الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطورات قد تنقلب كوارث

رياض محمد سعيد
(Riyadh M. S.)

2017 / 2 / 17
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


نظرة استباقية
تطورات قد تنقلب كوارث
كثيرة هي المقالات الناقدة للوضع السيء في العالم بشكل عام و الشرق الاوسط والعرب بشكل خاص ومنهم العراق على وجه الخصوص والتي تكون على شكل مواد اعلامية تطرح في الانترنت والاعلام بكل اشكاله لتصل الى المتلقي بكل يسر و سهولة ناهيك عن الاعلام المرئي والمسموع. وكثير من هذه المواد الاعلامية ثقافي او ادبي واحيانا نصائح وارشادات ولا تخلو من العلوم بكل حقولها وعلى رأس القائمة المواضيع الاجتماعية والسياسية التي تحضى بشعبية واسعة و يشارك فيها الكثير من رجال السياسة والعلوم واساتذة كبار في الثقافة والتاريخ والادب والفلسفة اضافة الى السياسيين ، ولا يخفى ايضا ان هناك اصوات مجلجلة تمتهن السياسة من المبتدئين وعادة ما تكون مقالاتهم مفبركة لبث السموم والاشاعات وهمهم الوحيد خلق الارباك واثارة المشاكل العامة بين الناس لمصلحة فئة او لتمرير مشهد او حدث في مكان اخر. وهذه الفئات وجدت في الانترنت باب مفتوح على مصراعيه للترويج الاعلامي المجاني اضافة الى الاعلام الرخيص في القنوات الفضائية الممولة من اموال المافيات الدولية و النهب والسلب ، وفتحت امامها الابواب مشرعة للكتابة والتعليق المجاني وكثير من الاحيان تكون بقصد السب والشتم والتحقير .. ذلك اصبح امر طبيعي فالساحة مفتوحة للجميع ويمكن لأي كان ان يتصور انه على منبر يخاطب الجماهير بما يراه او يقتنع به ، وطبعا لكل منبر جمهور قد يزيد او ينقص من المؤيدين والمناصرين او المعارضين ، هذا الحال انتشر منذ فترة ليست قصيرة وصارت الساحة الثقافية مفتوحة على اخرها ويستطيع الكل المشاركة بدون قيد او شرط ، فليس هناك ضوابط لمن يرغب بالمشاركة لا على اللغة ولا الثقافة ولا المؤهل العلمي او التربوي او حتى التعليم الابتدائي ولا داعي لمناقشة موضوع التخصص والخبرة ، حتى باتت الساحات الاعلامية متداخلة بين الكتاب و القراء على حد سواء ، ومما سهل ذلك تسابق التطورات الفنية وسهولة استخدام التكنلوجيا من قبل الجميع ذلك مما جعل هذا الكم الهائل كأنه عواصف فكرية تدور في العالم الالكتروني (الانترنت) بين افكار وعقول المهتمين والمطلعين والمختصين والطفيليين ، كلهم سواء . ولا ينكر وجود بعض المواقع التي تحمي نفسها بضوابط الانتماء المشروط للمشتركين ، و لا ننسى ايضا ان كثير من المعلومات تمر احيانا كنسمات منعشة للعقل و الفكر من المخضرمين والمختصين واصحاب المعرفة لما تحويه وتنقله الى القاريء من قيم ومعلومات ذات قيمة علمية وادبية كبيرة . ويقابلها طبعا اعاصير وزوابع الافكار السلبية التي قد تحمل في جوهرها سموم ثقافية تولد الكوارث والانتكاسات الفكرية وتحرق الاخضر و اليابس و تدمر وتقلع الثوابت الفكرية والادبية للموروث الانساني العريق المتراكم عبر الاف او مئات السنين ، ذلك الموروث الذي هذب الاخلاق والاصول و الاحترام واعطى قيمة وقدر لمن يحمل الثقافة و يمتهنها بالدراسة والتعليم و الخبرة ، ايام كان للمثقف الكاتب و الاديب اسم محترم لامع يستشهد به في الاوساط الثقافية والتربوية ، ومن منا لا يتذكر ايام الزمن الماضي حين يرغب احدهم بالترشيح للعمل في الاعلام المرئي او المسموع او المقروء حتى بعد حصوله على المؤهل الجامعي في قسم الاعلام ، وكم كان هناك صعوبة ولا زالت احيانا في الاختبارات لغرض قبولهم ودخولهم الى هذا العالم المهم لأجل الظهور الى العلن والنقاش والحوار .. بين هذا وذاك فأن التغيير الكارثي القادم الذي ستسببه هذه الاعاصير الفكرية المنفلته سيكون لها اثر سلبي كبير في بقاء الثوابت الخلقية للمجتمعات او انها في طريقها الى الزوال و الانحلال ، وقد يعتمد ذلك على قوتها او ضعفها وعلى العقائد والمباديء لنظم التربية من جهة و بين الضياع والانفلات والامبالاة من جهة اخرى .
قد تبدو الصورة قاتمة في الوقت الحاضر او ان الفكرة التي تم وصفها بعيدة عن تصورات الواقع الحالي ، لكن ، حتى لو كانت الافكار سوداوية الا ان ذلك لا يعني تجاهلها بل يجب التفكير جديا بالتصدي لها والبحث عن علاجات تمنح المجتمع مناعة تحمي الموروث التاريخي والثوابت التي صنعت منها قوانين الحياة والبقاء والتطور للانسان. ولو انتبهنا قليلا لوجدنا ان الخطر القادم الذي وصفناه قبل قليل ليس بعيد وقد لاقى تصدي و مناعة فطرية بديهية من خلال اجراءات اتخذها كثيرون لحماية موروثاتهم وتقاليدهم من الانهيار من خلال فرض موانع ومحددات وجدران حماية الكترونية .. واحيانا يتم اللجوء الى ممارسة سلطة دكتاتورية الأب والمربي في منع الانترنت عن العائلة او المدرسة اوعرقلة استخدامها .. ورغم ايجابية هذه الاجراءات الا انها ضعيفة وقد تتهم بالتسلط والدكتاتورية ، مقابل الزوابع الالكترونية الغير مقيدة امام العوصف والاعاصير الفكرية المدمرة .
لو نفكر قليلا وبشكل مبسط في ما نتعامل به اليوم من معلومات وافكار نتداولها عبر الانترنت و بوسائل الاتصالات المتنوعة كالهواتف النقالة والاجهزة اللوحية وغيرها من الاجهزة التي توفرت وانتشرت بأثمان يسهل للجميع اقتنائها نتيجة تطور التكنلوجيا ، وكلها تعمل لهدف واحد وهو ان تفتح للمستخدم نافذة على عالم المعلومات الالكترونية ، وعادة ما يبحث كل مستخدم عن ما يناسب افكاره ومعتقداته و اهتماماته ، ويملي كل وقت فراغه لأشباع رغباته ايما كانت ، فقد يجد في هذا الموقع ما يبدي اعجابه وتأييده ويمكن ان يعلق ويضيف ويساند ويدعم ، و في موقع اخر يبدي امتعاضه واعتراضه واسفه واحيانا يضيف ويشارك بالسب و الشتم ، وطبعا لكلا الموقعين جمهور كبير وقد لا يخطر في بال الكثيرين حجم التأثير السلبي لما هو معروض في الموقع على المستوى العام ، وعادة ما يتفاعل المتلقي مع المادة المنشورة و يشارك بما يشبع ذاته و رغبته. وليس سهلا ان نتصور نواتج هذا التفاعل الفكري اذا ما كان الناشر يبث سمومه من خلال الموقع بين الافراد المطلعين ، ومهما كان هذا التأثير بسيطا فان اثاره التراكمية على المدى البعيد سيكون لها اثر سلبي. فعادة ما تكون المنشورات والتعليقات عامل مؤثر و مرايا عاكسة لثقافة ومفاهيم المشاركين واهدافهم ، ولأن الساحة مفتوحة ومتاحة للجميع اذن سيشعر المشارك انه اعتلى منبرا مجانيا يستطيع من خلاله بث الافكار و المعتقدات دون فرض او شرط، ليتكون بالنتيجة كم هائل من الافكار والمعتقدات المنشورة في المواقع ذات تباينات شاسعة في محتوى تلك المنشورات من مواد معلوماتية متناقضة و مختلفة في مفاهيمها واهدافها وغاياتها فنجد فيها الرصينة المبنية على ثقافة واحترام و اخلاق موروثة ، وبين اوساط عامية رخيصة في ثقافتها و افكارها ومفرداتها ، ومع الاسف فان الاوساط الاخيرة هي الاكثرية الغالبة في عالم المعلومات الالكترونية المفتوح في على مجتمعات العالم والتي تشكل خطرا كبيرا.
من جهة اخرى لا ننسى ان هذه الشبكة العنكبوتية الضخمة تعمل بطريقة عجيبة يصعب السيطرة عليها لأنها تعتمد على البوابات المفتوحة لتلقي و نقل البيانات واذا ما استطاع البعض من وضع مصدات او حماية من الطفيليين الا انهم (الطفيليون) متقلبون و يمتازون بالتطور السريع في ايجاد البدائل وذلك يعود الى ان من هناك من يستغل الشبكة لأغراض اعمال المافيا والعصابات واحيانا تستخدم كسلاح لتدمير المقابل فكيف لا نضع في حساباتنا ان تكون هذه المنظومة سلاح مدمر للقيم والاخلاق. في النهاية نقول ان حجم الكارثة المتوقعة كبير و كبير جدا لكن الاحساس بالخطر ضعيف بسبب الشغف المتسارع للمستفيدين و صعوبة تشخيص الكارثة وابتعادها الزمني الغير منظور في الوقت الحاضر.
رياض محمد سعيد/شباط/2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة


.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا




.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى


.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟




.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين