الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهارات التفاوض من منظور ديناميكي

سفيان منذر صالح

2017 / 1 / 8
التربية والتعليم والبحث العلمي


مهارات التفاوض من منظور ديناميكي
د. سفيان منذر الصالح
تلعب القدرة التفاوضية دوراً رئيسياً في كل نوع من أنواع التفاوض، سواء كان التفاوض سياسياً أو تجارياً، ففي مفاوضات قطاع الأعمال لعمليات البيع والشراء، الكل – المشتري والبائع – له سلطة في المفاوضات، والسلطة المقصودة هنا هي إدراك وتصور نقاط القوة والضعف لكل من البائع والمشتري قياساً بالآخر. هذا التصور للسلطة أو القوة يؤثر على قدرة كل طرف في تحقيق أهدافه، فكلما إكتسبت المزيد من القوة التفاوضية مقارنة بالطرف الآخر، كلما أصبحت تنازلاتك أقل. بعض رجال الأعمال في الوطن العربي يعتقدون أنهم لا يملكون أي قدرة على التفاوض، فالبائع يحاول أن يًرضي العميل بشتى السبل ليحصل على الصفقة حتى لو تكبَّد بعض الخسائر الثانوية، ولكن ما لا يدركة الكثير من رجال الأعمال أنَّ قوة التفاوض لها ثمانية مصادر: الحاجة، الخيارات، الوقت، العلاقات، الإستثمار، المصداقية، المعرفة، والمهارات ، في الحقيقة أنا حاولت أنَّ أنشئ كلمة أو كلمات مختصرة تجمع أحرف بداية كل كلمة، ولكن ومع الأسف لم أفلح، لأن اللغة العربية ليست سهلة في بناء الإختصارات كما هو الحال في اللغة الإنجليزية، فإذا ما نظرنا إلى المصادر الثمانية للقوة التفاوضية في اللغة الإنجليزية: ( Need, Options, Time, Relationships, Investment, Credibility, Knowledge, and Skills يمكننا أن نتذكرهم من خلال عبارة: ( NO TRICKS ) التي تمثل الحرف الأول من كل كلمة.
لنبدأ بتحليل مصادر القوة التفاوضية الثمانية على حدا:
1. الحاجة: من الذي يحتاج هذه الصفقة أكثر من الآخر؟ العميل أم البائع؟ كلما إشتدت حاجة العميل، كلما إزدادات القدرة لدى البائع على التفاوض، وكلما إشتدت حاجة البائع للبيع، كلما إزدادت القدرة لدى العميل على التفاوض.
2. الخيارات: ما هي الخيارات المتاحة لكل طرف إذا لم يتم التوصل إلى إتفاق؟ العميل الذي يعتقد أن منتجاتك وخدماتك فريدة من نوعها ولا تُضاهى ليس لديه خيارات أخرى، أما خياراتك الأخرى كبائع تتألف من فرص المبيعات الأخرى والتي كنت تنتظرها وهي ما زالت في طور النمو، فكلما إزدادت خياراتك وقلت خيارات العميل، كلما إزدادت قدراتك على التفاوض.
3. الوقت: يشير الوقت إلى الأحداث الوشيكة والتي شارف موعدها النهائي على الفناء سواء للبائع أو العميل، فإذا كان العميل تحت ضغط الوقت، فالبائع عادة ما تزداد لديه القوة التفاوضية، فعلى سبيل المثال في العقارات التجارية، إنتهاء عقد الإيجار القديم من الممكن أن يضع المُستأجر تحت ضغط الوقت لإيجاد مكاتب جديدة، كما أنَّ عامل الوقت سيؤثر أيضاً على العديد من المشتريات الأخرى ذات الصلة بعملية النقل إلى المكان الجديد مثل التعاقد مع مقاول للنقل والديكور، واختيار أثاث المكاتب والمعدات التجارية وهلم جرا، الأحداث الوشيكة والتي تأخر إنجازها تخلق ضغط الوقت وتحدد فُرَص وخيارات العميل من التجول حول المتاجر وسماسرة العقار بغية إيجاد سعر أفضل، بالمقابل أنت أيضاً تشعر كرجل أعمال بضغط الوقت، ربما لإغلاق عملية بيع لتحقيق الكوتا البيعية بحلول نهاية فترتها وفقاً لخطة المبيعات المقررة مُسبقاً ( Sales Quota )، في هذه الحالة سيمتلك عميلك قوة الوقت بدلاً منك.
4. العلاقات: كيف هي قوة علاقاتك مع المُرشحين المُحتملين لأن يُصبحوا عملائك؟ إذا كنت تملك كمية عالية من الجودة العالية في العلاقات مع العملاء، فأنت تملك سفينة السلطة، ولكن بعض العملاء قد لا يُتيحون لك تطوير هذه العلاقات، ومن الممكن أن يطلبوا منك التكلم والتعامل فقط مع إدارة المشتريات، بكل تأكيد في مثل هذه الحالة سيكون لديك أوقات صعبة ومرهقة في تطوير علاقات القوة.
5. الإستثمار: كم من الوقت والطاقة تم إستثمارها في عملية إتمام الصفقة؟ كلما إزدادت جهود الإستثمار، كلما إزداد الإلتزام في التوصل إلى إتفاق، كلما أنفق عميلك جهداً أكبر في عملية الشراء، كلما إزدادت قدرتك على التفاوض، وعلى العكس من ذلك، تتعزز قدرة العميل الإستثمارية عندما تنفق أنت الكثير من الوقت والطاقة في عقد البيع المحتمل، فإذا أنفقت 20 ساعة في إعداد وتجهيز عرض الإقتراح المكتوب، سيكون من الصعب عليك إهمال الصفقة.
6. المصداقية: ما الذي تحتاجه حتى تثبت مصداقية شركتك في جودة منتجاتها وتعاملاتها؟ هذا يتطلب قائمة من العملاء الكبار ذوي المناصب المرموقة، فعندما تبيع منتجك إلى رئيس الوزراء أو لأكبر شركة نفط أو لأكبر شركة إتصالات، إحرص دائماً على إلتقاط صورة تذكارية يظهرون فيها مع منتجك على مكاتبهم، بكل تأكيد سيعزز هذا من مصداقيتك أمام العملاء الجدد المحتملين، وقد يتطلب الأمر منك التضحية بأسعار منخفضة للحصول على مثل هذه المصداقية الثمينة.
7. المعرفة: هي القوة الحقيقية، أنت تملك قوة المعرفة عندما تفهم بدقة مشكلات وإحتياجات عملائك وتشرح لهم كيف أنَّ منتجاتك أو خدماتك المُقتَرَحة سوف تحل تلك المشكلات وتلبي تلك الإحتياجات، وعلى العكس من ذلك، إذا كان عميلك يعلم عن منتجاتك كما تعلم، أو ربما أكثر، سيقل إعتماده عليك بكل تأكيد. قبل بضع سنوات، قامت شركة ( آي بي إم – IBM ) بإعادة هيكلة طرق بيعها وخبرات مندوبيها وفقاً لمجالات أعمال العملاء المتخصصة، بحيث يصبح مندوبيها أكثر دراية بطرق عمل عملائها، واليوم أصبح لديها 14 فريق عمل متخصص في مجالات أعمال العملاء مثل الرعاية الصحية، والسفر، والخدمات المالية، وإعترفت الشركة أنَّ مندوبيها لم يتمكنوا من إضافة قيمة حقيقية إلى العملاء حتى إكتسبوا خبرة أكبر منهم أنفسهم في مجالات أعمالهم.
8. المهارات: من هو الذي يمتلك مهارات أكثر في التفاوض؟ العملاء هذه الأيام يقومون بقرارات شراء أكثر من قبل، وهم في تحسن مستمر مع هذه القرارات، كما أنَّ الكثير من العملاء قد حضر حلقات دراسية ومؤتمرات لتحسين مهاراتهم التفاوضية، وهذا يعني أنهم إكتسبوا المزيد من القدرة على التفاوض، بالمقابل يجب عليك كرجل أعمال متخصص في المبيعات أن تعمل باستمرار على تحسين مهاراتك عموماً والتفاوضية خصوصاً لمجرد الإستمرار في البقاء وملاحقة العملاء. كيف لنا أن نغذي مصادر قوة التفاوض الثمانية بما يعود علينا بالنفع والربح؟ فالطرق المطروحة آلياتها ليست محصورة بما ستقرأه هنا، وهي تعتمد بطبيعة الحال على ثقافة المكان الذي تعمل فيه، ومن الممكن تطوير هذه المصادر بما يتناسب مع المكان الذي تعقد فيه صفقاتك ، حتى لوكانت كشركات او مؤسسات انتاجية او خدمية او تعليمية كجامعات او مراكز البحوث العلمية او ما شابهه ،فالتفاوض وبكل بساطة عبارة عن محاولة يقوم بها طرفان بغية الوصول إلى حالة قَبول متبادلة ترضيهم معاً، كما أنه لا ينبغي أن تنتهي برابح وخاسر، فهي ليست معركة لابد من الإنتصار فيها، فالمعارك لا يكون فيها تنازلات وهي إما ربح أو خسارة، أما التفاض فيشمل في طيَّاته تنازلات من قِـبَـل الطرفين إذا ما قبلوا الدخول فيه. الإندهاش والإجفال في ردات الفعل مهمة وحرجة جداً، لأن معظم الأشخاص يؤمنون بما يرون أكثر مما يسمعون، والحاسة البصرية تهيمن على معظم الأشخاص الذين تتعامل معهم أكثر من الحاسة السمعية، فمن الأفضل والأكثر أماناً لك أن تفترض بأن من تفاوضهم هم من البصريين، لأن دراسات ( البرمجة اللغوية العصبية – Neuro-Linguistic Programming ) تشير إلى أنَّ 70% من الناس بصريون.
من الشروحات الوافية التي أعجبتني لمراحل عملية التفاوض، ما قرأته في إحدى كتابات شركة ( Business Ability ) والتي شبَّهت مراحل عملية التفاوض بقشور البصلة، كما يلي:

1.الجزء المركزي: وهي المرحلة التي يتفق مديري الشركة على أهميتها، وأهمية القيمة التي ستُضفيها على المفاوضات مع العميل، ويتم على إثرها إنتقاء المفاوض المناسب وفريق عمله ذو المهارات المناسبة لإدارة التفاوض مع العميل للوصول إلى تفاوض ناجح.
2.الطبقة الداخلية: وهي المرحلة التي يتم فيها الإعداد للمفاوضات وتحديد الأهداف ودراسة حالة العميل، ودراسة نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، والتفكير بمبدأ فوز– فوز ( Win-Win Stiuation ) والتخطيط بشكل إحتياطي وإحترازي لما يمكن أن يكون، وعندما تتعمق في هذه المرحلة، ستتفهم عزيزي القارئ لماذا تم إختيار البصلة دون غيرها لما تحتويه من مراحل عديدة.
3.الطبقة الخارجية: وهي المرحلة النهائية والتي يتم فيها الإجتماع مع العميل، وللحصول على أفضل النتائج يجب أن يُدار اللقاء بالتسلسل التالي: ( نقاش، إقتراح، صفقة، إتفاق ).

مباريات السوبر في إدارة الأزمات والمفاوضات
كما هو معـروف هناك أساليب معينة اونماذج عـديدة للتفاعل الستراتيجي مع الأزمات وإدارتها حيث يحاول في الصراع اوالأزمة كل طرف زيادة مكاسبه وتخفيض خسائره الى اقصى حد ممكن بإستخدام استراتيجيات محددة لإدارة الأزمة والمفاوضات ، فالخطوة الأولى تتمثل في تحديد تلك الإستراتيجيات المتناسبة مع ظروف وشروط ومتداخلات الأزمة والتي تزيد المكاسب والأرباح إلى أكبرحد ممكن وتقلل الخسائر إلى أقل قدر ، وتحديد تلك الإستراتيجيات وإختيارها يتوقف على امور منها الإمكانات والفرص ويتصدر هذه الأمورالمعلومات الصحيحة المجردة المرتبطة بالأزمة حيث يجب :
1- الإجتهاد في التنقيب والبحث عنها بصورة متواصلة ودقيقة وشاملة بعيدا عن النظرة المسبقة .
2- إتقان كيفية الإستفادة من تلك المعلومات في إدارة الأزمة والمفاوضات لتحقيق تأثيرما يريده هذا الطرف او ذاك على الطرف الآخر .
