الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تاونات- التي في خاطري و-تاونات- التي في خاطرك –المحطة الخامسة عشر-

محمد البكوري

2017 / 1 / 15
الادب والفن


تدور العجلات وتدور... تهرول... تطير بنا بسرعة البرق... العجلات الممسوحة للحافلة المهترئة، حيث الكوسانات من النوع الرديء، والتي تنبعث من أسفلها رائحة البصاق والتقيء، وحيث لا أجهزة تكييف في هذا الصيف القائظ ... حتى أبرد عن نفسي وأثلج صدري وأنور عقلي أعمد بشغف، إلى قراءة مقاطع من إبداع أدبي قدم لي كهدية من الدكتور محمد السرغيني تحت عنوان " وجدتك في هذا الأرخبيل " :" تتقاطع بنا الطرقات وتكتظ المسافات : طقوسية التجربة وازدواجية التداخل. عراه تعب كاسح من رتابة المسافة. تقاسم جسده مع ثيابه. أسلم وجهه للنافذة المطلة على الساحة الخضراء. ألقى أوزار الأرض على الأرض كأن دوران الصورة في المادة. الطقس مركز العناصر والأرض سيدة الجاذبية. إلا أن الغرائز في ثنائية الالتهاب والانطفاء يتعاقب عليها الليل والنهار.فكيف تلتقط أنفاسها ملتهبة ومنطفئة؟ ص 3 . تصول وتجول بكل أريحية ... بكل حرية ... كلمات هذه المقاطع المفعمة بالرقي الابداعي بخيالي وتعود به إلى ذكريات الزمن الجميل، حيث تتقد الذاكرة من جديد وينتعش الحنين مرة أخرى... أغمض عيناي قليلا، لعل ذاكرتي تشحن بصور تقشعر لها الروح قبل أن يرتجف منها جسدي النحيل... اليوم الأول لي في فضاء رحب، يسع حيوات المرحوم جدي الحاج وزوجاته وأولاده وبناته-أعمامي وعماتي- ...فضاء "الدويوار" ... عليك "أعمي بوشتى" المعلم أن تسرع الخطوات... أن تبذل أقصى ما أوتيت من قوة ...أن تضاعف المجهود... أن تحث "البناية والخدامة باش يطلقو يديم شويا لبناء العزيب" ... "يالاه نتغذاو بعدا، راه راخيها الله ...كوكوت معمرة باللوبيا وعشرة ديال خبزات ومقراج ديال أتاي ... وارا برع ... المهم نعمروا الكرش ومولاها ربي" ... يخاطبني بنبرة ممزوجة بالحسرة : "شوف أولدي! قرا على راسك... القراية هي لي ديمالك ...هي لتنفعك ... البالا والفاس مافيهم نفع ...ماتصور منهم ولو" ... كان ذاك، هو الدرس الأول الذي يلقنه لي "عمي بوشتى" في مدرسة الحياة، والتي أنا جد متأكد أنه خبرها كامل الخبرة ... "طياح سنانو في معرفتها"... وكان علي لزوما أنا "سنان حليب" الاذعان الطوعي لنصيحته "الثمينة" وأن"نهبط راسي ونسمع الهدرة" ... لعبة الأسنان هي ذاتها لعبة الأجيال، تظل دوما محددا لا مناص منه في فلسفة "الشيخ والمريد" ... عليك بالاستجابة الفورية لكل توجيهات الأكبر منك ، ولو كان هذا الأخير مافتئ يردد على مسامعك اللازمة : " ما كبر غير الله!" عليك بالانبطاح الارادي لرغبته في عدم نسيان "الأصل الطيب" و"المنبت الحسن "... عدم نكران جميل تاونات، البلدة التي يجري في عروقك تينها وزيتونها... عسلها وحنظلها... حلوها ومرها ... ألم تنجبك هاته البلدة الهادئة والقابعة في ركن سخي من هذا العالم الخفي بعد أن تحملت جاهدة عبء المخاض ؟ ! عليك ألا تغير جلدتك أوتكون كالثعبان يغير حراشفه ... عليك أن لا تتنصل من "التاوناتةTOUNATISATION" ... " التوناتة" هي تلك النسمة الرقيقة التي تنعش دنياك... تلك النغمة الرنانة التي تطرب لحظاتك ... تلك الهمسة العذبة التي تؤنس حياتك... تلك البسمة الحلوة التي تفرح أساريرك... " التاوناتة" هي ذلك العش الدافيء الذي يحتضن أحلامنا النقية نحن الطيور المهاجرة المشتتة في كل بقاع المعمور والمغردة هنا وهناك ... حينما نسمع تاونات نحس بذواتنا ترتج ... تهتز... ترقص فرحا ... تتمايل نشوانة في كل زاوية وكل ركن من العالم ... تتحرك مشاعرنا ذات اليمين وذات الشمال... "التاوناتة" هي استنشاق رحيق الذكريات"العسلية" من منحلة الأيام التي يتمنى المرء منا أن تعود لكن هيهات! ! ! " نجيبو المغرب أيام رمضان في قلعة بوفول ... نسرق لحظة عشق في شارع العشاق... توجاد البقول في عين الله... تنقية الفول من كاركالو ونقله بالبرويطة إلى مطحنة القلايع ... الطيران مع"غلينديزار" و"جيمي القوية" و"اكس اور" في مزبلة الغابة ... خوض غمار حروب "النبيلة والجباد" ..."سقي الماء وتعمراه في البوادا من شنبار... سرقة البعقاس من عرصة مفضل... لعب لعبة العريس والعروسة ببراعة وبراءة نادرتين... الزعما ديال دخول الغار لي كاين في المصلى بلا خوف ولا تردد... اصطياد المجذيخة في غابة العسريين وتشويطها والتلذذ بأكلها... نصيدو بالسدرة بوبغال والحجل ... دير مراسيم د دفين ديال أبجوي في دار دعايشة ... جمع قراعي خاوية ديال السكايرية وبيعها بعشرة دريال... بيع كرني سبيطار وما بارد وميكا صاك وسلوان وكلكول أوطايب وهاري ... شراء فرفرا أو لعب وكول وماسكة دريال وجبان كولوبان ... عومان في الصباب والميكي والقبطان وأسكار ...تحميمة فعالة تاركة في الحمام دلبراريك أو دحجدريان... جني بوخنو من جبل أسطار ...مغازلة لاص دوكوباص والصوطا والكابال مع القمارة... أكل العنب البلدي ديال بني زروال والبرقوق ديال بوعادل والكرموس ديال بوهودة وتاونات دلقشور والهندية دلعقبة توت... "التاوناتة" باختصار نرجسي شديد وبشوفينية غريبة،هي ذلك الشعور النبيل والاحساس الجميل الذي ينتاب كل "تاوناتي" قح أعلن أن دمائه تحتوي على كريات بيضاء وكريات حمراء وكريات "متاوناتة" ! هذه الأخيرة، هي فصيلة نادرة يحرص "الجبلي" الطائر الحر، بجود وسخاء، على التبرع بها لهذا العالم الذي يبدو أن رصيده من الدم "النقي"هو في نقصان فظيع! فهلمي أيتها الطيور المهاجرة لانقاذه قبل فوات الأوان! ! ! ... يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي