الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآليات المؤسساتية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية

الحسين أيت باحسين

2017 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


سيداتي، سادتي؛ تحية طيبة صادقة،
إن هذا اليوم الدراسي التاريخي يستلزم منا؛نحن ممثلي منظمات وجمعيات "المبادرة المدنية من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" المكونة من أزيد من 800 منظمة وجمعية نسائية وحقوقية وأمازيغية؛ التحية والشكر لكل من صدرت منهم الدعوة لنا للمشاركة فيه، ولكل ممثلي المؤسسات التي أبت إلا أن تشارك في أشغاله، وكذا لكل الحضور الكريم الذي لبى الدعوة لتتبع أشغاله.

قبل التركيز على "الآليات المؤسساتية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية"، موضوع هذه المداخلة، اسمحوا لي أن أذكركم؛ ونحن نحتفي في هذا اليوم (21 فبراير)، مع كل المغاربة وكافة شعوب العالم، ب"اليوم العالمي للغة الأم"، والذي بمناسبته تحذر فيه اليونيسكو، كل حين، بازدياد معدل تسارع انقراض لغات بشكل كبير، بسبب العولمة وغيرها من أسباب الهيمنة، حيث تهيمن اللغات القوية اقتصاديًا على اللغات الأخرى؛ أقول اسمحوا لي أن أذكركم بما عانت منه الأمازيغية عبر تاريخها، منذ تواجدها مع لغات كتابة سادت ثم انقرضت، مثل اللغة المصرية القديمة والفينيقية والسريانية والعبرية القديمة واللاتينية وغيرها؛ إنها (أي الأمازيغية) عانت في هذا المضمار، من شيئين إثنين لا ثالث لهما، وهما: الكتابة والمأسسة؛ اللهم إذا استثنينا "كتابات" و"مأسسات" جد محلية في فترات قصيرة من فترات تاريخها العريق؛ فحتى الممالك الأمازيغية في العصور القديمة؛ ولا الإمبراطوريات الأمازيغية في العصور الوسطى؛ التي سادت في ربوع شمال إفريقيا وكانت مستقلة سياسيا ومؤسساتيا وإداريا؛ لم تبادر بمأسستها (أي بجعل الأمازيغية لغة تدبير مؤسساتهم). وأنتم تعلمون أن لغة مّا لا تعتبر لغة المؤسسات إلا كانت، في نفس الوقت، يتحدث بهاويكتب بها ويقرأ بها، أي لغة التواصل الشفوي ولغة الكتابة ولغة القراءة؛ وإن فقدت أحد هذه المرتكزات الثلاث (أو الأتافي الثلاث) فإن مصيرها إلى الزوال، عاجلا أو آجلا).

إن المقصود بالكتابة ليس هو "مجرد مسألة الرسم بالحروف" (simple question de tran-script-ion)، فالمقصود بالكتابة هنا، هو ترقية الأمازيغية بإخراجها من الشفوية إلى حقل الكتابة والقراءة، فصد تدوين الرصيد الثقافي الهائل في مختلف المجالات؛ ذلك الرصيد الذي تمت الإشارات إليه في ما كتب عنه في لغات أخرى، والذي يضيع مع مرور الزمان بسبب طابعه الشفوي، والذي يشكل ذاكرة ذلك الرصيد الثقافي الهائل غير المحرف، ولا حتى المنسوب ل "مجهول"، كما هو الشأن لعديد من الكتب التاريخية التي نسبت لمجهولين لكونها أنصفت الأمازيغ والتاريخ الأمازيغي، وكما شكلت ذاكرة العيش المشترك للناطقين بالأمازيغية مع من توافد عليهم من أقوام أخرى أو بمن احتك بهم الأمازيغ من شعوب ذات لغات وثقافات أخرى، عبر تاريخهم العريق.

أما المقصود ب "المأسسة"، هنا، فهو أن تكون الأمازيغية لغة المؤسسات (أي لغة تتكفل المؤسسات بها لتدبير شؤونها)، خاصة بعد الاعتراف الرسمي بها، منذ الخطابات الملكية ل 20 غشت 1994، وخطاب 30 يوليوز 2001، وخطاب 17 أكتوبر 2001، وخطاب 09 مارس 2011، وفي مجموعة من الخطابات الملكية في افتتاحيات الدورات البرلمانية الخريفية بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، قصد إدراجها في إطار مشروع الديناميات المواطنة التي تسعى لتعزيز التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في السياسات العمومية بالمغرب، تفعيلا لمضامين دستور 2011؛ واستجابة لمقتضيات المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب ولتوصيات اليونسكو، ولتوجهات المجتمع المدني تجاه الحقوق اللغوية والثقافية؛ تلك الحقوق التي ما انفكت الحركة الأمازيغية تترافع من أجل تجسيدها على أرض الواقع منذ خمسة عقود (بالمناسبة سيتم الاحتفاء، هذه السنة، بالذكرى الخمسينية لتأسيس أول جمعية أمازيغية نصت في قانونها الأساسي، ضمن ما نصت عليه، على الارتقاء بالأمازيغية من وضعها الشفوي إلى وضعها الكتابي وإنقادها من الانقراض، وذلك ما بين 1967-2017)؛ ذلك الترافع الذي كان القصد منه مأسسة هوية مبنية (لا معطاة)، عمادها العيش المشترك المبني على السلم الاجتماعي والأمن الثقافي والتنمية المستدامة وضمان شروط العيش المشترك الكريم لأجيالنا المستقبلية، مع تحصين الناشئة بقيم المؤسسات المدسترة والمبنية على الديناميات المواطنة المشار إليها سابقا.

وعودة إلى موضوع "الآليات المؤسساتية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية"، الذي ليس سوى المبتغى المنتظر من تجسيد مفهوم "مأسسة الأمازيغية"، تجدر الإشارة إلى أن "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" ليس "قضية تقنية"، بل هو مسألة "إرادة سياسية حقيقة" بامتياز، ومقاربة قانونية منصفة وعادلة. إذ على "الإرادة السياسية الحقيقية"؛ (علما أن الإرادة السياسية ليست هي "النوايا الحسنة")؛ أن تطرح العلاقة بين اللغتين الرسميتين: العربية والأمازيغية، طرحا يستند إلى مجموعة من المبادئ، من بينها مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين، ومبدأ التشارك، الذي هو في نفس الوقت، مبدأ وآلية من آليات تفعيل الفكر الديمقراطي، ومبدأ الشمولية الذي يوفر للغتين الرسميتين التعايش التام دون أي نشاز من أي نوع كان، مع تفادي السياجات الدوغمائية (بالمعنى الأركوني). وهذه النظرة الشمولية تقتضي إعادة النظر في الترسانة القانونية المغربية بكاملها قصد جعلها تتلاءم مع الطابع الرسمي للغة الأمازيغية. وبذلك يمكن إصدار وتفعيل قانون تنظيمي يضمن للأمازيغية الحماية المطلوبة وكذا النهوض الشامل بها على كافة المستويات والأصعدة حتى تتمكن من القيام بوظائفها بوضعها لغة رسمية للدولة، والإسهام في تحقيق التقدم المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ولن يتم التمكن، أيضا، من ذلك إلا باعتماد آليات من شأنها بلورة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بلورة منصفة وعادلة، أي بالشرعية القانونية للأمازيغية (قوانين تنظيمية ومراسيم وقوانين عادية منصفة وعادلة؛ احترام مقتضيات الدستور كأسمى قانون للبلاد؛ الالتزام بمقتضيات العهود والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب)، وضمان التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، دون إهمال التعابير الجهوية؛ مع توفير شروط البحث العلمي والأكاديمي الضرورية للإدماج المؤسساتي، وبالدعم التقني ل "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، من خلال مؤسسة "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، لمختلف المؤسسات والهيئات والسلطات العمومية المعنية بتنفيذ أحكام القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. كما على السلطات الوزارية، والجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية، والهيئات الدستورية؛ كل حسب اختصاصاتها الدستورية؛ تقديم توصيات ومقترحات، ووضع مخططات عمل تتضمن كيفيات ومراحل إدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في الميادين التي تخصها، دون خرق للمقتضيات الدستورية.

فعلى سبيل المثال يلاحظ أن مسودة مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لم توضع، انطلاقاً من مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين، حيث جاءت خالية من القرارات الدقيقة والحاسمة التي تسمح بوضوح الرؤية عند التفعيل داخل دواليب الدولة، كما أنها تُحيل على مؤسسات أخرى في قضايا تخص التوجهات الكبرى التي من المفروض أن يحددها القانون التنظيمي بوضوح، وذلك باعتباره المرجع الذي تم انتظاره من طرف الجميع لهذه الغاية، كما ينص على ذلك الدستور. فالإحالة على "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، أو "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" في التوجهات الكبرى المتعلقة بسياسة الأمازيغية، هو أمر مُنافٍ للدستور، وقد يؤدي إلى عرقلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية عوض تسريع وتيرته، وذلك بتحديد مراحل التفعيل وكيفياته وأسسه وتوجهاته في هذا القانون، ذلك أن الأولى هو أن يسترشد المجلسان بالتوجهات العامة التي يحددها القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي يرسُم آفاق وآليات حماية الأمازيغية والنهوض بها.


إن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مؤسساتيا هو، في نفس الوقت، قضية الدولة وقضية المجتمع؛ كما أنه، في نفس الوقت أيضا، قضية رؤية مستقبلية، وقضية صون لما تحقق من مكتسبات طيلة عقد ونصف من الزمن بعد الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة في بداية الألفية الثالثة وبعد ترسيمها في دستور 2011.

على سبيل المثال أيضا، لا الحصر، يمكن الإشارة إلى الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة من أجل إدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام العمومي، وما أنجزه "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" طيلة عقد ونصف من الزمن من أبحاث ودراسات علمية وأكاديمية، وما أصدره من كتب في مختلف مجالات العلوم الإنسانية ومن دعائم بيداغوجية وديداكتيكية، وما قام به من تكوينات بيداغوجية وديداكتيكية في مجالات التربية والتعليم، وما قام به من إبرام لعدة اتفاقيات شراكة مع مؤسسات وطنية وأجنبية؛ الشراكات التي ساهمت في تحقيق العديد من المكاسب والمنجزات في سبيل النهوض بالأمازيغية؛ استجابة وتنفيذا لما جاء في الخطاب الملكي السامي لأجدير 2001، وفي الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 وفي ديباجة دستور 2011 وفي الفصل الخامس منه. مما مكن المغرب من احتلال مكانة متميزة على الصعيدين الجهوي والدولي، كمرجعية في سياسة تدبير شأن إدماج الأمازيغية مؤسساتيا. الشيء الذي سيساهم بقوة في تعزيز شعور الانتماء إلى هوية ثقافية ووطنية جماعية، ويكرس التماسك الثقافي والاجتماعي بين كافة مكونات المجتمع المغربي، ويوفر الآليات التواصلية التي تتيح الانفتاح على مختلف الحساسيات والفعاليات المجتمعية، وبالتالي الانخراط في الدينامية التي يعرفها المجتمع المغربي في اتجاهه نحو ترسيخ قيم الحداثة والانفتاح على الغير، مع العمل على ضمان السلم الاجتماعي والأمن الثقافي والتنمية المستدامة لأجيالنا المستقبلية.

لكن؛ ولكل قضية لكِنَّها؛ هذا الحلم لن يتحقق إلا إذا كان حلما جماعيا ، ما دام دور المجتمع المدني (من خلال حقه في "المقاربة التشاركية" التي نص عليها الدستور، وبالمناسبة ل"المبادرة المدنية من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" مقترح نوعي في هذا المجال سيعرضه في قادم الأيام على المجتمع المدني والسياسي) والمؤسسة التشريعية (البرلمان بغرفتيه)؛ من خلال دورها ومسؤوليتها عن "المقاربة التشريعية المنصفة والعادلة" للقضية الأمازيغية؛ لم يساهما بعد بدورهما في تحقيق هذا الحلم المؤسساتي للقضية الأمازيغية التي لا تقل أهمية من القضية الوطنية والقضية الدينية وقضية المرأة وقضية الشباب.
تانمّيرت ف ؤحسّو نّون/ت ئي ماياد ئتّوينّان
الحسين أيت باحسين
المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية،
الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالنيابة،
ألقيت في اليوم الدراسي الذي نظمه، بمقر البرلمان، فريقا حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب وبمجلس المستشارين بتاريخ: 21 فبراير 2017، حول "مشروع القانون التنظيمي رقم 16.26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأمازيغية ليست مؤهلة لتكون لغة رسمية
عبد الله اغونان ( 2017 / 2 / 23 - 19:31 )

اذ لاتملك معجما طبيعيا للتعبير عن الأفكار والعلوم

فمن يتواصل ويكتب بها ؟

حتى أنتم ممن تدعون قدرتها على التعبير والتواصل تعجزون عن الكتابة والتواصل بها

مازلتم عربا عاربة لاتكتبون ولاتدافعون عن الأمازيغية الا بلغة الضااااااااااااااااااااد

رجاء لاتوغلوا في خداعنا

اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا