الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين جيفارا وباتيستا ....بين تشومبي ولومومبا .....

عارف معروف

2017 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



بين جيفارا وباتيستا ....بين تشومبي ولومومبا .....
------------------------------------------------
تحول ارنستو تشي جيفارا الى مثال ، ليس ثوريا فحسب بل واخلاقي ، لدى الشباب في مختلف ارجاء المعمورة . واضفيت عليه هالة اقرب الى القداسة . وليس في كوبا فقط وانما في كل مكان من العالم اعتبر جيفارا اكثر كوبية ، بمعنى وطنية ، من باتيستا . وباتيستا كوبي الاصل في حين ان جيفارا ارجنتيني وقدم الى كوبا مع ثوارها !
وفي الوقت الذي تحول فيه جيفارا الى رمز انساني للثورة ضد الظلم ومثال للإخلاص والنزاهة ، ما يزال باتيستا رمزا للتفريط بالمصالح الوطنية ورهن مصائر البلدان والشعوب للاحتكارات الاجنبية ، اي بالمختصر المفيد ....العمالة .
ما يزال ، كذلك ، بياتريس لومومبا ، عنوانا للاستقلال والاخلاص والتضحية ، في حين لا يجرؤ احد ، حتى اليوم ، و مهما كان معاديا للومومبا وتطلعاته ومساعيه ، الى اطراء عدوه وقاتله ( تشومبي) الذي فضحته سياساته وعمالته وجشعه ، بعد ذلك ، واصبح مثالا في غاية الضعة لمن يبيع مصالح شعبه ووطنه لرأس المال الاحتكاري الاجنبي وجيوش المحتلين او المرتزقة . ومعه ، ايضا ، رئيس اركان لومومبا ، الخائن ،( موبوتو) ، الذي شارك في قتله ، والذي تحول ، بدوره ، الى مثال للفساد والاثراء غير المشروع وتجيير كل مصالح شعب الكونغو لخدمة جيبه الشخصي حتى تم التخلص منه بثورة .
ان تحول خدم الاحتكارات والسياسات الامبريالية الى دهاقنة للفساد وطغاة مجرمين لا يتورعون عن اقتراف اية جريمة بحق الشعوب امثال موبوتو سيسي سيكو او بوكاسا او شاه ايران او السادات اوبن علي اوغيرهم مآل حتمي ينبع بالضرورة من المنهج الذي اتخذوه والسبيل الذي اختاروه والمصالح التي ارتبطوا بها ولا علاقة له بصفاتهم الشخصية او تشنيعات اعداءهم ...
كذلك هو حال نقائضهم ممن اختاروا الارتباط بمصالح اوطانهم وشعوبهم ، فهذه الخيارات والمواقف والعمل عليها والتشبث بها هومن صنع منهم ايقونات للبطولة ومثل جديرة بالاتباع .ان هذا هو ما يجعلنا ويجعل الملايين ، حول العالم ، ترى في جيفارا قدوة وفي لومومبا بطلا ومضحيا وفي مصّدق زعيما وطنيا ،وفي عبد الكريم قاسم وعدا مغدورا وفي عبد الناصر ثورة لم تكتمل ...ويدفعنا الى ان نسميهم ابطالا ونجل ذكرهم . .
ان هؤلاء ، طبعا، بشر . لهم ما للبشر وعليهم ما عليهم . ونحن اذ نعّظم منهم ما عرفنا من جوانب فلابد ان تكون لديهم جوانب اخرى لا تناسب الحال ونقاط ضعف مثل التي لدينا ، لكن البشرية تعودت ان تمنح ابطالها الكثير مما تريد وتتمنى وتحلم فترفعهم الى مصاف انصاف الالهة جاعلة منهم آيات للنزاهة وايقونات للتضحية وصور فذة للبطولة . انها بذلك تكافئهم ولكنها في نفس الوقت تخدم نفسها وآمالها اذ تربي بهم اجيالها وتحثّ عن طريقهم شبابها و تعمق من آمالها وتطلعها الى الكمال والمثال .
ليس في الامر مثالية ثورية ، او منظومة قيم واخلاقيات عفى عليها الزمن ، ولا رؤية العالم ووقائعه من خلال " الابيض الصاجل " او "الاسود الحنجوجي " كما كان يقول جدي رحمه ورحم موتاكم الله ( الابيض الناصع او الاسود الحالك ) ، او بتعبير " الجماعات الاسلامية الجهادية " ، التي اُريدَ للغتها ان تكون طاغية خلال هذه المرحلة : النظر الى العالم ، على اساس الانقسام الى فسطاطين : فسطاط الايمان وفسطاط الكفر . انما هو الانقسام والتناقض ، العملي جدا، والحقيقي مئة في المئة ، بين مصالح وغايات يندر ان لم نقل من المستحيل التوفيق بينها : مصالح الشعوب من جهة ومصالح الاحتكارات والكومبرادور المرتبط بها من جهة اخرى .
لا اعتقد ان احدا يمكن ان يماري ، اليوم ، في ان الانكليز ذهبوا الى الهند طمعا في ثرواتها ، تلك التي جعلتها ، درة التاج البريطاني ، بحسب تعبير الانكليز، يومذاك . ومن البديهي ، ان شركة الهند الشرقية ، مثلا ، كانت تبذل قصارى جهدها في فرض احتكارها للكثير من الغلال والسلع ، وانها عضّدت بعض الحكام والمهراجات الهنود ضد بعضهم تبعا لمصالحها . وانها سلحت بعضهم وحثّت على المذابح ، كما كشفت الوثائق التاريخية ، بدافع جني المزيد من الارباح ، غير مبالية بأرواح او أمن واستقرار فقراء الهنود . ولا بد ان بعض المستفيدين الهنود قد عملوا وكلاء لصالحها . ولا بد انهم رأوا ان مصلحتهم ترتبط بوجودها وسيطرتها . ومن الطبيعي انهم عملوا وفق ما املته عليهم مصالحهم وبرروا لشركة الهند الشرقية افعالها واستغلالها، وجندوا انفسهم ومن معهم في خدمة التاج البريطاني . صحيح ان الانكليز مدوّا خطوط السكك الحديد ،وصحيح انهم نظموا خدمات البريد . وانهم ادخلوا بعض اساليب الحداثة ، لكن ذلك لم يأخذ طابعا شاملا او ينطلق عن برنامج للتحديث ، وانما كان محدودا للغاية ومرتبطا بمصالح وغايات الانكليز الضيقة .
ان هذا الذي اكتب ، اصبح ، ومنذ زمن بعيد، من بديهيات الاشياء ، لكنني اعيد التأكيد عليه هنا ، بمناسبة ، ما نقرأه ،احيانا ، من كتابات قديمة /جديدة حول فضل القوى الغربية ، وامريكا خصوصا ، في التغيير الذي حصل في العراق بالخلاص من الطغيان ، وتصوير ان الوطنية ، ومعاداة الهيمنه هي نوع من اللغو الذي لا طائل من وراءه ، والمزايدات العاجزة التي لم تجلب سوى وجع الرأس، وانها تصّب اولا واخيرا ، في خدمة الطغيان وتمجيده .ان هذه الكتابات ليست بالجديدة الا بالنسبة للعراق ، فقد عرفتها بعض البلاد العربية ، كمصر مثلا ، منذ عقود طويلة ، بل وحتى في العراق نجد ثمة اراء وكتابات وصمت ثورة العشرين ، قبل نحو ثمانين عاما ، بانها مجرد "عركة" عشائرية وانها معركة التخلف المستدام ضد الحداثة التي جاءت بقدميها الى هذه البقعة تبغي اصلاحها !
ان المثال اعلاه ، عن شركة الهند الشرقية ، يمكن ان ينطبق ، تماما ، على شركات مثل لوكهيد مارتن عملاق صناعة الاسلحة في العالم او بوينغ او نورثروب جرومان او هيلبرتون او بكتل او غيرها . ان هذه الاحتكارات لا تقف بالضد من مصالح الشعب العراقي او غيره من الشعوب فحسب بل هي تقف على النقيض من مصالح اغلبية الامريكيين انفسهم .ان الجيش الامريكي نفسه ، لم يعد جيشا وطنيا لينطبق عليه ،حتى مثالنا اعلاه بالنسبة للجيش الانكليزي الامبراطوري ، بل انه تحول منذ سنوات طويلة الى مؤسسة قطاع خاص تعمل على اساس التعاقد ، وهو امر بالغ الخطورة بالنسبة لمسائل التجهيز والتسليح وادارة الحرب ، ويعود بالضرر الفادح على الشعب الامريكي نفسه اسوة ببقية الشعوب .ان فضح ومعاداة هذه البنية لا تعني كراهية او التطير من امريكا كبلاد او شعب ، بل انه يعني الادارة الامريكية وسياساتها تحديدا ، التي تقف منها قوى امريكية رفيعة الوعي والاهمية موقفا نقديا .
حدثني احد معارفي ، وكان قد ضّمه ، ربما صدفة ، (وثمة صدفة خير من الف ميعاد ) ، وفدٌ زار احدى الممالك العربية ايام مجلس الحكم . قال ان جلسة حميمة جمعتهم بملك تلك البلاد ، الذي نصحهم خلال تلك الجلسة بأن" يعطوا شيئا للأمريكان ... لأنهم بذلوا ما بذلوا في سبيل تحرير العراقيين وليس من الصحيح ان يخرجوا من المولد بلا حمص " . قال محدثي بان كل اعضاء الوفد قد نظروا الى بعضهم البعض بحيرة وتعجب : من يعطي لمن وكل شيء بيد بريمر ! لم يعرف صاحبي ولا انا ، حتى اليوم ، فيما اذا كان كلام الملك المذكور قد صدر عن جهل او دهاء ! وفي الوقت الذي تؤكد مصادر امريكية مهمة بينها شخصيات واوساط متنفذة في الادارة والسياسة ومن ضمنهم السيدة كلينتون مثلا، او الرئيس المنتخب ترامب ،خلال حملته الانتخابية ، على طبيعة وغايات السياسة الامريكية وقبلها الغزو الامريكي ، بصراحة ووضوح ، نرى بعضنا، يتحدث بلغة العاهل العربي المشار اليه ويطالب بإكرام الامريكان بما يستحقون جراء عملهم الطيب الذي انقذنا مما كنا فيه من عذاب !












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا