الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ظلّ التحولات الاقليمية والدولية:هل تخلّت الدولة عن مواطنيها بالخارج؟

لطفي الهمامي
كاتب

2017 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


هل تخلّت الدولة عن مواطنيها بالخارج؟
لقد كرست منظومة الحكم في تونس، سابقها وحاضرها، فكرة أساسية يتمحور حولها كل موضوع متعلق بالتونسيين بالخارج، وهي"العملة الصعبة"،دون النظر إلى هذا الجسم في مجمله كمواطنين تونسيين لهم احتياجات مختلفة، خاصة الفئات التي تحتاج إلى حماية من قبل الدولة. وتظل تونس مقارنة بعدة دول سواء منها العربية أو الإفريقية خاصة، متأخرة في مجال حماية مواطنيها بالخارج. لتقديم رؤية بديلة في هذا المجال نطرح أهم المطالب الملحة للنقاش.
- تسوية ملف التونسيين غير المتمتعين بالإقامة القانونية وخطر الاختلاط بملف الإرهاب
تعتبر قضية الإقامة القانونية من بين المعضلات الرئيسية بصفة عامة لدى كافة الدول، لارتباطها بالهجرة غير المنظمة قانونيا، وهو ما يعبر عنها ب"الحرقة"،والتي يكون عادة اتجاهها نحوا لأقطاب الاقتصادية في العالم .أما فيما يتعلق بالتونسيين، فان هذه المسالة تحولت منذ سنوات خلت إلى معضلة حقيقية وخطيرة ومعقدة، تجاوزت حدود الهجرة الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت تحتاج إلى مقاربة منهجية ودبلوماسية جديدة للتعاطي معها بجدية. ما هو مطروح اليوم في ظل التحولات الإقليمية والدولية في هذا المجال يفرض البحث عن حلول عاجلة ومستقبلية.من بين المرتكزات الأساسية التي يجب أن تكون منطلقا للحلول يتمثل في الحفاظ على مبدأ حرية التنقل والإقامة داخل وخارج تونس. لقد جرت العادة في طرح النقاش حول الهجرة التركيز التام على الداخل، أي كيفية تنظيمها والآليات والاتفاقيات التي يمكن أن تساهم في الحد منها. لكن هناك في المقابل جزء أخر من المسالة، وهو من بين القضايا الرئيسة التي يجب على الدولة ومرافقها المتدخلة في الخارج الحسم فيها بكل وضوح، وهي قضية التونسيين المتواجد يد ببلدان مختلفة من العالم وخاصة الأوروبية منها دون أن يتمتعوا بالإقامة القانونية.
يتواجد الآلاف من التونسيين دون وثائق إقامة بعدة دول، وهم عرضة لكافة مظاهر الاستغلال والملاحقة من قبل البوليس لترحيلهم. لقد بينت التجربة أن الإدارة التونسية، قد تخلت عن هؤلاء ليواجهوا مصيرهم, ولتزال نفس السياسة متبعة من قبل الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة.ولكن بروز إشكال مضاف يزيد الموضوع تعقيدا وهو الإرهاب يستوجب فتح الملف بأكثر جدية. فمن المعلوم أن الإرهابيين انتشروا بالبلدان الجارية بها الحرب المفتوحة على القتل والترويع، ولكن كذلك هناك عناصر أخرى منتشرة بعدة مناطق من العالم سواء بعد انسحابها من مناطق الحروب أو هي تمثل احتياطي ممكن تحريكه في أية لحظة لتنفيذ مهمات فردية أو جماعية. في هذا الإطار بدأت حملات إعلامية وسياسية خاصة في أوروبا وأمريكا تدعوا لترحيل كل من ثبت عدم حيازته إقامة قانونية إضافة إلى العناصر الملاحقة أو المشتبه بها، مما يعنى أن الخلط بين الإرهاب والهجرة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي أصبحت كلّ غير منفصل، وهو ما سوف تكون تداعياته جدّ خطيرة. بداية، لن أتطرق إلى موضوع الإرهاب وقضية الترحيل على أساس هذا العنوان، إنما أتعرض إلى موضوع التونسيين غير المتمتعين بالإقامة القانونية من قبل الدول المتواجدين على أراضيها.
دون العودة إلى المئات من الشباب الذي لقي حتفه في البحر أو المتواجدين بمراكز الإيقاف الحدودي أعود للتذكير من باب تبيان أهمية الموضوع إلى الأحداث المأساوية التي لا يمكننا أن ننساها، فخلال الليلة الفاصلة بين 27و28 سبتمبر 2011 وعلى اثر حريق شبّ بمبنى اتخذه بعض الشباب ممن عرفت قصتهم ب"لمبدوزا" حيث رفضت السلطات الفرنسية تسليمهم وثائق إقامة ,وجراء هذا الحريق توفي أربعة منهم حرقا وجرح ثلاثة تم نقلهم إلى المستشفي كما توفي شاب تونسي آخر من نفس مجموعة لمبدوزا يوم 16 سبتمبر 2011 نتيجة الجوع والبرد لأنه يقيم بإحدى الحدائق بباريس وليزال العشرات من الشباب التونسي موزعين بأماكن اقل ما يقال عنها أنها مهينة ومتنافية والكرامة البشرية. نتذكر كذلك انه بعد ثورة الكرامة والسيادة الوطنية هناك من التونسيين من قضى نحبه وهو يغامر بحثا عن الرزق وهناك من سكن الحدائق العمومية بباريس ما يزيد عن السبعة اشهر,هذا ما بلغه وضع التونسيين بعد ثورة الكرامة والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية. لقد أبرمت الدولة التونسية عدة اتفاقيات في موضوع الهجر وكذلك حماية مواطنيها بالخارج لكنها لم تأخذ بالاعتبار مصلحة التونسيين المتواجدين خارج ترابها دون إقامة قانونية بالبلدان المتواجدين بها بل ظلت اتفاقيات مفروضة من الدول الأوروبية أو العربية وهي تنتهك حقوق المهاجرين. في هذا الإطار نعيد طرح عدة أسئلة ضرورية من اجل بلورة مشروع دولة ذات سيادة شاملة عنوانها حماية التونسي أينما كان.الم يحن الوقت لإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة بما يخدم المصلحة المشتركة على قاعدة التكافؤ وليس العكس، أي اتفاقيات اقل ما يقال عنها أنها تفرض الندية في التعامل ؟.
لماذا لا تتبنى الإدارة التونسية كافة ملفات التونسيين المقيمين لمدة تفوق ستة اشهر من اجل الحصول الفوري على الوضع القانوني بالبلد الذي يتواجد به المعنى بالأمر وترتيب الملفات وفق الأولويات الاجتماعية والسنوات المقضات على ارض الدولة المعنية.إن هذا المطلب لا نعتبره تجاوزا للأوضاع الإقليمية والدولية أو لوضعية البلدان التي يتواجدون بها بل هي أمر واقع ومن مصلحة الدولة التونسية أن يتمتع هؤلاء بالإقامة ومن مصلحة الدول المضيفة أن يندرج هؤلاء ضمن اطر قانونية تقيها عدة أفات؟
هل يمكن أن تتحمل الدولة كامل مسؤوليتها في تكريس حلول عملية تخص الحالات الاجتماعية وتتبنى إداريا ودبلوماسيا الوضعيات الحرجة والامتناع والكف عن إجراءات الترحيل التي تطال التونسيين المقيمين دون إقامة قانونية والحال انه من بينهم من قضى السنوات الطوال على ذا الوضع؟
- الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف:من المستفيد؟
من المعلوم، أن الدولة التونسية لديها عدة اتفاقيات مع الدول العربية والأوروبية، وهي تعاقدات ثنائية ومتعددة الأطراف في عدة مجالات، منها الاقتصادي والاجتماعي ومنها ما خصّ الأمني والقضائي والعسكري وعكست هذه الاتفاقيات في مجال كل واحدة منه بصفة عامة مصالح الدول على حساب التونسيين سواء بالداخل أو بالخارج لأنها اتفاقيات يغلب عليها ميل كفة المصالح صالح الأطراف الإقليمية والدولية على حساب تونس. فمنها ما مسّ من السيادة الوطنية باسم العولمة دون النظر في تأثيراتها على الاقتصاد والإدارة التونسية ومنها ما يعتبر تخلي الدولة عن مواطنيها بالخارج فيما اتصل منها باتفاقيات الإقامة وشروطها خاصة، ومنها ما يخدم مصالح قوى متنفّذة ليس لها من هدف سوى نهب الشعوب. ومن بين هذه الاتفاقيات كذلك ما هو متعلق بالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والوثائق الإدارية وشروط الإقامة في المجال المهني أو الدراسي أو الهجرة الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة..إن هذه الاتفاقيات لم تراعى على الأقل ثلاثة مبادئ أساسية في التعامل مع الدولة ألتونسية:أولا، مبدأ النديّة،:فأغلب الاتفاقيات تنطلق من عدم التكافؤ كأمر مسلم به ,وبموجب تلك الاتفاقيات بقي التونسي اقل حقوق من غيره ,مثل شروط الإقامة والتأشيرة وفرص العمل والتعليم ..الخ رغم أنّ إمكانيات تحسين شروط تلك الاتفاقيات متوفرة لتونس.
تميزت تلك الاتفاقيات في الماضي وطبعت بدبلوماسية نظام سياسي عمل على تحقيق مبدأ الحفاظ على بقاءه رغم طابعه الشمولي والاستبدادي أما بعد الثورة فمن المنطقي أن نعيد النظر في تلك الاتفاقيات من منظار المصلحة العامة للتونسيين وتغيير شروط التفاوض خاصة في الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية. إعادة زاوية النظر من منظار مبادئ الثورة التونسية وهي الكرامة و السيادة الوطنية والدفاع عن مصالح التونسي أينما كان والأخذ بالاعتبار مجمل التحولات الإقليمية والدولية في هذه المجالات.
في هذا الإطار، ما الذي يمنع تونس من إعادة النظر في كافة الاتفاقيات الموقعة سابقا بالتعديل أو الحذف و إبرام اتفاقيات بديلة؟. وما الذي يمنع النظر العاجل في اتفاقيات الإقامة والعلاج والتشغيل والتأشيرة والأسرة والضمان الاجتماعي والتبادل الاقتصادي وخاصة اتفاقية الشراكة؟. وأمام التطورات الجارية في طبيعة ومقتضيات مكافحة الجريمة ما الذي يمنع من إعادة النظر في منظومة الاتفاقيات الأمنية المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة وذات الطابع الإرهابي بما يتلاءم وعدالة منظومة حقوق الإنسان وبمنظومة قضائية متطورة وفقا للقوانين الدولية وللعدالة كمعيار أساسي لتلك الاتفاقيات؟.
لماذا لا تبنى الدولة التونسية سياسيا وإداريا كافة التونسيين المتواجدين بالخارج دون إقامة والتعجيل بالمطالبة بإقامتهم والإحاطة بهم من قبل القنصليات والسفارات على جميع المستويات؟. وتمكين كافة التونسيين بالخارج من الوثائق الرسمية دون اعتبار لوضعهم القانوني في البلد المتواجدين على ترابه( جواز السفر- بطاقة تعريف الخ)واعتبار ذلك كإجراء لحائي لهم من قبل الإدارة؟. هل يمكن الكف عن التعاون مع البلدان المضيفة في تنفيذ إجراءات الطرد والترحيل على خلفية الوجود غير القانوني وعدم الخلط بين المتواجدين دون إقامة قانونية والإرهابيين مثلما بدا الإعداد له من قبل عدة دول أروبية وخاصة ألمانيا.
أين دور الدولة في الدفاع عن التونسيين بالخارج ضد كافة أشكال التمييز العنصري و خاصة حملات معاداة المهاجرين والاسلاموفوبيا والاستقطاب من قبل الجماعات الإرهابية وتوظيفهم لممارسة الجرائم المنظمة؟.أما علاقة المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التونسية بالخارج فحدث ولا حرج، في هذا الإطار ألا يمكن استعانة الدولة بمكونات المجتمع المدني لتقريب الخدمات الإدارية من تواجد التونسيين؟.
جانفي 2017
لطفي الهمّامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف