الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من اليد الممدودة، الى العناق -العمومي- المفضوح

وديع السرغيني

2017 / 2 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


من اليد الممدودة، إلى العناق "العمومي" المفضوح

"فأن يحدد المرء سلوكه تبعا لكل حالة ووضع، أن يتكيف تبعا لأحداث الساعة، لتغيرات الأمور السياسية الطفيفة، أن ينسى المصالح الجذرية للبروليتاريا، والميزات الجوهرية لمجمل النظام الرأسمالي ولكل التطور الرأسمالي، أن يضحي بهذه المصالح الجذرية من أجل منافع وقتية فعلية أو مفترضة: تلك هي السياسة التحريفية".
حيث اشتد النقاش وبلغت حميته الدرجة القصوى، مستدعية كل الألفاظ النابية والمنحطة، في صراع يبدو أنه فكري وسياسي بالدرجة الأولى، حول جدوى الحوار والتنسيق مع جماعة "العدل والإحسان" المعروفة بمواقفها الرجعية والظلامية، والمناهضة لحرية الفكر والمعتقد وللعلمانية ولجميع التطلعات التحررية الشعبية والنسائية والثقافية الأمازيغية..الخ حوار رفع رايته، وتحمّست له بعض التيارات والاتجاهات التي ما زالت تؤمن بيساريتها وانتمائها لصف اليسار.. أساسا حزب "النهج الديمقراطي" وبعض الاتجاهات الذيلية له، التي ما لبثت أن أخرجت الحوار "للعموم" وللسلطة، سيان، في محاولة دفاع بئيسة، ادعى خلالها قادة ومنظرو الحزب، شرح الموقف واعتباراته الطبقية.!
لذا ارتأينا الخوض في هذا النقاش، والإدلاء برأينا، وتقديم تصورنا لبعض المواقف المرتبطة باليسار المناضل، والمناهض في أصله للرأسمالية، يعني اليسار الاشتراكي المكافح، بما يطبع مسيرته النضالية، وقدرته وقوة اختراقه للقوى الطبقية صاحبة مشروع الثورة، والمناضلة من أجل التغيير والقضاء النهائي على الاستغلال والاستبداد.. لرفع اللبس، والتشويش، والتشويه الذي لحق بمفاهيم ومعاني وهموم اليسار..الخ ما دام البعض من قيادات "النهج" متشبثين بانتمائهم لليسار، بل والادعاء باستنادهم لمرجعيتها الماركسية، ولخبرتها ودروسها اللينينية التي لم يتأخر النابغة "تيتي" عن الاستشهاد ببعض النتفات من البعض من نصوصها، بالرغم من تبخيسه ومقته، لمثل هذا الاستعمال في مناسبات عدة سابقة.
سنحاول إذن وقدر الإمكان، الإدلاء بتعريفنا لليسار الذي ننتمي إليه، اليسار الماركسي الاشتراكي المناضل ، الذي نشأ معارضا ومناهضا للمشروع البرجوازي، ولسياسته الطبقية المعادية للطبقة العاملة ولعموم الكادحين.. ثم التعريف بحزب "النهج الديمقراطي"، الذي لا يتعدى كونه حزبا وطنيا ديمقراطيا وتقدميا، جرّب الشرعية والعلنية والنضال السلمي والانضباط للقوانين واحتراف الدعاية للنضال "الحقوقي".. بعد أن طلق الثورة وبرنامجها الوطني والشعبي والديمقراطي، وهجر أساليبها الماوية المفترضة، لحسم السلطة السياسية، عن طريق حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد، التي اعتدها دائما بأنها هي الماركسية الأصل والنموذج، ناصحا منتقديه ومعارضيه الشباب بالإطلاع على كلاسيكياتها ودراستها بشكل منتبه ومعمق ـ"التيتي"ـ وحيث كانت الحاجة ماسة لتأكيد اختياراتنا المرجعية الماركسية اللينينية، وللاطلاع على هذه التجارب التي صنعت الانتفاضات العمالية والشعبية، وخططت للثورات الاجتماعية بشكل علمي وعملي، بما تحتاجه من ارتباط نوعي بالطبقة العاملة، ومن انخراط دائم في صلب النضالات الشعبية المتنوعة المرافقة لها، بحس سياسي واعي، وبمهام تنظيمية ملموسة تساعد على التشهير بجميع مظاهر الاستغلال والقمع والحصار الذي يعيشه جمهور الكادحين والفقراء والمحرومين..الخ اتجه المراجعون الإصلاحيون للتبرير وللتجريبية والانتهازية..الخ
فماذا نعني بالماركسية اللينينية كمرجعية لنا؟ والتي لم تكن قط دروسها، بمثابة النياشين التي يتم التزيين بها للتباهي والافتخار، مهما ما علاها من صدء.. لأن العبرة تكون بالخواتم وبالكيفية التي تتم بها الموعظة وسط "الحلقات الأولى".. وكيفية تجسيد الدروس على أرض الممارسة، حتى نتقي التراجعات والمراجعات، والهجرة الجماعية للمنظمات، وللنضال الديمقراطي الجماهيري.. بحثا عن مواقع جديدة وأحلاف جديدة، غير ديمقراطية أصلا بل فاشية وظلامية صريحة، معادية لليسار وللتقدميين وللحرية وللاشتراكية.. لكنها معارضة في نفس الوقت للنظام!
فلن يستعصي عنا الأمر خلال صياغة الموقف النظري اللازم بخصوص التحالفات الطبقية والسياسية الميدانية، وهو المطلوب منا الآن، وفي هذه اللحظة بالذات التي كثر فيها الاستنجاد والتزلف للماركسية ونصوصها ودروسها اللينينية.. في إطار من التذكير والتأكيد، وليس إلا. فنحن كماركسيين لا نخاف التحالفات التكتيتيكية، ولا ننكرها حتى مع أشد خصومنا داخل الحركة التقدمية والديمقراطية، لكن الشرط الذي نؤكد عليه، والذي لا بد منه، هو أن تبقى لنا الإمكانية متوفرة في جميع اللحظات والمحطات، التي يلزمنا فيها تضافر الجهود وتنسيق العمل مع هذه القوى بالذات، هو استقلاليتنا، وقدرتنا الدائمة لكي نوضح للطبقة العاملة تناقضها العدائي مع البرجوازية واستعدادها للنضال من أجل الإطاحة بها وبنظامها الرأسمالي.. والحال أن جميع فصائل ومكونات البرجوازية في هذه المرحلة، غير معنية موضوعيا بالتحالفات وبمشروع وبرنامج النضال من أجل التغيير.. وفق هذا المنظور يحق لنا ويجب علينا كمكونات للحركة الاشتراكية تنسيق نضالنا وعملنا في الميدان، حيث ليست الحاجة لحوارات عمومية من هذا القبيل، الذي يدعو له "تيتي" ومن معه، بل الحاجة للوضوح، وضوح المنطلقات والأهداف والبرنامج بكافة الخطوات اللازمة، الشيء الذي سيساعدنا على التقدم جميعا، وبخطوات ثابتة نحو إستراتيجيتنا الثورية، للإطاحة بالبرجوازية وحلفائها.
فالمعركة في الأصل كانت ومنذ زمان، محتدة بين من يملك حتى التخمة والفيض، وبين من لا يملك خبز يومه ولا سقفا يقيه حر الشمس أو صقيع البرد، أي بلغة الماركسيين، بين البروليتاريا والبرجوازية.. ومن أجل انتصار الطبقة العاملة في حربها الطبقية، كان لزاما عليها أن تتحالف مع الطبقة الأقرب لحالها ولأوضاعها، يعني عموم الكادحين غير المالكين، والسواد الأعظم من الفئات البرجوازية الصغيرة التي تتمتع بملكية صغيرة وتباشر استثمارها في شكل ورشة صغيرة صناعية أو تجارية أو فلاحية.. بالإضافة كذلك للموظفين والمستخدمين الصغار، من ذوي الدخل المحدود، والمياومين والبطـّالين..الخ ليبقى الصراع مفتوحا وقائما في جوهره، ببن حفنة صغيرة من المالكين، الحاكمين والماسكين بزمام السلطة في مقابل غير المالكين ومحدودي الملكية الفقراء والمحرومين والمضطهدين..الخ فالمعركة هي إذن معركة من أجل الاشتراكية، معركة النضال ضد الرأسمالية ومن أجل الانتصار على البرجوازية ونظامها الاقتصادي والسياسي والثقافي، المتعفن.
فبعد كل هذه السنوات وكل هذا التاريخ الطويل من كفاح الطبقة العاملة المغربية، داخل الأوراش الصناعية والمعامل والمصانع والمناجم والشركات والضيعات الصناعية الفلاحية الكبرى.. لم يعد خفيا على مجمل مكونات الحركة العمالية الاشتراكية، بأن أصل الشر وجميع الشرور خلال هذا العصر، وهذه المرحلة بالذات هو الرأسمالية وسياساتها، التي يعززها الاستبداد والقمع والحرمان من كافة الحقوق.. لأن النضال ضد "الفساد وضد الاستبداد" هو نضال عرضي، يمكن لأي كان، ولأية قوة سياسية أن تنخرط فيه بحماسة أو بتردد.. عكس نضالنا الآن كقوى يسارية اشتراكية، الذي لا يمكنه أن يزيغ أو ينحرف عن أهدافنا الإستراتيجية، ولا يمكن أن نبرر تحالفاتنا التاكتيكية مع أعدائنا، أعداء الاشتراكية، أعداء الطبقة العاملة تحت أي مبرر.. فانتحال صفة الماركسي لم تعد تنطلي على أحد من الشباب المناضلين، كما أن استعمال لقب معتقل سياسي سابق، أو عضو سابق بإحدى المنظمات الثورية السبعينية، لم يعد يغري أحدا.. فما كانت الماركسية اللينينية بحاجة لمن يفسر نصوصها ويؤولها حسب رغبته ومزاجه.. وليس بالتاكتيك الماركسي اللينيني، ذاك الذي يدفع بالمناضل الديمقراطي التقدمي بأن يضع يده في يد أعداء الحرية والديمقراطية والاشتراكية.. إنها الانتهازية الصريحة، والانهزام الواضح، والتخلي المكشوف عن المبادئ.
فعند التأكيد على هذه المواقف، وعلى المرجعية، وعلى أساليب النضال الضرورية، ومنظور الماركسيين للتحالفات السياسية والطبقية يحاول البعض، من طينة "التيتي"، الاستهزاء وتبخيس المبدئية والثبات، عند أغلب المناضلين المعارضين لهذه المساومة الدنيئة، ليعتبرها هي اليسراوية التي سبق للماركسية أن انتقدتها وشجبتها. وعكس هذا الافتراء، فنحن الماركسيون نعتبر أن مذهبنا ليس بالعقيدة الجامدة، بل هو فقط مرشد للعمل النضالي، والميداني الثوري، الذي يهدف بصدق ووضوح، للقضاء على الاستغلال والاستبداد من جذوره، ويؤسس للحرية والديمقراطية، ويعبد الطريق للاشتراكية، التي ستضمن مشاركة الجميع في البناء والتشييد، نساء ورجال متحررين من القهر والغبن والدونية والاستعباد.. وحيث سيتم القضاء على جميع أشكال العنصرية والشوفينية وجميع الأشكال السلبية المشجعة على التمييز، الشيء الذي يلزم الديمقراطية الجديدة، برفع الحيف الذي ما زالت تعاني منه الثقافة واللغة الأمازيغية في مناطق الريف والأطلس وسوس..الخ فالحركة ملزمة خلال مسيرتها النضالية بإقامة التحالفات مع عموم الحركة الديمقراطية والتقدمية.
فطبيعة الثورة الحالية ببلادنا هي المؤهلة لرسم التحالفات الطبقية، انطلاقا من أوضاع الطبقات ومدى تضررها من السياسات المجحفة في حقها، السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. إذ لا بد من تحديد من هي، في الميدان. إذ لا مستقبل للثورة، ولا معنى لها، إذا لم تدرج في برنامجها مصادرة أملاك البرجوازية وكبار الملاكين العقاريين، والنضال من أجل التصنيع والتحديث، في إطار من البناء الاقتصادي والثورة الزراعية والقطع مع الإمبريالية وصناديقها المالية، ومؤسساتها وشركاتها العابرة للقارات والحدود.
فهكذا نتصور البرنامج النضالي من منظور عمالي بروليتاري، يضمن لجميع الفئات والطبقات الحليفة مصلحتها في الثورة والتغيير، وهو لا يختلف في الجوهر عمّا سبق وأن حددته الحركة العمالية الاشتراكية، وطورته على مدى التاريخ، منذ سنين وعقود، في شكل بيان موجز، واضح ودقيق عن كل ما تريده الحركة، وما تريد إنجازه وبلوغه، وكل ما تناضل في سبيله، عوض الارتباك والتضبيب، عبر ترديد العديد من المواقف الغامضة والمبهمة كالحرب على المخزن، أو محاولة عزله، أو عزل جناحه "المافيوزي".. في خلط مشبوه للأوراق، سيؤثر لا محالة، وبشكل سلبي، على الوعي الطبقي للجماهير الكادحة المعنية بالثورة. فكل ما تسعى لبلوغه فعلا حركة النضال الاشتراكي، هو تنظيم الصفوف، وجمع الشتات من أجل بناء الحزب، حزب الطبقة العاملة المستقل، فهو صاحب المبادرات، والمؤهل لعقد التحالفات، والضامن لنجاحها، ولتأطيرها بما يخدم مصالح الطبقة العاملة، وحلفاءها...بهذا يجب أن يتمتع بالوضوح في مبادراته، وألا يبقى رهين للدجل، وللمراوغة، وادعاء التحليل الملموس للواقع الملموس، والإطناب في الكلام عن موازين القوى، التي ستتغير يوما ما لصالح "جبهة النضال الشعبي".. إذا ما قبل "اليسار" بذيليته وبعجزه وكساحه، ليتشبث كغريق بغرقى آخرين، على حواشي الضفة اليمنى، عبر التحالف والاندماج مع من هب ودب في المعركة ضد "المخزن" وضد إمارة المؤمنين.. وبلاهات أخرى من هذا القبيل.
فالمعركة كما يتصورها "الرفاق" في "النهج" مزيفة وحولاء، لأنها لا تريد أن تمس بالعبودية والعمل المأجور والاستغلال، في شيء.. ولا أن تأتي بالحقوق، ولا أن تغير من أوضاع المرأة للأحسن، بل في المقابل ستعمق الظلم الذي نعيشه الآن، وستعاني المرأة المغربية نفس ما تعانيه المرأة الفلسطينية في غزة الآن جراء سيطرة القوى الظلامية ـ حماس والجهاد ـ وجراء الميز والحيف الذي لحق إحدى المحاميات الفلسطينيات، وهي تواجه الطرد والمنع من مزاولة المهنة، بل والمنع من دخول المحكمة ـ مقر عملها ـ، بسبب خلعها الحجاب وعدم الاقتناع باستعماله.. هكذا تتشبث المحامية الفلسطينية بحقها.. لكن "الرياضي" المناضلة الحقوقية بحزب "النهج" والمناصرة للمساواة وتحرر المرأة في أصلها، لم تتشبث بالموقف اللازم لكل الديمقراطيين والديمقراطيات، بل انضبطت وانبطحت بشكل مخجل ولا مبدئي، للافتة "الجماعة" القاضية بمنع الاختلاط، خلال اللقاء الذي جمع مؤخرا الجماعتين، جماعة "العدل والإحسان" وجماعة "النهج"!.
فلسنا بالمناسبة من دعاة التشدد والرفضوية السلبية والمجانية، حتى نعلن عن رفضنا ومعارضتنا لجميع التحالفات السياسية، كيفما كان نوعها ومقصدها.. يعني حتى لو كانت عرضية مرتبطة بقضية من القضايا، والتي من الممكن أن تجرنا للمساومة ولتقديم التنازلات اللازمة، لحليف من الحلفاء المفترضين.. فالماركسيون على عكس جميع التيارات يتميزون بالإخلاص لمبادئهم، ولطبقتهم، ولمهامهم الثورية، حيث الواجب النضالي والثوري يلزمهم بالارتباط بالطبقة العاملة، والانصهار بطلائعها، وبالدفاع عن مطالبها ومصالحها ومصالح جميع الكادحين، ونصرتهم في جميع نضالاتهم من أجل القضاء على الرأسمالية، نهائيا وبناء الاشتراكية على أنقاضها.
فالتحالفات المقصودة من حزب "النهج" ليست هي التي تؤيدها الحركة الاشتراكية والعمالية في بلدنا المغرب، فالذي وجب بناؤه فعلا والتأسيس له، هو تحالفات طبقية وعملية، يكون أساسها الوضوح، ودوافعها التغيير الجذري لمصلحة الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة، تغيير يغير حالة الفقراء والبؤساء والمحرومين، وجميع المتضررين من وجود هذا النمط من الإنتاج والاقتصاد اللاهث دوما وأبدا وراء الأرباح، ومراكمة الأرباح، اعتمادا على الاستغلال والنهب والتخريب والاستبداد..الخ. فإياكم ثم إياكم من تقديم التنازلات في النظرية والمبادئ لحظة التحالفات.. والحال أن هذا التنبيه سبق أن وجهه ماركس خلال انتقاده لإحدى مؤتمرات الحركة الاشتراكية، للحزب الألماني بالتحديد، وليس لأي كان.

رفض مبدئي، سياسي وفكري، للتنسيق والحوار مع كافة القوى الظلامية والرجعية

فموقفنا، كان ولا زال هو الرفض والإدانة الحازمة لأية خطوة من هذا القبيل، والتي أقدم خلالها حزب "النهج" على تطبيع العلاقات مع جهة سياسية غارقة في الرجعية، فاشية وظلامية، مناهضة وعدوة للاشتراكية كفكر وكمشروع مجتمعي.. وبالتالي ليست لنا أي شروط نقدمها للجهة المعنية، أي "الجماعة"، للتنسيق معها، أو القبول بها في صف "المعارضة المناضلة".. من قبيل مطالبتها بتقديم النقد الذاتي، أو الاعتذار عما اقترفته أياديها الإجرامية الدموية، في حق الشهيدين القاعديين المعطي بوملي وبن عيسى أيت الجيد، لأنه لا يحق لنا نهائيا عقد اتفاق سياسي، أو نضالي، أو حتى ميداني بسيط مع قوى تعادي مشروعنا، بل تريد إقبار حركتنا، وإرجاع عجلة التاريخ والحركة إلى الوراء.
فالحالة العينية التي نحن بصدد مناقشتها ونقدها في إطار من الحوار "العمومي" والمعنية بموضوع التحالف مع هذه القوى السياسية الرجعية والمعروفة بعدائها ومناوئتها للمشروع الاشتراكي والديمقراطي التقدمي.. يتم التبرير لها، بناءا على الدور الذي تلعبه "الجماعة" وأتباعها، والمتحلقين حولها وبجنباتها، في معارضة النظام السياسي القائم.. في إطار من المعارضة الراديكالية والمطالبة بنظام بديل يضمن "الخلافة" ويرد إمارة "المؤمنين" لمن يستحقها. دون الإلتفات لطبيعة هذا النظام المنشود، رغم تخلفه ومناهضته للحرية والديمقراطية..حرية المعتقد والمرأة..الخ وهو المسار الذي انخرطت فيه عمليا بعض القوى والتيارات السياسية المحسوبة على الصف الديمقراطي، وفي طليعتها حزب "النهج"، وإحدى المجموعات التروتسكية المتحلقة حول جريدة "المناضلة"، كانحراف وتملص من المبادئ الديمقراطية والتقدمية صراحة.

فهل يجوز، وتحت أي مبرر من المبررات، للديمقراطيين التقدميين الإقدام على مثل هذه التحالفات؟

نجيب بلا و ألف لا، وبالأخص إذا كان الأمر يعني الطبقة العاملة وتمثيليتها السياسية، والتي لا يجب أن تتعارض في تكتيكاتها مع إستراتيجيتها الثورية الاشتراكية. أما إذا كان الأمر عكس هذا ـ وهي الحقيقة ـ فلكل مصالحه وأهدافه القريبة والبعيدة، فليست هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها حزب "النهج" مثلا على خطوات التنسيق مع "الجماعة". كان ذلك خلال الحرب الإمبريالية على العراق وخلال الاعتداءات المتكررة على شعوب المنطقة العربية بفلسطين ولبنان والعراق...الخ، وما تطلبته حينها من إدانة، واحتجاج، ومسيرات لنصرة كافة الشعوب التواقة للحرية.
فالجماعة كقوة سياسية متواجدة بالساحة، تعارض وتستقطب الأنصار من داخل المساجد وعبر العمل الجمعوي في الأحياء الشعبية، مخترقة الإطارات النقابية والمهنية.. منتشرة في القرى والمداشر، ومستغلة المناسبات الدينية خلال شهر رمضان، عبر توزيع وجبات الإفطار، والأضاحي، وخلال الاحتفال بالمولد النبوي..الخ، دون إخفاء لحقدها وعدائها للتقدمية وللاشتراكية، حيث تعمل جاهدة على مسخ أفكارها وتشويه مناهجها المتنورة، عبر معاداة الفكر المادي والديالكتيك، وتشويه القيم الاشتراكية القائمة على العدل والإنصاف والتشارك والعمل الجماعي.. عكس "الجماعة" ومثيلاتها ضمن القوى الرجعية والظلامية المدافعة عن الحق المطلق في الملكية والتملك حسب القسمة في الأرزاق، ولا تتوانى بالتالي في الدفاع المستميت عن الرأسمالية.
وتتشكل الجماعة في غالبيتها من بعض الفئات البرجوازية المتوسطة، أساسا الموظفون العموميون، وبعض من المثقفين وثلة من المالكين، وأصحاب الورش الصناعية والتجارية والحرفية والفلاحية..الخ هذه التشكيلة هي الماسكة فعلا بقيادة التنظيم، وتطلعاتها لن تخفى على أحد.
أما "التيتي" الذي يتعامل مع "الإسلام السياسي" كظاهرة اجتماعية يخترقها الصراع الطبقي ـ مثله مثل كافة القوى السياسية بما فيها النهج نفسه - "بل توسعت صفوفه.. وأصبحت تتشكل قواه أساسا من الطبقات الاجتماعية الكادحة بما فيها فئات عماليةّ"، لاحظوا جيدا ما جادت به قريحة الانتهازية، والتبريرية المخادعة التي استعملها "التيتي" في إطار "تحليله الملموس للواقع الملموس"، فإذا ثبت وأن كان صائبا مثل هذا التحليل فستكون حينها المصيبة، وسيصبح التحالف والتنسيق والحوار حينها مقبولا وجائزا، ليس فقط مع "الجماعة" إياها، بل مع حزب "العدالة والتنمية"، وحزب "الاستقلال"، وحزب "الأصالة والمعاصرة"، بسبب من تواجد فئات عمالية بصفوفهم ولتوفرهم على أذرع نقابية كذلك..!
فيا لها من ماركسية، ويا له من تكتيك عمالي، ومن تعميق للغرامشية على الطريقة والوصفة "التيتية"! فبئس التحليل، وبئس الاستنتاج، وبئس المنطق الصوري المهزوز، الذي إذا ما قبلناه أو اعتمدناه سيدفع بنا لا محالة أن نقبل كذلك بالتحالف مع جميع التيارات والحركات المعادية للاشتراكية، التي لها وجود وازن في صفوف الحركة العمالية، وسنكسر المبادئ الماركسية واللينينية التي منعت التنسيق أو التحالف مع التيارات الثورية حتى، الإرهابية والفوضوية، وكذا النازية الهتليرية.. التي اجتاحت الحركة العمالية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
فقشور الماركسية، والسطحية في التحليل، وضعف استيعاب المبادئ العمالية الماركسية، لن يساعدك يا "تيتي" على فهم الدرس الماركسي، للاتجاه صوب الجماهير العمالية الغفيرة، التي هي بمأمن عن أيادي وأعين "الجماعة" وأخواتها.. في هذا المجال يحق للمناضل بأن يتفاخر ويتباهي بانجازاته على الأرض، عوض التباهي بما التهمه من كتب وتخاريف "ماوية" عن التناقض وعن "التحالفات الضرورية في صفوف الشعب" والتي يجب أن تروج لفكرة "اتحاد البروليتاريا مع جميع الشغيلة ومع جميع المظلومين، البورجوازية الوطنية والمثقفون والوطنيون الآخرون، بمن فيهم الإقطاعيون المستنيرون الذين لا يعارضون الإصلاح الزراعي".. وأي إصلاح زراعي هذا الذي روّجت له حينها الأطروحة الصينية الماوية"، "إصلاح لا يحق فيه للفلاحين الفقراء والأجراء الزراعيين بأن يستولوا على الأنهار والجبال ويسودوها. فهذا خطأ مبدئي خطير"!.
