الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تناقضات العهد الجديد المنقح27

مهرائيل هرمينا

2017 / 1 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن أن يشك عاقل في أن كما كبيرا من الأدب المسيحي المبكر كان نتاج التزوير. فمن خارج جلدتي العهد الجديد، على سبيل المثال، عندنا كمية كبيرة من الأناجيل الأخرى التي يزعمون(وبعض الزعم إثم) أنها قد كتبت بيد المشهورين من القادة المسيحيين الأوائل من أمثال «بطرس» و«فيلُبُّس» و«توماس» و«يعقوب» أخي يسوع، و«نيقوديموس» ومعهم آخرون؛ كما أننا نملك العديد من أعمال الرسل مثل «أعمال يوحنا» و«أعمال بولس وتيكلا»؛ كما يوجد لدينا رسائل مثل «الرسالة إلى اللاودكيين» و«الرسالة الثالثة إلى أهل كورينثس» إلى جانب الرسائل المتبادلة بين بولس والفيلسوف الروماني «سينيكا» ورسالة أخرى مزعومة قيل إن «بطرس» أرسلها إلى «يعقوب» مناوئةً منه لـ«بولس»؛ كما أن بحوذتنا عددا من الرؤى النبوية، مثل «رؤيا بطرس»، على سبيل المثال، (وقد كادت أن تنجح في أن تكون عنصرا من عناصر القائمة الرسمية لأسفار الكتاب المقدس) وكذا «رؤيا بولس». هذا وسنتعرض لبعض من هذه الكتابات بالبحث في الفصل السادس.
لقد كان الكُتَّابُ المسيحيون الأوائل كثيري المشاغل، وكانت واحدة من أنشطتهم الشائعة هي تزوير الوثائق باسم رسل المسيح. يقودنا هذا الآن للسؤال الأهم: هل نجحت أيٌّ من هذه الكتابات المزورة في التسلل إلى العهد الجديد؟
ليس هناك سبب، من المنظور التاريخيٍّ، للشك في أن بعض الكتب المزورة ربما قد نجحت في التسرب إلى قائمة الأسفار الرسمية. نحن نمتلك العديد من الكتابات المزورة خارج العهد الجديد، فلماذا لا يكون داخله منها؟ لا أعتقد أن المرء بمقدوره أن يجادل في أن يكون آباء الكنيسة، بدءًا من نهاية القرن الثاني، قد عرفوا أي الكتب بالفعل كتبها الرسل وأيها لم يكتبوه. فمن أين لهم أن يعرفوا؟ أو ربما يكون السؤال أكثر التصاقا بصميم الموضوع لو صغناه كالتالي: كيف يمكننا نحن أنفسنا أن نعرف؟
ربما يبدو وقع هذه الكلمات غريبا على الأذهان بعض الشيء، لكن اكتشاف التزوير في أيامنا هذه صار أيْسَرَ بالنسبة لنا مما كان عليه الأمر بالنسبة للناس في العالم القديم. فأما المناهج التي نستعملها فهي ذاتها التي كانت مستعملة في عصرهم. فنحن، مثلما كان يفعل جالن، ندرس الأسلوب (style )المكتوبة به الرسالة. فهل هو الأسلوب ذاته الذي يستعمله الكاتب في الكتابات الأخرى؟ وإن كان مختلفا عنه، فإلى أيِّ حدٍّ يصل هذا الاختلاف؟ أهو اختلاف بسيط أم اختلاف بيِّن؟ وهل من الممكن أن يكون مؤلفا كان يكتب بأساليب مختلفة؟ أم أن هناك مميزات أسلوبية تختلف اختلافا تامًّا مع ما يستخدمه المؤلف في مؤلفاته الأخرى، وخاصة في هذه الجوانب التي لا نعيرها كثير تفكير أثناء ممارستنا للكتابة (أي نوع مثلا من حروف العطف نستعمله، كيف نبني الجمل المركبة، كيف يكون استعمالنا لاسم الفاعل وللصيغ المصدرية)؟ كما نعير انتباها كبيرا لدراسة اختيار المؤلف لكلماته: هل هناك تشكيلة معينة من الكلمات التي يستعملها المؤلف نفتقدها في هذا النص؟ أم هل هناك بعض الكلمات المستعملة في هذا الكتاب لم يكن لها وجود استعمالي حتى حلول الأزمنة المتأخرة للغة اليونانية القديمة؟ وكذا الأفكار والأراء ووجهات النظر اللاهوتية التي يحتويها الكتاب لها نصيب كبير من الأهمية في هذا السياق. هل ما في هذا الكتاب منها مطابق لما في كتابات المؤلف الأخرى، أو على الأقل مشابهة لها كثيرا؟ أم بينهما ما بين السماء والأرض من التباعد؟
أما السبب الذي يجعلنا أكثر جاهزية لإصدار أحكام من هذا النوع مقارنة بما كان لدى الأقدمين فهو أننا بالفعل أكثر منهم جاهزية! فالنقاد الأقدمون الذين حاولوا أن يميزوا الكتابات المزورة لم يكن لديهم من بنوك المعلومات وأنظمة استرداد البيانات ومن الأجهزة الحاسوب ما به للخروج بتقييمات مفصلة من بين ركام الكلمات والأساليب. لقد كان لزاما عليهم أن يعتمدوا اعتمادا كبيرا على المنطق السليم والحدس. هذا ما نحن نملكه، الكثير جدا من البيانات.
ومع ذلك، ورغم ما نملكه من تقنيات متطورة، ما يزال الباب مفتوحا أمام الشك في كثير من المواقف. ليس عندنا في هذا الكتاب فسحة من الصفحات لنقاشٍ موسَّعٍ لكل فقرة من كتابات العهد الجديد تكون موضعَ تساؤل. بل بدلا من ذلك سأقوم بشرح أكثر الأسباب التي تدفعنا للتفكير في أن بولس لم يكن مؤلفا لست من الرسائل المنتمية للقائمة الرسمية المنسوبة إليه إقناعا. عن نفسي، أؤمن أن كل هذه الكتب منحولةٌ عليه. وربما مؤلفوهم كانوا ذوي نيات حسنة. ولربما ظنوا أنهم يفعلون الصواب. ولعلهم شعروا بأن لديهم ما يبرر صنيعهم تبريرا مقبولا. لكنهم، في كل الأحوال، زعموا لأنفسهم هوية مختلفة عن هويتهم الحقيقية، لكي يضمنوا لآرائهم، وهذا احتمال، قبولا.
رسائل بولس المنحولة(المزورة)
لن يكون بمستطاعي في أي من المواقف التي سأناقشها هنا أن أقدم تغطية متعمقة لكل الحجج فيما يتعلق بهوية مؤلفي هذه الرسائل.[1] يكفيني، لإمضاء مقاصدي في هذا الفصل، أن أشرح بعضا من الأسباب الرئيسة التي تحجج بها العلماء ردحا طويلا من الزمان لإثبات أن هذه الرسائل لم يكتبها بولس على الرغم من كونها يزعم لها أنها قد كتبت بيديه.
وحيث إنني بالفعل قد ذكرت شيئا عن الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، فسأبدأ بها- فهي، على أية حال، من أفضل المواضع التي يمكن للمرء أن يبدأ بها وذلك لأنها الرسالة التي جرى بشأنها أكثر النزاعات سخونة من بين الرسائل الست التي كتبها بولس والتي تعد هوية مؤلفيها الحقيقيين محلا للتساؤلات. وقد ضم جانبا النزاع كثيرا من العلماء الأفذاذ (على النقيض تماما من حال الرسائل الرعوية ورسالة بطرس الثانية والتي تعتقد الغالبية الساحقة من النقاد أنها رسائل مزورة). ومع هذا فلدينا أسباب قوية تدفعنا للاعتقاد بأن بولس لم يكتب هذه الرسالة.
الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي
واحد من أسباب النزاع على هوية مؤلف هذه الرسالة هي أنها، فيما يتعلق بأسلوب الكتابة وبالألفاظ المستعملة فيها، تبدو مشابهة كثيرا لرسالة نحن على يقين كبير من أن بولس بالفعل قد كتبها، وأعني بها الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي. بل إنهما متشابهتين كثيرا حتى إن بعض العلماء قد تذرعوا بهذا التشابه في القول إن المؤلف المزوِّر للرسالة الثانية قد استعمل الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي كنموذج يسترشد به في بناء الرسالة، لكنه أضاف بعد ذلك المحتوى الذي ينتمي لأفكاره هو والذي يختلف اختلافا بيِّنا عن محتوى نموذجه الاسترشادي. إن التشابه بين الرسالتين يكشف واحدة من المشكلات التي واجهها العلماء في طريق إصدار حكمهم على وثيقة قديمة بكونها مزورة أم لا. إن أي إنسان لديه المهارة في اجتراح تزوير سيبذل بطبيعة الحال قصارى جهده لجعل عمله الخاص يبدو شبيها لعمل الشخص الآخر الذي يقلده. بعض المزورين سيكون أفضل من البعض الآخر في هذا المضمار. ولكن إذا كان شخص ما يجيد هذا إجادة خاصة، فمن العسير أن نظهر ما فعله، على الأقل على أساس اعتماد الأسلوب كقرينة للحكم.
ولكن ما السبب الذي قد يدفع شخصا ما أن يحاكي أسلوب بولس ومع ذلك يأخذ لنفسه توجها لاهوتيًّا مخالفا لتوجهه؟ بمقدور المرء أن يفكر في كثير من الأسباب المحتملة: ربما تغير الحال داخل الكنائس، وأراد المؤلف أن يواجه المشكلات الجديدة مستدعيا بولس من بين الأجداث، كما يقال؛ وربما لم يكن في ذهن المؤلِّف تصورا كاملا عن بولس وربما أخطأ في استيعاب بعض من آرائه الهامة(أشار بولس إلى حدوث ذلك في حياته في رسالته إلى أهل رومية على سبيل المثال؛أنظر الرسالة إلى أهل رومية 3 : 8 )؛ وربما ظن المؤلف مخلصًا أن قراءه قد أخطأوا فهم الرسالة الحقيقة التي كان يبشر بها بولس وأراد أن يصحح لهم فهمهم غير عالم بأن القراء منذ البداية قد فهموا الرسالة البولسية فهما صحيحا.
النقطة المنهجية الأساسية التي أدندن حولها سأصوغها كالتالي: سوف يتوقع المرء من مقلد ماهر لأسلوب بولس أن ينجح في جعل نصه ذا جرس مشابه لجرس كلام بولس. لكنه لن ينتظر من بولس أن يكون جرس كلامه غير مشابه لجرس كلام بولس. إن المفتاح لرؤية الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي كرسالة لم يكتبها بولس هو أن فرضيتها الرئيسة تبدو متناقضة ما ما قاله بولس نفسه في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي.
لقد كتبت الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي لمواجهة العقيدة التي تنص على أن «أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ»(2 : 2 )، وهذه العقيدة من المحتمل أنها تعتمد على رسالة أقدم من الرسالة الثانية إلى تسالونيكي وقد جرى تزويرها ونسبت إلى بولس وهي الآن مفقودة. فأما المسيحيون الذين وجهت إليهم هذه الرسالة فيبدو أنهم كانوا يعتقدون أن نهاية الأيام-أي لحظة عودة المسيح في مجده- وشيكة جدا. فكتب هذا المؤلف تصحيحا لهذا الانطباع المغلوط. وهكذا في الإصحاح الثاني، الذي يعد قلب الرسالة، يشير المؤلف إلى أنه ثمة سلسلة من الأحداث التي ينبغي أن تقع قبل مجيء النهاية. فأولا سيقع نوع من العصيان العام الموجه ضد الرب، وستظهر الشخصية المعروفة بـ«ضد المسيح» وسيجلس في هيكل اليهود معلنا نفسه ربًّا. هذا الرجل المناوئ للشريعة سيصنع كل أنواع المعجزات المبنية على الخديعة وسيتجول ليقود الشعب إلى الضلال( 2 : 1 – 12 ). وفقط بعد هذه الأحداث ستأتي النهاية أخيرا. وإذن فالنهاية لم تأت بعد وليست حتى وشيكة الحدوث؛ وحينما ستأتي ستسبقها علامات واضحة وظاهرة للعيان حتى إن الراسخين من أهل العلم من المسيحيين لن يأخذوا على غرة.
إن هذه رسالة آسِرة وقوية. لكن المشكلة أنها لا تتفق كثيرا مع ما قاله بولس بلسانه في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي.
لقد كتبت الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي لمواجهة سؤال عما سيحدث قبل نهاية الأيام حينما يعود يسوع من السماء في مجده(1 تسالونيكي، 4 : 13 – 18 ). والسبب الذي أدى ببولس إلى كتابة هذه الرسالة هو أن أفراد رعوية تسالونيكي تعلموا من بولس أن النهاية على الأبواب. ولكن الحيرة قد ألمَّت بهم وأصابهم الذهول لأن بعضا من أفراد كنيستهم قد ماتوا بالفعل قبل عودة يسوع. فهل هؤلاء لم ينجحوا في الحصول على جائزتهم بأن يؤتى بهم مع يسوع عند قدومه الثاني؟ يكتب بولس ليؤكد لهؤلاء الذين ما يزالون أحياء أن الموتى سيكونون أول من يبعثون من بين الأموات عند المجئ الثاني للمسيح، وأنهم، كذلك، سيحصلون يقينا على النعم المناسبة لهم.
ثم يواصل بولس تكرار ما قد أخبرهم به حينما كان في وسطهم( 1 تسالونيكي 5 : 1 – 2 ) من أن مجيء يسوع سيكون مفاجئا وعلى نحو غير متوقع«كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ»( 5: 2 ). وسيفاجئهم «هلاك مباغت»( 5 : 3 )، وهكذا كان على أهل تسالونيكي أن يبقوا مستعدين دائما حتى لا يدهمهم المجيء دهما لا يتوقعونه.
لو أن بولس كان يعني ما قاله في الرسالة الأولى للتسالونيكيين من أن عودة يسوع ستكون على حين غرة وأنها ستكون غير متوقعة، فمن العسير أن يصدق المرء أن بإمكانه أن يكتب ما قاله في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي من أن النهاية ليست وشيكة الحدوث وأن هناك علامات واضحة المعالم نعرف منها أن النهاية قريبة، علامات لم يظهر أي منها بعدُ. وها هو مؤلف الرسالة الثانية يكتب:« أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا؟»( 2 : 5 ). لو كان هذا القول صحيحا، فلماذا سيصيب الانزعاج أهل تسالونيكي لموت واحد من أفراد جماعتهم؟ لقد كانوا سيعرفون أن النهاية لم تكن على الأبواب، وإنما ستكون مسبوقة بظهور شخصية«ضد المسيح» ومعه علامات أخر.
يبدو هذا الأمر وكأن بولس لم يكتب الرسالتين جميعا. وربما ألجأت التوقعات المضاعفة من جهة المسيحيين قريبا من نهاية القرن الأول مؤلفًا ما من بين أفراد الكنائس التي أقامها بولس مجهول الهوية أن يؤلف الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي لكي يهدئ من غلواء توقعاتهم قليلا، ولكي يجعلهم على يقين بأن النهاية نعم آتية، ولكنها ليست وشيكة. بل هناك أشياء ينبغي أن تقع قبل ذلك.
الرسالتان إلى شعبي كولوسي وأفَسُس
الحجج التي استعملت للنيل من موثوقية نسبة هاتين الرسالتين إلى بولس متشابهتان. وهما ومعهما الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي أطلق عليهم العلماء اسم الرسائل «البولسية الثانوية»( Deutero-Pauline)، وذلك لأن أحدًا لا يؤمن بأن بولس هو مؤلفهم وهو الأمر الذي يجعل من مكانتهم وسط المجموعة الكاملة التي كتبها بولس مكانة ثانوية(وهو المعنى الأصلي لكلمة «deutero»).
وتعدُّ الحجج المساقة من أجل إثبات كون الرسالتين إلى كولوسي وأفسس مزورتين، في رأي غالبية العلماء، أقوى(وخاصة في حالة الرسالة إلى أفَسُس) من أمثالهم مما سيق لبيان عدم أصالة الرسالة الثانية إلى تسالونيكي.
فأولا، أسلوب الكتابة المستعمل في الرسالتين كلتيهما ليس بالأسلوب المميز لكتابات بولس. هذا النوع من الحجج لا يمكن توضيحه من غير التعرض بالتفصيل إلى الطريقة التي تبنى بها الجمل في اللغة اليونانية. ومع ذلك، فالفكرة الأساسية هي أن مؤلفي الرسالتين إلى كولوسي وأفسس كانا ميالين إلى كتابة جملا طويلة ومركبة، فيما لا يميل بولس إلى هذا. فالأعداد من 3 – 8 في الأصحاح الأول هي في النص اليوناني مجرد جملة واحدة؛ إنها جملة بالغة الطول، وتختلف عن أي نوع من الجمل كتبه بولس في كتاباته النمطية اختلافا كبيرا. وكذلك الأعداد 3 – 14 من الإصحاح الأول من الرسالة إلى أفسس فهي حتى أكثر من السابقة طولا، فهي تكوِّن اثني عشر عددا: ولا نجد لذلك مثيلا مطلقا في كتابات بولس. وعشرة في المائة من الجُمَل التي تتكون منها الرسالة إلى أهل أفسس يزيد طولها عن خمسين كلمة؛ وهذه الميزة لا تتسم بها الرسائل البولسية غير المتنازع على نسبتها إليه. فالرسالة إلى أهل فليبِّي، وهي التي تقترب طولا من الرسالة إلى أفسس، تضم فحسب جملة واحدة بهذا الطول؛ وكذلك الرسالة إلى أهل غلاطية والتي تزيد طولا عن الرسائل السابق ذكرها ومع ذلك فهي تضم جملة واحدة فقط بهذا الطول.[2]
وهناك كذلك الكثير من الفقرات في الرسالة إلى أهل كولوسي(أنظر على سبيل المثال الأعداد «1 : 15 – 20 » من الرسالة إلى أهل كولوسي) والرسالة إلى أهل أفسس والتي تملك نبرة لاهوتية أكثر رقيا وتطورا عما يجده المرء في رسائل بولس. ومع ذلك، يبقى الأمر الأكثر أهمية من كل ما سبق هو أنه ثمة نقاط محددة يبدو فيها مؤلفا هاتين الرسالتين، إذا افترضنا أنهما اثنان وليسا واحدا، مختلفان مع ما يطرحه بولس. فالطرفان كلاهما(المؤلفان وبولس كلٌّ على حدى) يريدان أن يتكلما عن الأشياء وكيف كان تغيرها بالنسبة لمن نالوا المعمودية من المؤمنين بيسوع. ولكن ما يذكرانه عن هذا الموضوع يختلف اختلافا كبيرا.
لم يكن الأطفال، في الكنيسة الأولى، يجري تعميدهم، بل الراشدون بعد أن يكونوا قد آمنوا بالمسيح. أما بولس، فقد كانت المعمودية بالنسبة إليه حدثا طقسيا بالغ الأهمية، وليس عملا رمزيا فحسب. فهناك شيء ما يحدث حقيقة عندما يخضع المرء للمعمودية. كان الشخص المعمَّد يتحد مع المسيح في موته اتحادا غير ظاهر.
ولقد طور بولس هذه الفكرة تطورا حذرا في رسالته إلى أهل رومية. والفكرة الأساسية تتميز ببعد رؤوي(apocalyptic). فالعالم يحوي بين جنباته قوىً للشر اتخذت من البشر عبيدا صارفة إياهم عن الله، والخطيئة من بين هذه القوى. فالخطيئة إذن قوة شيطانية، وليست مجرد أمرا سيئا تجترحه. وكل إنسان مستعبد لهذه القوة، وهو ما يعني أننا جميعا معزولون عن الرب انعزالا لا سبيل تقريبا إلى الفكاك منه. والموت هو السبيل الوحيد للهروب من هذه القوة. ولهذا مات المسيح، أي لكي يحرر الناس من قوة الخطيئة. ولكي يهرب الإنسان من الخطيئة، بدوره، ينبغي عليه أن يرافق المسيح في موته. وهذه الرفقة تقع عندما يخضع المرء للمعمودية. فعبر وضع المؤمن تحت الماء(كانت الكنائس البولسية تمارس الغمر الكامل بالماء)، يتحد بالمسيح في موته، ولأنه وضع في القبر ، وكما وضع في القبر، كان كذلك موته موتا لقوى الشر التي بسطت سيطرتها على العالم. فمن خضع للعماد من البشر، لم يعد خاضعا بالعبودية لقوة الخطيئة وإنما «مات مع المسيح»(رومية 6 : 1 – 6 ).
ولقد كان بولس مصرًّا، رغم ما سبق ذكره، على أن الذين قد ماتوا مع المسيح من الناس «لم يقوموا معه من بين الأموات». فأتباع يسوع سوف يقومون من بين الأموات مع المسيح فقط حينما سيعود المسيح من السماء في مجده. فقيامة الأجساد من ثم ستكون حقيقة واقعة. فهؤلاء الذين ماتوا بالفعل في المسيح سيُحْيَوْن، وأما من كانوا ما يزالون أحياء عند هذه اللحظة فسيشهدون تجربة التحول المجيد لأجسادهم والتي سيتحول خلالها هذا الهيكل الفاني إلى آخر، غير فاني، ولا خاضع لآلام الحياة أو لإمكانية الموت.
ومتى تحدث بولس عن قيامة الأموات مع المسيح، فهو يعني دائما حادثا مستقبليا (أنظر، لا على سبيل الحصر، الإصحاح 6 من الرسالة لرومية والإصحاح 15 من الرسالة إلى أهل كورينثوس). إلا أن البعض من المعتنقين للمسيحية داخل الكنائس التي أقامها بولس كان لهم رأي آخر، فقد كانوا يعتقدون أنهم قد شهدوا بالفعل نوعا من القيامة الروحية مع المسيح وأنهم كانوا بالفعل «يحكمون» مع المسيح في السماء. وهذه هي الرؤية التي قاومها بولس مقاومة لا هوادة فيها في رسالته الأولى إلى أهل كورينثوس والتي تأتي فحواها المحورية وذروتها عند نهاية الرسالة حيث يشدد بولس على أن القيامة ليست شيئا مشهود بالفعل بل شيء سيشهده الناس مستقبلا لم يأت بعد، قيامة جسدية حقيقية، مستقبلية، ومادية، وليست قيامة روحية وقعت في الماضي(1 كورينثوس 15 ). وبولس أكثر إلحاحا وتأكيدا في العددين 5 و 8 من الإصحاح السادس من الرسالة إلى رومية على أن من خضعوا للمعمودية قد ماتوا حقا مع المسيح، لكنهم لم يقوموا معه من بين الأموات( لاحظ استعماله للـ«سين» التي تعبر عن الزمن المستقبل):
لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ (فسـ)نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ...فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا (سَـ)نَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ.
أما الرسالتان إلى أهل كولوسي وإلى أهل أفسس، فكلاهما لا يتفق مع هذا الطرح. فهاكم ما يقوله مؤلف الرسالة إلى أهل كولوسي عن القضية ذاتها:
مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا اقِمْتُمْ ايْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي اقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. (كولوسي، 2 : 12 )
القارئ العابر ربما لن يكتشف كثير اختلاف بين هاتين الرؤيتين: فكلا المؤلفين، في نهاية المطاف، يتحدثان عن الموت وعن القيامة مع المسيح. لكن الدقة كانت أمرا بالغ الأهمية من وجهة نظر بولس. الموت مع المسيح حدث في الزمان الماضي، لكن القيامة معه لم تكن بالأمر الذي وقع في الماضي على الإطلاق. لقد كانت حدثا مستقبليا. ولقد خصص بولس نصيبا كبيرا من رسالته الأولى إلى أهل كورينثوس للدفاع عن هذه القضية، وذلك تحديدا لأن بعض المؤمنين حديثا قد فهموا هذه القضية فهما خاطئا تماما وهو الأمر الذي بات لأجله منزعجا تمام الانزعاج. ومع ذلك فقد انحازت الرسالة إلى أهل كولوسي تمام الانحياز لوجهة النظر التي كتب بولس رسالته الأولى إلى أهل كورينثوس لمقاومتها.
والرسالة إلى أهل أفسوس هي أكثر تأكيدا في هذا الباب عما تجده في الرسالة إلى كولوسي. ففي معرض حديث المؤلف عن القيامة الماضوية ذات الطبيعة الروحية، يقول، متناقضا مع وجهة النظر البولسية:«وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ- وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»(2 : 5 – 6 ). كل ما ذكره هنا قد وقع بالفعل. فالمؤمنون بالفعل يحكمون الآن مع المسيح. وهذا عينه ما فهمه البعض من المؤمنين الجدد من أهل كورينثوس و معهم مؤلفا الرسالتين إلى شعبي كولوسي وأفسس، والذان هما كذلك عضوان في الكنائس التي أنشأها بولس، فهما خاطئا.
هناك كذلك نقاط أخرى أساسية تختلف حولها الرسالتان إلى كولوسي وأفسس مع بولس التاريخي، بما في ذلك الاختلاف من ناحية الكلمات المستعملة والاختلافات في الكيفية التي تستعمل فيها بعض المفردات الشائعة الاستعمال عند بولس في هاتين الرسالتين. لكن قصدي هو أن أنشئ على الأقل وعيا بالأسباب التي أدت بغالبية علماء النقد إلى التشكيك في كون بولس هو من كتب أيا من هاتين الرسالتين. فهاتان الرسالتان، مثلهما في ذلك مثل الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، يبدو عليهما أنهما قد كتبتا بعد وفاة بولس(بعد موته بعقد أو عقدين) بيد مؤلفين كانا عضوين في الكنائس البولسية أرادا أن يتوجها إلى المجتمع المسيحي وأن يواجها المشكلات التي طرأت فيه منذ وفاة بولس. ولقد أنجزا ذلك عبر الادعاء بأنهما الرسول نفسه استغفالا منهما لجمهور القراء.
الرسائل الرعوية
هناك قدر أقل من النزاع بين العلماء فيما يتعلق بالرسائل الرعوية، الأولى والثانية إلى تيموثاوس و الرسالة إلى تيطس،مقارنة بالنزاع الحاصل في حالتي الرسالتين إلى شعبي كولوسي وأفسس. ففي أوساط علماء النقد ممن يحاضرون في جامعات أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة وأوروبا الغربية، وهي المناطق الرائدة في ميدان الدراسات الكتابية، انعقد الإجماع لسنوات كثيرة على أن بولس لم يكتب هذه الكتب.
وأما أصل التسمية بالرسائل «الرعوية» فلأن «بولس» يبذل في هذه الرسائل النصح لتيموثاوس وتيطس، الذين يزعم أنهما كانا راعيي أبرشيات في أفسس وجزيرة كريت، في شأن السبيل الذي ينبغي عليهما أن يسلكاه لأداء مهامهما الرعوية في الكنائس التي تحت أيديهما. والكتب الثلاثة تغص بالنصائح الرعوية حول مثل هذه القضايا مثل الحديث عن الكيفية التي ينبغي أن يدير بها هذان التابعان لبولس الكنائس بشدة وبحزم وكيف أنه لزاما عليهما أن يفرضا سيطرتيهما على المعلمين الكذبة وأن يختارا للكنيسة قادة مناسبين.
فهل من الممكن أن يكون بولس هو كاتب هذه الرسائل؟ من الناحية الافتراضية لا مانع من ذلك، لكن الدفوع التي تنفي قيامه بهذا تبدو مقنعة على نحو حاسم لغالبية العلماء.
من المتفق عليه عموما أن الرسائل الثلاث مصدرها شخص واحد. فحينما تقرأ الرسالة الأولى إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس، فستشعر أن هذا واضح وضوح الشمس في رائعة النهار: فكلاهما يتعاملان مع كثير من القضايا عينها، وغالبا ما يستعملان اللغة نفسها أو لغة مشابهة لها. فالرسالة الثانية إلى تيموثاوس تختلف في كثير من الأمور، لكنك إن تقارن بين السطور الافتتاحية فيها مع السطور الافتتاحية للرسالة الأولى إلى تيموثاوس، تجدها، كذلك، تبدو متطابقة تقريبا.
أما كون بولس ليس هو المؤلف ذاته فهذا من الوضوح بمكان بالنسبة لبعض العلماء وذلك اعتمادا على مفردات الرسائل وأسلوب كتابتها. هناك 848 كلمة يونانية مختلفة استعملت في هذه الرسائل، منها 306 كلمة لم تستعمل ولو لمرة واحدة في الرسائل التي تنسب افتراضا لبولس داخل العهد الجديد( بما في ذلك حتى الرسائل: الثانية لأهل تسالونيكي، والرسالتان إلى شعبي أفسس و كولوسي). ويعني هذا أن ما يزيد عن ثلث الكلمات المستعملة فيها ليست كلمات بولسية. ورقم قريب من ثلثي هذه الكلمات غير البولسية هي كلمات كانت تستعمل عادة في كتابات المؤلفين المسيحيين في القرن الثاني الميلادي. يعني هذا أن المفردات المستعملة في هذه الرسائل أكثر تطورا وذات ملامح أكثر تميزا للمسيحية على الحال التي تطورت إليها في أزمنة أحدث.
بعض الكلمات المهمة التي يستعملها هذا المؤلف هي نفسها تلك الكلمات التي يستعملها بولس، لكنا صاحبنا هذا يستخدمها استخدامات مختلفة. خذ كلمة «إيمان» على سبيل المثال. كانت مفردة «إيمان» عند بولس تعني أن يقبل المرء موت المسيح قبولا مبني على الثقة حتى يتبرر أمام الله. وهو إذن مصطلح علائقي يعني شيئا قريبا من كلمة «الثقة». أما في الرسائل الرعوية، فتعني هذه الكلمة شيئا مغايرا: إنها مجموعة العقائد والأفكار التي تتشكل منها الديانة المسيحية(تيطس 1 : 13 ). إنها هنا ليست مصطلحا علائقيا، وإنما مصطلح يحدد مجموعة من التعاليم المسيحية، أو محتوى ما ينبغي الإيمان به- والذي يعبر عن الكيفية التي يصير إليها استعمال المصطلح في السياقات المسيحية الأحدث زمانيا. ومن هنا، فهذا مثال يوضح أن الرسائل الرعوية نشأت فيما يبدو من إطار غير بولسي ينتمي لعصر تال لعصر بولس.
عندما يحاول المرء أن يقرر ما إذا كان مؤلف معين قد كتب كتابا معينا، فمن المعروف أن الحجج المبنية على نوعية الكلمات المستخدمة هي حجج خادعة: فالناس تستعمل الكلمات المختلفة في الظروف المختلفة. لكن في حالتنا هذه تبدو الفروق كبيرة بعض الشيء. ومع ذلك، فهناك حجة أكثر إقناعا وهي تنبع من حقيقة أن وضع الكنيسة الذي تفترضه الرسائل الرعوية برمته هو وضع يختلف فيما يبدو اختلافا بيِّنًا عما نعلمه عن الكنيسة في عصر بولس.
لدينا فكرة جيدة عن أوضاع الكنائس البولسية نستقيها من بعض الرسائل مثل الرسالتين الأولى والثانية إلى أهل كورينثوس واللتين يناقش فيهما بولس أعمال كنائسه الداخلية وكيف جرى تنظيمها وبناؤها، وكيف كانت تدار. لكن الأمور تتغير تغيرا حادًّا حينما نصل إلى عصر تدوين الرسائل الرعوية.
لم تكن الكنائس البولسية مبنية على النظام الهرمي. فلم يكن هناك قائد أو مجموعة من القادة المسئولين عن تدبير شئون الكنيسة. بل كان هناك بالأحرى مجتمعات من المؤمنين كانت تدار عبر الروح القدس العامل في كل فرد من أفراد الكنيسة.
ولعله من المهم جدا أن نتذكر أن بولس كان رؤويا على نحو شامل في آرائه. فقد كان يؤمن أن قيامة المسيح قد ألمحت إلى قرب وقوع نهاية الزمان. وأن هذه النهاية ستحل في أي يوم وذلك عند عودة المسيح من السماء؛ وحينها سيقام الموتى من رقادهم وستتحول أجساد الأحياء من المؤمنين إلى أجساد أخرى غير فانية، وهكذا سيحيا المؤمنون إلى الأبد في المملكة المستقبلية.
وماذا كان ليحدث في غضون ذلك، بينما يجلس المؤمنون في انتظار الرب القادم؟ كان عليهم أن يلتقوا معا في جماعات للعبادة وللتثقيف وللتعلم وطلبا للعون المشترك. وكيف كان على هذه المجتمعات أن تنظم نفسها؟ كان بولس يعتقد أن الله نفسه نظم هذه الكنائس عبر الروح القدس؛ وهذا الأمر قد شرح في الرسالة الأولى إلى كورينثوس، الأعداد 12 – 14 . حينما كان يجري تعميد الناس للدخول في الكنيسة المسيحية، لم يقتصر الأمر على كونهم قد «ماتوا مع المسيح»، بل تعداه إلى أن منحوا موهبة الروح القدس، الذي يمثل الحضور الإلهي هنا على الأرض قبل حلول النهاية. فكل إنسان حتى هذه النقطة يكون قد تلقى نوعا ما من «الموهبة الروحية» التي بمقدوره أن يستعملها لمد يد العون إلى الآخرين داخل الكنيسة. فبعض الناس أعطي موهبة المعرفة، والبعض الآخر موهبة التعليم، والبعض الثالث موهبة العطاء، والرابع موهبة التحدث بالنبوءات التي يتلقاها من الرب، والبعض الخامس يعطي إعلانات إلهامية مصاغة بلغات أجنبية أو سماوية غير مفهومة لدى الجميع (وهو ما يعرف بـ«التكلم بالألسنة»)، وآخرون يفسرون هذه الإعلانات(أو ما يعرف بـ«تفسير الألسنة»). هذه المواهب كان المقصود منها أن تكون في مصلحة الجميع حتى يكون بمقدور جماعة المؤمنين أن تعمل في سلام وتناغم في هذه الأيام الأخيرة التي تسبق النهاية.
ومع ذلك، فكثيرا ما سارت الرياح على غير ما تشتهي السفن في كنيسة كورينثوس على سبيل المثال. لقد كان الأمر فيها، في حقيقة الأمر، أشبه بالفوضى العارمة. فلقد زعم بعض «القادة» الروحيون أنهم أعطوا موهبة روحية أكثر مما أعطي البعض الآخر وحصلوا لأنفسهم على مجموعة خالصة من الأتباع، الأمر الذي أدى إلى حدوث انشقاقات داخل الكنيسة. ولقد خرجت هذه الانشقاقات عن السيطرة خروجا تاما: فبعض أفراد الكنيسة سحبوا البعض الآخر إلى ساحة القضاء مخضعين إياهم للمحاكمات. وكان ثمة انحرافات لا أخلاقية: فبعض الرجال داخل الكنيسة كانوا يترددون على العاهرات ويتفاخرون بذلك داخل أروقة الكنيسة؛ وكان ثمة رجل يرتكب مع زوجة أبيه الفاحشة. وكانت أمور الخدمة داخل الكنيسة كارثة خالصة، فلقد قرر «الأكثر روحانية» بين أهل كورينثوس أن علامة الروحانية التي لا مراء فيها هي القدرة على التكلم بالألسنة وهكذا كانوا يتنافسون الواحد مع صاحبه أثناء الصلاة ليروا أيهما سيفعل ذلك بصوت أعلى صخبا وأكثر مرات من الآخرين. وفي أثناء وجبة العشاء الإلهي الأسبوعية، وقد كانت وجبة حقيقية وليس رقاقة حلوى أو رشفة نبيذ، كان بعض أفراد الكنيسة يأتون مبكرا ويلتهمون من الطعام ما يصيبهم بالتخمة ثم يسكرون، أما الآخرون ممن كان لزاما عليهم أن يَصِلُوا للكنيسة في وقت متأخر(كانوا من الطبقات الدنيا و العبيد ممن كان على الأرجح ملزمين بقضاء ساعات عمل أطول) وأن لا يجدوا من الطعام والشراب ما يتناولونه. بعض أعضاء الكنيسة كانوا على قناعة تامة بتفوقهم الروحي لدرجة أنهم ادعوا أنهم قاموا بالفعل مع المسيح من بين الأموات وأنهم يسيرون أمور الحكم معه في الأماكن السماوية(وهو الأمر المشابه لما ادعاه في وقت تلى هذه اللحظة بسنوات طويلة مؤلف الرسالة إلى أهل أفسس).
يتعامل بولس مع هذه المشكلات التي تمور بها الكنيسة مورا عبر توجهه بخطابه إلى الكنيسة بمعناها الأوسع ملتمسا من أعضائها جميعا أن يغيروا سلوكياتهم. لماذا لم يختص أسقف الكنيسة بحديثه، أو حتى القسيس المسئول؟ لماذا لا يكتب رسالة إلى رأس الكنيسة ليأمره أن يوحد صفوف كنيسته؟ لأنه لم يكن ثمة قائد مطلق للكنيسة. لم يكن هناك أساقفة أو رؤساء قساوسة. في كنائس بولس، التي ازدهرت في الوقت الفاصل بين قيامة المسيح وقيامة المؤمنين، كانت الكنيسة تدار بمعرفة روح الله العامل عبر كل أفراد الكنيسة.[3]
ماذا سيحدث حينما لا يكون هناك هيئة كهنوتية منظمة تنظيما هرميا تمثل الكنيسة رسميا، وحينما لا يكون هناك زعماء معيَّنين، وحينما لا يكون ثمة أحد يتولى المسئولية على عاتقه؟ سيحدث ما حدث بالفعل في كنيسة الكورينثيين. فوضى عارمة ذات امتداد كبير. وكيف يمكننا السيطرة على مثل هذه الفوضى؟ يحتاج شخص من الأشخاص أن يتقدم ليتحمل المسئولية. بمرور الوقت، حدث هذا بالفعل داخل الكنائس التي أسسها بولس. فبعد أن توارى عن مسرح الأحداث، قدرت كنائسه نوع الهيكل الإداري الذي كنت ستقدره حيث يحتل أحد الأشخاص موقع الصدارة، شخص يكون مخولا بإصدار الأوامر، شخص لديه تحت سلطانه قادة آخرين جرى تعيينهم في هذه المناصب لكي يضمنوا أن تظلل الجميع روح التعاون، ولكي يتيقنوا أن التعاليم الصحيحة، والتعاليم الصحيحة وحدها، هي التي يبشر بها داخل الكنيسة، ولكي يهذبوا كل من سار سلوكياته على غير السبيل السويّ.
لم يكن المرء ليجد هذا النوع من الهياكل الإدارية في عصر بولس. لكنه حتما سيجده في الرسائل الرعوية. فلدينا رسائل موجهة للقساوسة الرؤساء داخل الكنائس في اثنين من المجتمعات التي أقامهما بولس. هذه الرسائل توجه إرشادات تعين على إقناع المعلمين الكذبة بالخضوع؛ وتعطي توجيهات لتعيين الأساقفة الذين كانوا مسئولين بوضوح عن الإشراف الروحي على الكنيسة، وكذا الشمامسة الذين كانت مسئولياتهم محصورة في الإشراف على شئون الصدقات والاعتناء بالحاجات المادية للمجتمع؛ كما تصدر تحذيرات بشأن الكيفية التي ينبغي أن يضبط بها الشعب سلوكياته في مختلف الظروف الاجتماعية( سواء أكانوا أزواج، أو زوجات، أباء أم أولاد، سادة أم عبيد) وذلك بغية أن تتوفر لدى الكنيسة القدرة على البقاء لسنوات طويلة.
بالنسبة لبولس، في الجانب الآخر، لم تكن الكنيسة مقدر لها أن تبقى لسنوات طويلة. فقد كان يؤمن بأن النهاية قريبة جدا. لكن النهاية لم تأت، وأصبح لزاما على الكنائس التابعة له أن تخضع لنظام حتى تستطيع البقاء. وهذا ما حدث بالفعل: أنشئ للكنيسة نظام، وكتبت الرسائل الرعوية في ظل هذه المعطيات الجديدة، وربما حدث ذلك بعد موت بولس بعقد أو عقدين من الزمان. في الظروف الجديدة، كتبت الرسالات الثلاث بمعرفة مؤلف ما زعم أنه هو نفسه بولس لكي يضمن لرسالته السلطان الذي تتمتع به كتابات بولس في نفوس المؤمنين. لكن فحوى رسالته لم يكن بولسي على الإطلاق. فبولس عاش في زمان وفي عصر مختلفين.
من كتب الكتب الأخرى داخل العهد الجديد؟
كثير مما قيل فيما سبق يمكن أن ينطبق كذلك على الكتب الأخرى داخل العهد الجديد. فبعضها مجهول المؤلف، وأعني تحديدا الرسالة إلى العبرانيين والكتب التي تعرف برسائل يوحنا الأولى والثانية والثالثة. ليس هناك أي سبب، كما أدرك ذلك بالفعل الكثير من مؤلفي الكنيسة، للاعتقاد بأن بولس هو من كتب الرسالة إلى العبرانيين، لكنها ضُمَّت في نهاية المطاف إلى القائمة الرسمية لأسفار الكتاب المقدس بمعرفة آباء الكنيسة الذين دافعوا عن صحة نسبتها إلى بولس. لكن أسلوب الكتابة، في حقيقة الأمر، مختلف تمام الاختلاف عن أسلوب بولس؛ كما أن القضايا الأساسية التي أهتمت ببيانها الرسالة غائبة تماما عن رسائل بولس الأخرى، وكذا طريقة مؤلفها في الاستدلال ليست أبدا مشابهة لطريقة بولس. ولماذا أصلا يظن ظانٌّ أن بولس هو مؤلفها؟ فعلى العكس من كتاباته الشخصية، كاتب هذه الرسالة أمسك عن التصريح باسمه.
وكذا ما يعرف برسائل يوحنا، لا تدعي هي الأخرى أن يوحنا هو مؤلفها؛ فالرسالتان الثانية والثالثة كتبتا بيد إنسان يطلق على نفسه لقب «الشيخ»، فيما لا يذكر مؤلف الرسالة الأولى أي شئ عن نفسه. فالمؤلف من المحتمل جدا أن يكون أي رئيس من رؤساء الكنيسة في نهاية القرن الأول الميلادي تقريبا.
وهناك كتابات أخرى يجمع مؤلفيها تشابهٌ في الأسماء(homonymous) مع شخصيات أخرى دينية. فمؤلف رسالة يعقوب لا يزعم أنه «يعقوب» معين على وجه الحصر، ناهيك عن يعقوب الذي تعرفه التقاليد الأخرى باعتباره أخا ليسوع. أما رسالة يهوذا، ففيها زعم بأن كاتبها هو يهوذا «أخو يعقوب». وهكذا فيمكن ترجمة تلك الإشارة على أنها زعم منه بأنه أخو يسوع، وذلك لأن اثنين من أخوة يسوع، وفقا لإنجيل مرقس، كانا يسميان يعقوب ويهوذا. لكن الغرابة في هذا المسلك تنبع من أنه إذا كان يريد أن يظن الناس أنه أخو يسوع لكي يحصل لكتابه على سلطان أكبر في نفوس المؤمنين، فلن يخرج عليهم ليقول ما قال. وكلا الاسمين، يعقوب ويهوذا، كانا أسماء شائعة الاستعمال في العصور اليهودية القديمة وداخل الكنيسة المسيحية. وقد زعم مسيحيون من أزمنة تالية ممن كانوا منهمكين في رسم حدود القائمة الرسمية لأسفار الكتاب المقدس أن هذين الاثنين هما قريبا يسوع، لكن الرجلين نفسيهما لم يدعيا هذا مطلقا.
كذلك من الصعب أن يصدق المرء أن هذه الرسائل قد كتبها ريفيان ينتميان إلى الطبقة الدنيا ويتحدثان اللغة الآرامية ينحدران من الجليل(أخوهما الأكثر منهما شهرة لم تعرف عنه إجادته للكتابة، ناهيك عن تأليف مقال بالغ التعقيد باللغة اليونانية). حجتنا هنا هي نفسها التي سقناها من قبل في شأن إنجيل يوحنا: فمن الناحية النظرية، من الجائز أن أخوي يسوع - وهما الذان نشأا في المناطق النائية من ريف الجليل، ويعملان بأيديهما من أجل الحصول على لقمة العيش، واللذان لم يكن لديهما أبدا لا الوقت ولا المال اللازمان للحصول على قسط من التعليم- قد قررا أن يتعلما اللغة اليونانية في وقت متأخر من حياتهما وأن يحصلا على دورات في تعلم الصياغة الأدبية، وذلك حتى يكون بمقدورهما أن يكتبا هذه الكتب التي تتسم بعلو بلاغتها وتعقيدها النسبي. لكن هذا إلى حد ما يبدو بعيد الاحتمال.
والفكرة ذاتها تصدق تماما على رسالتي بطرس الأولى والثانية. لكن هذين الكتابين، شأنهما في ذلك شأن الرسائل البولسية الثانوية(الرسالة الثانية إلى تسالونيكي والرسالة إلى أهل كولوسي والرسالة إلى أهل أفسس) والرسائل الرعوية، يزعمان بالفعل أنهما قد كتبا بيد شخص لم يكتبهما. فالكتابان منسوبان زورا بكل ما يعنيه هذا المصطلح من معنى: فكلاهما مزوران على ما يبدو.
لكن الأمر الذي لا خلاف حوله هو أن كاتب رسالة بطرس الثانية، أيًّا ما تكن حقيقة شخصيته، ليس هو من كتب الرسالة الأولى: فبين أسلوبي الكتابة في الرسالتين بون شاسع. ولقد ظهر بالفعل في الكنيسة في عصورها الأولى من بين العلماء المسيحيين من حاول إثبات أن بطرس لم يكتب الرسالة الثانية. والنزاع حول هذا الأمر في أيامنا هذه هو أقل منه فيما يتعلق بالرسائل الرعوية. إن الكتاب المسمى بـ«رسالة بطرس الثانية» كتبه بعد وقت طويل من وفاة بطرس شخص ما أزعجه أن يرى بعض الناس ينكرون اقتراب حلول نهاية الزمان (بوسع المرء أن يتفهم وجهة نظر هؤلاء المتشككين كلما مرت السنين)؛ وقد أراد هذا المؤلف أن يحرر هؤلاء الناس من مفاهيمهم الباطلة، وقد فعل ذلك عبر الزعم بأنه ليس سوى سمعان بطرس، اليد اليمنى ليسوع.
أما الكتاب المعروف باسم «رسالة بطرس الأولى» فسخونة النزاع حوله بين العلماء هي أشدُّ أوارا منها في شأن رسالته الثانية. لكن مرة أخرى أقول: كيف لصياد بسيط الحال ينحدر من ريف الجليل أن يطور مهاراته بغتةً في الصياغة الأدبية باللغة اليونانية؟ يدافع البعض أحيانا بقولهم إن بطرس قد استأجر شخصا آخر ليكتب الرسالة بدلا منه، ربما سيلفانوس، على سبيل المثال، الذي ورد اسمه في الرسالة (5 : 12 ). لكن الرسالة ذاتها لا تنطق بهذا. ولو كان شخص آخر هو من كتب الرسالة، ألا يمكن أن يكون هو، وليس بطرس، المؤلف الحقيقي؟ إن الاستخدام الذي تبدو عليه سيماء الحنكة للعهد القديم في هذا الكتاب تفترض أنه مهما يكن من ألفه، فهو حاصل على تعليم عال ومتمرس بعكس سمعان بطرس. ومن الجدير بالذكر أننا نمتلك عددا كبيرا من الكتب التي يعود تاريخها إلى زمان المسيحية الأولى وتدعي أن بطرس هو مؤلفها فيما ليس له بها أي علاقة- لدينا، لا على سبيل الحصر، إنجيل بطرس ورسالة بطرس إلى يعقوب، والعديد من «أعمال»(Acts) بطرس، وثلاثة أسفار رؤوية مختلفة تنسب لبطرس. لقد كان تزوير الكتب ونسبتها إلى بولس صناعة منزلية رائجة.
الخاتمة: من كتب الكتاب المقدس؟
أعود الآن لسؤالي الأصلي: من كتاب الكتاب المقدس؟ من بين سبعة وعشرين كتابا يتكون منها العهد الجديد، لدينا ثمانية كتب فحسب نحن على يقين تام من أنها كتبت بيد مؤلفيها الذين تنسب هذه الكتب إليهم عبر التقليد: إنها رسائل بولس السبع غير المتنازع عليها ورؤيا يوحنا، والتي يمكن أن نصنفها ضمن الكتابات مجهولة المؤلف، وذلك لأنها لم تزعم أنها كتبت بيد «يوحنا» محدد؛ وهذا قد اعترف به حتى بعض كتَّاب الكنيسة الأولى.
إن ما سردته من آراء حول مؤلفي أسفار العهد الجديد لا يحسب ضمن الآراء المتطرفة داخل الدوائر العلمية. ولا شك أن ثمة نزاعات بين العلماء حول هذا الكتاب أو ذاك. فقد تجد بعض العلماء المنحكين يعتقدون أن بولس كتب الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، أو أن يعقوب أخا يسوع كتب رسالة يعقوب، أو أن بطرس هو مؤلف رسالته الأولى. لكنَّ غالبية علماء النقد قد ساورتهم الشكوك طويلا حول نسبة هذه الكتب، ويكاد ألا يكون هناك أي نزاع حول بعض أسفار العهد الجديد، مثل الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ورسالة بطرس الثانية. فهذان الكتابان لم يكتبهما مؤلفاهما المفترضان.
لقد ثارت الشكوك حول تأليف الكتابات التي أصبحت جزءًا من القائمة الرسمية لأسفار الكتاب المقدس في عصر الكنيسة الأولى، ولكن العلماء في العصور الحديثة والتي تبدأ من القرن التاسع عشر قد زادوا الحجج الأصلية قوة باستدلالاتهم المقنعة. وحتى في يومنا هذا ينفر الكثير من العلماء من مجرد تسمية الوثائق المزورة التي يشتمل عليها العهد الجديد بالكتابات المزورة- فما نتحدث عنه هنا، في نهاية المطاف، هو الكتاب «المقدس». لكن الحقيقة هي أنه مهما يكن تعريفك لمصطلح «التزوير»، فهو ينطبق على هذه الكتابات. لقد كتبت أعداد كبيرة من الكتب في عصر الكنيسة الأولى بمعرفة مؤلفين ادعوا زورا أنهم رسل المسيح لكي يغرروا بقرائهم فيقبلوا كتبهم والآراء التي كانوا يمثلونها.
هذا الرأي الذي يشتمل على القول بأن العهد الجديد يحوي بين جلدتيه كتبا ألفت بأسماء غير حقيقية يجري تدريسه في كل مؤسسات التعليم العالي الرئيسة تقريبا باستثناء المدارس الإنجيلية في العالم الغربي. إنها وجهة النظر التي يجري تعليمها في كل مناهج التدريس الأساسية لمادة العهد الجديد والتي تشرح في هذه المؤسسات. إنها الرؤية التي تدرس في المعاهد اللاهوتية والمدارس الدينية. إنها المادة العلمية التي يدرسها القساوسة عندما يجري تأهيلهم من أجل الخدمة في الكنيسة.
ولماذا لا ينتشر العلم بهذا الأمر على نطاق أوسع؟ ولماذا لا يعرف ذلك الفرد القابع على مقاعد إحدى مقصورات الكنيسة، ناهيك عن الأشخاص العاديين في الشارع، شيئا عن هذا؟ لا شك أن تخمينك للإجابة صحيح مثلما هو تخميني لها. الفصل الخامس
كذاب، أم مجنون أم رب؟
البحث عن يسوع التاريخي
منذ عامين بدأت بعض رسائل البريد الإليكتروني بالغة الغرابة تردني من دولة السويد. لم يحدث أن زرت السويد من قبل، كما أن مرسلي هذه الرسائل هم أناس ليس لي بهم سابق معرفة من أي مكان آخر. كانوا جميعا تحدوهم الرغبة في معرفة مدى صحة المعلومات التي تتحدث عن أنني أؤمن بأن يسوع هو شخصية أسطوريةلم يكن لها يوما أي وجود. بدا السؤال غريبا بعض الشئ. فقد كتبت منذ سنين طويلة كتابا عن يسوع التاريخي أشرت فيه إلى ما توفره لنا المصادر القديمة من معلومات عن حياته واستعرضت فيه ما جزمت أن بإمكاننا الحديث عنه بشأن الأمور التي قالها أو صنعها. ولا يقتصر الأمر على أنني كنت أعتقد أن يسوع كان شخصية لها وجود تاريخي، بل تعداه إلى القول بأننا قادرون على أن نكتبل عنه بعض الأقوال ذات المصداقية من وجهة نظر تاريخية. فلماذا إذن يسألني البعض عما إذا كان صحيحا أنني أعتقد أنه لم يكن مطلقا شخصية تاريخية؟
لم تكن هذه الرسائل لتعد محاولات هجومية لإقناعي بأنه كان إنسانا عاش على الأرض. بل العكس تماما هو الصحيح: لم يكن هؤلاء الناس ممن يعتقدون أنه كان شخصية من لحم ودم كان لها وجود تاريخي وقد سمعوا أنني أنا العالم المتخصص في دراسة العهد الجديد قد منحت وجهة النظر هذه دعمي. هذا النوع من وجهات النظر قد يبدو وقعه غريبا على أذهان الشعب الأمريكي الذي يعتقد غالبيته أن يسوع هو شخصية عاشت ذات يوم على سطح الأرض، وأنه فوق ذلك كان وما يزال ابنا لله. لكن غالبية الشعوب في أجزاء من الدول الإسكندينافية يعتقدون أن يسوع هو شخصية مختلقة اختلاقا كاملا وأنه لم يكن له وجود حقيقي في يوم من الأيام، وحقيقة الأمر أن مجموعة من الناس كانوا عازمين على إقامة ديانة جديدة قاموا باختلاق شخصيته.
بعد حيرة انتابتني واستمرت عدة أسابيع أثارها تفكيري في السبب الذي قد يدفع شخص ما إلى أن يصنفني ضمن هذا التصنيف، أدركت أن مصدر هذا الالتباس كان حالة من سوء الفهم لما ورد في مقال كتبته عني جريدة الـ«واشنطن بوست» في مارس من العام 2006 .
كانت الـ«بوست» قد قررت أن تكتب لمحة مختصرة عن حياتي وأعمالي وعن تحولي إلى اللاأدرية في ضوء كتابي المنشور حديثا في ذلك الوقت «تحريف أقوال المسيح». وقد أرسلت الصحيفة صحفيا حاد الذكاء ذو عقلية متفتحة، «نيلي تاكر»، إلى تشابيل هيل ليتعقب خطاي لبعض الأيام. وقد تكررت لقاءاتنا في مكتبي وتجاذبنا أطراف الحديث، كما جاء إلى بيتي زائرا ليطلع على أبحاثي، وتناولنا سويا بعض الوجبات، كما زارني كذلك في أحد فصولي في الجامعة. وعلى أساس من تعارفنا وجها لوجه كتب لمحة مختصرة عن حياتي وقام بنشرها مطلقا عليها اسم«كتاب بارت.» قرأت القطعة الأدبية التي كتبها عندما نشرت ووجدتها ممتعة على نحو معتدل ثم كدت بعد ذلك أن أتناسى الموضوع.
إلا أن فقرة في مقال «نيلي» كان من السهل جدا أن يساء فهمه وهذا هو ما أدى بنا إلى المشكلات التي وقعت في السويد. كان «نيلي» قد جاء ليستمع إلي وأنا ألقي محاضرة على أحد فصول طلابي الكبيرة في تخصص العهد الجديد في يوم تصادف أنني كنت أتحدث فيه عن إنجيل يوحنا. وقد أوضحت في هذا اليوم أثناء المحاضرة- كما فعلت لمرات عديدة في فصول هذا الكتاب الأولى- أن يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي يجري تعيين هوية يسوع فيه بكل وضوح باعتباره نازلا من السماء. لا شك أنه قد قد أطلق عليه في الأناجيل كلها لقب «ابن الله». لكن كون المرء «ابنا لله» بالنسبة لليهود القدماء لا يجعل منه إلها؛ بل يجعله كائنًا بشريًّا مرتبطا بالله برباط وثيق، إنه ذلك الإنسان الذي يجري الله مشيئته في الأرض على يديه. أما إنجيل يوحنا فيتجاوز هذا المفهوم. فيسوع إنجيل يوحنا هو كلمة الله السابقة الوجود قبل الزمان والتي خلق الله بها الكون والتي تأنست(1 : 1- 4)؛ وهو مساو لله (10 : 30 )؛ ويجوز له أن يخلع على نفسه الأسماء الإلهية ( 8 : 58 )؛ بل إنه هو الله نفسه ( 1 : 1 ؛ 20 : 28 ). إنجيل يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي يضم هذه الرؤية الممجدة للمسيح.
وبينما أقوم بشرح هذه الأفكار أمام طلابي، وبينهم «نيلي» جالسا في الصف الأخير من قاعة المحاضرة، خطرت ببالي خاطرة كانت تأتيني حينما كنت مسيحيا إنجيليا. كنت قد تلقيت في معهد مودي لدراسة الكتاب المقدس دورة حول الدراسات المسيحية الدفاعية، وهي كتابات فكرية بها دفاع (أصله كلمة أبولوجيا اليونانية) عن الإيمان. في هذه الدورة كنا قد درسنا أعمال المدافع الإنجليزي الشهير «سي.إس.لويس» وخاصة نظرياته عن أن يسوع لا مناص من أن يكون إلها. في الصيغة التي ابتكرها لويس، حيث إن يسوع كان قد وصف نفسه بالألوهية، فليس ثمة سوى ثلاثة احتمالات منطقية: إما أنه كان كذابا، أو مجنونا، أو ربا. كانت فكرة لويس تتمحور حول أنه إذا كان يسوع كاذبا في زعمه-أي إذا لم يكن إلها- فهو إما أنه كان يعرف ذلك أو كان لا يعرفه. فإذا كان يعلم أنه ليس إلها بل مجرد مدعيا للألوهية، فهو كاذب. أما إذا لم يكن إلها لكنه يعتقد صادقا أنه كان كذلك، فهو إذن مخبول، أو مجنون. الخيار الآخر الوحيد سيكون أنه كان محقا فيما زعمه، وفي هذه الحالة فهو الله حقا. ويواصل لويس دفاعه عن فرضيته بالقول إنه ثمة كثير من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنه لم يكن مجنونا أو كذابا. والنتيجة التي لا مفر منها هو أنه لا مناص من أنه كان صادقا فيما ادعى. فالمسيح هو الله.
حينما كنت في «مودي» كنت قد وجدت هذا الخط من البراهين بالغ الإقناع، ولسنوات استخدمته لإقناع الآخرين بألوهية المسيح. لكن هذا حدث منذ سنوات كثيرة مضت، وقد طرأت على أفكاري تغييرات جذرية. (كل هذه الأمور- معهد مودي للكتاب المقدس، والدراسات الدفاعية التي كتبها «سي.إس.لويس»، وهوية يسوع، وتغير أفكاري- كلها لمعت في ذهني في جزء من الثانية بينما ألقي محاضرتي عن يوحنا في «تشابيل هيل»). صرت أعتقد أن المقدمات نفسها التي بنى عليها «لويس» طرحه كانت تشوبها الأخطاء. فالطرح المبني على يسوع باعتباره كذابا أو مجنونا أو ربًّا كان مبنيا على الافتراض بأن يسوع كان قد دعى نفسه إلها. وقد صرت أؤمن منذ وقت طويل أنه لم يفعل. فقط ، يشير يسوع إلى أنه إله في آخر إنجيل لدينا، إنجيل يوحنا، الذي يظهر على نحو ملحوظ تطورا لاهوتيا يفوق أقرانه الآخرين. أصبحت أدرك أنه ليس ثمة تقليد بين تقاليدنا الأقدم يشير إلى أن يسوع قد تفوه بمثل هذا الكلام عن نفسه. وإذا كان يسوع قد أمضى جل وقته بالفعل في الجليل ثم في أورشليم في ادعاء الألوهية لنفسه، فلا شك أن كل مصادرنا كانت ستصبح أكثر تلهفا على تسجيل هذا الأمر. ودعونا نصوغ فكرتنا صياغة مختلفة: لو أن يسوع زعم أنه إله، فمن الغريب جدا فيما يبدو أن متَّى ومرقس ولوقا جميعا قد أهملوا ذكر أي شئ عن هذا. فهل هم نسوا أن يذكروا هذا الجزء ليس إلا؟
أصبحت أدرك أن ألوهية يسوع كانت جزءًا من الفكر اللاهوتي الذي يؤمن بها يوحنا، وليس جزءًا من تعاليم يسوع الشخصية.
*هذا جزء من قضية أكثر اتساعا تتناول الشخصية التي كانها يسوع في الحقيقة، وتتناول حقيقة تعاليمه وما قام به من أفعال في الحقيقة وما مر به من تجارب وخبرات. هذه القضية هي موضوع عدد لا يحصى من الكتب بعضها متبحر في المسئلة تبحرا مفرطا والطول سمة من سماته. لا يسعني أن أغطي هذا الخضم الواسع في هذا الفصل، وجل ما يمكنني التعامل معه هو المسائل الأكثر أهمية منه كما يناقشها مؤرخو المسيحية الأولى، وبوسعي أن أوفر لكم مقدارا قليلا مما أعتقد أننا بوسعنا معرفته عن يسوع الإنسان وليس فقط عن الكيفية التي جرى تصويره عبرها داخل هذا الإنجيل أو ذاك، بل عن شخصيته الحقيقية التي كانت في التاريخ- أو يسوع التاريخي.
مصادر معلوماتنا المبكرة عن يسوع
غالبية من لا يتوافر لديهم الإلمام بالعلوم الكتابية من الناس ربما يظنون أن الحصول على معلومات بشأن يسوع التاريخي هو قضية يسيرة نسبيا. فلدينا أربعة أناجيل في العهد الجديد. كي نعرف ماذا قال يسوع وماذا صنع، فمن الضروري أن نقرأ الأناجيل. هي تخبرنا أن بما قاله وما فعله. فأين المشكلة إذن؟ المشكلة جزئيا تتمثل في أن الأناجيل تغص بالتناقضات وفي أنها دونت بعد خدمة يسوع الأرضية وموته بعشرات السنين بأقلام مؤلفين لم يكونوا شهود عيان على أي من أحداث حياة يسوع.
لنعرض المشكلة في حجمها الحقيقي، لعله من المفيد أن نتأمل أنواع المصادر التي يحب العلماء أن يمتلكوها بين أيديهم عندما يكتبون رواية تاريخية عن شخصية تاريخية من الماضي، مثل يوليوس قيصر، أو ويليام الغازي، أو شيكسبير. إن امتلكنا بعض مصادر المعلومات فهذا هو السبيل الوحيد للتعرف على هذه الشخصيات. لا يمكننا التعرف بسهولة على حقيقة يوليوس قيصر أو يسوع. فأي نوع من المصادر إذن يحتاجه العلماء كي يعيدوا تكوين حياة شخصية تاريخية ذات ثقل؟
لو أتت الرياح بما يشتهي العلماء، لكان بحوذتهم مقدار ضخم من المصادر؛ فكلما زاد عدد المصادر كلما كان ذلك أفضل وذلك لأن البعض منها أو جميعها ربما تعطينا روايات مشوهة. هذه المصادر ينبغي أن تكون معاصرة للأحداث التي تسرد تفاصيلها، لا أن تكون مبنيةً على إشاعة سرت في أزمنة متأخرة عن الأحداث. وينبغي أن تتضمن إفادات لأناس ليس لهم مصلحة ما، أي ألا تكون ببساطة روايات متحيزة. أفضل المصادر هي تلك التي تكون مستقلة أحدها عن الأخرى حتى نتيقن من أن مؤلفيهالم يتواطؤوا فيما بينهم على تأليف قصة. ومع ذلك ينبغي أن يكونوا متوافقين وأن يؤكد بعضهم قول بعض ، مانحين إيانا التوثيق أو البرهان الإضافي من غير تواطؤ فيما بينهم.
ما الذي نملكه من مصادر تتحدث عن يسوع؟ حسنا، لدينا مصادر متعددة داخل أناجيل العهد الجديد. وهذا أمر حسن. لكن مؤلفيهالم يكونوا شهود عيان عاصروا الأحداث التي يروونها. فقد كتبها بعد موت المسيح بخمسة وثلاثين إلى خمسة وستين عاما أناسٌ لم تكن بينه وبينه أي معرفة ولا رأوا أعماله التي صنعها أو سمعوا شيئا مما بشر به، أناس كانوا يتحدثون لغة تختلف عن لغته الأم وعاشوا في بلادة مختلفة عن البلد التي عاش فيها. لم تتسم رواياتهم بالنزاهة؛ بل هي روايات استحدثها مسيحيون كانوا يؤمنون فعليا بيسوع، وهو ما يجعلهم غير منزهين عن تحريف الروايات في ضوء أهوائهم الشخصية. لم يكونوا خالصين من الترافد حيث استعمل إنجيل مرقس كمصدر لإنجيلي متى ولوقا. وبدلا من أن يبعث هذا التناغم التام فيما بينهم، كان أحدهم مناقضا لآخر تمام التناقض، بما تغص به صفحاتهم من التناقضات بنوعيها: تناقضات بشأن التفاصيل الدقيقة أو مفاهيم متناقضة في الأمور كبيرة المقياس بشأن شخص يسوع. كيف يمكن لمصادر على هذا الحال أن تستخدم لإعادة تركيب حياة يسوع التاريخي؟ ليست مهمة يسيرة، ومع ذلك هناك سبل متاحة للقيام بها. أول خطوة هي أن نقف على حقيقة الكيفية التي استقى بها مؤلفو الأناجيل رواياتهم وقوفا أفضل. فإن كانوا يعيشون بعد الأحداث التي رووا شيئا من أخبارها بثلاثين إلى ستين عاما، فما هي مصادر معلوماتهم؟ الإجابة المختصرة هي أن مؤلفي الإنجيل حصلوا على القدر الأكبر من معلوماتهم من التقليد الشفوي والقصص التي كانت متداولة في زمانهم عن يسوع مشافهة منذ اللحظة التي مات فيها وحتى اللحظة التي دون فيها مؤلفو الأناجيل هذه القصص. يلزمنا أن نتعرف أكثر على التقاليد الشفوية التي تتناول شخصية يسوع لكي نستوعب كيف يمكن للمؤرخين أن يستفيدوا من هذا النوع من المصادر-تلك الروايات المتناقضة المكتوبة بعد الحدث بعشرات السنين والمعتمدة على إفادة شفوية- في تقرير ما حدث بالفعل مع درجة ما من الترجيح.

التقليد الشفوي
على الرغم من أنه من العسير جدا أن يحدد المرء بدقة تاريخ كتابة الأناجيل، فإن غالبية العلماء يتفقون على مجموعة أساسية من التواريخ وذلك لمجموعة من الأسباب. من غير الخوض في كل التفاصيل، بوسعي الآن أن أقول إن نعرف بيقين نسبي أن بولس- من واقع رسائله الشخصية ومن سفر الأعمال-كان يمارس الكتابة في عقد الخمسينات من القرن الأول. كما كان كثير الأسفار إلى المجتمعات المسيحية وفي كتاباته لم يعط على الإطلاق أي برهان على أنه يعرف أو حتى سمع عن وجود أية أناجيل. من هذه المعلومة يمكن الإشارة إلى أن الأناجيل على الأرجح كتبت بعد عصر بولس. يبدو كذلك أن مؤلفي الأناجيل كانوا على اطلاع على بعض الأحداث التاريخية المتأخرة مثل دمار أورشليم في عام 70 م(مرقس 13: 1 احتمالا؛ ولوقا 21: 20-22 يقينا أو يكاد). هذا الأمر يستلزم أن يكون هذين الإنجيلين مكتوبين على الأرجح بعد عام 70.
هناك أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد أن مرقس هو أول ما كتب من الأناجيل، وهكذا ربما يكون مؤلفه قد كتبه في وقت قريب من زمان الحرب ضد روما، عام 70م. لو استعمل متى ولوقا كلاهما إنجيل مرقس كمصدر لهما، فقد يكونا قد ألفا بعد أن انتشر إنجيل مرقس لفترة من الزمان خارج المجتمع الذي كتب فيه- فلنقل، بعد ذلك بعشر سنوات أو خمسة عشر، أي بين عامي 80 و 85 م. يبدو أن يوحنا هو الإنجيل الأكثر تطورا من الناحية اللاهوتية، ولذلك فمن المرجح أنه كتب بعد ذلك، قريبا من نهاية القرن الأول، أي قريبا من عام 90 إلى عام 95 م. لا تعدو هذه أن تكون تخمينات تقريبية، لكن غالبية العلماء متفقون عليها.
يعني هذا أن أقدم رواياتنا المكتوبة المحفوظة عن حياة يسوع كتبت بعد خمسة وثلاثين عاما إلى خمسة وستين عاما بعد وفاته.
فماذا إذن كان يحدث في كل السنوات الفاصلة بين الوفاة وبداية التدوين؟ ما حدث بالمسيحية كان من الوضوح بمكان: فقد كانت في طور الانتشار في جميع أنحاء المناطق الحضرية الرئيسة في منطقة البحر المتوسط. إن كانت الأناجيل وسفر الأعمال يمنحاننا معلومات صحيحة، فبعد قيامة المسيح بوقت قصير كان أتباعه يتشكلون من خمسة عشر إلى عشرين رجلا وامرأة كانوا معه فيما سبق في الجليل وصاروا يؤمنون أنه كان قد قام من بين الأموات. عند نهاية القرن الميلادي الأول- بفضل الجهود التبشيرية التي بذلها الرسل والمتنصرون من أمثال بولس-كان من الممكن أن يصادف المرء الديانة المسيحية داخل قرى يهوذا وبلداتها ومدنها وفي السامرة والجليل وسوريا؛ لقد انتشرت شمالا وغربا إلى كليكية وفي أنحاء آسيا الصغرى(تركيا المعاصرة) ومكدونية وأخائية(أي اليونان المعاصرة)؛ كما شقت لنفسها سبيلا نحو روما، عاصمة الإمبراطورية، ومن المحتمل أن تكون قد وصلت غربا حتى إسبانيا. كما ارتحلت المسيحية في اتجاه الجنوب، إلى شمال إفريقيا على سبيل الاحتمال وإلى أجزاء من مصر على الأرجح.
ليس الأمر أن آلافا تلو الآلاف من الناس كانوا يعتنقونها بين ليلة وضحاها. بل بمرور السنين كان العشرات والعشرات-وربما المئات- يتحولون إلى المسيحية داخل المناطق الحضرية الرئيسة. كيف حول المسيحيون الناس من دياناتهم الوثنية(في المقام الأول) إلى الإيمان بإله واحد فحسب، إله اليهود، وبيسوع ابنه الذي مات كي يرفع خطايا العالم؟ إن السبيل الوحيد لتحويل الناس إلى المسيحية كان عبر إخبارهم بالروايات التي تتحدث عن يسوع: ماذا قال وماذا فعل وكيف مات وأقيم من بين الأموات.
بمجرد أن يتحول إنسان ما إلى الدين ويصير عضوا في كنيسة مسيحية، سيبدأ، بدوره، في نشر الروايات. وسيبدأ الناس الذين تحولوا على أيديهم حينئذ في سرد الروايات، والأمر ذاته سيفعله هؤلاء الذين حولهم المتحولون الجدد. وعلى هذا النحو صار الأمر، ديانة انتشرت كلية عبر الأقوال الشفاهية في عالم ليس فيه وسائل إعلام.
مع ذلك، من كان يتولى أمر سرد هذه القصص التي تتحدث عن يسوع؟ في كل مرة تقريبا كانوا أشخاصا لم يكونوا قد التقوا بيسوع من قبل ولا التقوا بأحد آخر كان قد عرفه معرفة شخصية. دعوني أوضح الأمر بمثال افتراضي. أنا شخص أعمل كنحَّاس وأعيش في أفسوس في آسيا الصغرى. يقدم علي غريب ويبدأ في الحديث عن حياة يسوع ووفاته الخارقتين للطبيعة. أستمع إلى جميع القصص التي كان عليه أن يقصها علي وأقرر التخلي عن الإيمان بالإله الوثني المحلي، أثينا، وأصير إلى مؤمن بالإله اليهودي وابنه يسوع. ثم إني أنجح في تحويل امرأتي بناءً على القصص التي أكررها على مسامعها. زوجتي تخبر الجارة بالجنب فتتحول هي الأخرى. هذه الجارة تسرد الحكايات على مسامع زوجها، تاجر، فيؤمن. يخرج في رحلة عمل إلى مدينة سميرنا ويقص ما عنده من قصص على شريكه في التجارة. يتحول هذا الأخير ثم يحكي لامرأته التي تؤمن هي الأخرى.
هذه المرأة التي آمنت مؤخرا سمعت كل أنواع القصص عن يسوع. وممن؟ أواحد من الرسل؟ لا، بل من زوجها. حسنا، وممن سمع زوجها هذه القصص؟ جاره في البيت المجاور، تاجر أفسس. أين سمعها هذا الأخير؟ في البيت ومن زوجته. وأين سمعتها هي؟ من زوجتي. وزوجتي ممن سمعتها؟ مني. ومن أين سمعتها أنا؟ أمن شاهد عيان؟ لا، بل سمعتها من الغرب الذي وفد على البلدة.
هذه الطريقة التي انتشرت بها المسيحية، عاما بعد عام، وعقد من الزمان بعد آخر، حتى قام شخص ما بتدوين القصص في نهاية المطاف. برأيك، ماذا حدث لهذه القصص بمرور السنين، بما إنها رويت ثم أعيدت روايتها، لا كروايات تتضمن أخبارا نزيهة رواها شهودٌ عيانٌ، بل كدعاية كان القصد منها تحويل الناس إلى الإيمان أطلقها أناس كانوا قد سمعوها من السلسلة الخامسة أو السادسة أوالتاسعة عشر من الرواة؟ هل لعبت أو أطفالك لعبة الهاتف أثناء احتفالكم بعيد ميلاد؟ يجلس الأطفال في دائرة وتقص طفلة قصة إلى الطفلة الجالسة بجوارها التي تحكيها إلى التي تليها، وهكذا دواليك، حتى تعود القصة مرة أخرى إلى الطفلة التي حكت القصة أول مرة. لكنها الآن قصة مختلفة. (لو لم تكن مختلفة لكانت اللعبة عبثية قليلا.) تخيل أنك تلعب لعبة التليفون ولكن ليس وسط مجموعة من الأطفال اللذين ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية الاقتصادية ذاتها ومن الحي نفسه والمدرسة نفسها وفي المرحلة السنية ذاتها ويتحدثون لغة مشتركة، بل تخيل أنك تلعبها لمدة أربعين عاما أو أكثر في بلاد مختلفة وفي سياقات تاريخية مختلفة وبلغات مختلفة. ماذا يحدث حينها للقصص؟ تطالها يد التغيير.
هل من غرابة في أن تغص الأناجيل على هذا النحو بالتناقضات؟ سمع يوحنا قصصا مختلفة عما سمعه مرقس وعندما سمع القصص نفسها فهمها فهما مغايرا. بل من الواضح أن مؤلفي الأناجيل أنفسهم قد أحدثوا في القصص التي تلقوها من مصادرهم تغييرات( تذكر كيف غير لوقا رواية مرقس عن رحلة يسوع نحو الموت). لو أمكن أن تتغير الأشياء بهذا القدر الكبير من كاتب واحد للذي يليه، فتصور عظم التغير الذي يمكن أن يطرأ عليها في التقليد الشفهي؟
قد ينجر المرأ منا إلى الشعور باليأس نحو قدرته على صوغ أي معلومة تاريخية عن يسوع، مع وضع الحالة المضطربة للأشياء في الاعتبار. اعتمادا على مصادر من هذا القبيل، كيف يمكننا أن نعرف أي شئ عن يسوع التاريخي؟
ربما يكون اليأس أمرا سابقا لأوانه في هذه المرحلة. فلعل ثمة طرق لتطبيق مناهج تحليلية صارمة على المصادر لتجنب المشكلات التي تفرضها. أول طريقة هي أن ننظر فيما إذا كان ثمة أي مصادر أخرى للمعلومات عن يسوع خارج الأناجيل يمكننا وضعها في الاعتبار. كما سيتضح، هناك بعض المصادر-لكنها ليست ذات فائدة كبيرة.