فكل طرف يعمل جاهدا ليفهم بعمق ودقة عناصر وظروف ومصادر وتقديرات تقود وتحدد اتجاه الطرف الأخر لاختيارما فى أثناء المباراة التفاوضية ، ونفس الشيء يقوم به الطرف الآخر مع استخدام كل طرف لكل أنواع الأدوات التي تسمى بالأدوات الحوارية مثل تحريك القوات للضغط والإنذار كما في التفاوض السياسي .وعلى هذا الصعيد هناك استراتيجيات مختلفة وكثيرة منها :
1- استراتيجيات الإستجابة والتنازل إلى أبعد الحدود .
2- استراتيجية التنازل عن بعض الأمور الثانوية أو بعض الأمور الأساسية .
3- استراتيجية عدم التنازل مع إصرار أحد الطرفين على إخضاع الطرف الأخر لرغباتة ، وتؤدي إلى التناحر وتسمى هذه الإستراتيجية بإستراتيجية الهجوم والتظاهر بالمفاوضات حتى يحدث الهجوم بالفعل.
والمباريات في التفاوض وإدارة الأزمة على انواع :
1- المباريات ذات المعلومات التامة : وفيها يتحرك فيها أطراف اللعبة بالتناوب بمعنى علم الخصم بكل تحركات الطرف الآخرالسابقة.
2- المباريات ذات المعلومات غير التامة : لا يعرف اللاعب فيها جميع الأوراق المربحة مع اللاعبين الآخرين فالتحرك يكون في ظل ظروف غامضة .
3- مباريات الدمج بين التحالف والتنازع : العديد من المفاوضات التى تتسم بمباريات التنازع والتحالف تتداخل أفعال الأطراف في إتجاه التنازع والتحالف ، وتختلف طبيعة التداخل حيث تتسم بمقار الأذى الذى قد يلحقه بالطرف الآخر وكل طرف يحاول إجبار الخصم على الخضوع ، أما مباريات التحالف فالتداخل يرجع إلى القدر الذي يحتاج فيه كل طرف من الطرفين المتخاصمين الى تعاون الأخر. وهذا ما ينطلق مما يوصف بالمصالح المشتركة مع الخصم او العدو.
4- مباريات السوبر: وتشمل الدمج بين ثلاث انواع من المباريات في إدارة الأزمة والمفاوضات في وقت واحد ، اي بالجمع في آن واحد بين كل من مباريات : التنازع – التحالف – الإعداد للتفاوض أوالصراع .
ومن شأن الدمج المذكور المساعدة في الوصول إلى تصور شامل لنتائج الصراع فى أي عملية تفاوضية أو تساومية والسيطرة على تتابع الأحداث الناتجة عن فعل ما ورد الفعل المتعلق بذلك الفعل ، وذلك لوضع تصور للإحتمالات والسيناريوهات المستقبلية وتأثير ذلك على :
1- علاقات القوة والقدرة بين أطراف التفاوض.
2- درجة حدة الصراع بين الأطراف.
لإدارة الأزمة والتفاوض بواسطة إستخدام الدمج الثلاثي الأخير في أن واحد وأزمة واحدة بين التنازع والتحالف والإعداد للتفاوض أوالصراع يقوم كل طرف بتكهن وإستشراف أمور منها :
1- مدى تأثير تركيبة الأزمات الراهنة فى قوة الموقف التفاوضي والقدرة التساومية للأطراف.
2- مدى تأثيرها فى صراع المصالح من النواحي المختلفة.
والتاريخ يحدثنا بأن الدول التى استخدمت مباريات السوبر او الدمج الثلاثي في إدارة الأزمات والمفاوضات هي الدول التي نجحت فى عدم الدخول فى الطريق المسدود .
طبعا دور الإمكانات والموارد في النجاح واضح إضافة الى المرونة والهدوء والتعاطي بدم بارد تماما لدى القائم على إدارة الأزمة والمفاوضات ومع ذلك فلا بد من توفير المعلومات الكاملة الصحيحة وتحديثها المستمر السريع وإستخدامها بكفاءة دور كبير في الصراع ، فالفشل في إدارة الأزمات والمفاوضات كثيرا ما يعود الى قرار مبني على معلومات احصائية خاطئة او ناقصة بل أصل بروز الأزمة يمكن أن يكون قرارا مبنيا على معلومات خاطئة او معلومات ناقصة غير مخطط لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا