الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتظار الذي لا يأتي في رواية سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية لميسلون الهادي

هويدا صالح

2017 / 2 / 14
الادب والفن


انتظار الذي لا يأتي في رواية سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية
د. هويدا صالح
"سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية" هي الرواية الأحدث للكاتبة العراقية ميسلون الهادي والتي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، وتحكي الرواية حكاية سعيدة هانم التي تعيش مع أختها الرسامة مليكة جان في بيت واحد منذ الولادة. شخصيتان تعيشان حالة من المفارقة، فالأولى عقلانية واقعية تتابع الواقع بدقة ولو عبر شاشات التلفزيون، وتشارك في صناعة الحياة، والثانية تعيش على هامش الحياة، وتكتفي بمزاجها الفني المتقلب، فهي فنانة تشكيلية رومانتيكية تعيش عالمها الخاص في صورة ذهنية تصنعها عن ذاتها وعن الآخر، وترفض أن تسهم في مزيد من أكاذيب الواقع وزيفه، فتقوم بالهروب من هذا الواقع إلى واقع افتراضي يخصها وحدها، حتى أنها تحلم أن تكون "غير مرئية للآخرين" لأنها تتمثل مقولة سارتر "الآخر هو الجحيم". المدهش أن أختها سعيدة هانم تدرك الحالة الذهنية والنفسية التي تمر بها أختها، وتتفهم شطحاتها وحالاتها العقلية تارة والفنية تارة أخرى. تعيش الأختان في بغداد، وتمرّان بالتجارب نفسها، لكن كلاً منهما تنظر للموقف نفسه نظرة مختلفة، فـ"سعيدة هانم" واقعية، منطقية، بعكس أختها الحالمة والخيالية، "إنها تريد الهرب من تصرفاتي المزعجة بالنسبة إليها، لأنها المعنية بالعاطفة والخيال والإبداع، وأنا المسؤولة عن الواقع واللغة والمنطق. أنا العالم المألوف، وهي الروح الحرة. أنا سيدة الكلمات والأرقام وهي الشوق والإحساس.،الذوق والحركة. الأشكال والألوان.الفن والشعر والخيال الجامح. أنا أعرف تماماً من أكون وهي لا تعرف من تكون". تقوم ميسلون هادي بالتجريب في هذا النص المغاير والمختلف عن نصوصها السابقة، فتمزج بين خطابات متعددة حتى تصل إلى بناء فني يناسب هذه الشخوض المميزة التي اختارتها لروايتها، فنجد في النص خطاب فانتازي وخطاب الحكايات الشعبية، وخطاب الواقع السياسي والاجتماعي، وحتى الخطاب النفسي عبر التحليل النفسي للشخصيات" مليكة جان كانت دائما لا تجد المعنى إلا بالصورة التي يجب أن يكون عليها في عالم خيالي جامح أو غرائبي، كما في الأساطير والحكايات الخرافية، حيث تتجول إحدى الشخصيات إلى عنكبوت أو غراب أو ضفدع، والضفدع قد يقفز، ويصير أميرا وهذه القصص تدغدغ الجانب الفنتازي من شخصية مليكة جان، فحيواتنا كما تقول وقتية وعبثية وخالية من المعنى". .وتحضر بغداد بقوة في النص، فبغداد تمتلك على الأختين نفسيهما، حتى أنهما غير قادرتين على الرحيل، حيث يرغب الأخ المهاجر إلى كندا في مغادرتهما لبغداد ومغادرة هذا الوضع المأساوي. ويظل الأخ المهاجر يلحُّ عليهما حتى تأتيا، و الأخ ظلّ يلحَ، وهي ظلت ترجئ الأمر في كل يوم إلى اليوم الذي يليه"هو يريدني أن أتحدث إلى شمس الدين يوم غد. ويوم غد لم يأت بعد منذ السنة الماضية". هكذا يتجلى العنوان، وكأن الأختين تدركان تماما استحالة البعدعن بغداد، فترجئان الأمر ليوم غد، الذي لا يأتي.
الكرنفالية في النص
تتعدد الأصوات في النص، فوجهتا النظر في تناول الحدث الواحد يقدم بصوت مليكة جان ، وصوت سعيدة هانم، فرغم أن الحدث واحد إلا أن زاوية الرؤية تختلف، يتحاور صوتا سعيدة ومليكة، يتناقضان ويتواءمان، وتحلم كل منهما بالذي يستحيل تحققه، كلتاهما تتمنى أن تفر من جحيم بغداد، وكلتاهما أيضا لا تستطيعان المغادرة، ويصبح حلم " أن تكون غير مرئية " الذي حلمت به مليكة جان هو حلم سعيدة هانم أيضا، حتى يصبح الخارج داخلا ، ليحتميا من شرور بالضرورة موجودة في هذه الحياة. ورغم هذا الصراع بين الذات والعالم، ورغم تقصّد الكاتبة أن تغيب صوت الرجل، ليصير محكيا عنه، وكأنها تتمثل مقولة النسويات : أن تكون المرأة ذاتا وليست موضوعا إلا أن مقولات الرجل الثقافية والوعي الذكوري يحكمان النص، فالذوات النسوية المأزومة في النص، ليس مليكة جان وسعيدة هانم فقط تقاومان الهيمنة الذكورية عبر تفاصيل سردية صغيرة لا تلتقطها إلا عيون كاتبة بذكاء ميسلون هادي، فلا تحوّل الكتابة إلى منشور خطابي ضد الرجل، بل تكشف عن عوار الثقافة الذكورية وتقاومها بفضحها وتعريتها.
خطاب السخرية
رغم أن الكاتبة ترسم عالما تراجيديا بامتياز إلا أن استطاعت عبر اللغة التهكمية أن تقدم توصيفا كاركاتيريا لبعض شخوصها النسائية في محاولة لتخفيف وطأة المأساة التي تعيشها شخوص الرواية، فالعمة حورية التي تهيمن على النص هي وصديقاتها قدمتهن الكاتبة في صور ساخرة وعبر رسم تهكمي لشخصياتهن:" في العيد حاءا عمتنا حورية مع حبريشها الرباعي المؤلف من مفيدة السعيدة ودلال الطويلة وبربارة السحارة وسميرة الحقيرة، حورية هي العمة الكبرى لسعيدة هانم ومليكة جان، وهي التي أثبتت، مع حبريشها الانكشاري، بأن الحياة أزلية، وأنها انتقلت من نظام كوكبي إلى نظام آخر على شكل هباءات حية وصلت إلى كوكب الأرض، فبدأت بالتكاثر والتطور حتى بلغت أعلى أشكال الحياة.
إن الكاتبة تمزج بين خطابات عدة، الخطاب النسوي والخطاب الساخر والخطاب السياسي الذي يفضح ما يتعرض له العراق منذ الاجتياح الأمريكي، لكن في لغة ساخرة تبعده عن المباشرة .
البناء الدرامي
تقسم الكاتبة فصول روايتها إلى بورتريهات ولوحات قلمية، تتشارك فيها مليكة جان وسعيدة هانم وسليمان بك وحورية العمة وحباريشها، ثم تختم النص بسرديتين تلخصان عالم الرواية، السردية الأولى عن سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية، وهي السردية التي منحت الرواية اسمها" منذ السنة الماضية وأنت تقولين لي يوم غد ويوم غد ويوم غد، وها هو الغد قد جاء أخيرا ، فأنت أختي الوحيدة ولابد أن أطمئن عليك، بدا مرتاحا وهو يعد العدة لزواج أخته سعيدة هانم، كانت حجته أنه لا يجوز أن تبقى أخته الوحيدة تسكن سنوات طويلة بدون حماية أحد سوى عمته حورية وباقي العجائز اللاتي كن يزرنها بين حين وآخر" فهل سعيدة هانم حدث لها فصام نفسي، فتخيلت شخصية مليكة جان؟ هل تيقن القارئ من وجود شخصيتين أم هي شخصية منقسمة على ذاتها؟ّ!
ثم تأتي السردية الأخيرة عن مليكة جان وتمثالها الأخير، عالمها الموازي لعالم سعيدة هانم الواقعي:" لم تكن ملكية جان تظهر للعيان عندما يأتي أخي سليمان بك، فهي متعبة ومهذبة دائما، ويستبد بها الرفض للقائه كلما حضر".
إنه عالم نفسي مرواغ يتوسل بالسخرية في كشف ما تعانيه الذوات من أزمات نفسية واجتماعية، وما يعانيه المجتمع من أزمات سياسية ضيعت الوطن، وجعلت شخوص هذا العالم تعيش في المتخيل أكثر من أن تعيش في الواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في