الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يقدر ترامب على تنفيذ ما جاء في خطاب التنصيب؟

مرتضى العبيدي

2017 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في العشرين من شهر جانفي الماضي، تسلم الميلياردير دونالد ترامب مقاليد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوزه على منافسته هيلاري كلينتون. وقد صاحبت مراسم تنصيبه مظاهرات عارمة في كبرى المدن الأمريكية والعواصم العالمية، لعل من أهمها المظاهرة النسائية في واشنطن والتي حشدت ما لا يقل عن نصف مليون امرأة.
انتقاد لاذع للإدارات السابقة
وعلى غير العادة في مثل هذه المناسبات، لم يتوجه ترامب بالشكر إلى أسلافه من الرؤساء الذين كانوا يحضرون الحفل، بل وجه لهم انتقادات لاذعة من خلال تشخيصه السوداوي للوضع في أمريكا وحمّلهم المسؤولية في ذلك. حتى لكأن المستمع يكاد يعتقد أن ترامب يتحدث عن بلد من بلدان العالم الثالث وليس عن أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.
فكان الخطاب الذي ألقاه في حفل تنصيبه عبارة عن خليط من الشعبوية والقومية والعنصرية والنزعة العسكرية أذهل جميع المتابعين، حتى لكأنهم كانوا ينتظرون غير ذلك من هذا الملياردير الذي أحاط نفسه بمساعدين من نفس طينته ثراء ومحافظة، هم أنفسهم محاطين بطواقم من المستشارين الذين يشتغلون لفائدة المؤسسات الاقتصادية الكبرى مثل "مورغان" و "جنرال موتورس" وفورد" و "فالمارت" وغيرها، وهي التي موّلت حملة ترامب وأوصلته إلى أعلم هرم السلطة في الوقت الذي لم يكن أحد يتصوّر حدوث مثل هذا الأمر.
خطاب شعبوي مخادع
لذلك، فمنذ خطاب التنصيب، تقمّص ترامب بامتياز دوره كممثل للمصالح المذكورة، وقدّم نفسه كحامل للواء إعادة "بعث" الصناعة الأمريكية التي دمّرها سابقوه، ووعد بوضع جميع إمكانيات الدولة في خدمتها. وفي نبرة شعبوية، قدّم نفسه كمدافع عن الشعب الأمريكي المفقّر والمهمّش بفعل سياسات سابقيه. فهؤلاء، حسب زعمه، سرقوا السلطة من الشعب ووضعوها بين أيدي حفنة من البيروقراطيين في العاصمة الذين لم يكن يهمهم سوى خدمة أسيادهم متناسين هموم الشعب في مدن الداخل حيث "الأمهات والأطفال يحاصرهم الفقر"، وحيث "المصانع التي أكلها الصدأ والتي تنتشر مثل شواهد القبور في جميع أنحاء البلاد"، وحيث يقوم "نظام تعليمي يمتلك الكثير من المال ولكن يترك شبابنا وطلابنا الرائعين محرومين من المعرفة"، وحيث تنتشر "الجريمة والعصابات والمخدرات التي سرقت حياة العديدين وحرمت بلادنا من الكثير من المقدرات غير المستغلة". هكذا شخص ترامب إذن الوضع الداخلي في "أمريكا"، هذه اللفظة التي شكلت مفتاح الخطاب والتي كرّرها ما لا يقل عن خمسين مرّة في نصّ لم يتجاوز عدد كلماته الألف. ويخلص في خاتمة هذا التشخيص إلى النتيجة التالية: "يجب أن تتوقف هذه المجزرة الأمريكية حالا وفورا". كما أنه طوّر خطابا معاديا للمهاجرين، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، لا يرشح منه سوى الحقد والكراهية والعنصرية إزاء كل من يختلف معه. ولم يكن ذلك غريبا على مالك إحدى أكبر الامبراطوريات التجارية في العالم.
لكن رغم هذه النبرة، فليس هناك غير الواهمين الذين بإمكانهم أن يصدّقوا أن دونالد ترامب بمقدوره أن يسنّ سياسات في صالح الطبقة العاملة والشعب الأمريكيين. فرغم هذا الخطاب الشعبوي، فليس له من بد غير توطيد علاقات إدارته بكبرى المؤسسات الاقتصادية التي يدين لها بمنصبه والتي لن تتوانى في مزيد استغلال عرق العمال لتكديس المزيد من الأرباح، وقد وعدها بانتهاج سياسة حمائية تجاه الشركات الأجنبية التي تزاحمها على الأراضي الأمريكية ذاتها، وإن لم يسمّي صراحة أي من البلدان، فالمقصود أساسا هما الصين وألمانيا. ويرى المراقبون أنه لو قُدّر لترامب وضع هذه السياسات حيز التنفيذ، فإن ذلك سيؤدّي حتما إلى خراب أمريكا وإلى تعميق أزمة النظام الرأسمالي العالمي.
سياسة خارجية في غير صالح أمريكا؟
أمّا على الصعيد الخارجي فلم يكن تقييمه لأداء الإدارات السابقة بأفضل حال، إذ اتهمها بتبديد الثروات الأمريكية وذلك "بتقويتها لصناعات دول أخرى على حساب الصناعة الأمريكية"، وبتقديم "الدعم المالي لجيوش دول أخرى على حساب الجيش الأمريكي"، و "الدفاع عن حدود دول أخرى وترك الحدود الأمريكية بلا حماية" (إشارة إلى الهجرة السرية خاصة القادمة عبر المكسيك). واعتبر أن كل ذلك أدى إلى تقوية دول أخرى وإثرائها على حساب أمريكا وشعبها حيث تقادمت البنى التحتية واهترأت، وحيث انتشرت البطالة والفقر الذي طال حتى الطبقات الوسطى. وهو يؤشر بذلك إلى احتمال احتداد الصراع بين الامبرياليات وخاصة إزاء الصين، ممّا سينجرّ عليه حتما العودة إلى السباق نحو التسلح وإلى تطوير الصناعات الحربية. فدونالد ترامب هو اليوم الممثل الشرعي للقوى الامبريالية الأكثر رجعية والأكثر شوفينية للرأسمال الاحتكاري الأمريكي. وهو ما من شأنه أن يطوّر التوجه نحو الفشستة، التي ستنعكس على الداخل بتعميق الاستغلال وتقليص مساحات الحرية، وعلى الخارج بتطوير النزعات الاستعمارية التي ستدفع ثمنها شعوب العالم.
كما أن هذه السياسات إن قُدّر لها النجاح، فهي ستقوّي نفس هذه النزعات في باقي دول العالم وخاصة منها الدول الأوروبية التي تتطوّر فيها منذ سنوات حركات وتنظيمات من أقصى اليمين، تسعى إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي وتقدّم نفسها بديلا للأنظمة القائمة بيمينها ويسارها. فخطاب ترامب وسياساته المعلنة قد يساهم في إعطاء الدفع السياسي والمعنوي لمارين لوبان في فرنسا، وخيرت فلدارز في هولاندا ، وغيرت بريتي بألمانيا وماتيو سالفيني بإيطاليا وغيرهم من الذين يقفون على قائمة الانتظار.
لكن لا بد من الإشارة في النهاية إلى أنه ما من رئيس أمريكي استطاع أن يضع حيّز التنفيذ برنامجه المعدّ مسبقا بأكمله إذ أن إكراهات الواقع والمتغيرات التي لا تتحكم بها أمريكا بمفردها أكثر عنادا من أي برامج وُضعت لحملة انتخابية مهما كانت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاتتعبوا انفسكم.
احمد حسن البغدادي ( 2017 / 2 / 4 - 10:30 )
ان مبادئ الحريات العامة، وحقوق الانسان ، هي في خطر الْيَوْمَ بسبب انتشار المسلمين في الغرب،

ان استطلاعات الرأي للمسلمين في أوروبا الغربية، بينت ان 85% من المسلمين يريدون تطبيق الشريعة الاسلامية في أوروبا ، ومن المعروف ان الشريعة الاسلامية، هي النقيض لحقوق الانسان، حيث ان من بدل دينه يقتل، بل ان تارك الصلاة يقتل.

كما ان استطلاعات الرأي في اكبر سبع دول إسلامية ، بينت ان 80 % من المسلمين يكرهون أمريكا والغرب الكافر.

لذلك، على المسلمين ان يكشفوا ان وجههم الحقيقي المعادي للبشرية، ويبحثوا مع السعودية أو باكستان أو ايران، في ان تكون مكانهم الطبيعي للهجرة، لانها هذه الدول تطبق الشريعة الاسلامية، فلماذا يتعبوا أنفسهم في تغيير دساتير الدول العلمانية.

اقتراح واقعي، أليس كذلك.

اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا