الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبتر

حسام الخطيب

2017 / 1 / 10
الادب والفن


بخطوات وجلة تتعثر في مشيتها أقترب من منصة القضاء ، تطلع كثيرا الي القاضي بشعره الكثيف الذي يغطي حتي شحمة اذنه وانفه الاحمر الضخم فتنحنح ذلك الاخير قائلا :
- أنت البغل ، أليس كذلك؟
اجاب في ارتباك ملحوظ ، وان زالت عنه رهبة المكان بعض الشئ :
- نعم يا جلالة الأسد
- ما دعواك . ولما رفعتها علي ابوك وامك ؟
نظر البغل الي امه وابيه الجالسان داخل قاعة المحكمة قبل ان يحول بصره تجاه القاضي قائلا
- أنا يا جلالة الاسد ، ضحية عبث واستهتار أبي وأمي ، أنا البغل نتيجة زواج غير شرعي وغير متكافئ بين أنثي حمار وذكر حصان ، أنا الوحيد الدليل الحي علي انحطاط الاخلاق في داخل غابتنا العظيمة
رد علي الاسد بسرعة :
- ولكن يا بني ، تزاوج الحصان والحمار ليس حديثا او حالة فردية ، فهو شئ قديم قدم الدهر، وقد شهد التاريخ عشرات الالوف من حالات التزاوج تلك ، فلم يعتبرها ضد القيم او الاخلاق مثلما تفعل
اجاب البغل في حكمة غير معهودة :
- انتشار الشذوذ لا يعني اعتباره قاعدة معترف بها ، أو امرا طبيعيا ، فالطبيعيات ثابتة وما طغي عليها وخرج منها فهو المتغير ، انظر يا جلالة الملك ، الأصل في الزواج هو التكافؤ ، ولأننا معشر الحيوانات ليس لنا مال او جاه او منصب فاننا نتزاوج بالاصل وحيث ان الحمار يتزوج عادة من أتان والحصان من فرسة كشأن غيرهم من الخيول فهذا هو الطبيعي ، ولذا فأنني اعتبر ما حدث بين أبي امي كان مجرد نزوة لم يحسبا لها حساب , اشباع لشهوة حيوانية بلا قيد او رابط ، او ربما هو سحر الفاكهة المحرمة
هنا انتفض الحصان من مكانه وهو يقول :
- سيادة القاضي ، جلالة الاسد ، هل تسمح لي بالدفاع عن نفسي
اومأ الاسد براسه ايجابا وهو يقول
- نعم ايها الحصان ، تفضل
اقترب الحصان من منصة القضاء قبل ان يستدير مواجها ابنه قائلا :
- يا بني كن رفيقا بنا ولا تسئ الظم ، فأنت لست الأول ولن تكون الاخير كثمرة زواج الحصان والحمارة ، لقد كنا يا بني في ريعان الشباب والحياة منفتحة لنا ، ولما كنت لا اميل كثيرا الي بنات جنسي من الخيل ، لذا فقد اعجبني امك بشدة فتقربت أليها وانبهرت هي بي ، فقد كانت جميلة ، هيفاء القد ، ممشوقة القوام ، صلبة الحافر ، ورفضت كل بني جنسها من الحمير من أجلي ، فقد اشتعل بالحب قلبانا ولم نطق صبرا لنطفئ جذوة هذا الحب
نظر اليه البغل في حنق قائلا
- هكذا مجرد رغبة جسدية في قلبيكما ، أردتما أن تطفأها وذلك دون النظر اذا كان هذا طبيعا او لا
- الحب طول عمره طبيعيا يا بني
- لا اتفق معك ، الحب يكون طبيعيا بين ابناء الجنس الواحد يا أبي
- أتعني بهذا أنه عندما يقوم البشر علي سبيل المثال بالزواج بين رجل وامراة فهذا لا يكون طبيعيا وعندما يتزوج الشواذ فهذا هو الطبيعي
- هذا امر اخر يا أبي ، فلا تخلط الامور ، ما اقصده انه لم يحدث مثلا ان تزوج الاسد من نمرة او الفيل من زرافة او حتي الشمبانزي من غوريلا مع ان هذت الحيوانات تخضع لنفس العائلة ، انتما بذلك مثال للعلاقات المحرمة التي استهجنها واكرهها
- ولكننا لم نفعل شيئا جديدا ، ولم تكن علاقتنا سرية او حتي غير شرعية ، بل علي العكس كانت علنية واشهرنا الأمر واشهدنا عليه الغابة كلها
- الزواج العرفي لدي البشر قد يكون مشعرا ومع ذلك فهو ليس سليما
- ماذا تظن زواجنا اذن
- مجرد رغبة حقيرة من حصان المفترض انه بنتمي الي جنس يتسم النزاهة والنبل وكرم الطباع ، طالما اتبط بالفروسيةوالشجاعة والاقدام مع حمارة بلهاء مسكينة من الطبقة العاملة التي استغل ضعفها وسذاجتها العقلية والجسدية ليغرر بها تحت مسمي الحب والزواج
- رغبة !!! اهذا تفسيرك للأمر . مجرد رغبة
- نعم يا أبي ن مثلما يحدث لدي البشر ، هل تظن زواج الاغنياء والفقراء طبيعيا يا بني ، هل رأيت قصة زواج رجل غني من أمراة فقيرة ناجحا دون ان تكون رغبة الرجل هي سبيله الاساسي . الزواج هو الثمن الذي يدفعه الذكر مقابل الجنس والجنس هو الثمن الذي تدفعه المرأة مقابل الزواج ، وبعد ان ياخذ الذكر غرضه منها يتركها ويلفظ وليدها ان وجد ، الم يحدث هذا في كل عصر ومكان
- ولكن هؤلاء لم يجمعهم الحب يا بني ، اما زواجي من أمك فقد كان علي العكس قصة حب بوهيمية خلبت لب الغابة كلها
هتف البغل مقاطعا :
- ماذا تقول !!؟؟ حب !!، هذا هراء يا أبي فحتي قصص الحب العذري قد تصلح أساسا للرومانسية ، أما عندما يصل الأمر الي الزواج وهو قمة الواقعية ، هنا يختلف الامر ، تحب بقلبك ولكن عندما تتزوج يكون ذلك بعقلك .
صاح به والده الحصان معاندا :
- أتحسب انني لم اكن لاستطيع نيل امك سرا بغير زواج
- بالطبع كنت تستطيع ولكنك كنت ستخسر نبالتك التي اشتهرت بها بين الغابة ، فأنت كنت مرغم علي ذلك ، قل لي أترضي أن تتزوج الفرسة من حمار
- بالطبع لا
- لماذا ؟
- لأن زواج الحصان بالحمارة حب ، اما زواج الفرسة بالحمار فهي دناءة
- هكذا ، شهد شاهد من اهلها ، انت قلتها بنفسك ، فانتم تعتبرون الحمير جنسا أدني منكم ، مثلما يقبل الحر زواجه من جارية ولا يقبل للحرة زواجها من عبد ، منتهي الانانية
هنا قامت الحمارة الام علي استحياء وهي تقترب من منصة القضاء قائلة
- هل تأذن لي يا جلالة الملك الاسد بالحديث ؟
رد القاضي عليها وهو يضع مخالبه تحت يده متضايقة
- تفضلي ، علني انتهي من كل هذا
نظرت الأتان الي ابنها نظرة رؤؤوم فيها حب وعتاب في وقت واحد وهي تحاول ان تستدر عطفه ولكنه كان غاضبا عليها فتهتفت به :
- ابني العزيز ، يا من حملتك في بطني شهورا طوال ، ورأيتك تكبر أمامي وانا اغمرك بكل الحب والتفاني، لما اصبحت هكذا جاحدا ، ما الذي حدث لك ، ما الذي نزع العاطفة منك تجاه ابويك من قلبك الطيب ، لماذا ترفع دعواك ضدنا ، ما الذي اذيناك به
قال القاضي وهو يراجع اوراق الدعوي قائلا :
- نعم يا بغل ، ما فحوي دعواك ، لقد ولدت وانتهي الأمر ، ولن نستطيع اعادتك الي بطن امك مره أخري
رد عليه البغل قائلا
- هذا هو فحوي دعواي يا سيادة القاضي ، انت تعلم انني الكائن الوحيد علي وجه الارض الذي يفاخر بأبائه ولا يفاخر بأبنائه
قالت الام في هدوء واشفاق وقد ادركت الامر
- بالطبع يا بني ، فأنت لن يكون لك ابناء . البغال عقيمة
نظر لها البغل في استنكار قائلا :
- اذا كنت تعرفين هذا قبل مولدي
ردت عليه متعلثمة :
- هذا طبيعي يا بني ، فالبغال لا ينجبون ، فهم غير قادرون علي التزاوج والاخصاب
- ومع ذلك حملت بي وانجبتني وأنت تعلمين العيب الخلقي الذي ساولد به ، والذي سيشقيني مدي الحياة دون أدني أعتبار لما ساعانيه
- هذا امر بديهي يا بني ، لم اظن أنني ساغير شيئا ، لم يخطر هذا ببالي ابدا
- لانك لست اما رحيما ، انت اما غير مسؤلة ، لو كانت لديك مشاعر امومة حقيقية ، لما حملت بي ولفضلتي أن تكوني بلا نسل ، لو كنت اما رحيمة لاجهزتي علي يوم ان لفظتني الي هذه الارض ولما تركتني اعاني مع عاهتي
هتف الحصان في شدة وهو يحتضن الأتان التي توشك علي البكاء :
- كفي يا بني ، لا تقسو علي امك
رد البغل في ثورة
- وانتما لما قسوتما علي بمثل هذه القسوة ، وجعلتماني اعيش حياة تعيسة علما بأنه لن يكون لي نسل علي الاطلاق ، غريب امر هؤلاء الاباء يحملون وهم يعلمون بأن ابنائهم سياتون مشوهين او ذوي اعاقة او سيرثون منهم امراضا معينة ومع ذلك يصروا ان ياتوا بالابناء ، يتزوجون وهم لا يعلمون مقادير الزواج ومسئولياته ، يتكاثرون وهم لا يملكون ما ينشئون به ابنائهم تنشئة سليمة
هتف به القاضي في جزع
- أنك عاق لوالديك ايها البغل
رد عليه البغل وهو يضع حافراه علي منصة القضاء قائلا:
- بل هم العاقين لي يا سيادة القاضي ، حينما تعلم ان ابنك سوف يولد وبه مرض او اعاقة او تشويه قد يحرمه لذة الحياة او متعتها او احد حقوقه الشرعية ، لابد أن تقرر الا تأتي به الي هذه الحياة ، هذه هي دعواي ، لقد اتوا بي وهم يعلمون انني لا انجب ، لم يرتضوا أن يحرموا من حق الانجب وارتضوا لي هذا المصير من عدم الانجاب ، أنني اقاضي امي وابي بتهمة العقوق ، نعم عقوق الاباء تجاه الابناء

نظر القاضي الي البغل وقد بدت عليه دلائل التفكير العميق قبل ان يقول ك
- حسنا يا بني لقد فهمت دعواك وشكواك ، فحقك في الانجاب لا ينكره عليك احدا ولكن يا بني ألست تري ان لوالديك هذا الحق أيضا وهما قد مارساه دون ادني سوء نية لكي ياتيا بك الي الحياة ، دع ما حدث لك ورائك حتي لا يعيقك ، والا فلن تستطيع الحياة ، ومن وجهة نظري دعواك مرفوضة ، فلا يسعني العودة بالزمن الي الوراء وليس بامكاني منحك القدرة علي الانجاب ، ولكن فكر جيدا أن الله لم يخلق الأرض عبثا وبالتأكيد خلقك لهدف في الحياة فاسعي جيدا لمعرفة الهدف الذي خلقت من اجله
قال البغل في عناد :
- يمكنك علي الاقل اصدار قرار بمنع زواج الخيل والحمير، فان كنا لا نستطيع اصلاح الماضي ، فلنعمل علي اصلاح الحاضر والمستقبل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد