الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4/1

حسني إبراهيم عبد العظيم

2017 / 1 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4/1



مقدمة:

يعد علم الاجتماع معرفة علمية (تحريرية) بامتياز، بمعنى أنه ومنذ تم تأسيسُه في النصف الأول من القرن التاسع عشر يعمل على تحرير فهم الموضوعات والظواهر الاجتماعية من أسر الحتمية النوعية الضيقة، سواء أكانت هذه الحتمية عضوية أو نفسية أو جغرافية أو غير ذلك، وقد حاز دوركايم قصب السبق في ذلك حينما حرر ظاهرة الانتحار Suicide من أغلال الفهم السيكولوجي الضيق، وقام بربطها بمجمل الظروف الاجتماعية والثقافية في المجتمع. وما يقال عن علم الاجتماع ينطبق بطبيعة الحال على الأنثروبولوجيا، وإن اختلف العلمان في بعض القضايا المنهجية.

ويعد علم الاجتماع الطبي أحد التجليات البارزة لرحابة الفهم السوسيولوجي للظواهر الاجتماعية، حيث أخرج مفهوم المرض Disease من كهف الحتمية العضوية البيولوجية إلى آفاق الفضاء الاجتماعي – الثقافي، بعد أن لبث في كهفها سنين عددا.

وكذلك فإن موضوع الألم Pain الذي ظل لسنوات طوال أسير التحليل و(التعليل) الفسيولوجي والسيكولوجي، حتى كشف الدرس السوسيولوجي والأنثروبولوجي عن عمق تجذره في البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع. فلقد ساهمت المقاربات السوسيولوجية والأنثروبولوجية والفينومينولوجية للألم في ترقية نمط المعرفة المتاحة حول الألم وتحسينها، وعملت على استعادة reclaim ظاهرة الألم من هيمنة النموذج الطبي، ووكالته الحصرية للتعامل مع الألم. (Bendelow and Williams 1995a:139 and Johansson, et al., 1999:1792 )

والألم ظاهرة عامة يكابدها الفرد من المهد إلى اللحد، وتتفاوت في حدتها من الصورة البسيطة الخفيفة Mild إلى ذلك النمط الذي لايطاق Intolerable ويستلزم تدخلا علاجيا ناجعا، مثل ذلك النمط من الألم المستمر المصاحب للأمراض المزمنة، وقد كشفت الدراسات العلمية أن ذلك الألم الذي يجعل حياة المريض لا تحتمل unbearable هو السبب الذي يدفع أكثر من 80% من الناس للبحث عن الرعاية الطبية. Da Silva 2014: 1))

وقد حظيت دراسة الألم وعلاجه باهتمام متزايد خلال العقود الأخيرة، وعلى الرغم من أنه يعد دائما سمة معتادة في الحياة، إلا أن ملاحظته بصورة علمية تبدو كأنها لم تتم في العلوم الطبية إلا عندما تم تطوير مواد قادرة على التخفيف منه . . . والحقيقة أن ثمة تطورات لافتة في دراسة الألم، قدمت إفادات مهمة في فهمه، وطرحت في ذات الوقت إشكاليات معقدة فيما يتعلق بجوانب هذه الظاهرة شديدة التعقيد. إن الجوانب العصبية، والتي تم رصدها من قبل الباحثين والمعالجين على حد سواء، قد كشفت عن أن الألم ظاهرة متعددة الأبعاد والمتغيرات. (Perez 2006: 339)

ونحاول في هذا الإطار تقديم تحليل سوسيو أنثروبولوجي للألم باعتباره ظاهرة اجتماعية ثقافية معقدة، بجانب كونها ظاهرة عضوية فسيولوجية ونفسية، واستناداً إلى ذلك ننطلق من فرضية أساسية وهي أن اختزال الألم في بعديه العضوي والنفسي يمثل فهما قاصرا للظاهرة، وإهدارا للحقيقة العلمية المتكاملة حولها.

وتكتسب دراسة الألم أهميتها من أهمية الموضوع من جهة، ومن ضعف الاهتمام به في الخطاب السوسيولوجي والأنثروبولوجي العربي بوجه عام من جهة أخرى، فمن الجهة الأولى نجد أن الألم تجربة إنسانية عميقة تستلزم الاهتمام بها وتحليلها استناداً للتكامل المنهجي بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والحق أن اهتماماً علمياً واسعاً قد أُعطي للمرض من جانب العلمين الشقيقين، ولم يُعط ذات الاهتمام للألم، وهو ما يحيلنا للجهة الثانية لأهمية دراسـة الألم، فالأمر اللافت للانتباه أن ثمة قلة قد تصل لحد الندرة في الكتابات العربية السوسيولوحية والأنثروبولوجية حــول الألم، على الرغم من أن هذا الموضوع يشغل حيزا لا بأس به من اهتمامات الخطاب السوسيولوجي الغربي، ويتجلى ذلك في الكم الهائل من الإنتاج العلمي حول الموضوع، بالإضافة لتأسيس العديد من المجــلات العلمية التي تختص بدراسة الأبعاد الفسيولوجية والاجتماعية والثقافية والنفسية للألم، وإنشاء جمعيات علمية لدراسة الألم ورعاية الأشخاص الذين يعانون من الآلام المختلفة.

وسنتناول في إطار هذه السلسلة من المقالات التحليل السوسيو أنثروبولوجي للألم، وذلك وفق العناصر التالية:

1- في معنى الألم.
2- تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى الفسيولوجيا.
3- الإسهام السيكولوجي و الخروج من دائرة الحتمية العضوية.
4- المقاربة السوسيو أنثروبولوجية وجدلية العلاقة بين الثقافة والألم.

أولا: في معنى الألم

جاء في المعجم الوسيط ألِم ألما: وجع، فهو ألم. ويقال ألِم بطنُه، ووجع بطنا(على التمييز). وآلمه إيلاما أوجعه، فهو مؤلم وأليم. وتألمَ: توجعَ. (المعجم الوسيط 25:2004)

ويشير معجم لسان العرب إلى أن الألم يعني الوجع، والجمع آلام. وقد ألِم الرجل يألم ألما، فهو ألِم . ويُجمع الألم آلاما، والأليم : المؤلم والموجع، مثل السميع بمعنى المسمع ، وأنشد ابن بري لذي الرمة :
يصك خدودها وهج أليم.

والعذاب الأليم: الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ، وإذا قلت: عذاب أليم فهو بمعنى مؤلم --- قال: ومثله رجل وجِع . وضرب وجِــع أي موجــع . وتألـم فلان من فلان إذا تشـكى وتوجع منه. والتألم: التوجع . والإيلام : الإيجاع . وألم بطنُه: من باب سفه رأيه، يقال ألمت بطنك، ورشدت أمرك، أي ألم بطنك ورشد أمرك ، وانتصاب قوله بطنك، عند الكسائي، على التفسير، وهو معرفة، والمفسرات نكرات، كقولك قرَرْت به عينا وضِقْت به ذرعاً ، وذلك مذكور عند قوله عز وجل: إلا من سَفِه نفسَه، قال : ووجه الكلام ألم بطنه يألم ألما، وهو لازم ، فـحـوّل فعله إلى صاحب البطن، وخرج مفسراً في قوله ألمت بطنك. والأيلمة: الألم . ويقال: ما أخذ أيلمة ولا ألما، وهو الوجع . وقال ابن الأعرابي: ما سمعت له أيلمة أي صوتا. (ابن منظور:22)

ويرجع مصطلح الألم pain في اللغة الإنجليزية إلى المفردة الوسيطة (المنتمية للعصر الوسيط) peine (حوالي 1250-1300م) وكانت تعني العقاب، والتعذيب، والألم. والكلمة بدورها مشتقة من الكلمة اللاتينية poena التي تعني الجزاء والألم. والكلمة اللاتينية poena مشتقة أيضاًمن الكلمة اليونانية القديمة poin التي تعني الجزاء. وقد استخدمت كلمة pain في عام 1297 لتعني العقاب punishment خاصة ذلك العقاب المتعلق بالجريمة، وفي عام 1300 استخدمت للإشارة إلى الحالة التي يشعر بها الفرد بسبب أذى لحق به، ويقابلها مصطلح البهجة أو اللذة pleasure ويتضح المعنى المبكر للألم في اللغة الإنجليزية في عبارة (في ألم الموت) on pain of death وتم تسجيل الفعل يلحق الألم inflict pain لأول مرة عام 1300 م. حيث أن الوسائل المستخدمة للعقاب المفضي للموت كانت بالغة القسوة في العصور الوسطى، وصارت الكلمة بعد ذلك تعني العقاب ذاته، والتأثيرالبدني للعقاب. (Whitworth2005: 1)

ومن ناحية أخرى فإن العقاب – بما فيه التعذيب – كان يستخدم على نطاق واسع لعلاج العديد من المشكلات الاجتماعية، مثل التجاوزات ضد المسيحية، والسلوك الجنائي، وكانت وسائل التعذيب بشعة وقاسية، ولذا فإن كلمتي التعذيب والألم في العصر الوسيط كانتا مترادفتين. (Whitworth2005: 1)

ويرى معجم التراث الأمريكي American Heritage Dictionary أن للألم عدة دلالات لغوية معاصرة، فمفهوم الألم يشير إلى: 1. الإحساس غير السار الذي يحدث بدرجات متفاوتة من الشــدة نتيجة للجرح أو المرض أو الاضـــــطراب العاطفي، 2. المعاناة أو الشــــدة، 3. الآلام pains (بصيغة الجمع ) مخـــاض الولادة. 4. مصـــدر للإزعاج، إزعاج. (Soukhanov, ed.1994:5219)

أما الجمعية الدولية لدراسة الألم International Association for the Study of Pain (IASP) فتقدم تعريفا موجزاً ومكثفاً مفاده أن الألم هو تجربـة حســـية وعاطفية ترتبط بتلف فعلي أو محتمل في الأنســــجة،و يتم وصــــفه من خلال ذلك التلف. . (IASP2002:210)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذه المقالات مأخوذة بشكل أساسي من المرجع التالي:

د. حسني إبراهيم عبد العظيم، الألم: مقاربة سوسيو - أنثروبولوجية، مجلة نقد وتنوير، الصادرة عن مركز نقد وتنوير للدراسات الإنسانية، الكويت، العدد الثاني خريف 2015.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف