الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تاونات- التي في خاطري و-تاونات- التي في خاطرك –المحطة الرابعة عشر-

محمد البكوري

2017 / 1 / 9
الادب والفن


تتواصل الحكاية ...حكاية "خريط البلدان" ... تطير أجسادنا بكل رقة ... تحلق أرواحنا بكل خفة فوق أجنحة السلامة، لتغازل المسافات البعيدة والمتواجدة في الثلث الخالي من أفئدتنا المنصهرة على الدوام في ذوات هذا العالم البئيس! نسافر في الزمان والمكان سفرا لانقطة نهاية له... لا نقطة بداية له ... سيان ...نتحرك من جديد "على بركة الله سنواصل المشوار " يقول المؤطر على غير عادته، بحسن أدب ومجاملة رفيعة وكلمة طيبة : "استعدوا... اجمعوا الحقائب... اربطوا الأحزمة" ... بيد أن الطابع يغلب التطبع، إذ سرعان ما سيخاطبنا المؤطر، بعد هنيهة من ذلك،بفظاظة – لم نكن على الإطلاق مستغربين منها - :أعرف أنكم مستهترين... مزفتة عليكم السوياع ... شوهتونا ... حشمتونا ... الله ينعلها نقلة... تفو على بندم ... وسيرو عونيت ضحكوا علينا عباد الله في الجديدة ... ديروا في حسبكم غادي نوقفوا في آزمور باش نتغذاو ... وديروفي حسبكم هاذ المرة الفالطة بالكابوط ... المهم الخبار في راسكم..." ..." آش خبار أراس الحمار... سبان ومعيور والهدرة تحت الصرة، كأنك في البورديل ... جمع راسك وقلوعاك... راه أنت رجل تربية يا حسرة ! " ينتقده بكل أنفة وثقة ولد أحد الأثرياء بالعلالي، فلا يستطيع الجواب عليه، وفي المقابل يخاطبه مطأطأ الرأس: "أنا ماقصدتكش أنت... أنت ولد الناس ومربي ...زووين... فنوين ... الله يخليك لواليديك... شتان بين الثرى والثريا... أنا قصدت هاذوك الهيوش لمحال يكونوا من فصيلة البشر..." هنا قفرها كحال العافطة ! زاد الطين بلة ! حيث تولدت في دواخلي رغبة عارمة لمجابهة كل أشكال المهادنة والتبعية والسلبية والدونية ... فكرت جديا، أن أحتج عليه أنا بدوري... بيد أنه، وبمجرد ماراجت الفكرة في خلدي، إلا وأحسست به –كقارئ بارع للنوايا -يصرخ في وجهي: "سكوت! أنص بنادم!" أش هاذ الحكرة الوضيعة ... الخسيسة... فعلا كنت قصير القامة –وفي المقابل طويل الهامة- إلا أن كلامه الجريح ... السوقي ...سيجعلني أنتفض كالبركان، سيقذف حممه في وجهه الحقير... أثور كثور هائج، سيأتي هيجانه على الأخضر واليابس في محياه الوسخ ... دعيت فيه دعوة ... أكيد لن يشق لها غبار... دعوة المظلوم ... دعوة المحكور : " سير الله ينكيهلك!" ...تعملقت ... أصبحت عملاقا... ترجلت... أصبحت رجلا ... بما فيه الكفاية أخذت زمام الأمور عوض أقراني ومرافقي... أعلنتها حربا ضروسا على مثل هذه الطينة من الحثالة البشرية... نفسيتي أصبحت على كف عفريت... لم أعد أستحمل قبول الاهانة والتجريح ... لم يكن علي اطلاقا في تلك اللحظة الصعبة، أن أضمر ضجري وسئمي، بل إبانها فصاعدا، لم أكبح ما يختلج صدري، من نبض الحقد الدفين تجاه أمثال هؤلاء المتزلفين ... المتملقين... إلا أنه مع مرور الوقت ، لم يعد يهمني من أمرهم شيئا ، "فكل نعجة تعلق من فرقوشا "... علي الآن، أن أثق الثقة العمياء، بذاك الصوت الطيب القابع في دواخلي، بذاك السلاح الفتاك الذي لايقهر "دعاء يما" : "سير أولدي، الله يجيب لكم تسير ... ترجعوا سالمين غانمين بوجه النبي سيدنا محمد... " آه! على روعة الأمهات ... الأم طود من الأخلاق الرفيعة... دوما وأبدا، تدعي لك ولأصحابك، والغريب في الأمر، أنه لا تسمح لها نفسها، حتى بالدعاء على أعدائك، وأقصى ماتقول في حقهم وحق أية عقبة كأداء قد تعترض حياتك... تكبح طموحاتك... تفرمل تطلعاتك "سير الله ينقي طريقك من الشوك"... شوك الحجر والبشر والسفر والدهر... فتحرك، وتأكد أن "ليس على القلب والجسد أدنى خطر "... "سير الله يبعد عليك أولاد لحرام ...لي قطعين يدم من يد الله ، أي من لايخافون الله ولا يجتنبون معاصيه..." مايخافوا ...ما يحشموا"... آه! على روعة الأمهات... يصبحن ويمسن على الدعاء لك... يصلين صلاة الاستخارة عوضك ... لايهدأ لهن بال... لايرتاح لهن خاطر... لا يغمض لهن جفن... إلا وأنت مدثر بفراش الحنان... مغطى بغطاء الرضى: "سير الله يرضي عليك... أنا راضية عليك دنيا وآخرة " آه ! والله ! يا"يما راضية"! تأكدي أن رضاك علي وسام فخر أعتز به، في كل ثانية ينبض فيها قلبي ... في كل دقيقة أستنشق فيها عبق رضائك ... إنه الإكسير الحلو، الذي أرشف وسأظل أرشف منه ، بكل فخر واعتزاز، خلود الحياة الغير الخالدة... رضاك هو السراج المنير، الذي أضيء به سراديب الحياة المعتمة... أروض به، بصبر وأناة، وحوش الزمن الرديء... أتذكر اللحظة، حينما كان لي شعر يرفرف في الأعالي... حينما كانت فروة الرأس أرضا خصبة معطاء –والآن بحكم الزمن أصبحت أرضا قاحلة جرداء!- كيف تحرص الوالدة على سكب الشامبوان على رأسي " المعمر بالقشرة... تحكه حكا..." بعد أن تحرص في جهد جهيد أن "تغلي لك الماء في الغلاي المقزدر" في أيام ديسمبر الباردة ... حيث "السميقلي" "والسم دلبرد" ...وأنت على أهبة الاستعداد للذهاب إلى "الفيلاج"... إلى "البراريك"... للركوب في الطاكسي الكبير ... والتي ستقلك في أقل من ساعة إلى مدينة فاس... المدة الكافية لتطير منك –مع كامل الأسف - رائحة الشامبوان... رائحة تاونات ... رائحة الأم! ولتظل أنفك مزكومة برائحة "واد الجواهر" ...ولتتمنى دوما أن تصاب بنزلة برد حادة ! الأم هبة من هبات الله الكثيرة ... والأب عطية من عطايا الله الجمة ... الأبوين! كنز ثمين للأسف الشديد مساخيط الوالدين هم أكثر من يعرفون قيمته !!! الأم تعلمك براءة الطفولة والأب يغرس فيك براعة الرجولة ... كلاهما يصنعان منك انسانا شامخا شموخ جبال" أسطار" ... يجعلان من أعصابك باردة برودة ماء عين"بوعادل" ... يصيرانك فسيح الأفق فساحة مزارع "لوطا"... يخلقان فيك شهامة ونخوة وكبرياء وعلو كعب ناس الجبال... يبنيان منك صرحا من صروح الوطن ... يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع