الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هلوسة في حضرة اليتيم ؟

نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)

2017 / 1 / 28
حقوق الانسان




ليؤذن لي أن اصارحكم في مسألة : لقد شعرت بالخطر المداهم , منذ جاءني على حين غرة , لبضعة ايام خلت , هؤلاء الملأ الصالح من الذين وفروا عنايتهم السمحة , وجهودهم المتصلة , على ما يسمونه "اليتيم العراقي" كأن هذا المسكين صار علما من الاعلام , أو مؤسسة عامة . احسست بالخطر المداهم , مذ اخذوا يحدثونني عن ماثر الخير وصنائع المعروف التي يحققونها . وادركت بالبداهة انهم - لسوء حظي - لم يقصدوني كي اتبرع لهم بشيئ من المال , فأساهم في مشروعهم الجليل , بما لا تصح المساهمة بسواه . ولعنت شخصي في الناس بقلة ذات اليد , وفهمت معنى المثل العامي السائر " صيت غني. ولا صيت فقر" قلت في سري : نحن كتاب الشباب ( او من يدعونهم هكذا) اذا أصبنا بالعي وجمود الخاطر وعدم مؤاتاة البيان , محرومون حتى من في ان نفدي انفسنا بشيئ غير الكلام ! ولعل هذا في الطرف الخاص المصيب الذي وجدتني حينذاك فيه , اشد انواع الحرمان . ولا اكتمكم اني حاولت بعض المحاولة ,ان افدي نفسي بشيئ غير الكلام . لكن يظهر ان اللجنة الكريمة لم تكن بحاجة الا لمن يحدثهم , فردت سؤالي , ضاحكة بالاجماع .وها انا ذا ضحيتكم , هذا المساء .
اليتيم العراقي ! . يذهب الفكر , اول وهلة , حينما يقع النظر على هاتين الكلمتين , الى العراقي الاكبر ,ذلك الذي عاش يتيما , وما زال منذ ثلاثة عشر عاما , يظل التاريخ . وانه لمن ايسر الامور ان نتحدث عنه في هذا المقام , فنعزي بذكره وذكراه الدنيا قاطبة . لكن لن احدثكم عنه , لاننا لم نجتمع هنا , على ظني , للتعزية ولا للتسلية ولا لتمويه الحقائق الموجعة . فان ذكرى النبي العربي قادرة على ان تهدينا سواء السبيل , وان تحفزنا الى العمل الطيب في اطوار شتى , وان تهب بنا الى الاتعاظ . لكنها بحد ذاتها , لا تطعم جائعا , ولا تكسو غريانا , ولا تؤوي شريدا بسبب الأرهاب . وليس اليتيم بحاجة الى ما يعزيه ويسليه عما هو فيه , بقدر ما هو بحاجة الى ما يشبه انه يتيم ,قولا وعملا . اخاف ان يكون من ذلك , على الضد , تعزيه لنا نحن , وتسلية وتمويه على انفسنا ,فنحسب اخيرا اننا , اذا ما ذكرنا محمدا ويتمه وعظمته في التاريخ , فقد قمنا نحو " اليتيم العادي" ببعض واجبنا او بواجبنا كله . وماذا بعد هذا الا ان يقتني كل غني مترف ,كما تقتني التحف الثمينة او النادرة في البيت ؟ وماذا بعد هذا الا ان يصبح اليتيم العراقي كالمؤسسة العامة الوطنية ,أو كالتمثال من التماثيل , او كالنصب من الانصاب , او كالرمز من رموز , فيتخذ حجة , وينتهز فرصة يضن الدهر بمثلها , لعقد الحفلات , وتنظيم المهرجانات , كأنما الدنيا ومن عليها في عيد , ثم تنشد القصائد وتتلى الخطب , فلا يكون هم القائلين والسامعين على السواء - والله ما اروعها مباراة ! -الا من اجاد ممن لم نجد , ومن " احسن" ممن لم يحسن - بالطبع نظما ونثرا .