مصادر أخرى لإعادة تشكيل حياة يسوع
لو كنتم قد شاهدتم ما يكفي من أفلام هوليوود التي تحكي قصة يسوع، لربما ظننتم أن يسوع هو واحد من أكثر ما الشخصيات التي تناولها الناس بالحديث في الإمبراطورية الرومانية. مع ذلك، لا يظهر ابن الله الذي شفى المرضى وأخرج الشياطين من الأجساد وأحيا الموتى كل يوم. فمن الواضح أن السلطات الرومانية كانت من الهلع والرعب بما يكفي لأن تتملكها الرغبة في التخلص منه، كانوا مرعوبين من هذا الإله المتأنس الذي حل بينهم. وربما هبطت الأوامر بالفعل من أسمى وأبعد جهة، من روما ذاتها.
لسوء الحظ كل ما ذكرته الآن هو محض اختلاق. ما أنا على وشك البوح به يبدو غريبا على مسامع غالبيتنا، فالمسيح، رغم ذلك، هو بكل المقاييس أهم شخصية في تاريخ الحضارة الغربية. لكنه لم يكن الشخصية الأكثر أهمية في عصره. بل العكس تماما هو الصحيح، فهو، كم يبدو، يكاد يكون شخصا مغمورا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني.
ماذا تقول المصادر اليونانية والرومانية عن يسوع؟ أو دعونا نجعل السؤال أكثر تحديدا: لو عاش يسوع ومات خلال القرن الأول(موته كان عام 30 تقريبا)، فما الذي تقوله المصادر اليونانية والرومانية بداية من عصره وحتى نهاية القرن(فلنقل حتى عام 100 م) عنه؟ الجواب مثير. لم يذكروا أي شئ عنه على الإطلاق. لم يحدث يوما أن كان موضوع نقاش، أو تحدٍ أو هجوم أو ازدراء ولم يتحدث عنه أحد بأي طريقة في أي مصدر وثني ما يزال محفوظا من هذه الفترة المذكورة. ليس ثمة سجلات تشير إلى الميلاد، أو روايات عن محاكمته وموته، أو تأملات في أهميته أو نزاعات حول تعاليمه. لم يرد لاسمه، في حقيقة الأمر، أي ذكر أبدا ولو لمرة واحدة في مصدر وثني. ونحن نمتلك مع هذا الكثير من المصادر اليونانية والرومانية من الفترة المشار إليها: من علماء دين ومؤرخين وفلاسفة وشعراء وعلماء طبيعة؛ ولدينا الآلاف من الرسائل الشخصية؛ وبين أيدينا نقوشات محفورة على الأبنية في الأماكن العامة. لا يذكر يسوع في أي مصدر يوناني أو روماني (وثني) عرفه القرن الأول الميلادي. لم يستطع العلماء أبدا أن يستوعبوا هذا الأمر. فلنفترض بكل بساطة أن يسوع لم يكن بهذه الأهمية في عصره. ولكن سواء أكان هذا صحيحا أم لم يكن كذلك، فالحقيقة هو أننا إن أردنا أن نتعرف على ما قاله يسوع أو ما فعله، لا يمكننا أن نعتمد على ما كان يقوله أعداؤه داخل الإمبراطورية. بقدر ما وصلنا من علم، لم يذكر هؤلاء عنه شيئا.
أول ذكر ليسوع في مصدر وثني وقع في العام 112 م. كان المؤلف بليني الصغير[1] حاكما لإقليم روماني. في رسالة كتبها إلى إمبراطوره تراجان، يشير إلى مجموعة من الناس يدعون المسيحيين كانوا يجتمعون بصفة غير شرعية؛ كان صاحبنا يريد أن يعرف كيف يتعامل مع هذا الوضع. هؤلاء الناس، يخبر بليني الإمبراطور،«يتخذون المسيح إلها.» هذا كل ما قاله عن يسوع. ليس بالمقدار الكافي الذي تعتمد عليه إن كنت تريد أن تعرف شيئا عن يسوع التاريخي.
قدر أكبر قليلا من المعلومات يوفره لنا صديق بليني، المؤرخ الروماني تاسيتس(Tacitus). في معرض كتابته لتاريخ روما في عام 115 م، يذكر تاسيتوس الحريق الذي أشعله نيرون والذي اضطرم في روما عام 64، الذي اتهم الإمبراطور به «المسيحيين». يشرح تاسيتوس أن المسيحيين اكتسبوا اسمهم من «المسيح(Christus)...الذي أعدم على يد الوالي بيلاطس البنطي في عهد طيباريوس»(حوليات 15.44). ويواصل حديثه إلى أن يقول إن«خرافة» المسيحية ظهرت للمرة الأولى في أرض يهوذا قبل أن تتفشى إلى روما. هنا على الأقل ثمة بعض تأكيد لما علمناه بالفعل من الأناجيل عن موت يسوع على يد بيلاطس. لكن تاسيتوس، مثل بليني تماما، لا يعطينا أي معلومة نعتمد عليها لو أننا نريد أن نعرف ما فعله يسوع أو قاله في الواقع.
لو طرحنا شباكنا على كل المصادر اليونانية والرومانية الوثنية المحفوظة خلال امائة سنة الأولى بعد وفاة يسوع(30-130 م)، فهاتان الإشاراتان المقتضبتان هما كل ما نجد.[2]
بالإضافة إلى مصادر القرن الأول الوثنية، لدينا مصادر يهودية غير مسيحية، غير أنها ليست تقريبا بقدر الوثنية من جهة العدد. فهناك مصدر واحد، ومصدر واحد فحسب، هو الذي يذكر يسوع بالفعل. إنه المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس الذي كتب في عام 90 م تقريبا تاريخ الشعب اليهودي في عشرين مجلدا منذ أيام آدم وحواء وحتى عصره. في هذا الكتاب المطول لم يتحدث عن يسوع بإطناب كبير، لكنه يشير إليه بالفعل مرتين. في إشارة واحدة يحدد ببساطة هوية إنسان يسمى يعقوب على أساس أنه«أخو يسوع الذي يدعى المسيح»(تاريخ اليهود، 20 .9 .1).
الإشارة الأخرى أكثر طولا، غير أنها أثيرت حولها الشكوك. فيوسيفوس فيها يبدو كما لو كان يعترف على نفسه أنه مسيحي، لكننا نعلم من أعماله الأخرى أنه لم يكن كذلك(فقد كتب ترجمة ذاتية ضمن أشياء أخرى كتبها). عرف أهل العلم منذ أمد بعيد أن مؤلفات يوسيفوس لم يكن اليهود ينسخونها خلال العصور الوسطى، لأنهم (وهم محقون في هذا على الأرجح) اعتبروه خائنا للقضية اليهودية خلال الحرب المدمرة ضد روما التي دمرت فيها أورشليم عام 70 م. بدلا من ذلك، كان المسيحيون هم من اضطلعوا بنسخها. وعند الموضع الذي يتناول فيه يوسيفوس يسوع بالحديث، يبدو أن ناسخا مسيحيا أدرج القليل من الكلمات المختارة بعناية كي يوضح حقيقة يسوع. وضعت فيما يلي الأجزاء التي من المحتمل أن الناسخ أقحمها بين قوسين:
في هذا الوقت ظهر يسوع، إنسان حكيم[إن صح بالفعل أن يطلق عليه المرء وصف «إنسان»، فقد] صنع أعمالا مدهشة، ومعلم للشعب الذي تلقى الحقيقة بابتهاج. وقد اكتسب أتباعا بين الكثيرين من اليهود والكثيرين من ذوي الأصل اليوناني. [لقد كان هو المسيح.] وعندما حكم عليه بيلاطس بالموت صلبا، بسبب اتهام افتراه قادتنا، لم يقلع عن حبه من أحبوه في السابق.[فقد ظهر لهم في اليوم الثالث، حيا من جديد، تماما على النحو الذي تحدث به أنبياء الله عن هذه الأمور وعن أشياء أخرى مدهشة لا تحصى عددا بشأنه]وحتى يومنا هذا لم تختف قبيلة المسيحيين، الذين سموا على اسمه.(تاريخ اليهود 18 . 3 . 3)[3]
من الجدير بالذكر، لا ريب في ذلك، أن أبرز مؤرخ يهودي في القرن الأول عرف على الأقل شيئا ما عن يسوع- أنه تحديدا كان معلما صنع أشياء عجيبة في ظاهرها، وأنه اكتسب عدد كبيرا من الأتباع وأن حكما بالموت صلبا قد أصدره بيلاطس البنطي بحقه. وتؤكد هذه الرواية بعضا من أهم جوانب حياة يسوع ومماته كما حكتها الأناجيل. لكنها لا تشير على وجه الدقة إلى ما فعله أو قاله أو إلى الظروف التي أدت إلى اتهامه بالموت حتى لو أدرجت في النص الأصلي العبارات التي وضعت بين الأقواس.
لا يذكر يسوع في أية مصادر أخرى غير مسيحية -يهودية أو وثنية- من المائة سنة الأولى التي تلت موته.
هناك بطبيعة الحال مصادر مسيحية متأخرة- أناجيل أخرى كثيرة على سبيل المثال- من القرنين الثاني والثالث وما بعدهما. هذه المصادر سنتناولها بالبحث في الفصل التالي. هناك سنرى أن هذه الروايات مشوقة إلى أبعد الحدود وأنها تستحق القراءة بجدارة. لكنها لا تزودنا، في العادة، بمعلومة تاريخية يعول عليها. فجميعها كتبت في عصور تالية لأناجيل العهد الجديد وجميعها تغص بالقصص الخرافية، وإن اتسمت بالتشويق، عن ابن الله.
ربما يعتقد المرء أن أسفار العهد الجديد الأخرى بمقدورها أن تزودنا بمعلومات إضافية عن يسوع، لكن هنا من جديد ليس ثمة الكثير لنبني عليه. فهذا بولس الرسول، على سبيل المثال، يحدثنا كثيرا عن موت يسوع وقيامته، لكنه مُقِلٌّ في الحديث عن حياته-أعني ما قاله وما فعله قبل موته. في مواضع قليلة يؤكد ما قالته الأناجيل: أن يسوع كان معلما يهوديا قام بالتبشير وسط اليهود؛ وأن له أخوة، أحدهم يدعى يعقوب، واثني عشر تلميذا. وهو يذكر كلمات يسوع في العشاء الأخير وقولين آخريين من أقواله: أن الطلاق محرم على أتباعه وأن عليهم أن يدفعوا لمعلميهم أجرا.[4] بخلاف ذلك لا يخبرنا بولس الكثير. بل إن مؤلفي العهد الجديد الآخرين يخبروننا بمعلومات أقل مما يخبرنا به بولس.
نتائج هذا المسح السريع ينبغي أن تكون واضحة: إذا كنا نريد أن نعرف معلومات عن حياة يسوع التاريخي، فليس أمامنا تقريبا سوى استعمال الأناجيل الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا. وهذه ليست روايات منزهة عن الغرض رواها شهود عيان. فهي كتب ألفها بعد عشرات السنين من الحدث مؤلفون كانوا قد تلقوا القصص التي تتحدث عن يسوع من التقليد الشفوي عن طريق السمع، قصص كانت عرضة للتحريف بل وحتى للاختلاق بمرور السنين. ثمة تناقضات كثيرة في هذه القصص ومؤلفو الإنجيل أنفسهم مارسوا تحريفها كلما بدا لهم ذلك مناسبا. كيف يجوز للمرء أن يستعمل مثل هذه القصص ليكتشف ما حدث بالفعل من الناحية التاريخية؟ في الحقيقة، ثمة طرق تجعل هذا ممكنا. فلقد ابتكر العلماء بعض المبادئ المنهجية التي بوسعها، إن اتبعت بإحكام وصرامة، أن تزودنا بإشارات عن حقيقة يسوع.

معايير للتأكد من صحة المادة التاريخية

لا شيء يصعب فهمه تماما بشأن هذه المبادئ- فكلها مبادئ منطقية، على فرض صحة كل ما رأيناه بشأن التقاليد الإنجيلية حتى هذا الموضع. أول مبدأ ينبغي أن يكون واضحا قليلا:
1- كلما كانت المصادر التاريخية أقدم، كلما كان ذلك أفضل:
فحيث إن التقاليد التي تتناول شخصية يسوع قد تغيرت بمرور السنين لأن القصص التي تحكي طرفا من أخباره حكيت ثم أعيد حكيها مرارا وتكرارا، ولأن المصادر المكتوبة تعرضت للتحريف، وللإطناب وللتعديل، فمن المنطقي أن تكون المصادر الأقدم كتابةً هي الأكثر استحقاقا لثقتنا من الأخرى التي تعود لزمن لاحق. فالأناجيل التي يعود تاريخ نسخها إلى القرن الثامن لن تتساوى، في العادة، في الموثوقية من الناحية التاريخية مع أناجيل القرن الأول(مع أن قراءتها قد تكون مسلية إلى أبعد حد).
يعد إنجيل يوحنا آخر ما كتب من الأناجيل وهذا ما يجعله أكثر عرضة لأن يكون الأقل موثوقية من الناحية التاريخية مقارنة بباقي الأناجيل. وهو يقدم من الآراء بشأن يسوع ما يمثل تطورات لاحقة ضمن التقليد- فيسوع، على سبيل المثال، هو خروف الفصح الذي مات في اليوم الذي تذبح فيه خراف الفصح، أو أنه زعم أنه مساو لله. بيد أن ما سبق لا يعني أننا نسقط تماما من حساباتنا كل ما نجده في إنجيل يوحنا؛ على العكس، فنحن بحاجة لأن نطبق المعايير الأخرى على رواياته كذلك. مع ذلك، يبقى الأقدم هو الأفضل بوجه عام.
مرقس هو أقدم إنجيل محفوظ، وقد يشتمل على معلومات يمكن التعويل عليها أكثر مما يفعل يوحنا. لكن مرقس لم يكن المصدر الوحيد الذي استقت منه الأناجيل التالية له معلوماتها. فهناك على الأرجح مصدر آخر للأناجيل من المحتمل أنه قد دون قبل مرقس وذلك الإنجيل لم يعد له وجود. في فصل سابق، أوضحت أن متى ولوقا حصلا على كثير من قصصهما من مرقس الذي استعملاه كمصدر. وثمة تقاليد أخرى متعددة عن يسوع في كل من متى ولوقا لا يمكننا أن نعثر عليها في مرقس. غالبية هذه التقاليد، وليسوا كلهم، هي أقوال ترد على لسان يسوع، منها، على سبيل المثال، صلاة الرب والتطويبات(نجدها في متى ولوقا ولا نجد لها أثرا في مرقس). وحيث إن الأناجيل اللاحقة لا يمكن أن تكون قد أخذت هذه التقاليد عن مرقس، فمن أين؟ لدينا أسباب منطقية تدفعنا للاعتقاد بأن متى لم يقتبسهم من لوقا، ولا لوقا حصل عليهم من متى. ولهذا، منذ القرن الثالث عشر تحديدا، أيقن العلماء أنالإنجيلين كلاهما قد حصلا عليها من مصدر آخر غير محدد. أطلق العلماء الألمان الذين صاغوا هذه الفكرة على المصدر الآخر اسم «كويلا»(Quelle)، تلك الكلمة الألمانية التي تقابل كلمة «مصدر». هذا «المصدر» الإضافي المجهول صار يشار إليه اختصارا باسم « Q ».[5]
«Q» إذن هو مصدر المادة الموجودة في متى ولوقا وغير الموجودة مع ذلك في مرقس. هذا المادة، فيما يبدو، كان مصدرها إنجيل مفقود كان بمقدور كاتبي الأناجيل الأحدث أن يطلعا عليه. لا ندري كل شئ كان في الإنجيل «Q» (ولا ندري كل شئ لم يكن في «Q»)، ولكن متى اتفق متى ولوقا كلمة بكلمة حول قصة ليس لها وجود في مرقس، فمن المعتقد أن هذه القصة مستقاة من «Q». ومن هذا يتضح أن مرقس و«Q» هما مصدرانا الأقدمان. استعمل متى مصدرا آخر أو أكثر من مصدر بين مكتوب وشفوي، لفائدة إنجيله، وهذه نسميها المصادر المتاوية، أو اختصارا باسم «M». مصادر المادة التي انفرد بهال لوقا نطلق عليها اختصارا اسم «L». من هذا نعلم أنه في الفترة التي سبقت ظهور إنجيلي متى ولوقا، كان ثمة أربعة مصادر متاحة: مرقس و«Q» و«M» و«L»( كل من «M» و«L» يحتمل قد يكونان مصادر متعددة). وهذه هي أدواتنا الأكثر قدما لإعادة تكوين حياة يسوع.[6]
2- كلما كثرت المصادر التاريخية كلما كان ذلك أفضل:
فلنفترض أن قصةً بطلها يسوع وجدت في مصدر واحد لا أكثر، فمن الجائز أن مؤلف هذا المصدر قد اختلق هذا التقليد بنفسه. ولكن ماذا إن وجدت قصة بشكل مستقل في أكثر من مصدر واحد؟ لن تكون هذه القصة من مخترعات أي واحدة منها حيث إنها مصادر مستقلة؛ فلا مفر حينئذ من أن تكون سابقة في الوجود لهم جميعا. إن القصص التي نجد لها ثبوتا في مصادر متعددة ومستقلة بعضها عن بعض فهي لذلك تتمتع بقدر أفضل من أرجحية أن تكون هي الأقدم وربما هي تمثل القصص الأجدر بالتصديق.(ملحوظة: إن وجدت القصة ذاتها في متى ولوقا ومرقس، فهذه ليست ثلاثة مصادر للقصة، بل مصدر واحد: فمتى ولوقا كلاهما قد أخذاها عن مرقس.)
متى ولوقا، على سبيل المثال لا الحصر، يشيران كلٌ على حدة إلى أن يسوع ترعرع في الناصرة، لكن قصتيهما عن كيفية ذهابه إلى هناك مختلفتان، فبذا تكون إحداهما قد أتت من المصدر«M» والأخرى من المصدر«L». ومرقس يشير إلى الأمر نفسه. وكذلك يفعل يوحنا الذي لم يستعمل أيا من الأناجيل المتوازية أو أيا من مصادرها. فماذا نستنتج من هذا؟ نستنتج أن القصة ثابتة في مصادر مستقلة: فالناصرة على الأرجح كانت موطنا ليسوع. نموذج آخر: هناك علاقة تربط يسوع بيوحنا المعمدان كما يبدو في بداية إنجيل مرقس وفي بداية المصدر«Q»(يحتفظ متى ولوقا كلاهما بأجزاء من أقوال يوحنا التي لا تظهر في إنجيل مرقس)، وفي بداية إنجيل يوحنا. وماذا نتستنتج؟ ارتبط يسوع على الأرجح بيوحنا المعمدان عند بداية خدمته.
3- السير عكس التيار ذلك أفضل جدا:
الشئ الأول الذي رأيناه مرارا وتكرارا هو أن التناقضات قد نشأت في ما نعرفه من قصص تدور حول يسوع نتيجة لقيام رواة القصص والمؤلفين بإدخال تغييرات على التقاليد كي يجعلوها تتناغم أكثر وأكثر مع ما يعتنقونه من أفكار. كيف يمكننا تفسير التقاليد المتعلقة بيسوع والتي لا تتوافق بوضوح مع جدول أعمال «مسيحي»، أي لا تعضد أفكار الأشخاص الذين يروون القصص ووجهات نظرهم؟ التقاليد التي على هذه الشاكلة ما كان للرواة المسيحيين أن يختلقوها وهي لهذا السبب دقيقة على الأرجح من الناحية التاريخية. كثيرا ما يطلق على هذا الأمر«معيار الحرج.» أي تقليد مروي عن يسوع لا يتفق مع كان المسيحيون الأوائل ينوون على الأرجح قوله عنه من المرجح جدا أنه تقليد جدير بالتصديق. خذ المثالين السابقين كنموذج. يمكنك تفهم السبب الذي قد يريد لأجل المسيحيون أن يقولوا إن يسوع كان منحدرا من بيت لحم: فتلك كانت المدينة التي كان من المنتظر أن يخرج منها ابن داوود(ميخ 5 : 2 ). لكن من كان ليفتري قصة تقول إن المخلص جاء من الناصرة، تلك البلدة الصغيرة التي لم يسمع بها أحد من قبل؟ هذا التقليد لا يدعم أي جدول أعمال مسيحي. فهو لهذا السبب، ويالسخرية، تقليد دقيق على الأرجح من الناحية التاريخية. أو خذ عندك مثالا من يوحنا المعمدان. في مرقس، إنجيلنا الأكثر قدما، يقوم يوحنا بتعميد يسوع. هل كان للمسيحيين أن يختلقوا هذا الأمر؟ تذكر أنه في التقليد المسيحي المبكر كان هناك اعتقاد بأن الشخص الأرفع مقاما من الناحية الروحية كان يقوم بتعميد الأدنى منه منزلة من الناحية الروحية. فهل كان لمسيحي أن يختلق فكرة تعميد يسوع على يد شخص آخر، وما يترتيب على ذلك من كونه أقل منه منزلة؟ أضف إلى ذلك أن يوحنا كان يعمد «لأجل مغفرة الخطايا»(مرقس 1 : 4 ). فهل سيريد شخص ما أن يزعم أن يسوع قد احتاج أن تغفر له خطاياه؟ لا يبدو هذا مرجحا بدرجة كبيرة. فماذا نستنتج من هذا؟ أنه من المرجح أن يسوع قد ارتبط بالفعل بيوحنا المعمدان عند بادية فترة خدمته وأنه على الأرجح قد تعمد على يديه.
4- ينبغي أن تتوافق مع السياق:

بما أن يسوع كان يهوديا عاش في فلسطين خلال القرن الميلادي الأول، فأي تقليد يتناوله بالحديث ينبغي أن يتوافق مع السياق التاريخي الذي عاش فيه حتى يكون جديرا بالقبول. كثير من أناجيلنا المتأخرة زمنيا- تلك المكتوبة خلال القرن الثالث او الرابع، وفي أجزاء أخرى من العالم- تقول عن يسوع أشياء لا معنى لها إن وضعت في السياق التاريخي. هذه الأشياء يمكن أن نستبعدها لأنها غير جديرة بالقبول من الناحية التاريخية. لكن أناجيلنا الأربعة القانونية هي الأخرى تشتمل على قدر من الأمور لا يمكن تصديقها. ففي إنجيل يوحنا، الإصحاح الثالث، وقع بين يسوع ونيقوديموس حوار مشهور يقول فيه:« يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.» الكلمة اليونانية[7] التي جرت ترجمتها إلى «من فوق» لها في حقيقة الأمر معنيان: فمن الممكن أن تترجم «مرة ثانية»، كما يمكن ترجمتها «من فوق» كذلك. وأينما تستعمل هذه الكلمة في إنجيل يوحنا، فإنها تعني «من فوق» (يوحنا 19 : 11 ، 23). وهذا فيما يبدو ما يعنيه يسوع في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا عندما يتحدث إلى نيقوديموس: ينبغي أن يولد الإنسان من فوق لكي ينال الحياة الأبدية في السماء، أي فوق. غير أن نيقوديموس يسئ فهم العبارة، ويظن أن يسوع يضمر المعنى الثاني للكلمة، أي أن يولد الرجل مرة ثانية. فيتساءل وقد أصابه الإحباط بعض الشئ:« أَلَعَلَّنِيْ أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّيْ ثَانِيَةً؟» فيصحح له يسوع: فهو لا يتحدث عن ميلاد ثان بالجسد، بل عن ميلاد سماوي، أي من فوق.
هذا الحوار الذي جمعه بنيقوديموس مبني على حقيقةٍ هي أن إحدى الكلمات اليونانية لها معنيان اثنان(أي أن الكلمة بها «تورية»). فإن غابت التورية عن الحوار، فقد الحوار معناه. تتلخص الإشكالية هنا في التالي: لم يكن يسوع ومعه هذا الرئيس اليهودي في أورشليم يتحدثان باليونانية، بل باللغة الآرامية. لكن الكلمة الآرامية التي تعني «من فوق» لا تعني كذلك «مرة ثانية». فهذه تورية لا تؤتي أكلها إلا في اللغة اليونانية. لذا يبدو الأمر كما لو كان هذا الحوار مختلقا- أو أنه قد حدث ولكن على الأقل ليس بالطريقة التي وصف بها في إنجيل يوحنا.يعقوب أخو يسوع: مفتاح فتح أسرار المسيحية المبكرة ومخطوطات البحر الميت" ( James the Brother of Jesus: the Key to Unlocking the Secrets of Early Christianity and the Dead Sea Scrolls ) للبروفسور Robert Eisenman صاحب مؤلف كتاب الكشف عن مخطوطات البحر الميتيعقوب أخو المسيح هو المنسوبة إليه رسالة يعقوب وهي إحدى رسائل العهد الجديد، ويمكننا ملامسة وجود مشكلة بين بولس وبينه في العهد الجديد حول عدم التزام بولس بشريعة العهد القديم، حيث نقرأ من قول بولس نفسه وهو يتهمه بالنفاق:

"فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ. غَيْرَ أَنْ نَذْكُرَ الْفُقَرَاءَ. وَهَذَا عَيْنُهُ كُنْتُ اعْتَنَيْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ. وَلَكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُوماً. لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفاً مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضاً انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: «إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيّاً لاَ يَهُودِيّاً، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟» (غلاطية 2 : 9-14)
1- "و أما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً" أعمال9/7 بينما جاء في الرواية الثانية "المسافرون لم يسمعوا الصوت" أعمال 22/9

2- جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب إلى بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبر بالتعليمات هناك: " قال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" أعمال9/6 "قلت ماذا افعل يا رب؟. فقال لي الرب قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل" أعمال22/10 بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة أعمال26 أن المسيح أخبره بتعليماته في الرؤيا بنفسه فقد قال له: " قم وقف على رجليك لأني لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم" أعمال 26/16-18.
و نحن نتساءل كيف ليسوع رب بولس أن يخبر بولس قائلا "منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم" ثم يتركه يذبح في روما عام 67 ميلادية؟ .. إن الكتاب المقدس يقول عن النبي الكاذب والضال أنه سيقتل حتما "لذلك هكذا قال الرب عن الانبياء الذين يتنبأون باسمي وانا لم ارسلهم ..... يفنى اولئك الانبياء" ارمياء 15:14 و كذلك ايضا “فاذا ضل النبي وتكلم كلاما فانا الرب قد اضللت ذلك النبي وسأمد يدي عليه وابيده من وسط شعبي اسرائيل" حزقيال 9:14 .. إننا نعلم جميعا أن بولس قُتل ذبحا بالسيف سنة 67 ميلادية .. أليس ذلك تصديقا لنبوءة الكتاب المقدس عن النبي الكاذب والمسيح الكاذب؟ .. ثم إذا كان يسوع نفسه لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف ينقذ غيره؟


- في رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس الاصحاح 4 العدد 17-18 بولس يقول لتيموثاوس أنه نجا من فم الاسد وسينجيه الرب من كل عمل شرير ورديء! .. فلنقرأ معا ترجمات الفانديك و اليسوعية و العربية المشتركة متتابعة:

"فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ الأَسَدِ. وَسَيُنْقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ رَدِيءٍ "

"فنَجَوْتُ مِن شِدْقِ الأَسَد . وسَيُنَجِّيِنيَ الرَّبُّ مِن كُلِّ مَسْعًى خَبيث"

"وأُنْقِذْتُ مِن فَمِ الأَسَد. وسيُنْقِذُني الرَّبُّ مِن كلِّ عَمَلٍ شِرِّيرٍ"

بل ويؤكد على نجاته فيقول في رسالته لفليمون "اعدد لي ايضا منزلا لاني ارجو انني بصلواتكم سأوهب لكم" فليمون 1: 22 إلا اننا نجد أن اليهود يفلحوا بعدها مباشرة في ذبح بولس بالسيف بمساعدة حاكم روما عام 67 ميلادية مصداقا لقول الكتاب "شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالاكاذيب يهلك".

إن بولس لم يرى المسيح .. ولكنه كذب وقال إنه رأى المسيح .. ليغير رسالة المسيح وينتقم منه لأنه كان يسبهم "أيها الحيّات أولاد الأفاعي" .. ألم يقتل بولس ويذبح بالسيف؟ بعد أن أمسك به يهود رومية؟ الكتاب المقدس يقول" فم الجهال ينبع حماقة" ويقول ايضا "الجاهل ينشر حمقا" وبولس يقول عن هؤلاء الجهال "بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء" كورنثوس الأولى 1: 27

- *الكتاب المقدس يقول "لأطلب حكمة وعقلا و لاعرف الشر انه جهالة والحماقة انها جنون" وبولس يقول "شاءَ اللهُ أنْ يُخلِّصَ المُؤمنينَ بِه بِحماقَةِ البِشارَة" كورنثوس الأولى 1: 22
God was well-pleased through the foolishness of the message preached
1Corinthians 1:21 New American Standard Bible
وترجمتها الصحيحة والدقيقة "لقد سُر الله جدا بغباء رسالة الكرازة"

* -الكتاب المقدس يقول "كل ذكي يعمل بالمعرفة والجاهل ينشر حمقا" .. و بولس يقول في رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس الاصحاح الأول العدد21 الترجمة العربية المشتركة "شاءَ اللهُ أنْ يُخلِّصَ المُؤمنينَ بِه بِحماقَةِ البِشارَة" و في ترجمة أخرى "بغباء ما تم التكريز به" و في ترجمة ثالثة "بجهالة الكرازة" و أي جهالة و غباء أكبر من صلب الرب و قتله.

* - الكتاب المقدس يقول "الجاهلون يحتقرون الحكمة" و يقول "طوبى للانسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم" و يؤكد" الرب بالحكمة اسس الارض اثبت السموات بالفهم” و يقول "اقتن الحكمة اقتن الفهم" و "بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم"
و بولس يقول "مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وارفض فهم الفهماء"


هدف الناموس (الشريعة) من الكتاب المقدس .. ونقض بولس لذلك الكلام


- الكتاب المقدس يقول "ناموس الرب كامل يرد النفس" .. وبولس يقول " الناموس لم يكمل شيئا"و يقول "واما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية"

- الله يقول في الكتاب المقدس "حافظ الشريعة فطوباه" .. وبولس يقول "ليس احد يتبرر بالناموس عند الله"

- الكتاب المقدس يقول "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الاشرار ..... لكن في ناموس الرب مسرّته" .. وبولس يقول "لان الناموس ينشئ غضبا اذ حيث ليس ناموس ليس ايضا تعدّ"

- الكتاب المقدس يقول واصفا غضب الله عن من لم يحفظ الناموس "لا ارجع عنه لانهم رفضوا ناموس الله ولم يحفظوا فرائضه" .. وبولس يقول "اذا نحسب ان الانسان يتبرر بالايمان بدون اعمال الناموس"

- يعقوب تلميذ المسيح يقول "ما المنفعة يا اخوتي ان قال احد ان له ايمانا ولكن ليس له اعمال هل يقدر الايمان ان يخلّصه" .. ويقول "ترون اذا انه بالاعمال يتبرر الانسان لا بالايمان وحده" .. و بولس يقول "اذا نحسب ان الانسان يتبرر بالايمان بدون اعمال الناموس"

- الكتاب يقول عن يوم السبت "قدسوا سبوتي فتكون علامة بيني وبينكم لتعلموا اني انا الرب الهكم" .. وحتى سفر أعمال الرسل يقول عن التلاميذ بعد رفع يسوع "وفي السبت التالي اجتمعت كل المدينة تقريبا لتسمع كلمة الله" وبولس يقول "فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبت" .. من الذي أمركم بتقديس يوم الأحد .. يوم عبادة الشمس عند الرومان؟

- الكتاب يقول اللعنة هي جزاء من يترك الشريعة .. "وكل اسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت علينا اللعنة" .. وبولس يقول "ولكن الناموس ليس من الايمان"

-الكتاب يقول العمل بجميع الناموس والشريعة فرض من الله"لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة" وبولس يقول "وقوة الخطية هي الناموس"

- الكتاب يقول " احرصوا جدا ان تعملوا الوصية والشريعة ..... وتحفظوا وصاياه" .. وبولس يقول "ولكن الناموس ليس من الايمان" و يقول "فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت"

- الكتاب يقول "لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى" وبولس يقول "لان بدون الناموس الخطية ميتة"

- الكتاب يقول الكتاب يقول "واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كل الشريعة" وبولس يقول "فانه يصير ابطال الوصية السابقة من اجل ضعفها وعدم نفعها"


- الكتاب يقول "وان يعملوا حسب الشريعة والوصية" .. وبولس يقول "واما الآن فقد تحررنا من الناموس "

- الكتاب يقول "وان يحفظوا ويعملوا جميع وصايا الرب سيدنا واحكامه وفرائضه" .. وبولس يقول "اما انا فكنت بدون الناموس عائشا قبلا ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمتّ انا"

- الكتاب يقول "الصدّيق .... شريعة الهه في قلبه لا تتقلقل خطواته" .. وبولس يقول "لانه باعمال الناموس لا يتبرر جسد ما"

- الكتاب يقول جزاء من يتهاون في الشريعة ويحابي فيها هو الاحتقار والدناءة .. "فانا ايضا صيّرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب كما انكم لم تحفظوا طرقي بل حابيتم في الشريعة" .. وبولس يقول "ان كان بالناموس بر فالمسيح اذا مات بلا سبب"


- الكتاب يقول العمل بجميع الناموس والشريعة فرض من الله "لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة” وبولس يقول "وقوة الخطية هي الناموس"

- الكتاب يقول " احرصوا جدا ان تعملوا الوصية والشريعة ..... وتحفظوا وصاياه" و بولس يقول "فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت"

- الكتاب يقول "واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كل الشريعة" وبولس يقول "لان بدون الناموس الخطية ميتة"

- المسيح يقول "فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات" .. وبولس يبطل الوصية الرابعة و يقول "فانه يصير ابطال الوصية السابقة من اجل ضعفها وعدم نفعها. اذ الناموس لم يكمل شيئا"


- المسيح يقول "ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا" .. وبولس يقول "لانه باعمال الناموس لا يتبرر جسد" و يقول "ليس احد يتبرر بالناموس عند الله"

- الكتاب المقدس يقول "هكذا قال الرب من اجل ذنوب يهوذا الثلاثة والاربعة لا ارجع عنه لانهم رفضوا ناموس الله ولم يحفظوا فرائضه " .. وبولس يقول "اذا نحسب ان الانسان يتبرر بالايمان بدون اعمال الناموس"

- و إني اتساءل هنا وأقول يابولس أليست الوصية الثانية "لا تنطق بإسم الرب إلهك باطلا" فلماذا تنطق باطلا باسم الرب إلهك يابولس؟ أمن اجل ذلك ذبحت بالسيف وقُتلت؟ .. وهذا جزاء من يدعي كذبا أنه رسول؟

- سؤالي الآن .. لماذا يتبرأ المسيح عليه السلام من المتنبئين باسمه فاعلي المعجزات و مخرجي الشياطين .. من المسيحيين .. نعم المتنبئين باسمه فاعلي المعجزات و مخرجي الشياطين أمثال بولس و من اتبعه .. و في يوم الدينونة .. و يقول لكم اذهبوا عني يافاعلي الاثم فإني لم أعرفكم قط؟ .. نعم لأنهم لم يفعلوا إرادة الله .. الذي في السموات .. فها هو يقول "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات . كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك اخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرّح لهم اني لم اعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم" متى 7: 21 – 23
.. أليس هذا ما يقوله بولس في رومية 15 : 19 "لاني لا اجسر ان اتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي لاجل اطاعة الامم بالقول والفعل بقوّة آيات وعجائب بقوة روح الله حتى اني من اورشليم وما حولها الى الليريكون قد اكملت التبشير بانجيل المسيح"

- إن هناك عدد يتكلم عن بولس يقول "لانها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته قطعا تقطع تلك النفس" لقد صدق قول الكتاب المقدس في بولس ولذلك قطعت تلك النفس بالفعل.ها هو بولس يقول في رسالته إلى يهود غلاطية "واما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد" غلاطية 3: 20 إذن حسب قول بولس الوسيط لا يكون لواحد لأن انبياء الله كثيرون و لكن الله واحد.

إلا أنه سرعان مانسي هذا الذي قاله في رسالته ليهود غلاطية وذلك كما جاء في رسالته تيموثاوس الأولى .. وتيموثاوس لا يعرف شيئا عن الأنبياء لأنه يوناني "لانه يوجد اله واحد و وسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح" تيموثاوس الأولى 2: 5

إذن حسب القول الثاني لبولس فإن الوسيط واحد .. أليس هذا كذب على الله .. ولهذا قتل بولس مذبوحا بالسيف؟!

- بولس يقول ليهود رومية “ لان كل من اخطأ بدون الناموس فبدون الناموس يهلك" رومية 12:2 .. الذي يخطئ وليس عنده ناموس فسيهلك بخطيته وبدون حكم الناموس.

إلا إن بولس الذي يوحى إليه سرعان مايغير رأيه ويقول"على ان الخطية لا تُحسب ان لم يكن ناموس" رومية 13:5 .. إذن فالخطية لاتحتسب إن لم يكن هناك ناموس .. ما هذا يا بولس؟ ألم تقل الذي يخطئ وليس عنده ناموس فسيهلك بدون الناموس؟بولس يقول في رسالته إلى أهل غلاطية "المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبة" كما يقول سفر التثنية "لان المعلّق ملعون من الله "التثنية 21 : 23

- و إنني هنا اتساءل .. أي لعنة تحملها المسيح بن مريم عن عبدة يسوع ليحررهم من الناموس كما قال لهم بولس؟ .. إذا كان قد تحمل اللعنات فلماذا يتبرأ من المتنبئين باسمه فاعلي المعجزات و مخرجي الشياطين .. من المسيحيين .. نعم المتنبئين باسمه فاعلي المعجزات و مخرجي الشياطين أمثال بولس و من اتبعه .. و في يوم الدينونة .. يقول لكم اذهبوا عني يافاعلي الاثم فإني لم أعرفكم قط؟ فها هو يقول "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات . كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك اخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرّح لهم اني لم اعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم" متى 7: 21 – 23 .. ماهي ارادة الآب الذي في السموات يا بولس و التي لن ينجو أحد إلا بفعل أوامره و اجتناب نواهيه؟ .. ها هي "ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها ويقول جميع الشعب آمين" التثنية 27: 26 .. و المسيح عليه السلام يؤكد ذلك فيقول "ولكن زوال السماء و الارض ايسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس" لوقا 16: 17

- الكتاب المقدس يقول "ملعون الانسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد" ارمياء 11: 3 .. ويقول"احفظوا جميع الوصايا التي انا اوصيكم بها اليوم" التثنية 27: 1 .. بل والمسيح نفسه يقول"فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات. واما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات" متى 5: 19

- من المعروف أنه إذا آمن إنسان بالله فعليه أن يطبق أوامر الله .. فما بالكم ببولس الذي قال إن الله قد جعله مسيحا مثلما جعل يسوع مسيحا؟ .. يقول الله "واما الذكر الاغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها انه قد نكث عهدي" تكوين 17: 14 .. و بولس يقول "دعي احد في الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئا وليست الغرلة شيئا" كورنثوس الأولى 7: 18 و يقول الله ايضا في الشريعة التي أنزلها على موسى "وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته" لاويين 12: 3 .. و هذا ابراهيم عليه السلام يطبق هذا " وكان ابراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته" .. وهكذا فعلوا مع يوحنا المعمدان "وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم ابيه زكريا" لوقا 1: 59 وفعلوا ذلك مع يسوع رب عباد المسيح ذلك ايضا .. ختنوه "ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن" لوقا 2: 21 .. إلا أننا نجد بولس يقول " لانه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغرلة" .. إذا كان الختان لاينفع شيئا فلماذا اختتن إلهكم المتجسد ياعباد المسيح؟ و لماذا أمر الله به ابراهيم و جعله عهد أبديا بينه وبين ذريته "فيكون ذلك عهدا أبديا"؟ .. و لماذا كما يقول كتابكم أراد الرب أن يقتل موسى حينما لم يختن ابنه و لم تنقذه إلا زوجته صفورة حين ختنت الوليد؟

- المسيح عليه السلام يؤكد على وجوب طاعة الله و سماع كلمات الشريعة (الناموس) فيقول"ولكن زوال السماء والارض ايسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس" لوقا 16: 17 .. ألم ينقض بولس الناموس و يقول "واما الآن فقد تحررنا من الناموس" فأي ناموس هذا الذي تحرر منه بولس؟

- الغريب أن بولس يبرر لنفسه نقض الشريعة فيقول "ها انا بولس اقول لكم انه ان اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا. لكن اشهد ايضا لكل انسان مختتن انه ملتزم ان يعمل بكل الناموس" .. أي أنه لايطالب من لم يختتن أن يعمل بالناموس .. وإني أقول هنا نعم إنه من المؤكد ان من لايعمل بالناموس والشريعة في جهنم بإذن الله وذلك مصداقا لقول الله "ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها ويقول جميع الشعب آمين" .. إلا أن بولس ينقل اللعنة على يسوع الناصري قائلا "المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا
لماذا لعن بولس يسوع في رسالته لأهل غلاطية؟ .. لأن بولس و تلاميذه قد صوروه بأنه قد نقض الناموس .. حيث يقول الكتاب المقدس "ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها" .. "ملعون الانسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد"

- و مثال على ذلك فالرب الإله يقول عن القصاص "لا تشفق عينك. نفس بنفس. عين بعين. سن بسن. يد بيد. رجل برجل" ويسوع يهدم ذلك مناقضا كلام الله فيقول "سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما أنا فاقول لكم لا تقاوموا الشر" أليس ذلك احتقار لكلمات الرب و ذلك مما يستوجب اللعنة؟

- الرب الإله يقول في سفر التثنية "اذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فان لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه الى يدها و اطلقها من بيته ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر" ويسوع الناصري ينقض ذلك فيقول "كل من يطلّق امرأته ويتزوج باخرى يزني وكل من يتزوج بمطلّقة من رجل يزني" أليس ذلك مما يستوجب اللعنة؟

- الرب الاله يقول"اذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة. فتنزع الشر من اسرائيل" ويسوع ينقض ذلك في قصة الزانية المشهورة "وقدم اليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا .... قالوا له يا معلّم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول انت ..... ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر" .. الرب يأمر بقتل الزناة المتزوجين .. وهنا الفريسيون قوم بولس .. لاحظ قوم بولس قد أمسكوا بأمرأة في ذات فعل الزنا ليطبقوا عليها الشريعة .. فلم يقل يسوع اين الشهود ولم يقل أين الرجل؟ .. ولكن يقول من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر "ملحوظة: هذه العبارة التي قالها يسوع لا توجد في المخطوطات القديمة فهي موضوعة على لسان المسيح".. ثم ألست أنت بلا خطيئة كما يقول عبدة المسيح عنك يا يسوع؟ .. فلماذا لم ترمها أنت يا يسوع؟ لقد حاول كتبة الأناجيل أن يوضحوا صدق قول الكتاب المقدس في يسوع "لانها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته قطعا تقطع تلك النفس" ولذلك قطعت تلك النفس بالفعل فجعلوها مصلوبة ملعونة.
- لقد قال المسيح "لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس أو الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمّل" والناموس يقول "يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة. فتنزع الشر من اسرائيل" أليس الكتاب يقول "لتحفظوا وتعملوا كل المكتوب في سفر شريعة موسى" أليس وقف تنفيذ شريعة الله نقضا للناموس؟
- إن سؤالي الذي سأنهي به كلامي في هذه النقطة .. هو لقد جاء في إحدى النبؤات في اشعياء 42 مايأتي و المسيحيون يقولون إنها عن يسوع الناصري " الرب قد سرّ من اجل بره يعظّم الشريعة ويكرمها" هل بأقوالكم هذه يكون يسوع وبولس ناقضا شريعة الرب و لذلك فهم كذبة حكم الله عليهم بالموت؟
هل علمتم لماذا لعن بولس يسوع .. نعم بعد أن كتبوا عنه اشياء لم تحدث منه .. وهي نقض الشريعة والناموس؟ .. و ليتحرر بولس من الشريعة .. أليس ذلك انتقام بولس الفريسي من يسوع الناصري؟لكتاب المقدس يقول "ليس الله إنسانا ليكذب ولا ابن إنسان ليندم" سفر العدد 19:23 الترجمة العالمية الحديثة و بولس يقول عن يسوع "يسوع الإنسان".

- و النبي داود في سفر المزامير يناجي الله متحدثا بتواضع عن الانسان الذي سخر الله له كل شيئ عل الأرض برحمته وقدرته قائلا "فمن هو الانسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. و تنقصه قليلا عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على اعمال يديك.جعلت كل شيء تحت قدميه. الغنم والبقر جميعا وبهائم البر ايضا. وطيور السماء وسمك البحر السالك في سبل المياه. ايها الرب سيدنا ما امجد اسمك في كل الارض" المزمور 8: 4 - 9 .. ثم نجد بولس الرسول يقول عن مناجاة داود تلك متحدثا عن يسوع الانسان "لكن شهد واحد في موضع قائلا ما هو الانسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده. وضعته قليلا عن الملائكة. بمجد وكرامة كللته واقمته على اعمال يديك. اخضعت كل شيء تحت قدميه ..... ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا بالمجد والكرامة" رسالة بولس للعبرانيين الاصحاح 2 العدد 6- 8 .. هذا مايقوله بولس .. يسوع أقل من الملائكة .. هذا مايقوله بولس "يسوع انسان كرمه الله"
- بل و نجده يقول عن نفسه "بولس عبد الله و رسول يسوع المسيح" تيطس 1: 1
- يقول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 8 : 6 .. "فـليس إلا إلـه واحد و هو الآب منه كل شيء و إليه نحن أيضا نصير" .. إذن لا الذي تقولون عنه ايها المسيحيون أنه الإبن "يسوع" ولا الروح القدس شركاء مع الله "الآب" في الإلوهية .. الآب وحده هو الإله.

- لقد قال بولس ايضا" كي يعطيكم إله ربنا يسوع روح الحكمة" فجعل يسوع عبدا لله و الله إلها ليسوع .. و معنى كلمة رب أي المعلم كما وردت في الكتاب المقدس.

- يخبرنا بولس عن الله قائلا "الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس ولا يقدر ان يراه الذي له الكرامة والقدرة الابدية" تيموثاوس الأولى 16:6
- ثم يخبرنا بولس الرسول عن أن المسيح مات قائلا "المسيح مات" رسالة كورنثوس الأولى 3:15
- يخبرنا بولس الرسول مرة ثانية أن المسيح مات قائلا "المسيح مات" رسالة رومية 9:14

- وحتى لا يقول أحد المسيحيين إن الناسوت (المسيح الإنسان) هو الذي مات وهو غير اللاهوت (المسيح الإله)؟! .. فإنني أقول لك إنكم تقولون في أناجيلكم أن "الجسد هو الله" لأنكم تقولون" وكان الكلمة الله "انجيل يوحنا 1:1" و يوحنا يقول في نفس الإصحاح الأول العدد الرابع عشر "والكلمة صار جسدا"ً إذن بقولكم يكون "الكلمة هو الله والكلمة صار جسدا" .. إذن "الكلمة = الله = جسدا"

- ولأنكم تقولون أن الكلمة هو الله يوحنا 1:1 .. إذن بما أن الكلمة هو الله والكلمة صار جسدا .. إذن "الكلمة = الله = الجسد" أي أنه هو الناسوت اللحم الإنسان .. وهذه ترجمتكم المؤكدة لذلك!
New International Version " John 1:14 "The Word became flesh "
The Word became flesh "والكلمة أصبح جسداً لحما " ؟

- فهنا بناءا على قولكم واعتقادكم فإن الجسد"الناسوت اللحم هو الله .. بناءا على قول أناجيلكم "وكان الكلمة الله" .. "والكلمة صار جسداً " فالله صار جسدا أي لحما .. فهذا يعني أن كل ما وقع لهذا الجسد الذي هو الكلمة الذي هو الله بناءا على يوحنا 1:1 .. و ذلك من قبل اليهود والرومان من لكم وبصق واستهزاء وقتل .. هو واقع على الكلمة التي صارت جسدا والكلمة هو الله باعتقادكم و من أناجيلكم .. وبذلك يكون الذي مات على الصليب هو الكلمة التي تقولون أنها الله .. وهذا باطل وينقض عقيدتكم .. وذلك لأن الله لا يموت .. كما يقول لكم بولس في رسالته الأولى إلى تيوثاوس عن الله "العزيز الوحيد الذي له عدم الموت" وهكذا فإنكم تقولون أن الله الكلمة التي صارت جسدا قتل ومات .. فهذا ليس الله الذي نعرفه من الكتاب المقدس بأنه لا يموت! .. و كما قال بولس الرسول.

1- الله لايموت .. والمسيح يموت
2- الله ساكن في نور لايدنى منه .. و المسيح سكن الأرض ولكمه اليهود والرومان
3- الله لم يره أحد .. و المسيح رآه الناس "أليس هذا النجار ابن مريم؟"
4- الله له الكرامة .. و يسوع كانوا يستهزؤن به.
5- الله له القدرة الأبدية .. و يسوع لم يكن لديه قدرة حتى للدفاع عن نفسه "حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه"
- إن الكتاب المقدس يقول عن يسوع "ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه" ولكننا لم نرى يسوع يجلس على كرسي الملك داود الحسي أبدا؟! ولذلك فكلمة أخلى نفسه .. معناها رفض وتخلى عن المُلك وعن كرسي داود واختلى بنفسه .. و هذا ما يقوله الكتاب المقدس "واما يسوع فاذ علم انهم مزمعون ان يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا انصرف ايضا الى الجبل وحده" يوحنا 6: 15

- إن بولس يتكلم عن رفض المسيح ابن مريم عليه السلام النبي عبد الله أن يكون ملكا كداود وسليمان ولذلك فبولس يدافع عن المسيح بعدما ثبت للناس أنه لم يكن ملكا بدليل استهزائهم به عند الصلب "وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه" فإن بولس يقول إن يسوع هو الذي رفض أن يكون ملكا كداود ورضي أن يكون عبدا .. و الرجل يسوع كان يؤدي الضريبة و الجزية للرومان .. كعبد!

- شبه الناس أي عبدا مثل عامة الناس وليس ملكا كما يقول الكتاب المقدس أن المسيح المُنتظر سيكون ملكا ويجلس على كرسي داود

- وحتى نكون أكثر دقة لنعد لنسخة الملك جيمس الإنجليزية:
لنقرأ معا فيليبي 2:7
and was made in the likeness of men
Philippians 2 King James Version
يسوع جُعل مثل الناس في شبه الناس .. ولمن يعرف اللغة العربية "جُعل" فعل مبني للمجهول معناه "جعل الله يسوع" .. الله القوي هو الفاعل الصانع .. يسوع الضعيف هو المفعول به المصنوع به .. فلا يستويان ابدا.

- ثم لماذا يقول يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا 1:6 عن يسوع "وجَعَلَ مِنَّا مَملَكَةً مِنَ الكَهَنَةِ لإِِلهِه وأَبيه" الترجمة الكاثوليكية .. والعالمية الجديدة .. وترجمة الملك جيمس الجديدة؟
كثيرا ما ينقل لنا عباد المسيح هذا العدد من رسالة بولس إلى فيلبي مستدلين به على الوهية يسوع الناصري "الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا للّه" رسالة بولس الى اهل فيلبي 2: 6

- لنأخذ العديد من التراجم .. حتى تتضح الصورة لنا:
who, being in the form of God, did not consider it robbery to be equal with God
Philippians 2 New King James Version
- "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ" ترجمة الفانديك
- "هوَ في صُورَةِ اللهِ ما اعتبَرَ مُساواتَهُ للهِ غَنيمَةً لَه" الترجمة العربية المشتركة
- "هو الَّذي في صُورةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة" الترجمة الكاثوليكية
- "هُوَ القائمُ في صُورةِ اللهِ لم يَعْتَدَّ مساواتَهُ للهِ حالةً مُختَلَسَة"

ولفهم ذلك العدد .. لابد للرجوع إلى الكتاب المقدس لنرى ماذا يقصد بولس بهذه الكلمات.

- إن الكتاب المقدس يقول في سفر التكوين 9: 6 في الترجمات الانجليزية
For in the image of God has God made man
Genesis 9:6 New International Version - Genesis 9:6 King James Version
الترجمة "لان الله في صورته عمل الانسان" .. أي من الكتاب المقدس .. الإنسان في صورة الله .. كل بني آدم في صورة الله.

- من المعروف من الكتاب المقدس أن يسوع كان انسانا كما قال هو "تطلبون ان تقتلوني وانا انسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله" يوحنا 8: 40 "جاء ابن الانسان يأكل ويشرب" متى 11: 19

- من الكتاب المقدس فإن يسوع كان انسانا .. والإنسان خلقه الله في صورته .. إذن يسوع الانسان كان في صورة الله كآدم .. وككل إنسان آخر على وجه الأرض .. وهذا هو معنى"الذي اذ كان في صورة الله "

-
- الترجمة الكاثوليكية "ولا خِلافَ أَنَّ سِرَّ التَّقْوى عَظيم: قد أُظهِرَ في الجَسَد وأُعلِنَ بارّاً في الرُّوح وتَراءَى لِلمَلائِكَة وبُشِّرَ به عِندَ الوَثَنِيِّين وأُومِنَ بِه في العالَم ورُفِعَ في المَجْد " رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3 : 16

نلاحظ هنا أن أُظهر فعل مبني للمجهول .. الله هو الفاعل الذي اظهر يسوع .. الذي كان مخلوقا روحيا .. جعله طفلا مولودا من أمه مريم .. الله هو الفاعل .. ويسوع هو المفعول به .. فالله هو الأعظم.

- الترجمة العربية المشتركة "ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ " رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3 : 16


نلاحظ هنا رفعه الله في المجد "ورفَعَهُ الله في المَجدِ" .. فالله هو الفاعل الرافع القوي .. ويسوع هو الضعيف المرفوع المفعول به .. فلا يستويان ابدا.


- ترجمة الفانديك الغير صادقة و التي يعتمد عليها الارثوذوكس تقول "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ" رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3 : 16

نلاحظ هنا الترجمة الغير أمينة .. لترجمة الفانديك .. فقد أضاف كلمة لفظ الجلالة "الله" التي ليس لها وجود في الأصل اليوناني

- الترجمة الصحيحة في الأصل اليوناني:
ΠΡΟΣ ΤΙΜΟΘΕΟΝ Α΄ 3:16 (1881 Westcott-Hort New Testament)
16και ομολογουμενως μεγα εστιν το της ευσεβειας μυστηριον ος εφανερωθη εν σαρκι εδικαιωθη εν πνευματι ωφθη αγγελοις εκηρυχθη εν εθνεσιν επιστευθη εν κοσμω ανελημφθη εν δοξη
هل هناك في النص الكلمة اليونانية θεου وترجمتها الله تظهر أمامكم؟

- ترجمة القارئ العالمية الجديدة :
Timothy1 3:16 New International Reader s Version
16There is no doubt that godliness is a great mystery.
Jesus appeared in a body.
الترجمة تقول .. يسوع ظهر في الجسد


- الترجمة الامريكية القياسية الجديدة:
Timothy1 3:16 New American Standard Bible
By common confession, great is the mystery of godliness
He who was revealed in the flesh,
Was vindicated in the Spirit,
Seen by angels,
Proclaimed among the nations,
Believed on in the world,
Taken up in glory
الترجمة تقول .. أُظهر في الجسد


- إن ذكر كلمة " الله " كفاعل لفعل " ظهر " لا وجود لهذه اللفظة في الأصل اليوناني بل فعل " ظُهر " فيها مذكور بدون فاعل أي مذكور بصيغة المبني للمجهول (أُظْـهِـرَ ) ، كما هو حال سائر أفعال الفقرة : كُـرِزَ به بين الأمم ، أومنَ به في العالم... "ولا خلاف أن سر التقوى عظيم . قد أُُظهِرَ في الجسد و أُعـلِن بارا في الروح و تراءى للملائكة و بُشِّر به عند الوثنيين و أومن به في العالم، و رُفِـعَ في المجد" .

- و قد اتبعت الطبعة الكاثوليكية الأصل اليوناني بدقة فذكرت فعل ظهر بصيغة المبني للمجهول ، و لم تأت بلفظ الجلالة هنا أصلا "ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ"


- و نفس الأمر في الترجمتين الحديثتين المراجعتين الفرنســية و الإنـجليزية . و بهذا يبطل استدلالكم بالفقرة لأن الذي ظهر في الجسد هو المسيح بن مريم الذي كان كائنا روحيا فيما سبق إذ هو أول خليقة الله "بكر كل خليقة" .. أي أول من خلقه الله حسب عقيدة بولـس.

ثم إن بولس الرسول لم يقل أن يسوع اكثر من عبد لله .. يقول بولس " كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته" افسس 17:1

Ephesians 1 New International Version

I keep asking that the God of our Lord Jesus Christ, the glorious Father, may give you the Spirit[f] of wisdom and revelation, so that you may know him better.

Ephesians 1 King James Version

That the God of our Lord Jesus Christ, the Father of glory, may give unto you the spirit of wisdom and revelation in the knowledge of him

يقول مارفن فينسنت Marvin Vincent (وهو بروفيسور أدب وتفسير العهد الجديد بمعهد الاتحاد اللاهوتي في نيويورك) في كتابه "تاريخ النقد النصي للعهد الجديد" (A History of the Texual Criticism of the New Testament) (ص 42-43، ط1899م، أي ألفه قبل أكثر من مائة عام):

"لقد ظهرت تحريفات النصوص في وقت مبكر جداً . . . فقد ظهرت الاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد خلال قرن من تأليفها، فقد كانت الإضافات والتحريفات التي قام بها الهراطقة من فترة مبكرة سبباً للتشكّي؛ فيقول تشندروف: "ليس لدي شك بأنه في العصور الأولية بعد كتابة كتبنا المقدسة وقبل أن تقوم سلطة الكنيسة بحمايتها وقعت عليها تحريفات مقصودة (وخصوصاً عمليات الإضافة)"، ويقول سكريفنر بأن أسوأ التحريفات التي تعرض لها العهد الجديد ترجع إلى أول مائة عام من كتابتها، ويتفق معه هورت [على ذلك].








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو