الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطأ في الفلسفة

عبد اللطيف بن سالم

2017 / 2 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


خطأ في الفلسفة لا بد الآن من تداركه
المعروف في العلم أن "العقل " هو انعكاس للواقع وقد يحلّق بعيدا بدرجات متفاوتة .
كان العصر الوسيط بمخزونه الثقافي المتراكم على مدى قرون عديدة من الزمن عبئا ثقيلا على مفكري عصر النهضة الأوروبية وبالخصوص على مفكري عصر الأنوار من قبله حتى أن البعض منهم لم يكن يقدر - وإن أراد - على وضع هذا الوزر عنه فوقع في المجاراة والمماثلة مع أصحاب المرجعية الدينية ظنا منه أنه بتغيير الأسلوب في التفكير والتعبير واعتماد مصطلحات جديدة متميزة عن مادة العصر الوسيط من قبله سيغير بالتالي في المعادلة ويُحدث لنا رؤية جديدة للعالم ومن هؤلاء بالخصوص المفكرُ الفرنسي المشهور "رني ديكارت R.Descartes (1596- 1650م ) في بداية عصر الأنوار الذي تورّط في هذا المأزق الفكري في ما قاله في مدخل كتابه الشهير "خطاب المنهج" أو "Discours de la méthode" في الأصل الفرنسي من أن "العقل السليم هو الشيء الموزع بالتساوي بين البشر " وصدّقه الجميع في ذلك الوقت ولا يزال يصدقه الكثير من الناس إلى حد هذه الساعة في حين أنه في المنظور العلمي غارق في الخطأ من قمة رأسه إلى أخمس قدميه دونما يدري وكل من صدقوه منذ ذلك الوقت إلى هذا اليوم هم في نفس وضعه ولا يزال هو وإياهم على نفس العقلية الموروثة عن العصر الوسيط بفارق بسيط يظهر في الشكل وفي التركيبة إنه ومن وافقوه على ذلك يمثلون العقلانية التي كانت تسير بالتوازي مع الفكر الديني أو هما كما يقال " وجهان لعملة واحدة " ففي أواخر العصر الوسيط المتهالك والذي لا يزال قائما على الاعتقاد في وجود "الله" الخالق للبشر والمسوّي بينهم في "العقل" كما يدعي ، أليس هو "العدلُ" كما جاء في أسمائه الحسنى المذكورة في الكتب المقدسة و"العدلُ " لا بد أن يكون في الناس عادلا. لكن لماذا هو لم يساوي بينهم أيضا في البنية الخلقية وفي اللون والطول والعرض وفي الذكاء إذا كان قد ساوى بينهم في العقل ؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد التساؤلات التالية في مقدمة الحديث عن هذه المسألة في موقع فيلاقُرا philagora بالأنترنات : " إذا كان العقل موزّعا بالتساوى بين جميع الناس كما يقول ديكارت ما سبب اختلافهم في مستوى الذكاء ؟ وإذا كان الناس كذلك بالطبيعة ما السبب في وقوعهم في الأخطاء الكثيرة في حياتهم وكثيرا ما يُوقعون أنفسهم جراء ذلك في المهالك ؟ وما دام العقل السليمُ هذا هو الذي نميّز بواسطته بين الصواب والخطأ ما هو النظام الذي يجب اتّباعه لنفكر بالطريقة الصحيحة المطلوبة ؟ ومن من الناس من لا يشعر بمحدودية مداركه العقلية ؟ ومن من المفكرين والفلاسفة من لا يشتكي من ضعف ذاكرته التي هي من أهم مكونات هذا العقل الذي نعيش به وبه نتميّز عن باقي الكائنات الحية؟ "...
فمن إذن من العقلاء اليوم الذي لا يزال يصدّق بهذه النظرية في مجالات البحث العلمي أو الفلسفي إلا الذين لا يزالون على شاكلة ديكارت وأمثاله في تلك العقلية الأصولية أو الراديكالية المتعصّبة في حين المعروف أن الموقف الفلسفي لا يكون موقفا فلسفيا صحيحا حتى يكون على تمام الاستقلال عن كل تأثير إيديولوجي أوديني أو سياسي ، أليست الفوارقُ الحضارية بين الناس اليوم دليلا واضحا وأكيدا على اختلافنا في المقدرة العقلية ما يدحض هذه الفكرة الديكارتية (وينسفها) ويقتلعها من جذورها خصوصا إذا علمنا علما يقينيا بأن الناس ليسوا جميعا على مستو واحد من التطور الطبيعي وأن البعض منهم لا يزال يمشى على أربع ولم يبلغ بعدُ مستوى الوقوف على قدميه مثل بقية البشر ( كما نشاهد ذلك مثلا في بعض العائلات المغولية ) ومن يدري كم بقي لهم من الزمن حتى يبلغوا نفس ذلك المستوى الذي بلغه غيرهم من التطوّر وكم بقي لهم من الزمن حتى يدركوا ما أدركه هؤلاء من القدرة العقلية ؟ .
وبالتالي فإذا كان هناك تخلّف أو ( نقص ) في بعض العائلات أو الجماعات البشرية في مستوى درجة التطور فإنه بالطبع سيكون متبوعا بتخلف أو نقص في مستوى المدارك العقلية .
هذا من الناحية العملية أما من الناحية العلمية فالأنتروبولوجيون أو علماءُ التطور اليوم يعتبرون الإنسان نتيجة لحظة من لحظات تطور الكائنات الحية على وجه الأرض التي حدث فيها ما يٌعرف عندهم بالطفرة mutation la أو التحوّل فظهر هذا الكائن الحيّ الذي صار لاحقا متميزا بالنطق عن بقية الكائنات الحية الأخرى وأسس بواسطة هذا النطق حضارة قائمة على رؤى عديدة ومختلفة للعالم وليس هو كما يرى البعض ابن الله كما جاء في المسيحية ولا هو ابن آدم مجهول الهوية المفترض وجوده أبا للبشرية قاطبة كما جاء في الشريعة الإسلامية ولا هو مخلوق على صورة الله كما جاء في اليهودية في كتابهم " الصحاح الأول " وإنما كل هذه الديانات وغيرُها من الديانات الوضعية هي من جملة رؤى العالم التي تكونت للإنسان عبرهذا التطور البيولوجي والنفسي والاجتماعي .
فديكارت إذن لم يكن يفكّر في ذلك الوقت باستقلالية تامة كما هو شرط كل تفكير فلسفي بل كان من حيث يدري أو لا يدري متأثرا بما وصله من الأفكار والمعتقدات المتبقية من ذلك العصر المتراجع وما العقلانية التي عُرف بها في ذلك الزمن وفي الزمن اللاحق إلا عقلانية وسيطية رغم ما فيها من الدعوة إلى الشك واستعمال المنطق والتدبّر . وما الدافع إلى الشك لو لم يكن هو نفسه في شك من أمره ؟ وما الحاجة إلى استعمال المنطق لو لم يكن هو نفسه في حاجة إلى التأكد من أفكاره ؟ لقد حدث له شبه ما حدث لأبي حامد الغزالي من قبله (1058- 1111م ) الذي بحث في حقيقة أمره وأمر المسلمين من حوله في كتابه " المنقذ من الضّلال" الذي لم يُفلح في إنقاذه ولا في إنقاذ غيره من الضلال المتواصل الذي لا يزالون يعيشون به إلى حد هذه الساعة ولم يجد الحل له ولا لغيره إلا في الاستسلام إلى الفشل والإقرار بأنه لا سبيل لهم إلا في إيمان "كإيمان العجائز" دونما تفكير أو تدبّر .
أما ديكارت فقد لجأ إلى ما يُعرف بالمنطق الصوري وهو منطق استدلالي استنتاجي ينزل بنا من الفوق إلى الأسفل أو من العالم العلوي إلى العالم الأرضي أو بمعنى أخر من العام إلى الخاص وهذا هو المنطق الديني الذي كان معتمدا في جميع الحوارات الدينية في ذلك الزمن والذي لا يُفضى إلى أية نتيجة جديدة إنما هو عودٌ على بدء وهو منطقٌ ذهني بحت يبدأ بمقدمات عامة كنا قد سلّمنا بها أو آمنّا بها وينتهي منها إلى نتيجة متضمنة فيها كالرحى التي ترحي نفسها – وهذا المنطق هو في الأصل من إنتاج أرسطو الفيلسوف اليوناني في كتابه الشهير المعروف ب( الآلة ) أو l organon) )كما هو معروف في اللغة اللاتينية ولا يصلح إلا في الحوار والمناقشة لمنع الناس من الوقوع في التناقض فإذا قلنا : كل الناس ميّتون (مثلا) وسقراط إنسان فبالطبع سقراط ميّت أيضا ، نتيجة بديهية ومتوقعة أصلا لأنها متضمنة في المقدمة الأولى- لهذا يعتبره المناطقة التجريبيون من بعده منطقا عقيما لا ينفع في شيء فكأنما نرى ديكارت بهذا النوع من التفكير وهذا النوع من المنطق يُهوّم في العصر الوسيط ولم يخرج منه بعدُ ولعل في مقولته الشهيرة " أنا أفكر إذا فأنا موجود " دليلٌ على أنه هو ذاته قد عاش مثل هذه اللحظة من التطوّر دونما يدري، اللحظة التي اكتشف فيها نفسه في تلك المتاهة الكبيرة بأنه كائن متميز عن غيره من الكائنات بالفكر الذي بسببه هو موجود وكأنما هو يشير عن غير قصد منه بأن الكائنات الأخرى غير موجودة لذاتها ( حسب تعبير جون بول سارتر) لاحقا إنما هي موجودة فقط بالنسبة لنا نحن الذين نُدرك بالفكر وجودنا ووجودها ، أليس الوجود إدراكا كما قال باركلي الأنقليزي في فترة لاحقة أيضا ؟ وبالتالي فهذا كله من نتاج التطور المستمر في الطبيعة الحية المتحركة والمتغيرة على الدوام والتي نحن جزء منها ولا أحد يدري ماذا سيحصل لنا في المستقبل ، قد نتطوّرإلى كائنات أرقى وقد ننقرض كما انقرضت من قبلنا كائنات أخرى وإن لم تكن أرقى منا فقد كانت أضخم ، فالمسألة كما يبدو ليست بأيدينا بقدر ما هي بيد الطبيعة أمّنا التي أوجدتنا وغذتنا وألبستنا ورعتنا بحبها وحنانها دائما وما كنا لنعترف لها بالجميل أبدا وما سلمت من أذانا يوما إذ يا ما خرّبناها وياما لوّثناها وشوهناها بما سميناه عندنا ثقافة: علما ومعرفة وصناعة وتكنولوجيا وسياسات هدامة ومغرضة وما نجحت حتى "قممُ الأرض" العديدة التي التأمت في المدة الأخيرة في إيجاد الحل المناسب لها ولا حتى الحد من إلحاق الضرر بها ما قد يُهدد لاحقا بانقراض الأرض بكاملها إن عاجلا أو آجلا وليس فقط بانقراض الإنسان منها .
وبالتالي فإن القول بأن " العقل السليم هو الشيء الموزع بالتساوي بين البشر " هو موقف عقائدي وليس موقفا فلسفيا أبدا ولا بد من تنسيبه إلى الفكر الديني المتواصل من العصر الوسيط إلى الحديث إلى اليوم الحالي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ياله من اكتشاف
عبد الله اغونان ( 2017 / 2 / 18 - 00:12 )
يجب أن تطلب براءة اختراع


2 - تعليقات نفاق الصَّحافة
سميرعطا شمّاس ( 2017 / 2 / 18 - 07:08 )
philagora

وصحافةٌ صفـرُ -الضمير- كأنها، سلعٌ تباع وتشتـرى وتُعارُ

تعليقات الحوار الحوار المتمدن التسلسل: 11 الرّابط:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=548619

اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي