الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يضع المؤتمر الثاني لحزب -بوديموس- الإسباني حدّا للصراعات بين زعمائه؟

مرتضى العبيدي

2017 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت إسبانيا في نهاية الأسبوع المنقضي حدثان سياسيان بارزان تمثلا في عقد حزبين كبيرين لمؤتمريهما وهما "حزب الشعب" اليميني الذي يتولى رئيسه منصب رئاسة الحكومة حاليا، وحزب "بوديموس" اليساري الذي لم يمض على تأسيسه أكثر من ثلاث سنوات تمكّن خلالها أن يصبح القوّة السياسية الثالثة في البلاد والفوز بمقاعد عديدة في البرلمان الاسباني وبرلمانات المقاطعات وفي عديد البلديات وليس أقلّها بلديتي مدريد وبرشلونة حيث فازت برئاستيهما المرشحتان اللتان ساندهما هذا الحزب.
لذلك، وإن مرّ مؤتمر "حزب الشعب" مرور الكرام في وسائل الإعلام، على الأقل الدولية منها، رغم تقهقر شعبيته في السنوات الثلاثة الأخيرة وعدم تمكنه في الانتخابات التشريعية الأخيرة وفي الانتخابات المعادة من الحصول على أغلبية تمكّنه من الحكم، أو حتى من تشكيل أغلبية حاكمة، فإنّ مؤتمر حزب "بوديموس" لقي اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام المحلية والدولية خاصّة على ضوء ما تسرّب من أخبار حول صراعات حادّة بين زعمائه المؤسسين وخاصة منهم "بابلو اغليزياس" و "اينيغو ارّيخون" الذي يعتبره الجميع المنظّر الحقيقي للحزب. وعلى هذا الأساس انبرت الصحافة اليمينية بالخصوص تبشّر بقرب نهاية "بوديموس" وحدوث انقسامات داخله من جرّاء صراع "الزعماء".
ولم تأت هذه التخمينات من فراغ، إذ شهد الحزب عديد الخلافات الفكرية، منها ما بقي داخليا ومنها ما طفح على سطح الأرض خاصة بعد استقالات بعض مؤسسيه الذين كانوا يحتلون مواقع بارزة في قياداته المركزية والجهوية. ولم يكن هذا بمفاجئ نظرا لطبيعة الحزب من ناحية، ولسيرورة تشكّله من ناحية أخرى. فحركة "بوديموس" الذي ورثت حركة "الغاضبين"، تلك الحركة وُلدت في شوارع وميادين مدريد (ميدان باب الشمس) وعديد المدن الاسبانية الأخرى بداية من يوم 15 ماي 2011 ، أي أسابيع قليلة بعد انتفاضات الشعوب العربية ضد حكامها، لم يكن مؤسسوها يفكّرون أصلا في تأسيس حزب سياسي، بل إنهم أعادوا مرارا وتكرارا رفضهم لجميع أنواع الأحزاب ولفكرة التحزّب أصلا. إلا أنّ الواقع كان أكثر عنادا منهم إذ فرض عليهم التشكل في حزب والانخراط في العمل المؤسساتي، إذا كانوا يرمون حقا تغيير طبيعة النظام القائم بالطرق السلمية وبالضغط الجماهيري كما كانوا يتصوّرون.
فما أن حل موعد أولى الانتخابات (وهي المتعلقة بالبرلمان الأوروبي) حتى تحوّلت الحركة إلى حزب وشاركت فيها. ولم يكفّوا عن المشاركة في غيرها من جميع الانتخابات الاسبانية، المحلية منها والجهوية والعامّة، ممّا بوّأهم المكانة التي ذكرنا والتي تجعل منهم ثالث قوة سياسية في البلاد بعد الحزبين التقليديين الذين تحكّما في مصائر البلاد منذ رحيل فرانكو وعودة الديمقراطية: الحزب الاشتراكي اليساري وحزب الشعب اليميني. وما كان لهذا التحوّل أن يمرّ دون أن يترك مخلفات إن على المستوى الفكري أو على مستوى الهيكلة والتنظيم، ومخلفات متأتية كذلك من التحوّل السريع للحزب من موقع الاحتجاج الجماهيري فقط إلى موقع الاقتراح والتسيير داخل مؤسسات الحكم التي تواجد فيها.
فعلى المستوى الفكري، فإن رفض قيادات الحزب للإيديولوجيا، لم يكن كافيا لمنع مناضليه من الانتماء إلى إيديولوجيا معيّنة والدفاع عنها داخل هياكل الحزب وخارجها، مما لم يكن يساعد على تشكل وحدة فكرية دنيا تبعث برسالة طمأنة إلى المناضلين والأنصار على أنهم ينتمون إلى جسم موحّد. فكان حزب بوديموس يبدو وكأنه فسيفساء فكرية تذهب من النقيض إلى النقيض، وهو ما ساهم في وقت وجيز في ظهور تيارات فكرية مختلفة حتى لا نقول تكتلات. ونظرا لهشاشة الحدود بينها، فإنها تشكلت حول الأشخاص أكثر منها حول البرامج. حيث يرى المراقبون اليوم أن مختلف الصراعات تدور إجمالا بين ثلاث مجموعات: 1ـ "الاغليزياسون" المتجمعون حول بابلو اغليزياس، 2ـ "الإرّخونيون" المتجمعون حول اينيغيو ارّخون، 3ـ والمناهضون للرأسمالية.
أمّا على المستوى التنظيمي، فإنّ تشكيل حزب جماهيري أفقي، يعادي كلّ أشكال الهرمية التي قامت عليها جميع الأحزاب بمختلف تلويناتها، أي حزب يكون لجميع منخرطيه نفس الحقوق ونفس الواجبات، ولكل واحد منهم صوت وحيد في اتخاذ جميع أنواع القرارات، إنّ هذا الشكل قد أثبت في وقت وجيز "طوباويته"، ولم يتمكن الحزب من جعل جميع مناضليه يشاركون في أيّ استشارة من الاستشارات التي قام بها ، وقد بلغ عددهم في آخر إحصاء قبيل المؤتمر الأخير 486 ألف، مع العلم أن الانخراط يتم على موقع الحزب على شبكة الانترنيت. فلوائح المؤتمر الأخير والتي طُرحت للنقاش قبل المؤتمر، لم يصوّت عليها سوى 89 ألف منخرط مثلا.
أمّا الخلافات الأخرى، فهي المتعلقة بهوية الحزب، وهي التي فرضها تحوّل الحزب من مواقع الاحتجاج إلى مواقع المشاركة والاقتراح. إذ تتصارع اليوم رؤيتان داخل الحزب: الأولى ويتزعمها بابلو اغليزياس والداعية إلى ضرورة الحفاظ على هوية الحزب الاحتجاجية، والرافضة إلى عقد التحالفات (داخل البرلمان مثلا) مع قوى أخرى (مثل الحزب الاشتراكي)، والثانية والتي يتزعمها الرجل الثاني في الحزب إينيغيو إرّيخون والداعية إلى تحويل الحزب صراحة إلى حزب اشتراكي ديمقراطي والاستعداد بأكثر "عقلانية" لتحمّل مسؤولية السلطة وعدم الاكتفاء بالمركز الثالث، وذلك بعقد التحالفات التكتيكية مع خصوم اليوم (والمقصود أساسا الحزب الاشتراكي) ولما لا، الالتقاء في بعض التقاطعات حتى مع بعض القوى اليمينية.
لذلك دافع إينيغيو إرّيخون في داخل المؤتمر على عدم ربط التصويت على اللوائح والبرامج بالتصويت على أعضاء القيادة، ولم يترشح هو شخصيا لمنصب الأمين العام الذي لم يترشح له سوى بابلو اغليزياس ومناضل آخر، فأحرز اغليزياس على 89℅ من أصوات الناخبين، بينما حصل برنامجه على 56℅، ولم يحصل برنامج إرّيخون إلا على 34℅، وتوزعت بقية الأصوات على برامج أخرى مقدّمة للمؤتمر من بينها برنامج "التيار المناهض للرأسمالية" الذي حصل على 3,4℅ من أصوات المقترعين الذين بلغ عددهم 155 ألف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة