقرير. وقد سلمت جميع هذه الوثائق (مجلات ومنشورات الحزب الشيوعي المصري، وحدتو) إلى لجنة توثيق الحركة الشيوعية المصرية، كما أرسلت نسخة منها لمعهد التاريخ الاجتماعي بأمستردام، الذي يقوم بجمع كل ما يتعلق بتاريخ الحركات العمالية والاشتراكية في العالم أجمع.
وقد تعرفت بعد ذلك، على الكثير من قدامى المناضلين في الحركة الشيوعية المصرية، والكثير ممن بقيوا منهم على قيد الحياة، موجودون حالياً في حزب التجمع (حزب اليسار المصري الذي يرأسه حالياً رفعت السعيد، ورئيسه الشرفي خالد محيي الدين). وقد نُشرت كتب كثيرة عن تاريخ الحزب الشيوعي، منها كتب رفعت السعيد (وهو من أعضاء حدتو)، وكذلك ذكريات عدد من الأعضاء القدامى مثل شريف حتاتة، وديدار فوزي، وغيرهما، وكذلك مقابلات وتسجيلات لذكريات. وفي رأيي أن هذا التاريخ لم يكتب بعد. وذلك لا لمجرد أن أغلب هذه الشهادات متحيزة، بشكل صارخ في بعض الحالات، للأصول التي ينتمي إليها أصحابها، وهو أمر مفهوم بالطبع، بل ومقبول، ولكن لأن أصحابها لم يهتموا بإعادة قراءة هذا التاريخ بروح انتقادية (وبالتالي بروح النقد الذاتي)، وفي ضوء مرور الزمن القيام بتحليل موضوعي غير متحيز للرؤى والاستراتيجيات الصريحة أو الضمنية، للمجتمع المصري، بل والاتحاد السوفييتي. ويلفت نظري أنه لا يوجد تقريباً في هذه الشهادات شيء يخص الاتحاد السوفييتي، فهو يبقى الفردوس البعيد للاشتراكية، ولا يهتم أحد بمشاكله. وينطبق هذا بشكل أكبر على الصين، والماوية التي تكاد تكون مجهولة. وقد لاحظت أن “الخطاب ذو الخمس وعشرين نقطة” الذي وجهه الحزب الشيوعي الصيني للحزب الشيوعي السوفييتي (1963)، وكذلك الجدل الذي صاحب صياغة الاستراتيجية الماوية “لنظرية العوالم الثلاثة”، والتي اختُصِرت – على الطريقة الصينية المعتادة – في المقولة: “الدول تطلب الاستقلال، والأمم تطلب التحرر، والشعوب تريد الثورة”، التي تنادي بالتعبير عن قضايا السلطة، والثقافة، وصراع الطبقات، بشكل جديد يختلف عن أسس الثورة الثقافية (“البرجوازية ليست خارج الحزب، بل هي داخله”)، تبقى جميعاً مجهولة للشيوعيين المصريين والعرب، أو معروفة بشكل عمومي، وعن طريق التشويه – إن لم يكن التزوير – الذي تفننت فيه الدعاية السوفييتية.
ولا أنوي هنا أن أجتزئ أو أفسد كتابة هذا التاريخ، والذي آمل أن يحظى بجهد جاد لكتابته (وأفضل وضع هو أن يقوم عليه فريق من المؤرخين الأكفاء)، ولا أن أتابع المجادلات الماضية، رغم أن البعض من القدامى لا يتصورون التوقف عن ذلك. وأكتفي هنا بالقول إن هذا التاريخ في مجموعه، كان مجيداً، وأن من شاركوا فيه كانت أغلبيتهم الساحقة من أفضل أبناء مصر، والأكثر إحساساً بمأساتها، والأكثر شجاعة في النضال لمواجهة هذه المآسي. وهذا لا يستبعد أن البعض منهم أخطئوا هنا أو هناك، أو أنهم جميعاً قد أخطئوا، بمعنى أن الحركة في مجموعها ارتكبت أخطاءً. أو على الأقل، أن الآراء تأخذ في حسبانها اليوم، ما حدث من تطورات تاريخية.
لذلك سأكتفي هنا بذكر القضايا الرئيسية التي واجهت الحركة الشيوعية (القضية الفلسطينية، وقضية الوحدة العربية، وقضية علاقتها بالمشروع الناصري)، لأوضح وجهة نظري اليوم بشأن موقفها من هذه القضايا، وخاصة القصور في هذه المواقف.
القضية الفلسطينية
لقد كانت القضية الفلسطينية مصدر انشغال رئيسي ودائم لنا. وقد أثار موقف الاتحاد السوفييتي في ديسمبر 1947، بقبول تقسيم فلسطين، والذي أيدته جميع الأحزاب الشيوعية في حينه، بما فيها الأحزاب الشيوعية العربية، محلاً للكثير من المناقشات والصراعات. كذلك أثارت، فيما بعد، الكثير من النقد الذاتي، المخلص بلا شك، ولكنني لا أجد لهذا النقد الذاتي ما يكفي من المبررات، أو حتى الحجج. لقد أدانت الدولية الثالثة، والحركات الشيوعية المصرية والعربية، بحق الصهيونية، التي رأت فيها باستمرار، لا مجرد كونها حركة قومية عنصرية، وإنما أنها تخلق مستعمرة في فلسطين تنكر حق الوجود نفسه لسكان البلاد “الأصليين” من الفلسطينيين. ومن حق الحركة الشيوعية المصرية اليوم، أن تفخر بأنها منذ الأربعينيات من القرن الماضي، دعمت التيار المعادي للصهيونية لدى اليهود التقدميين في مصر. بناءً عليه لا أرى محلاً للنقد الذاتي في هذا المجال، حتى إذا أخذنا في الاعتبار الجهود المحمومة للدعاية الصهيونية للخلط بين معاداة الصهيونية، ومعاداة السامية.
أما موضوع تقسيم فلسطين فيحتاج، في المقابل، إلى نظرة أكثر تدقيقاً. وفي هذا المجال، علينا ألا ننسى (الأمر الذي يتناساه الكثيرون في الجدل الدائر حول الموضوع) أن الاتحاد السوفييتي والقوى الديمقراطية العربية، والفلسطينية، والمصرية، قد أيدت في أول الأمر، قيام دولة فلسطينية مستقلة، علمانية موحدة تضم جميع سكان البلاد، بمن فيهم اليهود الذين هاجروا حديثاً للبلاد. وكان ذلك تنازلاً كبيراً في حد ذاته. أما الصهيونية فكانت ترفض دائماً هذا الحل، وبمساندة دولة الانتداب التي سمحت لها بالتسلح، وتكوين “دولة داخل الدولة”، في حين كانت تنزع سلاح حركة التحرر الوطني الفلسطينية، خلقت جواً من الإرهاب والعنف داخل البلاد، دفع لجنة التحقيق التي أرسلتها الأمم المتحدة لتقصي الأوضاع في يونيو 1947، لاقتراح تقسيم فلسطين (وكانت الوكالة اليهودية قد صرحت في 4 أغسطس 1946: “باستعدادها لمناقشة اقتراح بإقامة دولة يهودية قابلة للحياة على جزء مناسب من فلسطين”)، وكان هذا التقسيم قد صار أمراً واقعاً لمصلحة المشروع الصهيوني التوسعي. ويمكن المجادلة بأنه في ظل هذه الظروف، كان قبول التقسيم، من الناحية التكتيكية، أفضل الحلول السيئة، للحد من الضرر (وكان جروميكو قد اقترح: “إقامة دولة عربية يهودية موحدة في فلسطين، فإذا تعذر ذلك، تقسيم البلاد إلى دولتين”). وألاحظ أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقر التقسيم قد ساندته جميع البلدان الغربية، وكذلك بلدان العالم الاشتراكي، ورفضته جميع البلدان الأفريقية والآسيوية الأعضاء في المنظمة في ذلك الوقت. ولعل بعض الاعتبارات التكتيكية العامة هي التي جعلت الاتحاد السوفييتي ينضم إلى خطة التقسيم، فقد كان في حينه يعاني من عزلة كبيرة في المجال الدولي، ويحاول جاهداً كسر الاحتكار الذري للولايات المتحدة. ولعل انضمام الشيوعيين المصريين لهذا التكتيك، يستحق المناقشة، ولكن يبدو لي أن “النقد الذاتي” فيما بعد، قد قلل من تقدير تعقد الظروف في عام 1947/48، وأنه بالغ في تشدده.
الوحدة العربية
لقد كان للحركة الشيوعية المصرية في مجموعها، مواقف سليمة فيما يتعلق بقضية الوحدة العربية، فهي لم تقبل أبداً بنظرية الأمم العربية المختلفة، والاعتراف “بالدول” كالهدف النهائي لمشروع التحرر. ولكنها لم تُغفل أبداً الخصوصية الإقليمية الموروثة عن تاريخ يسبق بكثير التقسيم الإمبريالي للعالم العربي، ولم تتبنَ أبداً النظريات المثالية للقوميين من أنصار الجامعة العربية بهذا الشأن. وفي حين كانت الحركات الوطنية للبرجوازية المصرية (ممثلة أساساً في الوفد)، والسودانية (ممثلة بالاتحاديين)، تتجاهل الخصوصية السودانية، كانت الحركة الشيوعية المصرية، والسودانية، تحددان استراتيجيتهما في الكفاح المشترك للشعبين الشقيقين ضد العدو المشترك الخارجي والداخلي. وفيما بعد، عندما كونت مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة (1958)، وبعدها عندما لاحت فرصة تقدم هذه الوحدة بعد قلب النظام الملكي العراقي، لم تتوانَ الحركة الشيوعية المصرية عن توجيه الانتقاد لأساليب النظام الناصري المعادية للديمقراطية، التي تتجاهل الواقع الخصوصي لكل من البلدان المعنية. وقد أثبت التاريخ صحة موقفنا، فقد كانت هذه الأساليب مسئولة لحد بعيد عن فشل هذا المشروع. أما الاختلافات التي وقعت بين بعض المنظمات الشيوعية بهذا الشأن، فتبدو لي كمجرد اختلافات في الظلال: فالبعض (حدتو) كانوا يخففون من نقدهم لجمال عبد الناصر، في حين كان الآخرون (الحزب الشيوعي المصري) يؤيدون موقف عبد الكريم قاسم، الرئيس العراقي وقتها، بوضوح. ويبدو الموقفان – لي اليوم – أضعف مما يجب، وإن كانا يدخلان في إطار الخط السياسي الصحيح.
وكان من الواضح لنا جميعاً، أن تعدد التنظيمات الشيوعية طوال الفترة من تاريخ إحيائها (في 1942)، وحتى الحل الذاتي للحزبين في 1965، أمر غير مقبول. وكان الجدل العنيف بين هذه المنظمات يرجع إلى الخلافات الشخصية بأكثر مما يعود للدراسة الجادة للاختلافات في التحليل والاستراتيجية. وأتساءل اليوم، ما إذا كان الجري وراء الوحدة (أو بديلها وهو أن تفرض إحدى المنظمات نفسها في الواقع)، كان نتيجة لسيادة فكرة “الحزب” الوحيد، والحائز بالضرورة على “الخط الصحيح”. ولعل سيادة موقف يتقبل الديمقراطية في الحركة، سواء أكانت داخل الحزب الواحد، إذا كان كذلك بالفعل، أو داخل “الأحزاب”، كان سيخلق مناخاً أكثر مواتاة للنقاش، دون استبعاد قيام جبهة مشتركة في الكثير من المجالات.
ومع ذلك، فتعدد المنظمات كان يخفي تقديراً مختلفاً للاستراتيجية العامة للثورة الحالة في تاريخنا. فكان البعض يعطي الأولوية للتحرر الوطني – وأنا أستخدم هنا تعبيرات قد تبدو متطرفة، ولكنني أرجو ألا تؤخذ في إطار الجدل – بالقول إن مصر، طبقاً لتحليلهم، تحتاج إلى الثورة البرجوازية الوطنية الديمقراطية. في حين ركز الآخرون على الإمكانية، القريبة والضرورية من وجهة نظرهم، للانتقال من هذه المرحلة إلى بناء الاشتراكية. ولا أظن انه من الممكن تحديد اسم أي من المنظمات المختلفة تعود لأي من هذين الخطين الفكريين، وقد مرت جميعها بهما، حتى وإن كانت الدوجماطيقية الأيديولوجية السائدة في تلك المرحلة تمنع من رسم الخطوط الواضحة لها. وكانت جميع المنظمات تستخدم أسلوب “الاقتباسات”، من مواقف الاتحاد السوفييتي، أو قراءة “الديمقراطية الجديدة” لماو (1952)، الخ. وأدي التباس الجدل، إلى جانب المشاكل “الشخصية”، إلى هشاشة الوحدة وقصرها (عام واحد، 1958)، وإن كنا فرحنا جميعاً لتحقيقها أيامها.
المشروع الناصري
أدى انقلاب الضباط الأحرار في يوليو 1952، ثم تبلور الناصرية على مراحل في 1955، و1961، إلى أن صار اختيار الاستراتيجية المستقبلية، قضية ملحة لا يمكن تجنبها، فهل نؤيد النظام الجديد، أم ننتقده، أم نعارضه؟ وهنا أيضاً لا أرى أن العودة للوراء، وإعادة قراءة مواقف هذا الطرف أو ذاك، سواء بالتأييد أو الإدانة، الأمر الذي تزخر به الأدبيات التقدمية المصرية اليوم، تمثل أساس المشكلة. فمثلاً الحجة التي يقول بها بعض رفاق حدتو، بأنه بسبب نشاط بعض رفاقهم في التنظيم السري للضباط الأحرار، فإن حزبهم كانت لديه فرصة أفضل لتقدير الطبعة التقدمية – بشكل صحيح كما يقولون – للناصرية منذ قيامها، لا يبدو لي أنه يضع القضية في منظورها الصحيح.
وفيما يخصني، فمنذ 1960، أقول بأن المشروع الناصري مشروع برجوازي وطني في جوهره، من البداية وحتى النهاية، وأنه لم يتجاوز أبداً هذه الحدود. وطبيعته الشعبوية لا تتناقض مع هذا المحتوى، فقد كانت الأسلوب الوحيد الممكن لتنفيذ هذا المشروع البرجوازي الوطني، آخذاً في الاعتبار ضعف البرجوازية المصرية “الليبرالية” وطابعها التاريخي الكومبرادوري من جهة، والخوف من تخطي الطبقات الشعبية، التي كان من الضروري الاعتماد على دعمها، لحدود هذا المشروع (ومن هنا الإصرار على معاداة الديمقراطية من جانب الناصرية) من الجهة الأخرى. بناءً عليه لم يكن أسلوب إدارة الدولة بأي شكل من الأشكال “مرحلة على طريق الاشتراكية”، وإنما الأسلوب الفعال الوحيد لإدارتها. ومن سوء الحظ، أن التحالف الاستراتيجي للاتحاد السوفييتي مع حركات التحرر الوطني في العالم الثالث بعد باندونج (1955) من جانب، وطبيعة “نظام الدولة” السوفييتي من الجانب الآخر، قد ساعدا على الخلط بين “نظام الدولة” والاشتراكية.
وأعتقد أن التاريخ يثبت اليوم وجهة نظري، فالناصرية حلت محلها الساداتية، كما حل يلتسين محل بريجنيف، دون أن نستطيع أن نصف هذه التحولات القاسية بأنها “ثورة مضادة”، بل إني أرى فيها مجرد إسراع بالاتجاهات الداخلية الخاصة بكل من النظامين. فالطبقة (البرجوازية) الجديدة التي تنشأ في داخل نظام الدولة، وبفضله، تحتاج إلى “تطبيع” أوضاعها. ومع ذلك، فقد قلت وكتبت، أن ذلك لم يكن تطوراً حتمياً، فقد كان من الممكن حدوث تطور آخر – نحو اليسار – في كل من الحالتين، ولكن حدوث ذلك كان يتوقف على نضج القوى الاشتراكية في كل من المجتمعين (وغيرهما). ولذلك أشعر بالارتياح اليوم عندما أصف المشروع البرجوازي الوطني بأنه يوطوبيا خيالية.
وفي ضوء هذا التحليل، أعيد قراءة مواقف الحركة الشيوعية المصرية بطريقة تختلف عن تلك المتبعة عادة. فأنا أعتقد إذن، أن موقف التأييد، حتى وإن كان انتقادياً، أو مشكوكاً فيه تحت ضغط معاداة الشيوعية من جانب السلطة، خاطئ من الأساس، أنه كان نابعاً من فكرة أن “مرحلة برجوازية وطنية” كانت ضرورية، وإيجابية، وستنفتح على تجاوزها نحو الاشتراكية. وأنا أرى أن الرأسمالية القائمة بالفعل، بوصفها نظاماً عالمياً مستقطباً يُسبغ على أي مشروع برجوازي طابعاً كومبرادورياً بالضرورة، وأن رفض هذا الرأي معناه بالدقة تقبل الوهم باليوطوبيا البرجوازية الوطنية. وأعبر عن أطروحتي هذه اليوم بوضوح أكبر مما كان لدي منذ ثلاثين عاماً، ولكن كان لدي أكثر من مجرد إلهام بصحتها في ذلك الوقت.
وبناءً عليه، فقراءتي اليوم لمواقف الحزب الشيوعي المصري (الراية) الذي كنت أؤيده تماماً منذ 1950/51، تختلف عن الانتقادات القاسية التي وُجهت إليها بأنها قد وقعت في خطأ أساسي في تقييم طبيعة المشروع الناصري. وهذه الانتقادات التي كان من بينها النقد الذاتي للحزب الشيوعي المصري ذاته ابتداءً من 1956، تتكرر اليوم باستمرار، وتبدو لي وحيدة الرؤية، وتقوم على أساس وجهة نظر استراتيجية أثبت التاريخ فشلها. وأترك جانباً القضايا الثانوية المتعلقة باختيار الألفاظ (مثل نظام “فاشي”)، أو التأمر مع الإمبريالية، الخ. فهل كان من الخطأ اعتبار هذا المشروع، مشروعاً برجوازياً محكوماً عليه بالفشل؟
وبصراحة، أعتقد أن الشيوعية المصرية لم تستوعب أبداً تحليل ماو كما ورد في كتاب “الديمقراطية الجديدة. فحدتو لم تقترب من هذا التحليل في أية لحظة من تاريخها، أما الحزب الشيوعي المصري (الراية)، فرغم أنه سار في هذا الطريق لفترة ما قبل 1956، إلا أنه تخلى عنه نهائياً بعد ذلك التاريخ. والدليل على ذلك التباين الواضح بين تقريرين متتاليين للحزب، فتقرير عام 1955، كان شديد الانتقاد للمشروع البرجوازي الناصري (الذي لم يرَ فيه مرحلة ممكنة نحو الديمقراطية الجديدة، بما يعني الابتعاد عن وهم البرجوازية الوطنية)، وتقرير عام 1957، الذي لم يكتفِ بتأييد أطروحة الطبيعة “التقدمية” لوطنية البرجوازية (وبالتالي تأييدها تكتيكياً بهدف تعميق التناقض بينها وبين الإمبريالية)، وإنما تجاوز ذلك إلى تحليلها كمرحلة (جرى وصفها بعد قليل بأنها “طريق غير رأسمالي”) في التقدم نحو الاشتراكية. واليوم، يمكن توجيه النقد “للديمقراطية الجديدة” بدورها، وكذلك لقيود الماوية التي نتجت عنها، في ضوء التطورات اللاحقة في الصين ذاتها. ولكن ذلك الانتقاد يجب إلا يؤدي لما هو أسوأ، ألا وهو الوهم البرجوازي الوطني الذي أثبت عُقمه التطور الكارثي للاتحاد السوفييتي، ولبلدان العالم الثالث.
وهكذا “فالموقف اليساري”، في أوائل الخمسينيات، تبنى مشروع الثورة الاشتراكية المستمرة على مراحل، بدلاً من الثورة البرجوازية الوطنية. وأقرر اليوم أن هذه الأطروحة ونقيضتها، تقومان على أساس تحليل مشترك بينهما يقلل من أثر الاستقطاب الكامن والأصيل في التوسع الرأسمالي. وأقرر اليوم أن الماركسية قد تجمدت لأنها لم تستوعب هذا البعد. فالاختيار بين الثورة البرجوازية (وهو موقف الاشتراكية الديمقراطية، والوطنية الراديكالية في العالم الثالث) أو الثورة الاشتراكية (وهو موقف اللينينية-الماوية)، يتجنب السؤال الحقيقي، وهو : ما هي طبيعة الثورة المطلوبة اليوم، في الوقت الذي يجعل فيه الاستقطاب كلاً من الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية، مستحيلة؟ ورغم أن هذه الصياغة لتحليلي حديثة، إلا أن جذورها تعود إلى تلك الفترة، أي إلى سنوات الخمسينيات.
وأنا ممن وجهوا انتقادات قاسية للناصرية، كما يدل على ذلك كتابي “مصر الناصرية”، ومع مرور الزمن، صرت أكثر راديكالية في انتقادي لها. فالنظام الناصري لم يكن يعاني من نقص في الديمقراطية، وأسلوبه الشعبوي لم يكن شكلاً بدائياً وناقصاً من الانفتاح الديمقراطي، بل هو كان في الواقع يرفض تماماً فكرة الديمقراطية. وأنادي بأن وراء هذا الرفض، كانت تقف المصالح الطبقية للبرجوازية. ولهذا السبب ذاته، يتحمل هذا النظام ببساطة، تبعة ما تلاه من انفتاح، ومن صعود الإسلام السياسي.
تستحق مقولة محمد سيد أحمد بأن “عبد الناصر قد أمم السياسة”، عناء التفكير، فهي ليست مجرد عبارة ذكية. لقد منع عبد الناصر أي جدل فكري، كما حطم القطبين الذين احتلا واجهة السياسة منذ العشرينيات من القرن الماضي، وهما: القطب اللبرالي البرجوازي الحداثي، وإن كان ديمقراطياً بدرجة محدودة، وذا اتجاهات علمانية بالكاد (وإن كانت هذه القيود سببها ضعف البرجوازية المصرية)، والقطب الشيوعي الذي كان يربط بين التحديث وبين التحرر الوطني والاجتماعي. وقد حطمهما بشكل منتظم، لا فقط عن طريق القمع البوليسي الأكثر قسوة في التاريخ الحديث للبلاد، وإنما عن طريق إغلاق جميع منافذ النقاش بين الأفكار. وبهذه الطريقة خلق فراغاً ثقافياً خطيراً، وفتح بذلك الباب واسعاً لعودة التقليدية الإسلامية التي كانت في طريق الانحسار منذ قرن ونصف القرن، أي منذ أيام محمد على. بل إنه ساعد حتى على إحيائها من جديد بسياسته التي ظن أنها ناجحة تكتيكياً على المدى القصير، ولكنها خطيرة على المدى الأبعد.
ومنذ قرن من الزمان، كان الفكر التقليدي السابق على الرأسمالية في طريقه للأفول، فقد كان الأزهر، وهو مركز هذا الفكر يبدو باهتاً بالمقارنة بالجامعات الحديثة، وكان من الممكن تركه يسير في طريق الموت البطيء. وبدلاً من ذلك، بدأ عبد الناصر في عملية “تحديث” الأزهر، ظناً منه – شأنه شأن جميع الدكتاتورين – أنه يستطيع التحكم فيه على الدوام، بل والاستفادة منه. وشجعه على ذلك تقديم البعض لبعض التفسيرات الانتهازية الاشتراكية للإسلام، وهي تفسيرات يمكن عكسها بكل بساطة كما هو معلوم. وكان التوجه التقدمي الصحيح، يقضي بترك الدين وتفسيراته للمجال الديني البحت، وإبعاد الجدل السياسي عن هذا المجال بالمرة. وكان مثل هذا الموقف سينتج، في رأيي، ثماره في داخل المجال الديني ذاته، بترك التفسيرات الدينية المختلفة (تقدمية ورجعية) تتفاعل بحرية في داخل مجالها الخاص. فكيف جرى “تحديث” الأزهر؟ لقد ذكرتني إيزابل بأنها عندما أخذتها لزيارة الأزهر في الخمسينيات، دهشت لما رأته من أن القرن الثاني عشر ما زال يعيش للآن، فقد رأت الطلبة الجالسين على الحصير، وهم يحفظون النصوص التي قدمها لهم أساتذتهم. وبدلاً من هذه الأوضاع، قدم التحديث للأزهر مباني ضخمة، وقاعات للمحاضرات، ومساكن للطلبة ومطاعم، في تقليد لهيئات التعليم الحديث، ولكن دون أي تغيير في طبيعة التعليم أو روحه. وهكذا حصل التقليديون على منبر، وعلى شرعية لم تكن لهم من قبل. والنتيجة مع الأسف، نراها بجلاء، فإلى جانب عشرات الآلاف من الطلبة من النوعية التي وصفتها من قبل، لدينا الآن الآلاف من “الدكاترة” من ذات النوعية الفكرية. وتحضرني في هذا المجال قصة لم أكن لأصدقها لولا أن صديقاً أميناً أكد لي أنه سمعها بأذنه. فقد ألقى أحد “الدكاترة” (ولا أعرف تخصصه) من جامعة الأزهر “الحديثة” في أسيوط محاضرة عامة عن “الجن”، وفي المحاضرة أكد أنه يمكن للرجل أن يمارس اتصالاً جنسياً مع “جنية” في أثناء نومه، وأن مثل هذا الاتصال حدث له، بدليل ما لاحظه من آثار على ملاءات السرير عندما استيقظ من النوم! وقد سأله أحد الحضور الساخرين ما إذا حدث العكس بين “جني” وإحدى النساء، فأجاب بأن ذلك مستحيل فهو لم يرد في الشريعة، فضلاً عن انه “عيب”، وأنه على أي حال، لم تقل إحدى النساء أبداً إنها حملت من “جني”! ويبدو أن هذا “الأستاذ” من المعتدلين الذين قد يدينون “رسمياً” أعمال “الإرهاب”، ولكن تعاليمه ستنتج العشرات من المتهوسين الدينيين. ونحن نقرأ في بعض المجلات الأمريكية الجادة، ولدى بعض المنادين بما بعد الحداثة من الفرنسيين، أنه بما أن الحقيقة نسبية، فإن مثل هذه الآراء (مثل الإيمان بوجود الجن)، لها نفس قيمة آراء أخرى (مثل نظرية الكم في الفيزياء). وهذا يضع الأمور في نصابها، وخاصة يضمن مصلحة الأقوياء، فللبعض تخصص “الجن”، وللبعض التخصص في الفيزياء النووية، والكل راضٍ عن تخصصه!
وينسحب نفس القول على إصلاح القضاء الذي ألغى المحاكم الشرعية، ونقل قضاء الأحوال الشخصية إلى المحاكم المدنية، مع الاستمرار في تطبيق أحكام الشريعة في هذه القضايا. وبدلاً من الوضع الذي كان في السابق يحفظ التشريع في مجموعه، باستثناء الأحوال الشخصية، في إطار القانون المدني، فتح الأبواب أمام الظلاميين، الذين يعملون على توسيع نطاق تطبيق أحكام الشريعة على بقية مجالات القضاء. وهنا كذلك، كان الموقف التقدمي لتحقيق التطور المطلوب، يقضي بوضع قانون مدني حديث للأحوال الشخصية، وإعطاء الحق للمواطن للاختيار بين تطبيق قوانين الشريعة في المحاكم التقليدية، أو القانون الحديث أمام المحاكم المدنية. ومن المؤكد أن اختيار المواطنين كان سيتجه بالتدريج نحو القانون المدني. وفي المقابل، فإن ضم المحاكم الشرعية للمحاكم المدنية، ساهم في تدمير الطبيعة المدنية لهذه الأخيرة، وبالتالي في الدولة المصرية. لقد ساهمت الناصرية في تقوية التداخل بين الدولة والدين، بدلاً من إضعافه، وهكذا عاد القضاء المصري بفضل هذا “الإصلاح” إلى ظلامية العصر العثماني.
فعلى المستوى الثقافي، كانت الناصرية رجعية بدرجة عميقة، ومن الصحيح أن هذه الرجعية كانت مسيطراً عليها في حياة عبد الناصر، ولكن الدودة كانت تأكل الثمرة من الداخل. وبمجرد أن اختار خليفته السادات سلاح الإسلام لتمرير الانفتاح، والكومبرادورية، والاستسلام أمام الإمبريالية، والصهيونية، حتى استطاعت القوى الظلامية، التي كانت قد تغلغلت في اثنتين من مؤسسات الدولة وهما التعليم والقضاء، أن تحقق السيطرة شبه الكاملة. ولا أعلم كم من الوقت يلزم مصر، في أحسن الفروض، للخروج من هذا المستنقع. أما محاولة تبرير هذه الخطوات الكبيرة إلى الوراء بحجة “الخصوصية” التي يدعون أنها “قوة مقاومة ثقافية ضد الإمبريالية الغربية”، فتكاد أن تكون نكتة وإن كانت مأساوية. فالظلامية لا يمكن إلا أن تخدم استراتيجيات الإمبريالية، وهي لم تكن أبداً، ولا يمكن أن تكون قوة لمواجهة تحدي هذه الأخيرة.
كان تأييد نظرية المرحلة البرجوازية الوطنية، والنظرية السوفييتية عن “الطريق غير الرأسمالي” شائعاً في صفوف الشيوعية العربية. وبالتأكيد فإن الوحدة بين الشيوعيين السوريين والعراقيين، المنظمين في حزبين يقلدان النموذج السوفييتي بشكل يصل إلى حد السخرية (مثل عبادة الفرد متمثلة في شخص خالد بكداش مثلاً)، كانت تجعلهم يبدون أرقى بكثير من الشيوعيين المصريين الموزعين بين منظمات متنافسة، ويدفعهم للتعالي على المصريين. ومن الممكن أن الشيوعيين العراقيين كانوا أكثر ارتباطاً بالجماهير الشعبية من الرفاق المصريين، وحتى السوريين، ولكن لا هؤلاء ولا أولئك كانوا قادرين على الوقوف كبديل عن البعثية، وهي صيغة أيديولوجية قريبة من الناصرية، والراديكالية القومية الشعبوية البرجوازية، التي ازدهرت في الكثير من بلدان العالم الثالث في تلك الحقبة. وأكد ذلك التشابه بين هذين النموذجين من نفس العائلة، الاندماج بين البعثية المدنية، والعسكريين القوميين، والانقلابات التي حملت هؤلاء الأخيرين إلى السلطة. وكما حدث في مصر، انتهى الشيوعيون في سوريا والعراق بالانضمام لهذه الأنظمة، لتكوّن الجناح اليساري لها، حتى ون كان يتخذ مواقف انتقادية، ولكنه ليس البديل لها.
وأدى تدهور اليوطوبيا البرجوازية الوطنية ثم انهيارها، إلى سقوط مصداقية الاختيار التاريخي للشيوعية العربية معها. فالقليل من الرفاق في هذه الحركات كانوا يتصورون انهيار النظام السوفييتي، والقليل منهم الذين أخذوا في الاعتبار تحذيرات ماو من أن الطريق المتبع هو “طريق رأسمالي” وأنه سيؤدي بالضرورة – في الاتحاد السوفييتي وكذلك في الصين – إلى تحريك الشهية البرجوازية للطبقة الجديدة. ولذلك لم تكن الحركة الشيوعية في مجموعها مستعدة لمواجهة تحديات عالم تحول بهذا السقوط المزدوج للنموذج السوفييتي، والنموذج الذي انبثق عن حركات التحرر الوطني لمرحلة باندونج. ولا يبدو لي أنه حدث تقدم كبير على هذا المستوى، كما يتضح من الجدل المصري الأخير بشأن مستقبل الاشتراكية، وأثره على برنامج التجمع. وهكذا تبقى الحركة تحت تأثير الحنين للماضي، والحنين للنموذج السوفييتي، والحنين للحقبة الناصرية. ولا يمكن، على هذا الأساس، تجاوز الحدود القديمة للماركسية التاريخية في هذا الجزء من العالم، أو في غيره. كذلك لا يمكن الاستسلام، وهذا بديهي من وجهة نظري، أمام التطور المزدوج في اتجاه كومبرادورية المجتمع الفعلية، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنقل المعركة إلى عالم الأسطورة، و”الخصوصية الثقافية”.

This entry was posted in Secular Essays مقالات علمانية. Bookmark the permalink.







جريدة"الحياة" الأحد، ٢٥ ديسمبر/ كانون الأول 2016

خمس سنوات ونصف سنة من النزاع
بدأ النزاع السوري في منتصف آذار (مارس) 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، سرعان ما تحولت بعد قمعها بالقوة إلى نزاع مسلح دام تشعب وتعددت أطرافه مع مرور الوقت، وتسبب بمقتل أكثر من 312 ألف شخص ونزوح الملايين.
وشهدت سنوات النزاع محطات وتواريخ مفصلية، أبرزها:
- 15 آذار 2011: انطلقت احتجاجات غير مسبوقة في البلاد التي حكمتها عائلة الأسد (حافظ الأسد ثم ابنه بشار) بيد من حديد طيلة أربعين عاماً. وفي حين تم تفريق تظاهرات صغيرة بالقوة في دمشق، شكلت درعا (جنوب) مهد الانتفاضة الشعبية المطالبة بإصلاحات، خصوصاً بعدما أقدمت السلطات على اعتقال وتعذيب فتية إثر اشتباهها بكتابتهم شعارات مناهضة للنظام على الجدران.
وتوسعت دائرة الاحتجاجات وتصاعدت لهجتها لتطالب بإسقاط النظام.
- 30 تموز (يوليو) 2011: ضابط منشق عن الجيش النظامي السوري يعلن من تركيا إنشاء «الجيش السوري الحر» من جنود وضباط منشقين عن قوات النظام ومدنيين حملوا السلاح ضد النظام. لكن هذا الجيش لم ينجح في تنظيم نفسه وإيجاد هيكلية له.
- الأول من آذار 2012: الجيش يسيطر على حي باب عمرو في مدينة حمص الذي كان يشكل رمزاً لـ «الثورة السورية».
- 17 تموز 2012: فصائل «الجيش الحر» تطلق معركة دمشق. وأحكمت قوات النظام سيطرتها على العاصمة فيما استهدفت الفصائل المعارضة المتمركزة على أطرافها. بعد ثلاثة أيام، أعلنت الفصائل المعارضة انطلاق معركة مدينة حلب (شمال) التي انقسمت بين أحياء تحت سيطرة النظام وأخرى تحت سيطرة فصائل المعارضة، وشهدت منذ ذاك الحين معارك شبه يومية، وصولاً إلى الهجوم الأخير لقوات النظام على الأحياء الشرقية في منتف تشرين الثاني (نوفمبر).
- 30 نيسان (أبريل) 2013: الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله بتحدث للمرة الأولى عن مشاركة عناصره في القتال إلى جانب قوات النظام في سورية.
- 21 آب (أغسطس) 2013: منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، تتعرض لهجوم اتهمت قوات النظام باستخدام غاز السارين خلاله، ما تسبب بمقتل المئات (1400 شخص وفق واشنطن). وفي أيلول (سبتمبر)، أبرمت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقاً حول تفكيك الترسانة الكيماوية السورية. وجاء هذا الاتفاق بعد تهديد واشنطن بشن ضربات على دمشق.
- 14 كانون الثاني (يناير) 2014: تنظيم «داعش» (انبثق من تنظيم «القاعدة» في العراق في نيسان 2013) يسيطر على الرقة (شمال) بعد معارك طاحنة مع الفصائل المعارضة للنظام. وحول التنظيم المتطرف الرقة إلى معقله الرئيسي في سورية. وفي نهاية حزيران (يونيو)، بات التنظيم يعرف باسم «داعش» وأعلن تأسيس «الخلافة الإسلامية» في مناطق سيطرته في سورية والعراق المجاور.
ومنذ العام 2013، عززت «جبهة النصرة» (ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية) حضورها الميداني في سورية وتحديداً في شمال البلاد.
- 9 أيار 2014: قوات النظام تستعيد السيطرة على مدينة حمص القديمة (وسط) بعد حصار استمر عامين ومعارك عنيفة بين قوات النظام والفصائل المعارضة. وفي نهاية العام 2015، تمكنت قوات النظام من السيطرة على آخر حي كان تحت سيطرة الفصائل اثر اتفاق تخلله إجلاء المئات من المقاتلين المعارضين.
- 26 كانون الثاني 2015: القوات الكردية تنجح بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة أميركية الذي شن أولى ضرباته في سورية في أيلول العام 2014، في طرد «داعش» من مدينة كوباني (عين العرب) الحدودية مع تركيا، بعد معارك استمرت أكثر من أربعة أشهر.
- 28 آذار 2015: ائتلاف فصائل «جيش الفتح» الذي ضم «جبهة النصرة» وفصائل إسلامية أبرزها حركة «أحرار الشام» يسيطر على مدينة إدلب (شمال غرب) بالكامل. واعترف الأسد في شهر أيار من العام ذاته بالخسائر التي مني بها جيشه قبل أن يقر في تموز بوجود «نقص في الطاقة البشرية». ثم سيطر في وقت لاحق على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
- 30 أيلول 2015: روسيا تبدأ حملة جوية في سورية تقول إنها تستهدف تنظيم «داعش» ومجموعات «إرهابية» أخرى. وتتهمها دول الغرب والفصائل المعارضة باستهداف المجموعات المقاتلة «المعتدلة» أكثر من تركيزها على الجهاديين. وبعد بدء الغارات الروسية، أطلقت قوات النظام هجوماً برياً واسعاً بهدف استعادة المناطق الخارجة عن سيطرتها في محافظات عدة، أبرزها في اللاذقية (غرب) وحلب، وتمكنت من استعادة مناطق عدة.
- 24 آب 2016: تركيا تبدأ عملية «درع الفرات» في محافظة حلب ضد الأكراد وتنظيم «داعش».
- 5 تشرين الثاني 2016: تحالف عربي كردي مدعوم من واشنطن يبدأ عملية عسكرية لاستعادة الرقة في شمال سورية من تنظيم «داعش».
- 15 تشرين الثاني: قوات النظام السوري تبدأ هجوماً مكثفاً على الأحياء الشرقية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شرق حلب، وتتقدم سريعاً وصولاً إلى سيطرتها قبل أيام على أكثر من تسعين في المئة من هذه الأحياء.
- 22 كانون الأول: الجيش النظامي يعلن استعادة السيطرة على حلب بالكامل بعد خروج آخر دفعة من مقاتلي المعارضة والمدنيين من شرق المدينة.

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

















الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715




للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير