الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي معتز الدمرداش

فاطمة ناعوت

2017 / 1 / 16
بوابة التمدن


صديقي معتز الدمرداش

صديقي معتزّ، لن أعزّيك في ماما كريمة. فالأمهاتُ لا يُعزَّي فيهنّ. ليس لأن فقدَهن أكبرُ من عزاءات الناس للناس، وليس لأن الحرمانَ منهنّ أهولُ من مواساة الأصدقاء والأهل للفاقدين أمهاتهم، بل لأنهنّ لا يمُتن. الأبناءُ يحملون أسماءَ آبائهم. لهذا يفرح الناسُ بالولد لأنه سيخلّد أسماءهم. ومَن لا يُنجبُ ولدًا تُسمّيه العربُ "أبترَ"، لأن اسمه ونسبه أصبح مبتورًا من كتاب الخلود! حساباتٌ طفولية! فإن كّنا لا نحملُ أسماء أمهاتنا، فلأننا نحمل منهنّ شيئًا أكبر من الاسم الاعتباطيّ وليد المصادفة. نحن نحملهنّ بكاملهنّ في تاريخنا وأرواحنا كما حملننا بكاملنا في أحشائهنّ وفي أعمارهنّ. لهذا لا تموتُ الأمهاتُ.
لكنّه الفقدُ يا عزيزي. الفقدُ الجسديّ الفيزيقيّ. فقدُ أصواتهنّ في فضاءات البيوت. فقدُ شكلهن في بيابي المآقي. فقدُ أكُفّهن الحانيات تربتُ على ظهورنا وقت التعب. فقدُ دعواتهنّ في لحظات العُسر. فقدُ إشراقة ابتسامهنّ حين نرنو بأبصارنا نحوهنّ. وفقدُ لهفتهنّ حين نغيب. حين شاهدتُ صورة زفاف ماما كريمة مختار على والدك نور الدمرداش، تذكرتُ صورة أمي في فستان زفافها على أبي. كانت أمهاتُنا جميلات وأنيقات وقتَ كانت مصرُ مصرَ.
حين هاتفتُك قبل يومين، تبعثرتُ الكلماتُ فوق لساني كعادتي في لحظات العزاء والرثاء والمواساة. أنا التي أنفقتُ عمري في التفتيش داخل خبيئة اللغة وأسرار الكلمات، أتلعثم حين أبحث عن كلمات مواساة لأحبائي حين يفقدون غاليًا. وهل أغلى من الأمّ؟! قلتَ لي وصوتُكَ يشرِق بالدمع: “خلاص يا فاطمة مبقاش فيه ماما كريمة!”، ولم أدرِ ما قلتُ لك وقتها فقد هرب الكلامُ منّي. لكنني أقول لك الآن ما قلتُه لنفسي حين طارت أمي للسماء وتركتني وحيدة، مثلما أنت الآن وحيدٌ. واسيتُ نفسي بحيلة ماكرة أقترحُها عليك. أقنعتُ نفسي أن في موت الأمهاتِ شيئًا جميلا. شيئًا حانيًا. أنهنّ لن يمتن مرّة أخرى. أرحمُ ما في موت الأمهات أنهن لا يمتن مرتي. بل مرّة واحدة؛ يختفي بعدها خوفُنا من موتهنّ. عشتُ عمري كلّه، منذ طفولتي وحتى عام 2008، مرتعبةً من فكرة موت أميّ. ماذا سيكون شكلُ العالم حين تختفي منه أمي؟! رعبٌ دائمٌ أضجّ مرقدي وأتعس صحوي. لم أتخلص من ذاك الهمّ المقيم القاتل إلا مساء يوم 5 سبتمبر 2008، حين ذهبت أمي للسماء وتركتني ويدي لا تزال معلّقةً في طرف ثوبها. أقنعتُ نفسي يومها أن موتها اليومَ سيكون الضمانة الوحيدة لي بأنني لن أخاف موتَها بعد ذلك أبدًا، وفي هذا بعضُ العزاء.
سأكون صادقة معك وأخبرك أنني اكتشفتُ بعد برهة سخافة الفكرة. لأنها لم تمُت يومها، وفقط، بل صارت تموت كلّ يوم منذ ذلك التاريخ، وحتى أموتَ أنا. كلما مررتُ بمشكلة أو بلحظة حزن، شعرتُ بموت أمي. كلما ظلمني أحدٌ أو قستِ الحياةُ عليّ شعرتُ بموت أمي. أجري إلى دولاب ملابسي وأُخرجُ شالَ أمي الصوفيّ وأتدثّر به فأكاد أُحسُّ بذراعيها تحضنانني فأهدأ.
لكن الله كان رحيمًا بي وأرسل لي أمًّا بديلة عوّضتني عن ماما سهير التي تركتني في أشد لحظات احتياجي لها. أنا محظوظةٌ بأمي الجديد "آنجيل" التي أرسلتها أمي الحقيقية لتقوم مقامَها. لكنك أيضًا محظوظٌ أكثر منّا جميعًا يا معتزّ. لأن ماما كريمة لم تكن أمَّك وحدك يا حبيبي بل أم المصريين جميعًا، والعرب جميعًا، فكأنما حزنك عليها يتشاركه معك ملايين الأبناء وملايين الأشقاء. فحين كانت أمّي لي أنا وشقيقي فقط، وانقسم حزننا عليها على اثنين، كانت والدتك لك ولي ولكل من ينتمون لجيلنا وما تلانا من أجيال، فتوزّع الحزنُ عليها على الجميع. وأنت محظوظ كذلك لأن أمَّكَ خالدةٌ في أعمالها الرفيعة التي محفورةٌ في قلوبنا جميعًا. فإن اشتقتَ إلى صوتها يا شقيقي فهو على مرمى ضغط زرٍّ على الميديا، وإن راودك الحنينُ إلى ابتسامتها فهي هناك في كل شاشة وكل صفحة.
ربما تجد كلامي نظريًّا لا قيمة عملية له، وأجدُه أنا مثلما تجده. كلماتُ العزاء والمواساة دائمًا فقيرةٌ وساذجةٌ مهما ضفّرناها بالفلسفات والنظريات والصور الشعرية. الفقدُ تجربةٌ شخصية لا يشاركنا فيها أحدٌ ولا يقتسم أحزانَنا معنا أحدٌ. لكنها محاولاتُ البحث عن شيء من السلوى وسط ركام الحَزَن. قلبي معك، وفي قلب مصرَ تعيشُ خالدةً أيقونةُ الحنوّ والعذوبة والدفء: كريمة مختار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ست الحبايب
Magdi ( 2017 / 1 / 16 - 15:14 )
-;-كريمة مختار… الأم المثالية في السينما والدراما التلفزيونية المصرية
http://www.alquds.co.uk/?p=660049
ست الحبايب يا حبيبه
https://www.youtube.com/watch?v=hOcllIlWBac

فى تحفته بحثا عن الوقت الضائع
Temps perdu
ذكر اشهر أديب فرنسى مارسيل بروست أنه فى طفولتة لم يكن يستطيع أن ينام قبل أن تقبله أمه وذات ليلة ظل ينتظرها فوق السلم حتى فى ساعة متأخرة لأنه كان عندها ضيوف .ولما صعد ابوه وامه ووجدوا وجه إبنهم محتقنا بالدموع قال الأب لزوجته - إذهبى ونامى معه - .
خالص العزاء للأعلامى الكبير معتز المرداش من أبطال الوحدة الوطنية فى مصر.

معتز الدمرداش يفجر مشاعر والدتى خالد سعيد ومينا دانيال
http://www.youm7.com/story/2011/10/17/%D9%85%D8%B9%D8%AA%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%B4-%D9%8A%D9%81%D8%AC%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AA%D9%89-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%84/514175

ليتنى تمكنت من كتابة :اليوم الذى بكيت فية ليدى فاطمة ناعوت بعد مذبحة ماسيرو


2 - رحيل الفنانة القديرة كريمة مختار
Magdi ( 2017 / 1 / 16 - 18:15 )

لأن الماضى يجرى نحو الحاضر فإن رحيل الفنانة القديرة كريمة مختار جعلنى اتذكر أمى( ست الحبايب) وحب اشهر اديب فرنسى مارسيل بروست لوالدته لدرجة أنه أصيب بالربو حتى يكسب عطفها وحنيتها ( مرض ظل يعانى منه حتى آخر يوم فى حياتة ) .ثم تذكرت المواقف الوطنية للاعلامى الكبير معتز الدمرداش الذى فجر مشاعروالدتى الشهيدين خالد سعيد ومينا دانيال الذى دهسته الدبابات فى مذبحة ماسبيرو فى ٩-;- أكتوبر 2011
أثناء مظاهرة سلمية للاقباط شارك فيها مسلمين ومسلمات - ومنهن ليدى فاطمة - وعندما سألوها : هل صحيح ما يقوله التليفزيون المصرى أن الأقباط أعتدوا على الجيش أنفجرت ليدى فاطمة بالبكاء :كدابيين ولاد..

فى أحد المواقع (مغلق ) كتبت آلاف التعليقات والموضوعات فعينونى مشرفا ورغم إن الخط العربى بطيئ جدا عندى فأنى قمت بالاشراف وكنت أحتفل كل عام بذكرى الشهداء الأقباط (ماسبيرو ) و الشهداء المسلمين ( شارع محمد محمود ) ونشرت هناك فيديو من سالت دموعه عليهم الذى أختفى من النت
.
لم أكف عن تكريم الشهداء كما يشهد ذلك تعليقاتى فى عرب فيلمز:
http://www.arab-films.net/art-war-2014/

اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا