الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن يتوقَّف ولكن..

جواد البشيتي

2017 / 2 / 13
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
تَوَقُّف الزمن" هو أحد الاستنتاجات التي يمكن، ويجب، التوصُّل إليها من "النسبية العامة"؛ لكنَّ منطق "النسبية" نفسه يُلْزِمنا أنْ نَفْهَم هذا "التوقُّف" فَهْماً نسبياً؛ فكثيراً ما فُهِمَ "تَوَقُّف الزمن" بما يُخالِف ويُناقِض هذا المنطق.
إنَّ تَوَقُّف الزمن (وتَوَقُّفِه التَّام) ليس بالظاهرة التي يُدْرِكها، ويحيط بها عِلْماً، الشخص، أو المراقِب، المرتبط بالإطار المرجعي (أو الجسم) الذي فيه تَوَقَّف الزمن؛ فهذا التَوَقُّف هو ظاهرة يُدْرِكها، ويحيط بها عِلْماً، فحسب، الشخص، أو المراقِب، المرتبط بإطار مرجعي آخر، يكون فيه الزمن أقل تمدُّداً (أو أقل انحناءً، أو أقل تباطؤاً).
وينبغي لنا ألاَّ نَخْلِط بين "تَوقُّف" الزمن و"زوال" الزمن؛ فالأمر الأوَّل ممكن فيزيائياً وواقعياً؛ بينما الأمر الثاني مستحيل، وخرافة، ولو قال به بعض من علماء الفيزياء الكونية القائلين بنظرية "الانفجار (الكوني) الكبير".
وللوقوف على معنى "تَوَقُّف الزمن"، دَعُونا نتأمَّل ما يَحْدُث لجسمٍ يَسْقُط (سقوطاً حُرَّاً) في اتِّجاه "ثقب أسود"، على أنْ نُنَقِّي مفهوم "الثقب الأسود" من شوائبه الميتافيزيقية، وفي مُقدَّمها "النقطة المركزية صِفْرية الحجم، لانهائية الكثافة" Singularity.
حركة الجسم في اتِّجاه "الثقب الأسود"، أو في اتِّجاه "سطحه"، المسمَّى "أُفْق الحَدَث"، هي حركة على شكل "سقوط"؛ فالجسم يسقط نحو هذا "السَّطح" من أعلى إلى أسفل، وكأنَّه يسقط، أو يتدحرج، في منحنى حُفْرة عميقة. وفي سقوطه (الحُر) يتسارع تسارُعاً لا مثيل له لجهة عِظَمِه؛ فسرعة سقوطه تزداد كل ثانية زيادةً هائلة.
وهذا التعاظُم في سرعة السقوط لا يَكْمُن سببه في "الكتلة"، أيْ في كتلة "الثقب"؛ وإنَّما في "ضآلة نصف قطره"، وهو المسافة بين مركز "الثقب" وسطحه.
إذا استطعتَ مراقبة جسم شَرَع يسقط نحو سطح "ثقب أسود"، فسوف ترى أنَّ سرعة سقوطه تتباطأ في استمرار؛ فكلَّما اقترب من هذا "السَّطح"، تباطأت سرعة سقوطه؛ وتظل تتباطأ حتى تراه يتوقَّف تماماً عن الحركة قبل أنْ يُلامِس سطح "الثقب".
إنَّني أَفْتَرِضْ أنَّكَ تراقبه من "أعلى"، ومن "إطار مرجعي" يكون فيه الزمن أقل تمدُّداً، أو يجري ويتدفَّق بسرعة أعظم؛ أمَّا المراقب المرتبط بالجسم نفسه فلا يرى ما ترى؛ إنَّه يرى الجسم يسقط في سرعة متزايدة، متعاظِمَة، في استمرار ؛ ويرى الزمن لديه يسير سَيْراً عادياً طبيعياً؛ فَقَلْبُه، مثلاً، ما زال ينبض نحو 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعته؛ ويرى الجسم الساقِط (والذي هو جزء منه) يَبْلُغ سطح "الثقب"، ويجتازه، بالِغاً نواته، أو مركزه، في زمن ضئيل جِدَّاً (في 10 ثوانٍ، مثلاً، بحسب ساعته).
ولو سًئِل هذا الشحص عن تَوَقُّف الزمن لديه، لَسَخِر من هذا السؤال؛ فإنَّ كل شيء، وكل حادث، عنده ، وليس ساعته فحسب، يؤكِّد له، ويُبَيِّن، أنَّ الزمن لديه لم يختلف؛ لم يتباطأ، ولم يتسارَع.
أنت الذي ترى سرعة سقوطه تتباطأ، وتزداد تباطؤاً مع اقترابه من سطح "الثقب"؛ وترى حركة عقارب ساعته تتباطأ؛ وترى قَلْبه ينبض نحو 70 نبضة في كلِّ عشر سنوات (مثلاً) بحسب ساعتكَ؛ وأخيراً ، تراه وقد توقَّف عن السقوط قبل أنْ يُلامس هذا "السَّطح". إنَّكَ لن تراه أبداً يجتاز "السَّطح"، متَّجِهاً إلى عُمْق "الثقب".
قَبْل أنْ يَبْلُغ سطح "الثقب"، ترى الجسم، مع الشخص المرتبط به، في "مَشْهَدِه (أو صورته) الأخير"؛ وهذا المَشْهَد "يَتَجمَّد"، ويظل مُتَجَمِّداً "إلى الأبد".
ويظل البشر مِنْ بَعْدِكَ (على افتراض أنَّكَ مُراقِب أرضي) يرون "المَشْهَد نفسه" ملايين، وبلايين، السنين؛ فإنَّ أقَلَّ، أو أتفه، تغيير لن يطرأ على هذا "المَشْهَد".
بهذا المعنى فحسب يُفْهَم، ويجب أنْ يُفْهَم، "تَوَقُّف الزمن"؛ أمَّا "زوال" الزمن نفسه (وهذا أَمْرٌ مستحيل استحالة فناء المادة، أو خلقها من العدم) فيعني زوال "المَشْهَد (المُجَمَّد) نفسه"، وزوال "المُشاهِد"، وزوال كل شيء؛ فلا مادة بلا زمن، ولا زمن بلا مادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ادعاءات تحتاج الى ادلة
ايدن حسين ( 2017 / 2 / 14 - 00:59 )

لا زمن بلا مادة .. و لا مادة بلا زمن .. اين الدليل
ماذا عن المكان و الفراغ .. هل ايضا .. لا مكان بلا مادة .. و لا مادة بلا مكان
لماذا الساقط في الثقب الاسود يشعر بتسارع عظيم .. اما المراقب الخارجي .. فيرى تسارعا عكسيا .. اي تباطؤا .. الى ان يتجمد المشهد في صورة واحدة ثابتة و الى الابد
و من المقالة السابقة
هل بدأ الزمان مع الانفجار العظيم .. ام كان هناك زمان قبل الانفجار ايضا
و كلا الادعائين تحتاج الى دليل
و احترامي
..


2 - مادام الفراغ يتمدد و ينقبض فلماذا لا يزول
سعيد من الجزائر ( 2017 / 2 / 14 - 17:54 )
المادة لا تفني ولا تستحدث في ايطار المنظومة الزمكانية اما الحالة الانفرادية الاولي التي تحتوي كل شئ بما فيه الزمان والمكان والتي نشا منها الكون فلا تنطبق عليها القاعدة ولا احد في الحقيقة يعرف عنها شئ فضلا عما الذي كان قبلها ان امكن التحدث عن قبل طبعا فلذا كل الاحتملات ممكنة بما فيها البزوغ من العدم المحض بل اجزم ان هذا الاحتمال الاخير هو الاكثر منطقية وتناغما مع العقل والمنطق لان فرض ازلية المادة او الطاقة في اي صورة كانت يوقعنا في تناقضات ومعضلات منطقية مستحيلة الحلول وهذا اطرحه منذ مدة علي صفحات الحوار المتمدن ولا احد واخص هنا الملحدين استطاع الاجابة عنه ويتمثل الاشكال كالتالي اذا كانت المادة في اي صورة كانت ازلية يعني ان وجودها في الماض لا نهاية له اذن كيف قطعت هذا البعد الزمني المفروض انه لا نهائي وانتهت الي الزمن الحاضر اليس هذا تناقض صريح ..قطع ما لا يقطع وانتهاء مالا ينتهي !!!!!!!!!!!
بينما التسليم بحدوث الزمكان بكل ما يحويه لا يطرح اي اشكالية ويتوافق جدا مع العلم الحديث والفيزياء الفلكية .
تحياتي


3 - معضلة منطقيةلا مناص من حلها قبل اي حديث....
سعيد من الجزائر ( 2017 / 2 / 14 - 19:48 )
حقيقة لا احد يعرف كنه المادة ولذلك لا نستطيع ان نجزم باستحالة فنائها الي العدم او امكانية ذلك لكن الاشكالية المنطقبة الكبري التي تترتب في ايطار القول يازليتها ت رقم 2 يحسم الموقف لصالح المادة الغير الازلية
تحياتي

اخر الافلام

.. حملة أُطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان سامح تُؤجر


.. الإمارات ترسل دفعة جديدة من صهاريج نقل مياه الشرب إلى قطاع غ




.. الحدود والمياه والنفط.. أبرز ملفات زيارة أردوغان إلى العراق


.. نشرة إيجاز - 283 جثة تم انتشالها من المقابر الجماعية في مجمع




.. سرطان الرئة قد يصيب غير المدخنين أيضَا.. ما هو الخطر الخفي ف