كل شيئ ولا هذا ! انا اؤثر اذا , وانتم ولا ريب تؤثرون .. بل لماذا لا نذهب الى ابعد , فنتحدث عن " اليتيم الاصلي " ابينا ادم الذي لم يخلق من اب ولا من أم , فكأنه ولد يتيما ما كان ولن يكون اصل في اليتيم منه . ثم اتساءل وياكم : هل احسن الاب الاول ذل اليتيم وحرمانه ؟ وهل انشئت لتعزيته وتسليته والترفيه عنه , جمعية من الجمعيات ؟ لكن لن احدثكم عن شيء من هذا القبيل , لسبب بسيط هو انه قد يكون خروجا عن الموضوع . واحب , مرة واحدة على الاقل , ان اتناول البحث الذي يقتضيه المقام , وجاها في غير مراوغة , وحسبنا الله وهو نعم المعين . ان العناية بشأن اليتيم مادة وروحا , تغذية وتربية , تتصل اتصالا وثيقا , بالمبادئ الادبية او الاخلاقية التي يزين بها مجتمعنا الحاضر , مجتمع " الفيس بوك" مفاخرا مباهيا . وفي رأس تلك المبادئ مبدأ الخير او الاحسان او المعرف - اسماء متعددة لأسماء لا يتعدد . لقد أكب الحكماء والمفكرون على مبدأ الخير هذا , يحللونه ويتأولونه , او يشرحونه , ولا تنسوا ان البشرية هي اليوم , ومن أطوارها في طور التشريح والتحليل , أو المراوغة والمداورة . فقالوا بادي بدء : " يجب ان نفرق بين العدل او مبدأ الخير والاحسان . فانا عادل , اذا كنت لا انتزع من سواي ما يملكه , ولا امنع عنه ما هو حق له , ولا انقض عهودي الخطية او الشفهية او الضمنية معه , وانا خير او فاعل خير او صاحب معروف , اذا جئت طواعية , من تلقاء ذاتي , اعمل على اسعاد الغير , سواء ابتخفيف الامهم الجسدية او النفسية مما لا تقع تبعته علي , ام بتوفير ملذات الجسد والروح والفكر مما لا اكون مدينا لهم به . فالعادل اذا هو مجموع الافعال الواجبة التي لا بد من اتيانها , والخير او الاحسان هو مجموع الافعال المجانية , المتطوع لهما , المتبرع بها , والتي يكون المرء في حل من انجازها . لكن بعض الحكماء لم يقتنعوا بالتفريق بين مبد؟أي العدل والخير . فهم يرجعون مبدأ الاحسان نفسه الى العدل , قائلين ان الأول هو مظهر من مظاهر الاخرليس الا , بمعنى ان اعمال الخير وصنائع المعروف ليست سوى اعادة الحق الى نصابه . فالغني الذي " يناول" فقيرا , ليس يعطيه انما يرد اليه حقه او بعض حقه .
حول هذه القضية وغيرها من القضايا الأخلاقية والاجتماعية التي لو تكن معلقة او مختلفا فيها لأمست البشرية في غنى عن جمهرة من الحكماء والفلاسفة . كذلك لن احدثكم بكلمة عن هؤلاء الذين يقولون لنا , ضاربين صفحا عن مبدأ العدل الصرف ,وعن مبدأ الخير الصرف , وعن ذلك المزيج الكيمي من كلا المبدأين .. يقولون لنا متصوفين : " ما لكم ولهذه المشاكل , ولحلوها التي لا تحل مشكلة ؟ احبو الفقير واليتيم , والسائل والمحروم .. احبوا هؤلاء جميعا في ذات الله , فالله وحده يجب ان تحبوه .." هؤلاء المتصوفة لا بأس بأن ترفعهم هم ايضا الى مصاف أولئك الحكماء والفلاسفة الذين يصح أن تستغني عنهم البشرية , او يعهد اليهم بعمل اخر ..
لكن هنالك حقيقة لا مندوحة لنا عن الاشارة اليها , وهي ان التوكل على " مروءة " اهل الخير والمعرفة لم يقدم النوع الانساني كثيرا نحو الكمال الذي ننشده او نسير نحوه . بل ان قانونا واحدا يسن وينفذ , لأفضل من كل الخطب والمواعظ والشروح والحلول التي ينوء الضمير الانساني بعبئها الثقيل , منذ قام في الدنيا اول حكم , او اول واعظ , او اول داع الى الخير .
ترى , متى نلج باب المدينة الفاضلة التي لا يلهجون فيها بذكر اليتيم _ حيث لا يتيم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا