الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن لتونس الاستفادة من كوادرها بالخارج؟

لطفي الهمامي
كاتب

2017 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


هل يمكن لتونس الاستفادة من كوادرها بالخارج ؟
أطرح سؤال يهم مستقبل الشعب التونسي، في ظل حاضره المتسم بتعكّر المشهد، وتوزّع الأزمة، لتشمل كافة المجالات الحيوية منها والضرورية.من بين الأسئلة المرتبطة بالمستقبل، هي كيفية التعاطي مع هجرة العقول والتي يقابلها اليوم، سؤال حول عودة قتلة العقول.في هذا الإطار، أتناول الموضوع من زاوية ارتباطه بالتونسيين بالخارج باعتبار، جزء هاما منهم يندرج ضمن هذه الفئة.
أيُّ مستقبل ينتظر الطلبة التونسيون بالخارج؟
ترسّخت لدى عدد هام من التونسيين منذ سنوات، فكرة مواصلة الدراسة خاصة الجامعية منها بالخارج. لذلك أصبحت لدى عدة شرائح اجتماعية حلما مرتبطا بالنجاح والكسب المالي وتحسين الوضع الاجتماعي أو المهني أو لاكتساب معرفة متطورة تؤهل لمستقبل أفضل.على مرّ عشرات السنين الفارطة يمكن ملاحظة ثلاثة مسارات لهذه الهجرة لمناطق محددة من العالم، وهى بالأساس أوروبا وكندا، أما باقي الدول فيعتبر العدد محدود نسبيا. تمثلت المسارات الثلاثة الأكثر انتشارا، أولا، في البعثات الحكومية المنظمة في إطار اتفاقيات ثنائية. ثانيا، الهجرة على الحساب الخاص للطلبة المتفوقين من مختلف الشرائح الاجتماعية. أما الثالث، فهم اللذين لم يتمكنوا من النجاح ولديهم رغبة في مواصلة المشوار الدراسي.إضافة إلى عدد هام من اللذين فقدوا الأمل في إمكانية مستقبل مرتبط بشهاداتهم العلمية في تونس. هذه الأعداد الهائلة من الطلبة اللذين هاجروا بعد أن صُرفت عليهم الأموال الطائلة من قبل الدولة، أي من قبل المجتمع من المفترض أن تكون لديهم قنوات ربط مع مؤسسات الدولة حتى يتحولوا إلى قوة مفيدة لتونس دولة ومجتمعا. إذا ما عدنا للنظر لوضعهم اليوم، سواء الطلبة منهم أو من أنهوا دراستهم، فأين يمكننا أن نجدهم؟. كيف يمكن لتونس الاستفادة من أبناءها في الخارج في مجال البحث العلمي والتكنولوجي وتحويل هجرة الطاقات الفكرية والعلمية من تفقير للمجتمع إلى قوة حقيقية مستقبلية في مجال العلوم بمختلف تفرعاتها،و بالأخص النظرية والتطبيقية؟
الطلبة التونسيون بالخارج: بين واقع التهميش والمستقبل الممكن
يعاني الطلبة خارج التراب التونسي عدة مشكلات أبرزها السكن والمنحة وعدم متابعة مؤسسات الدولة لمسارهم الدراسي على خلاف ما تفعله الدول المتقدمة التي راهنت ولتزال على شبابها المتعلم. وإذا ما عدنا إلى المصالح المختلفة بالمؤسسات التونسية المتواجدة بالخارج فلن نجد اثر دقيق لآلاف الطلاب لا إحصاءا ولا متابعة،مما يؤكد التخلّي التام عنهم، وعدم طرح السؤال المتعلق بإمكانية مساهمتهم في رقيّ تونس وعصرتنها.هذه المشكلات دفعت بآلاف منهم إلى ترك الدراسة والتوجه إلى الحياة العملية لتوفير احتياجاتهم.إنهم محرومون من ابسط سند من قبل الدولة، سواء في تونس أو خارجها , واغلبهم غادر الدراسة للعمل في ميادين الفندقة والمهن الحرة التي لا تتطلب اختصاص، وبذلك تحولوا إلى يد عاملة هشّة مهددة بالبطالة و التهميش إضافة إلى ضياع عشرات السنوات من الدراسة والحلم ومن تكلفة باهظة دفعها المجتمع التونسي.لذلك لابد من معالجة جديّة لمتطلبات الشباب الطلابي الذي يمثل عنصرا أساسيا من الذكاء التونسي والكادر المستقبلي.انه بالإمكان إعادة رسم منظومة بديلة يستفيد منها الجميع، وتحافظ على نخبة مهمّة من التونسيين، وتنطلق من إعادة الربط بينهم وبين وطنهم.في هذا الإطار وضمن الاتفاقيات المبرمة بين تونس وعدة دول،لماذا لا يتم طرح مشكل السكن الخاص بالطلبة دون تمييز بينهم مثلما فعلت عدة دول في إطار المصالح المتبادلة؟. ألا يمكن بالتعاون مع المؤسسات التعليمية بالخارج دمج حاملي الشهادات العليا بمراكز البحوث بمتابعة من الجهات التونسية الرسمية والتي لها مصلحة ملحة في ذلك؟.لماذا لا تعمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على بعث هيكل يجمع أهم الخبرات والكوادر الأكاديمية والعلمية من التونسيين بالخارج حتى يساهموا في تطور وطنهم؟.
هل من الصعب إحداث لجنة لمتابعة الشأن الطلابي على جميع المستويات من الترسيم، إلى الدراسة إلى التخرج والرسكلة إلى مجال البحث والعمل؟ هل من الصعب بعث مكتب وطني على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يتابع طلبة المرحلة الثالثة والبحوث العلمية المنجزة من طرفهم وربط العلاقة الدائمة بهم وفتح الأفاق أمامهم كعقول تونسية مهاجرة تستحقهم تونس سواء من الناحية الأكاديمية أو الخبرة بمختلف مجالات العلوم؟
هل نحن في حاجة لمركز تونسي للخبرات والكوادر بالخارج؟
ما من شك أن تجارب الدول في هذا المجال والتي تمكنت من النجاح في الإحاطة بكوادرها الفكرية المهاجرة تمثل مثالا هاما بالنسبة لنا. لان في ذلك تكريس لسيادتها ولرقي شعبها. من الضروري أن نعمل على تطوير المعارف والعلوم والتكنولوجيا والخبرة في كافة مجالات الحياة بالاستفادة من جزء هام من التونسيين المشتتين بعدة مناطق من العالم. . الشعب التونسي رغم أن لديه نخب مفيدة في هذا الشأن إلا انه لم يقع مد الجسور بينها عبر آلية موضوعية تجعلهم في اتصال بعضهم ببعض والتخطيط للمشاريع المستقبلية, كما أن هذه النخب ضلت بعيدة كل البعد عن الأحزاب والجمعيات والمنظمات التونسية وعن المثقفين والمبدعين والفنانين لان الاقتراب منها يستوجب آليات لتأطيرهم. إن تونس ما بعد الثورة تحتاج إلى بعث مركز تونسي للخبرات والكوادر بالخارج يكون احد المؤسسات التى تجمع التونسيين من مثقفين وأكاديميين فينظم الندوات ويلعب دور وطني في تجميع كافة التونسيين لإشعاع المساهمة التونسية في الفكر والإبداع على كافة المستويات في ظل غياب تام للمؤسسات الرسمية في مجال تأطير هجرة "الأدمغة"
اللغة والتاريخ كعناصر أساسية في تكريس الانتماء لتونس لدى أبناء الجالية التونسية
من بين أهم الإشكالات التي تشغل بال التونسيين بالخارج هي مسالة التعليم و اللغة العربية ,لان الأسرة التي تريد تعليم أبناءها اللغة العربية تجد صعوبات هائلة أمامها، حتى أن نسبة هامة منها لم يتمكن من تدريس أبناءه العربية وبذلك خسر أبناءه لغة من المفترض أن تكون له مدخلا هاما اجتماعيا ونفسيا.مما تسبّب ذلك في عدة عوائق ثقافية ونفسية وفكرية للأبناء أنفسهم تجاه أسرهم أو عند عودتهم إلى تونس,ومما أدى كذلك إلى بروز جيل من التونسيين من غير الناطقين باللسان العربي رغم تشبثهم بتونس وطنا وثقافة وهوية ولغة.أما الفضاءات الخاصة وشبه الخاصة والجمعيات النشطة في هذا المجال أي تدريس اللغة العربية فإنها تشكل على الأقل أربعة علل أساسية:
العلة الأولى: توجد مدارس لتعليم اللغة العربية اغلب مؤسسيها من بين التونسيين أنفسهم، ولكن علّة هذه المدارس أنها تدرّس خارج مجال المدرسة أي أنها إضافية للمدرسة الأساسية، ومن بين الصعوبات أن التلميذ لا يجد الوقت الإضافي أو المقدرة الذهنية للملائمة بينهما. فتكون بذلك عبارة عن نشاط ثانوي ولكنه مكلف للأسرة على جميع الأصعدة.
العلة الثانية:أن هذه المدارس لا تفصل بين تعليم اللغة وتدريس الشريعة الإسلامية من منظور مذهبي تحزبي، بل إنها تتناول اللغة من زاوية دينية،وتركز على توجيه السلوك والتركيز على الأخلاق من منظور جامد ,مما يجعلها بمثابة الكتاتيب وليس بالمدرسة العصرية ,والخطورة في هذا ليس تعليم اللغة بارتباطها بالديني الذي هو جزء أساسي في التربية اللغوية والروحية والحضارية للمدرسة التونسية وإنما في البعد المذهبي ذو الخلفية السياسوية. فأغلب المدارس إن لم نقل كلّها يسيطر عليها الخط المذهبي لأنها تحت سيطرة أحزاب وتنظيمات دينية سواء بدعم من بعض الدول العربية أو من قبل تنظيمات محلية متواجدة بالمهجر تستعمل اللغة العربية كمدخل للمذهبية والحزبية إضافة إلى بعدها التجاري.
العلة الثالثة:أن بعض الدول العربية وأساسا الخليجية تستثمر في هذا المجال وفقا لسياستها الخارجية من موقع الصراع السياسي والمذهبي وهي تعمل على نطاق واسع في هذا المجال ومن بين مخاطره هو استعمال هذه المدارس لغاية إحداث توازنات ليس للتعليم علاقة بها وهي التوازن بين الجاليات العربية والمسلمة فيما بينها في أوروبا وبعض الدول الإفريقية والعربية.
العلّة الرابعة: أن تعليم اللغة العربية مكلف مما جعل عديد من المهاجرين عاجزين على التغلب عن النفقات الإضافية.
إن الصراع الجاري إقليميا ودوليا، غير معزول عن اللغة وتاريخ الأوطان وشعوبها، وهي معركة ضروس يدفع ثمنها الدول غير القادرة على إيصال هويتها الحضارية وتاريخها بدعوى أن هناك لغة مفيدة وأخرى لا تمثل لغة العصر. يمثل هذا الطرح إيديولوجيا عنصرية وهيمنية، لان اللغة جزء من الانتماء ومدخل أساسي لفهم كل فرد لمجتمعه تماما مثل التاريخ الذي ينسّب الأمور ويقدم رؤية عقلانية وموضوعية عن بلادنا.انه من الضروري اليوم إعادة فتح ملف التعليم والتأثير في أبناء التونسيين بالخارج عبر تدريسهم اللغة العربية وتاريخ تونس، وهو أمر لا يتناقض والمدرسة العمومية في الدول المتواجدين بها. إذا لم تتدخل الدولة في هذا الإطار فان مكانها لن يكون سوى لقوى أخرى سوف تعمق في خسارة التونسيين وسوف يستمر الذكاء التونسي في التشتت.
لطفي الهمّامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