هو ذا جوهر الماوية ومبادؤها، وهي في مجملها نظرية ثورية شعبوية برغماتية، بعيدة كل البعد عن الماركسية اللينينية كفكر علمي، عن فكر الطبقة العاملة.. فالانتماء لإحدى المنظمات الثورية السبعينية، استوجب التواضع والإنصات للمخالفين والمنتقدين، وليس التباهي، ولي عنق المعطيات، لتبرير الانزلاقات والانحرافات بدون حياء. فجميع الثوريين المغاربة ينشدون ويعملون منذ مدة من أجل التغيير وفقط، لأن في نظرهم وقناعتهم، لم يحن الوقت بعد، للإعلان عن الثورة الاشتراكية كضرورة، وينصحون الشباب بالتروي والإطلاع على التجربة الصينية والتوجيهات الستالينية في هذا المضمار.. دون أن ينصحونهم بالاطلاع الجيد والواعي للتجربة الروسية البلشفية الرائدة، التي كان خلالها الشيوعيون يقيمون التحالفات مع جميع التيارات الثورية البورجوازية والبورجوازية الصغيرة، ويقيمون اتفاقات معلنة، وواضحة الأهداف والبرامج..لأن طابع الثورة هو من أملى عليهم ذلك، وحينها كان بورجوازيا ديمقراطيا صريحا، مناهضا لحكم الرجعية وبقايا الإقطاع والملاكين الكبار. فضرورة التحويلات الديمقراطية في النظام السياسي حينها، وكذا التحويلات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت ضرورية لروسيا، لم تكن تفرض زعزعة الرأسمالية، وزعزعة السيطرة البورجوازية.. الشيء الذي أملى على الشيوعيين الروس برنامج الحد الأدنى، برنامج الثورة الديمقراطية البورجوازية..
وعلى هذا المنوال يتم إسقاط وبشكل تعسفي دروس هذه التجربة الغنية، التي واكبت، وأخذت بعين الاعتبار المتغيرات والتطورات في الأوضاع والعمل الميداني والتنظيمي الثوري ـ تشكيل الخط البروليتاري البلشفي وتقوية الحزب وقيادة الانتفاضة العمالية لسنة 1905- على الواقع المغربي، وهندسة التحالفات السياسية ببلادنا..وكأن "النهج" أصبح يمثل الطبقة العاملة ويعبر عن طموحاتها مثلا، و"الجماعة" تمثل الجناح الثوري التحرري للبورجوازية كذلك ومثال.. هراء، هراء.

الخط الاشتراكي السديد

فالمرحلة في نظرنا تفترض الارتباط أكثر وأقوى بالطبقة العاملة والاندماج بمنظماتها وجمعياتها الديمقراطية واتحاداتها النقابية.. وكذا الشأن فيما يرتبط بالحركات الاحتجاجية وقيادتها للمطالبة بالحق في الشغل، والتعليم المجاني، والتطبيب والسكن.. وحركات المناهضة للغلاء ولارتفاع الأسعار، وللدوس على كرامة المواطنين البسطاء وحقوقهم..الخ وفق هذه المنهجية ستتقدم الحركة الديمقراطية التقدمية خطوة تلو أخرى، وستسترجع مكانتها وطليعيتها وستتوسع بالموازاة قاعدة الحركة الاشتراكية، التي ستبقى عرجاء إن لم نقل كسيحة، إذا لم تعجل ببناء حزبها السياسي المستقل، فكريا وسياسيا وتنظيميا، عن مجمل الطبقات والفئات الشعبية المعارضة، والطموحة لتغيير اقتصادي، واجتماعي، وسياسي، وثقافي، يمس بشكل جذري أحوال الناس الفقراء والموظفين الصغار وكافة المنتجين والحرفيين والفلاحين الصغار..الخ فهذه في نظرنا وفي تقديرنا، هي الجهة المؤهلة والمعنية بالتنسيق والتشاور، وتعميق النقاش لطرح البرنامج النضالي، الذي سيعيد لا محالة، التوهج والثقة، لمناصري التغيير الاجتماعي الضروري، والذين لا يرضون بالاستغلال، والنهب، والريع، وابتزاز فائض القيمة من عرق العمال والعاملات..الخ.
فأمام هذا المشهد السياسي الموبوء، الذي دفع بأهم قوة سياسية داخل الحركة الديمقراطية والتقدمية، لإعلان انخراطها ومباشرتها التنسيق مع ثلة من التيارات السياسية الرجعية والظلامية، وفي مقدمتها جماعة "العدل والإحسان" بالهدف المعلن، "إسقاط الفساد والاستبداد" و"عزل المافيا المخزنية" "النواة الصلبة للمخزن" ومطالب اجتماعية أخرى لا يتناطح عليها كبشان معارضان إثنان.. حيث يتوجب على الحركة الاشتراكية المناضلة إعادة النظر في العلاقة مع هذا الحزب، والحذر من كل مبادراته وخطواته، ومشاركاته الجماهيرية.. وهو الشيء الذي يتطلب من الحركة تعديل رؤيتها للتحالفات وللتنسيقيات مستقبلا داخل الحركة الجماهيرية المناضلة.
فالحوار الذي تم طبخه على نار هادئة، لم يكن بالجديد أو المفاجئ، جرى ويجري منذ أيام الراحل السرفاتي، الذي كان السباق للتنظير له، ليتطور بعدها على يد تلميذه "عبد الله الحريف"، بداية الألفية الحالية، حينها صدرت مقالة "للحريف" بجريدة الحزب، عددت فيه موانع مد الأيادي لهذه القوى، مرتكزة في ذلك على نظرة هذه القوى لحقوق الإنسان، ولحقوق المرأة، ولحرية الفكر والمعتقد..الخ لكن وبالرغم من ثقل كفة هذه الموانع، التي لم يتأخر "الحريف" عن ذكرها والتذكير بها.. كانت الرغبة في الانفتاح سياسية بالدرجة الأولى، وتسمو عن كل الدواعي المبدئية والنظرية والحقوقية.. ليبدأ مسلسل الحوار والتنسيق مع هذه القوى الظلامية ومع أهم حزب في صفوفها "العدل والإحسان"، وهي القوى التي لم تخفي قط عدائها، وهجومها، وتهجمها على اليسار الاشتراكي المناضل، وعلى فكره ومشروعه المجتمعي.
ومع ذلك، وبغض النظر عن المنحى الذي تتخذه عادة الكثير من النقاشات على الفايسبوك، والتي لا تساعد على خوض الحوارات الفكرية والسياسية الهادئة، انخرطنا مرغمين في هذا النقاش للدفاع عن وجهة النظر الماركسية في مسألة التحالفات السياسية والطبقية، بناء على الخبرة التاريخية والعلمية، التي راكمتها الطبقة العاملة وحزبها في هذا المجال، وهو مجال منحصر في إمكانية التحالف مع قوى اجتماعية من خارج الطبقة العاملة، قوى طبقية لها نفس الهدف والمصلحة في التغيير.. وهو الشيء الذي ليس بغريب عن الماركسية، وقد أخذ حقه أثناء صياغة البيان الشيوعي ـ دليل المناضلين الماركسيين- وبرز للمرة الثانية أثناء تقييم ماركس لتجربة الكمونة كأول حكومة عمالية في عصر الصراع والنضال ضد الرأسمالية وطبقتها البورجوازية، حيث فشلت الكمونة في حماية الثورة وفي صيانة مكتسباتها السياسية والاجتماعية.. وهو الشيء الذي دفع بماركس لتقييم هذه التجربة، والبحث عن أسباب فشلها، مما قاده لانتقاد البعض من خطواتها القاتلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إهمالها للتنسيق والتحالف مع جماهير الفلاحين، وعدم أخذها بعين الاعتبار لمصالحهم ضمن برنامج الكمونة وتدابيرها.. وكم هي الحاجة الآن لهذه الدروس والتقييمات الثاقبة.
أما ونحن أمام هذا الحدث السياسي الغريب، وبالرغم من أنه ليس من عادتنا إقحام الطبقة العاملة ومناضليها الاشتراكيين، في نقاشات وتحالفات سياسية لا تعنيها من قريب أو من بعيد، فقد حسمنا الموقف وبددنا الغيوم والضباب الفكري والسياسي الانتهازي.. بتوضيحاتنا هذه.
فقليلون هم الصادقون المخلصون لمشروع وبرنامج الثورة الاشتراكية داخل الحركة الثورية المناضلة..برنامج الطبقة العاملة الثوري حتى النهاية، حيث يلزمنا التنسيق وتكثيف الجهود من أجل تطوير قاعدة الحركة وتوسيعها، بعيدا عن التشويش الشعبوي، الذي وجد ضالته في الشعارات الجوفاء، وفي الممارسات البلهاء، المتملصة من أي التزام طبقي واضح. فالطبقة العاملة كانت ولا زالت قريبة جدا منا ومن أفكارنا ومبادراتنا، تشاركنا احتجاجاتنا ونضالاتنا، تجدها في كل بيت، وفي كل زقاق أو شارع.. يكفي أن تلتزم بمصالحها وطموحاتها، ويكفي أن تعرف كيف تخاطبها وتشجعها على النضال والتضحية والاستماتة دون تنازل.. فالطبقة موجودة موضوعيا في الميدان، تنظم طلائعها الإضرابات والاعتصامات، وتشارك النقابات وعموم الحركة الاحتجاجية في جميع المبادرات والنضالات الاجتماعية الأخرى، ومن لا يرى ولا يلاحظ هذه المشاركة ولا يقدرها ولا يعطيها بعدها الطبقي، القيادي والطلائعي فهو خارج عن التغطية، نائم، أو ثابت أمام الشاشة، أو في مكتبه، أو مقر عمله.. فالحركة الاشتراكية ملزمة خلال هذه اللحظة، بأن تطور حالتها وأوضاعها التنظيمية، فالحزب ذلك الشرط الذي لا بد منه لنجاح و إنجاح الثورة الاشتراكية، يجب أن يحضر في اهتمامات جميع مكونات الحركة وأن تعمل على إنشائه أو الشروع في تشكيل لبناته الأولى والأساسية، حتى نقطع الطريق على كل من يحشر نفسه في قضايا الاشتراكية والنضال العمالي والأداة الثورية، الحزب الماركسي اللينيني، حزب الطبقة العاملة الاشتراكي.. فالحركة العمالية الاشتراكية تحتاج بقوة لهذا الحزب، وهي واعية كل الوعي بالفراغ التنظيمي الذي يحدثه غيابه، وهي خلاصة لم تعد تقبل الترديد والمعاودة الببغائية، بل الانخراط الجماعي في هذه المهمة لكل من يناصر الطبقة العاملة والشعب المغربي الكادح والمحروم، في معركته التحررية، إذ لا مجال لاختصار الطريق أو الالتفاف عن الأهداف الثورية الاشتراكية، لأجل غير مسمى في إطار النضال والثورة عبر مراحل، وفي انتظار الذي يأتي والذي لن يأتي.. فمَن حسم الموقف، وقدر المستوى الذي بلغته الصراعات الطبقية في المغرب، في المعامل والمصانع والمناجم والضيعات وفي الشوارع بالعاصمة وأمام البرلمان وداخل الجامعات وأمام الولايات والعمالات والباشويات.. سيهتدي حتما للطريق القويم، الذي ستدله عنه الماركسية وبيانها الشيوعي، بأنه لا سبيل لتحرر عموم الكادحين سوى عبر ثورة اجتماعية عامة وشاملة، تقودها الطبقة العاملة المنظمة في حزبها المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا، عن باقي الفئات والطبقات التي لها مصلحة في التغيير، والمعنية هي كذلك بالثورة الاشتراكية.. يعني بشكل واضح الطبقة البورجوازية الصغيرة، وفئات أخرى لا موقع لها في الإنتاج تعيش البطالة والفقر والحرمان والبؤس بجميع أشكاله.
القسم الآخر الذي يعنينا كحركة اشتراكية، بالتنسيق والتحالف، وهو يضم العديد من الفعاليات الديمقراطية والتقدمية المناضلة، يعدون أنفسهم ضمن الحركة الاشتراكية المعارضة، وهم ليسوا كذلك، بل هم فقط معارضون تقدميون، يناهضون الاستغلال، والاستبداد والخروقات في مجال حقوق الإنسان.. ينظمون الإضرابات ويشاركون في الاحتجاجات المناهضة للغلاء.. في المجمل يناضلون من أجل إصلاح أحوال الناس والمجتمع إلى الأحسن، وفق منظور إصلاحي تدريجي، وحقوق إنساني، يستند بالأساس إلى المواثيق الدولية المرتبطة بهذه الحقوق، وإلى الدستور المغربي، والبعض من "مكتسباته" المطلوبة بالتعميق والتعديل..الخ.
وغير هذا وذاك هناك الثوريين من جميع الأصناف، فعاليات كثيرة ومتنوعة، تدعي جميعها الاستناد والأخذ بالمرجعية الماركسية اللينينية. غالبيتها عدا الخط البروليتاري، تؤجل الثورة الاشتراكية إلى حين، وتعطي الأسبقية للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، في إطار من المرحلية والتدرج.. موالون في غالبيتهم الساحقة للستالينية والماوية.. إلى جانب بعض المجموعات التروتسكية الصغيرة، وحساسيات أخرى تدمج الماوية بالغيفارية أو التروتسكية بالغيفارية.. وأخرى انتبهت لتوها لأطروحات القائد الألباني أنور خوجا.. لهم تواجدهم الملموس وسط النضالات والاحتجاجات الاجتماعية، في الساحة الطلابية، وداخل حركة المعطلين، وداخل الحركة المناهضة للغلاء، ووسط بعض الجمعيات الحقوقية وفي جمعيات حماية المال العام..الخ، تيارات غالبيتها انعزالية، ترفض التنسيق والعمل الوحدوي في ما بين أطرافها، عصبوية إلى حد كبير، تحتكر الانتماء للخط الماركسي اللينيني، وتنعت جميع من يخالفها في المواقف والأفكار بأنه تحريفي، ومرتد، ومتخلي عن المبادئ..الخ، فهل يجوز التحالف والتنسيق مع هؤلاء في إطار الحركة الاشتراكية في هذا الظرف؟.
في اعتقادنا أن التحالف مع جميع مكونات هذه الحركة طبيعي وجائز، بالرغم من جميع العوائق والتردد في الإقدام عليه..لأن النقاش والتفاعل جاري على قدم وساق، وهناك العديد من المبادرات الميدانية أثبتت ذلك.. فوجود هذا الحلف جائز، وضروري لتقوية وتطوير أداء مجموع المعارضة التقدمية، وتعزيز موقع الحركة الاشتراكية في صفوف هذه المعارضة، ولأن الظرفية تقتضي الاصطفاف وتكثيف الجهود، وفتح جبهات الصراع الطبقي المتعددة والمتنوعة، على مصراعيها، لمناهضة الرأسمالية ونظامها السياسي والاقتصادي القائم، من أجل الانتصار والعبور لصفة الحرية والديمقراطية والاشتراكية.. وبما يضمن لجميع الجماهير التي تعاني من الحرمان والاستغلال انتصارها على البؤس وعلى التمييز، وعلى العنصرية، وعلى الشوفينية، وعلى البطالة..الخ فهي ذي الديمقراطية الحقـّة، والعدالة الاشتراكية، وبالتالي فالبحث عن السبل الناجعة والضرورية لتطوير الفعل النضالي، ولتقديم عجلته إلى الأمام، لن يتأتى إلا عبر التغلب على كافة العقبات والمطبّات والانزلاقات الفكرية والسياسية والحذر من مضاعفاتها وتأثيراتها الميدانية والعملية.
فكنا نعتقد كحركة وكتيارات مناضلة، أن حزب "النهج" ما زال يعد طرفا مساهما في هذه المسيرة إلى جانب قوى "فيدرالية اليسار"، وعموم المجموعات اليسارية الصغيرة الناشطة في صفوف الحركة الطلابية التقدمية ومن داخل الحركة الجماهيرية المناضلة من أجل التغيير.. إلا أنه خذلنا وغير الوجهة والاتجاه، نحو أعداء التحرر والتنوير، والديمقراطية والاشتراكية، وهو الشيء الذي يتطلب أكثر من توضيح حتى يُعرف من معنا، ومن ضدنا، ومن يتآمر علينا، وعلى حركتنا ومشروعنا..آنذاك يصبح من حق الحزب أن يتحالف وينسق مع من يشاء، ويعانق من يشاء من المعادين "للمخزن ولإمارة المؤمنين".. لأننا صراحة لا نعادي "المخزن" وفقط، بل نعادي النظام السياسي والاقتصادي الذي استنبت "المخزن"، باعتباره ليس سوى الجهاز أو الآلة التي تمارس بواسطتها الطبقة البورجوازية المسيطرة وحلفاؤها، العنف ضد عموم الكادحين، والمضطهدين، وكل الفقراء والبطالين..الخ، كذلك الشأن بالنسبة للفساد ومناهضة الفساد، فلكل تعريفه الخاص بما يعنيه بالفساد. فجميع الديمقراطيين والتقدميين واليساريين والاشتراكيين، لم يهادنوا قط المفسدين في جميع المواقع، في الإدارة والاقتصاد والتسيير والتدبير للمرافق العمومية وللخزينة العامة وللثروات والخيرات، وجميع المرتشين والمبذرين والمستنزفين لمقدرات الوطن، لحساباتهم الخاصة.. وشكلوا الحركات والنوادي والجمعيات والتنسيقيات العديدة والمتنوعة لفضح وإدانة الفساد والمفسدين.. على عكس هؤلاء الذين استفاقوا فجأة، يصرخون ويستغيثون، ويولولون لحال المجتمع الذي تحول في نظرهم "لماخور ينشر الفاحشة ويمنع هطول الأمطار.." فالخطوة التي أقدم عليها حزب "النهج" لم تكن بالمحسوبة أو المقدرة لتداعياتها السلبية السياسية والنظرية والتنظيمية الفادحة.. بحيث ستلقي بظلالها على مجرى النضال الديمقراطي والتقدمي، وستلقي بشظياها لا محالة على الحركات والإطارات والاتحادات الجماهيرية المناضلة.. أساسا الحركة الطلابية وحركة المعطلين والحركة المناهضة للغلاء والنقابات والعديد من الجمعيات التقدمية المناضلة..الخ.
فهذه تمثل في المجمل إحدى دوافعنا وأهمها، التي على أساسها انخرطنا في هذا النقاش، لرفع اللبس وتوضيح وجهة نظرنا، ولصد هذا الدجل الكبير، ولإيقاف هذا الانزلاق والهرولة الجماعية للحضن الرجعي الظلامي، تحت حجة وذريعة "الاصطفاف ومقاومة المخزن والفساد والاستبداد" بنوع من التبريرية المقيتة. فحين تطغى البرغماتية على المبدئية في الموقف، يفقد المرء لونه ولون رايته، وبالتالي هويته النضالية التقدمية.. وهذا ما وقع فعلا "لتيتي" الذي عوض أن يشرح دواعي هذا الانقلاب، اتجه للتباهي البئيس بالانتماء في لحظة ما "لحلقة" من الحلقات أو لجنة من "لجان النضال"، التي كانت بمثابة أشكال تنظيمية تعتمدها منظمة "إلى الأمام" بداية السبعينات من القرن الماضي.. وهو سلوك لا يليق "بأمامي" سابق وبمعتقل سياسي سابق.. فالعبرة لم تكن يوما في الانخراط أو الانتماء لمنظمة من المنظمات، العبرة تكون في الاستمرارية على نفس الخط النضالي، والدفاع عن المشروع الاشتراكي علنا وجهارا، وفضح مرامي من يعاديه ويعارضه.
فالأغلبية من الرفاق الذين انخرطوا في هذا النقاش دافعوا عن رأيهم من زاوية أخرى غير الزاوية الماركسية المطلوبة، فالأغلبية منهم إن لم نقل جميع حساسياتهم، يحنون لتلك الفترة الذهبية من تاريخ الحركة الثورية المغربية، فترة الخلايا والحلقات ولجان النضال.. معتقدين أن الخط العام النظري، يغرف حقا من ماعون الماركسية اللينينية، ويعبر عن فكر الطبقة العاملة، ولا يتردد في بذل الجهد الكافي من أجل بناء حزب الطبقة العاملة "تحت نيران العدو"، وعلى أساس المرجعية الاشتراكية، بكل الكفاح والقتالية المطلوبة.. لولا خيانة الحلفاء، والبعض من الرفاق، الذين خارت قواهم أمام شراسة التعذيب والاعتقال والمحاكمات.. فالخطأ في نظر الحركات الشبيبية الآن، يوجد في الممارسة التنظيمية، وفي عدم الصمود أمام آلة التعذيب الهمجية..وهي أسباب صحيحة، لكن ليست كافية وحاسمة، على اعتبار أن الدعوة للثورة، ولإسقاط النظام، وإقامة الجمهورية الديمقراطية الشعبية لن تجد في استقبالها الورود والياسمين، بل القمع والاختطاف والاغتيال في واضحة النهار، حيث كانت تلزم هذه الشعارات العدة والعتاد، لمرافقة هذه الشعارات، وكذا توعية الجماهير الكادحة بأهمية التغيير، وبنجاعة هذه الشعارات في تأطير الحركة، والبرنامج الثوري العملي لحد الانتصار وإسقاط النظام..الخ.
الجزء الآخر والمهم من الحقيقة، والتي يجب الاعتراف بها، هو أن الرفاق زاغوا منذ انطلاقة الحركة، عن الطريق.. إذ بالرغم من حزمهم النضالي ومبدئيتهم الثورية العالية، وسخائهم الوفير من أجل انعتاق الكادحين المغاربة.. لم يتوانوا في الهجوم على الخط البروليتاري اللينيني، ودحض جميع موضوعاته من داخل لقاء تنظيمي رسمي للمنظمة سنة 74، ضحى بخلاصات البيان الشيوعي لحساب الأطروحة الماوية، وما يلزمها من جهد ومهام تنظيمية.. باعتبار أن هذه الخلاصات الماركسية التي أكدت باستمرار وبوضوح على قيادة وطليعة الطبقة العاملة خلال الثورة الاشتراكية المنشودة، لا تلائم المجتمع المغربي، الذي قيل عنه بأنه يتضمن 90 بالمئة من الفلاحين، هراء.. والذين لا بد لهم أن يتأهبوا للثورة، ولقيادتها ـ الفلاحين- في إطار من الحرب الشعبية الطويلة الأمد، على الشكل الذي قامت وتمت فيه الثورة الصينية.. ليتم الإهمال والتشطيب نهائيا عن مهمة المنظمة في بناء قواعد لها داخل المعامل والمصانع والمناجم.. وعن مهمة غزو النقابات وبناء فروع أخرى في قطاعات جديدة.. والتحضير للإضرابات والانتفاضة العمالية والشعبية، لإعلان العصيان والثورة الشاملة.. عوض الانزلاقات ومراكمة الأخطاء والتجريبية والرهان كذلك على الشبيبة التعليمية، والمبالغة في أدوارها، التي تم تقديمها كطليعة تكتيكية وكقنطرة من أجل العبور نحو الطبقات الشعبية.!
هو ذا الفكر الذي اعتنقته المنظمة، وهي منظمة ماوية الاتجاه في حقيقة الأمر، يطمسه البعض عنوة، وتروج الغالبية الساحقة من قواعد الحركة الثورية الحالية له عكس ذلك، وتجزم بأن ما تتبناه هو الماركسية عينها، وهي الخط اللينيني السديد، إذ لم تكن الحاجة حسب هذا التصور المهزوز، لبناء حزب الطبقة العاملة، وتقوية خطه الفكري والسياسي، واستقلاليته التنظيمية عن باقي الطبقات الاجتماعية المضطهدة.. ارتكازا على ما تؤكد عليه الأطروحة الماركسية اللينينية، وما تدعو له من ارتباط قوي بالطبقة العاملة، ولإطاراتها ومنظماتها النقابية والجمعوية، ومن داخل الأحياء الشعبية والعمالية، عبر نوادي الشباب، ونوادي التثقيف، وعبر الجمعيات المناضلة، وتنسيقيات الأحياء لمناهضة الفقر والبطالة والغلاء..الخ. كانت الحاجة حسب هذا المنظور الإعداد لجيش التحرير الشعبي ولانطلاق حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد..!
فهي ذي رؤيتنا وتصورنا الذي ليس بالسهل إنجازه، لكن الاعتراف بعسره وصعوبة تحقيقه على الأرض، لن يدفع بنا للتنازل عنه وتغيير المبادئ والأهداف والوجهة لحلفاء جدد، هم في الحقيقة أعداء للحرية والديمقراطية والاشتراكية.. إذ يجب التأكيد من جديد، وباستمرار على أهمية المشروع التحرري الاشتراكي وحتميته التاريخية، وعلى خط النضال البروليتاري، وعلى أهمية التحالفات مع جميع الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير، وفي القضاء على الرأسمالية، أصل جميع الشرور.. عوض التيهان والتجريب الأعمى الذي لن يسقط سوى في الانتهازية والتبريرية المقيتة.

وديع السرغيني
يناير 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم