الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة إلى صبحي حديدي: العربي الأثير في مزيج من كرديته الأثيرة

ابراهيم محمود

2006 / 1 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بين باريس وأنت فيها الآن، وقامشلو: يي أنا/ قامشليـ:يك أنت، تلك التي كنتَ فيها ذات يوم، يوم ذات ٍ ماضية بك وإليك، أكثر من ربع قرن، من قرن تربَّع في تمدد بأسائه كثافةَ معاناة، مسافة زمن، تكون مضروبة بقرن، كما أسلفت، من الوجوه المألوفة، بأميال كاملة من الحنين الجارف النازف، بمطبات هائلة من اللوعة، واختراق جدار صوت الذاكرة المكانية الرجراجة. بينك أيها العربي الطيب دون مواربة، وهو في مزيج من كرديته، وبيني وأنا الكردي في مزيج من عربيتي المصفَّاة، أكثر من استطالة وردة في وضَّاحة وبلاغة عطر مسفوح إلى حيث تكون أنت أنت، وبدءاً من حيث أكون أنا أنا، مقذوفاً في بعض جنبات قامشلو، باحثاً بنصف إرادة مضغوط عليها،عن موقع للهبوط المحفوف بالعواقب فيه، بوزري الانساني التليد.
بيني وبينك، حيث لا بون سوى في المحسوس الممكن، ما يجعل اللغة دون الرهان المقلق عليها، طالما روح توزّع المسافات بين اللغات بالتساوي، وأنا أستعيدك عربياً يبحث عن أسمائه الخاصة به، ربما راهناً أكثر، كما يجيز لـه حقه في التنوير، في ذلك المقهى الباريسي، حيث كان لقاؤنا، في شارع( الجيش الكبير)، على مقربة من ساحة( كونكورد) كما أعتقد، البرزخ الفاصل بيننا وشارع الشانليزيه( تلك مفارقة مذهلة ، أليس كذلك؟ أن تصل ساحة مرئية بين الجيش الكبير، وما في مظانه من دلالات انتشارية، والشارع الآخر( حقل النعيم)، وما في حضوره من تلطيف لوطأة معاني الآخر، كما هو الحال بالنسبة لك، وأنت في جيش روحك اللجب، في مدى منتشر في كل جهاتك، تتلمس بعضاً من بعض نعيم، إنما خارج ما أنت فيه، مثلما أنا أحاول في سلسلة مقاوماتي الضارية لفرسان الهواء، مضيّقي الخناق على الوطن والروح التوأم، في مدى مكفهر، من كل جهاتي بالمقابل، أتلمس إقامة نسبية، في نعيم مهدور الاسم حتى اللحظة.
لا نسيان للوقت المفتوح بيننا على آخره، ثمة تجديد وتجدد لنسيان لوقت: مقت، ذاك الذي يسعى ببنيه إلى تجذير معادلة نسيان ما يجعل البون بيناً إلى أجل مؤبد، والبين بوناً يتمدد سرمدياً، وأنا على ثقة، أنك رجل ثقة، أن لا نسيان في المسافة المرئية بيننا، إلا وفي إثره ، حيث يتربص به، نسيان مضاد، هو ضحك يطيح بجهامة الزمن المدوَّن بالمرصاد، وتكون الذكرى خارج حدودها، غير متداولة، طالما النسيان المؤسساتي، لا تقوم له قائمة.
أكتب لك إليك، بك، بي، بمن يرادفنا، أو نرادفهم، في ترجمة النسيان ذكرى، والتخلص من الذكرى، لأننا غير عابئين بالنسيان، على امتداد وطن نهفو إليه وفق مقاسات خارج الطوابير المؤللة المولولة والمسربلة بالقطيعية الفارطة والمفرطة معاً، بحسب التوقيت التاريخي المجيَّرلوضع، لم يطيق وضعه بالذات، هو أكثر من المنهمك في مساحة مستباحة ذكرى آلام مبرحة، ونسيان ما يبقينا منتمين إليه، كما يكون الانتماء الأثير، وطن يفرَّط فيه، كما لو أنه عبء ينبغي التخلص منه، وهو عبء يشتعل تاريخاً من نوع آخر، نقيض الخانة التفاوتية التي أُلصقت بنا، واتهُمنا بها بعد حين، ليكون العبء علامة تلاق ٍ، متجاوزاً للغة المسورة، وبراغماتيكيات الرفاقية المستهجنة من سوء استعمالها، واستغفال الصالح الموؤود فيها.
بينك وبيني أكثر من ضمير متكلم بلغة المفرد المفرَّد، أكثر من جمع يبز المفرد فينا، كما هو الوطن في مفرد مفهومه الجمعي، مثلما تلوذ بمتنبيك خارج استعراضياته القوموية أحياناً سالفاً، ومثلما ألوذ إزاءك بأحمد خانيي خارج مدائحياته القوموية أيضاً أحياناً سابقاً، كما هو الحنين إليه
( إلى الوطن المنثور فينا بجلاء قيمته الرصينة)، سواء كنت داخله أو خارجه، في بليغ معلومه. أكثر من الأمة التي كتبت يا صبحي، وأنت نزيل( طيران فوق عش الوقواق)، أيها الكين كيسي في بعض هيئاته، الجامع بين أسطورة تقاوم الخرافي فيها، والمعنى الذي يبقيها عالماً أبقى من تردداته المعسكرة في الأنفاس الحية، الشبيه السعيدي بحثاً عن فرنسا أخرى، مثلما تهرب من وطن لست المساهم في صناعة قطع خردته، وإنما الباذل جهداً حثيثاً في رتق مفهومه، في عتقه من خرقه، وهوالمعتل في نهاياته، مثلما هو المنقوص في بداياته، في أكثر من شأن من شؤونه، أكثر من كردي تبحث فيه، عنه، كما تشي بك حروفك الضادية خلاف ضاديات ضاد الكثيرين من حولك، وفي وطنك: وطني المحتشد بالتضادات المثقلة عليه أنَّى تنفَّس صبراً، وتثاءب مكروبين، وتمطى مضروبين مطرودين منه إليه، في تعددية أسمائهم، خارج التصنيف المشفَّر: كرداً عرباً سرياناً جراكسة أرمناً...، وتخطى ضالعين في تبديد روحه الكثيرة!
متابع لك، في أكثر من لغة تتجاوز خصوصيتك ذات الصلة بك، لغة تتوسطك أنت وذاتك، كما تقول همومك: علومك، هي أكثر من لغة، لا عربية رغم استقامتها المعدة بك، ولا كردية، رغم بساطة مفرداتها المحفوظة في أرشيفك الشخصي، ولا انكليزية، رغم ضراوة المقدَّر بها، ولا فرنسية، رغم تقلبات مناخها، وأنت ضيفها الملحوظ، المحظوظ في الضرورة القصوى...، هي لغات لغة في مساعيك التي توزعك بين لغة تتمرأى فيها، ولغة تهرب منها، وهي داخلك، تبتغي تجريدها من استبداد أُرفِق بها، حيث تقوم تواريخ سالفة وحاضرة متحالفة، لست في حلفها، ولغة تمارس هوايتك البحثية باسمها، هي مزيج لغات/ ثقافات، وأنت في طريق سالك بصعوبة.
بوسعي أن أشد على يديك العربيتين بيدي الكرديتين دون احتكارالانتماء الثنائي، مأخوذاً ببعض مزيجك الكردي، كما يبوح المكان من هنا، دون خوف من أي من أصابعك العشرة في تمام انبساطها، مثلما أفيض بهمس عربية ٍ، خلل الأنامل، غير هياب بسطها، حيث وقائع الأيدي الطاعنة واللاعنة هنا وهناك مشهود لها بخروقاتها الدورية وغير المرهونة بوقت محدد، تلك التي جعلتنا في أكثر من وسواس، ليس في وسعنا أبداً نفي حقيقته، ولا في التزود بوقوده الخطر جداً، لوجود مثرين لـه وبه، وأنت أدرى به مني، أن أردد معك، أو لا بأس أن تردد معي، ضد نسيان غير محبذ، في مكان يجري تطويعه لصياغة أخرى:
يا مال سوريا يا الله يا مالي طال البعاد يا الله تعالي.
أقولها، لأن ثمة أكثر من خبّز ملحٍّ على بقاء وتنمية الوداد بيننا، وملح ٍ عصي على الفساد، في وطن نُخوَّف به منه، وطن يمضي خارج مسافاته المبذورة أفكاً ونكأ جراح، وسفك: واويلاه.
ربما أمكرُ باللغة التي أتحدث بها، أو أسطّرها بروح ملؤها وطن منزوع الروح هامشي متنه، إلا من كان به خوف مكين رصين على روح جمعية تشد الوطن إليه، رغم كامل التعتير المبذول على الضد من خيلاء صفائه، أو أمارس تلاعباً بالألفاظ ماخوذاً على غير دراية مني، بلعب المصائر الذي يتم على قدم وساق هنا وهناك، وتصيُّد الأرواح الحية في إثر الميتة، أو بالعكس، مع فارق في المقصد، حيث لا يتجاوز المكر سوى مكر الماكر قصداً وعمداً، ممن تعرفهم يا صبحي إبان وجودك وانتشار ظلك هنا، وممن تناهت إلى مسامعك الصابرة بمقادير فاقت استطاعتها الفيزيائية، أخبارهم وأطوارهم وأشعار مجالسهم ونفائس مشاغلهم، وارتحالاتهم غير المدونة في السجلات المحسوبة، حرصاً حقيقياً، على نفاذ فعل محسوب، ممن يهمك أمر من يُهمون المأمؤرين دون حساب، وممن تحاول تسقّط أخبارهم وكشوفات ماض فيهم، وماض بهم، وماض عليهم، ناسياً أنك على البعد القريب، محققاً بلاغة التمكن الروحية، أي في أن تنسى النسيان، وتوغل في تذكر النسيان، لأن ثمة ما يستدعي التشبث بكل صغيرة وكبيرة، حيث كبائر الكبار نافت دلالاتها في كتم أنفاس من يمثلونهم، كما يريد لهم قانون الالتفاف على المعنى في كل شيء، ولأنني لم أكتب / أحلّق رسالتي من سمائي الضيقة رغم وسعها الملحوظ، إلى سمائك الواسعة رغم ضيقها المعاش، إلا لأني أبعد من حدود التأني، مأخوذ بالكتابة، وأنا أعيش بك العربي المقهور، مثلما أستشعرك تعيش بي الكردي المهدور راهناً أكثر، وما يمكن أن يأتي في إثره، وما بيننا من أصوات مقهورة مهدورة، مهدورة مقهورة.
أكرر فيك جلاء صوتي، وأبثك دعاء كتابتك من خلالي، وأنا هنا/ هناك، مثلما أنت هناك/ هنا، ودمت نزيل وطن نحرص على جلاء اسمه الجلي أصلاً، الوطن الذي تعرفه، أكبر من اسمه المعلن عنه، والمعرَّف به في أكثر من سابقة خطيرة، حيث يجب ألا تُسمى، طالما التلميح في إطلاقه يبز التصريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة