الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الابتكار الاجتماعي لتفادي العجز المكتسب

أمنية حامد

2017 / 2 / 2
المجتمع المدني


إن كانت معاناة المواطن المصري هي سمة ما نحن بصدده جراء الظروف الإقتصادية الراهنه، فإن الاكثر قهرا هو الشعور بالعجز في مواجهة تلك المعاناه.

الوضع يذكرنا بحالة العجز المُكتسب Learned Helplessness، و هو مصطلح ظهر في أواخر الستينات في أبحاث عالم نفس أمريكي. يُعبر العجز المكتسب عن الحالة النفسية للفرد نتيجة تعرضه لتجارب مؤلمة لم يتمكن من التحكم فيها، سواء بالتفادي أو بالفرار أو بالمعالجة، حيث يفقد الفرد قدرتة ورغبته في البحث عن مخرج مع تكرار تلك التجارب، و عندها يتقوقع تحت طائلة المشاكل. لقد أقتنع بعدم جدوي السعي فكف عنه، حتي و إن وُجدت سبل للخلاص.

واذا ما تحدثنا عن أهمية تحلي الفرد بقدراً من الثقة و الأمل بوجود مخرج لأزماته، فإن السعي لمجابهه الازمات، هو كأي مخطط قراري، يُبني علي رؤية للعلاقات السببية (اذا ما فعلت ذاك، فسيكون النتيجه في تلك او ذلك الإتجاه بالأخذ في الاعتبار تصرفات الاخرين والتغير المتوقع للبيئة المحيطه…). وعليه فإن العنصر الحاسم للحراك تجاه مجابهه المشاكل (بل لخلق تلك الثقة وهذا الأمل) هو ”الاحساس“ بفهم للواقع مع قدرة لإستشراف المستقبل لبناء خطط المواجهة.

هنا نجد أنه بالاضافة لمعانات المواطن المصري المتتالية، فنحن أمام سمتين أخرتين تعززان من الاحساس بالعجز والشلل لتأثيرهما علي تلك العلاقات السببية .أولهما إنعدام الثقة، سواء فيما هو آت، أو -علي وجة الخصوص- في جهود الأطراف المحركة لعجله التغيير وصنع القرار (ثلاثيه من يسن السياسات، ولصالح من، وعلي من تطبق). السمة الثانية هي ضبابية المناخ السياسي والاقتصادي، والتي تمثل عدم وضوح للواقع و إبهام للمستقبل، سواء بسبب غياب الشفافية تجاه القرارات المتخذه، أو بسبب ضخ عدد كبير و متوالي من التغييرات والقرارات المسببه للإحساس بالتشويش، إن لم تقدم في إطار رؤية واضحه، أو بسبب الخروج عن “المألوف “ في مسارات إتخاذ القرار. ذلك علي غرار تذبذب القرارت أو إتخاذ جهات رسمية لقرارت هي خارج نطاق مسؤلية عملها و تخصصها.

ماذا الآن؟

إن الأطر الطبيعية للخروج من الأزمة الاقتصادية (و تفادي يأس المواطن) تحتاج لجهود متشابكه، بإتجاه تناغمي، و لدور أساسي للحكومة، في إطار من شأنه مواجهة ثنائي أزمة الثقة و ضبابية المناخ.
لكنني أريد هنا أخذ منعطف آخر، و هو التركيز علي آلية مكملة للجهود التقليدية، والتي - في تصوري - يمكن أن تكون طوق لنجاه المواطن المصري من حاله العجز المكتسب، آلية الابتكار الاجتماعي social innovation.

يعرف الابتكار الاجتماعي كآلية للوصول إلي حلول جديدة، أكثر فعالية وكفاءة من الحلول التقليدية، لمعالجه الاحتياجات الاجتماعية التي لم تفلح قوي السوق أو القطاع العام أو المدني معالجتها بشكل مُرضي، و علي الأخص في ظل محدودية الموارد. يحقق ذلك بالاعتماد علي تمكين المواطن، كجزء من عملية الوصول للحل، وفي أطر تهدف لإفادة المجتمع ككل و ليس لمجموعة محدودة من الأفراد.

ولنأخذ علي سبيل المثال بعض الحلول الإبتكارية في مجال محاربة الفقر، المثال الرائد هنا هو التمويلات متناهية الصغر microfinance، التي طبقت في بنجلاديش برؤية العالم د. محمد يونس، لتمكين الفقراء من إنشاء مجموعة من الأنشطة البسيطة المدرة للدخل (والذي نال علي اثرها جائزة نوبل للسلام في عام 2006). كذلك مبادرات بنك الوقت Time Bank، والتي تطبق في كثير من الدول تحت أشكال مختلفة، و ذلك بالاعتماد علي ساعات العمل كوسيط لتبادل الخدمات بدلا من الاعتماد علي توافر الاموال، و مبادرات الزراعة المدنية Urban Agriculture، والتي تحول أسطح المنازل إلي أسطح خضراء بإدارة السكان و لإستهلاكهم الغذائي، للتخفيف النسبي من العبء المالي.

بجانب خصائص وأطر عمل الآلية، و التي تتمحور حول الحاجة الاجتماعية، فإن الفعالية الكامنة لآلية الابتكار الاجتماعي في الوضع المصري الراهن تتمثل في قدرة مبادرات تطبيقها علي تخطي حاجز الثقة و ضبابية المناخ.

علي العكس من الأطر التقليدية، و التي تعتمد علي قرارات ذات طبيعة مركزية من جهات صنع القرار الرسمي أو بدافع الربحية لقوي السوق، فإن الابتكار الاجتماعي ينمو علي أي مستوي، بل إنه غالباً ما يكون في إطار تصاعدي (bottom-up approach) بفكره و إدارة أفراد وجماعات هم في قلب الحدث و المعاناه، و إن كانوا بعيدين عن حلبة الصراع السياسي و صنع القرار المركزي. إن كفاءة هذه الآلية تُستمد من قدرة أفراد المجتمع علي الابداع، و مقدرتهم علي التشارك في السعي والتنظيم، بمختلف مستوياتهم و خلفيتهم.

إن جهود العمل الاهلي (و المجتمع المدني) في مصر قادرة علي النهوض لسد ثغرة تتسع في سيكولوجيه المواطن المصري و في وضعه المادي. المحك هنا هو التحرك المنظم، وفي تناول إبداعي لمشاكلنا وقدراتنا، من خلال سياق أكثر طموحا من الإجتهادات الخيرية. المقصد هو الوصول لحلول علاجية أكثر إستدامة، و بالتالي تخطي نطاق المساعدات المالية المباشرة ممن يملك لمن هو محتاج ولا يملك، و ذلك بتفعيل دور المواطن كجزء من الحل و تمكينه لإنتشال نفسه، و لو في نطاق مبادرات ضيقة (يمكن توسيع تطبيقها فيما بعد).

و إذا كان المفكريين و المراقبين للأوضاع الراهنة يجتهدون في سياق فكري و عملي يناشد أو يرشد الدور الحكومي، فهناك باقي فئات المجتمع التي تمتلك من الابداع و الفطنة و التماسك المجتمعي (و المعاناه المشتركة) ما يعزز القوة الكامنه لمبادرات الابتكار الاجتماعي.

ختاما، مناقشتنا هنا لدور العمل الاهلي و المدني لا يجب أن تؤخذ بمحمل التقليل من الدور الأساسي للحكومه و من مسؤليتها، كما أشرنا في مقال سابق (جريدة الشروق، صفحة الرأي، 28 ديسمبر 2016).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط