الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يكون ترامب هتلر القرن الحالي

نعيم الأشهب

2017 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


م تكن معركة انتخابات الرئاسة اﻷميركية اﻷخيرة ونتائجها عادية، بل استثنائية بامتياز؛ وقد تميّزت بالمعْلمين التاليين: اﻷول - عكست أكثر من أي حدث آخر صورة الاستقطاب اﻹجتماعي في مجتمع يمتلك فيه واحد بالمئة ثروة تعادل ثروة بقية المجتمع الاميركي. وإذا كان ترامب مثلا في هذا اﻻستعراض للاستقطاب الاجتماعي أقصى اليمين، فإن ساندرز ببرنامجه كان يمثل اليسار،قبل أن تتآمر عليه مؤسسة الحزب الديمقراطي وتخرجه من السباق لصالح هيلاري كلينتون؛ والمعلم الثاني - أن كلا من ترامب وساندرز جاءا من خارج الحزبين المعنيين، وفرضا نفسيهما كمرشحين عن هذين الحزبين، وهذا مؤشر واضح على أن اﻷزمة الاقتصادية - الاجتماعية في الوﻻيات المتحدة طالت أخيرا النظام السياسي فيها، هذا النظام القائم منذ أكثر من قرن ونصف على تبادل هذين الحزبين للسلطة، واللذين يشبهان حصانين يجران عربة الرأسمال الكبير في الوﻻيات المتحدة، والمفاضلة بينهما هي كما قال فيدل كاسترو ذات مرة، كالمفاضلة بين فردتي حذاء. وحين تبلغ اﻷزمة هيكل النظام السياسي ويفقد هذا الهيكل القدرة على السيطرة، حينها، يغدو البديل، أمام رأس المال الكبير، الفاشية، كما يشير تاريخ فاشية القرن الماضي.ومعلوم أن ترامب نجح رغم مقاومة مؤسسة الدولة وبخاصة مؤسستي الاستخبارات واﻹعلام.
ولذلك لم يكن صدفة أن يباشر ترامب عمله كرئيس ليس بالاعتماد على مؤسسة الدولة وقوانينها بمقدار ما هو بالالتفاف عليها معتمدا العمل، الى حد كبير،عبر حلقة ضيقة من الصقور العسكريين والمدنيين، بدل الوزارات المعنية، والمراسيم الرئاسية. بدل القوانين السارية. وقد كانت أولى مواجهاته مع المؤسسة القضائية، التي أبطلت مرسومه العنصري، الذي يمنع دخول اﻹسلاميين من سبع دول شرق أوسطية الى الوﻻيات المتحدة ؛ والمواجهة الثانية التي أدت الى إرغام مستشاره للأمن القومي الجنرال المتطرف "مايك فلين" المشهور بعدائه ﻹيران واﻹسلام للاستقالة. وقد حمّل ترامب مسؤولية استقالة "فلين" لكل من جهازي الاستخبارات واﻹعلام. وتدشن خسارة ترامب في المواجهتين باكورة نشاطه في البيت اﻷبيض وبداية مواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة، ﻻ يمكن التكهن،بعد،كيف ستنتهي؛أما على مستوى الشارع،فكانت المظاهرات الصاخبة في جميع أرجاء الوﻻيات المتحدة والعديد من دول العالم ضد انتخابه، وتواصلت ضد المراسيم التعسفية التي راح يصدرها تباعا.
وقد باشر ترامب نشاطه الرئاسي تحت شعار"اميركا أوﻻ"؛معيدا الى الذاكرة شعارهتلر لدى صعوده الى السلطة:"ألمانيا فوق الجميع"، الى جانب الخطاب الشعبوي الذي يدغدغ المشاعر البوهيمية للرجل اﻷبيض.وقد جاء في رأس أهدافه الداخلية، حتى اﻵن، إلغاء نظام التأمين الصحي الجزئي الذي أقامه سلفه أوباما، والمزيد من تخفيض الضرائب على رأس المال الكبير، بدعوى تشجيعه على العودة الى "الوطن"، والعمل على طرد الملايين من المهاجرين "غير الشرعيين"؛ هذا من جهة،ومن الجهة اﻷخرى الوعد بتجديد القوات المسلحة،ما يعني الالتزام بربيع متجدد للمجمع العسكري اﻷميركي،والسهر على مصالح احتكارات الطاقة،بتعيين مدير شركة اكسون، أكبر شركة نفط في العالم،وزيرا للخارجية.

أما على مستوى السياسة الخارجية،فكان تقرير اﻹنسحاب من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ والموقعة عام 2015 من 12 دولة؛والتنصل عمليا من اتفاقية "نافتا" التي تضم الى جانب الوﻻيات المتحدة، كلا من كندا والمكسيك،وبدل ذلك بناء جدار الفصل العنصري بين الوﻻيات المتحدة والمكسيك، مع إلزام المكسيك بنفقات بنائه.وفيما يتعلق بالعلاقة مع أوروبا،فقد أطرى على انسحاب بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي وحرّض اﻷعضاء اﻵخرين في هذا الاتحاد على الحذو حذوها،أي تفكيك هذا الاتحاد.وإذا كان قد وصف، خلال حملته الانتخابية حلف الناتو بأنه"عفى عليه الزمن"،فقد أخبر وزير دفاعه الجديد " جيمس مايتس"زملاءه اﻷوروبيين، في بروكسل، أن بلاده ستقلص التزاماتها تجاه حلف الناتو ما لم يقم شركاؤها في الحلف بزيادة انفاقهم العسكري.أما العولمة الرأسمالية التي كانت واشنطن، منذ عهد ريغان، رائدة في تدشينها،فيريدها ترامب أن تكون ذات اتجاه واحد:أي فتح أبواب دول العالم أمام السلع اﻷميركية، وبالمقابل فرض نظام الحماية على السلع الواردة الى الوﻻيات المتحدة.وفيما يتعلق برأس المال اﻷميركي الذي هاجر وراء العمالة الرخيصة، فيريده العودة الى الوطن، متجاهلا أن رأس المال ﻻ وطن له، وأن وطنه الوحيد هو الربح والمزيد منه.
إن الخطوات السالفة الذكر في العلاقات الخارجية تشير الى أن ترامب يرى أن اخضاع دول العالم للشروط اﻷميركية غدا أسهل، من خلال علاقات ثنائية، مما هو من خلال مجموعات،في ضوء تراجع قدرات واشنطن في مجال السيطرة على الغير. وقد دشن ترامب هذا التوجه بلقائه اﻷول مع رئيسة وزراء بريطانيا، الدولة اﻷكثر إلصاقا وتذيلا للوﻻيات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وحين يرفع ترامب، اليوم، شعار محاربة داعش، بعد أن كانت واشنطن وراء خلقه،فليس إﻻّ لتبرير التدخل في شؤون ذات البلدان التي كانت ضحية هذا اﻹرهاب واستعصى أخذها بسلاحه.والهدف ذاته وراء مطالبة ترامب بإيجاد مناطق عازلة في سورية.
على صعيد آخر،يثير الانتباه البيان الذي أصدره البيت اﻷبيض،مع بداية عهد ترامب،في الذكرى السنوية للهولوكست، حيث تجاهل هذا البيان كليا، وﻷول مرة، ذكر اليهود !.كما تجاهل ترامب شخصيا،أكثر من مرة، أسئلة الصحافيين حول تزايد مظاهر معاداة السامية (أي اليهود) في الوﻻيات المتحدة.والمثير للانتباه في هذا الشأن،أن ذلك لم يحدث أية ردود فعل لدى حكام إسرائيل الصهاينة، الذين يملؤون الدنيا صراخا، إذا اشتبهوا بأحد يشكك بمجرد عدد ضحاياه.لكن هذا يثير التساؤل التالي:هل هذا بداية العودة الى تاريخ أميركا في معاداة اليهود؟. لكنه إن كان كذلك،فلا علاقة له مطلقا بالتحالف اﻷميركي - اﻹسرائيلي، وأول دليل على ذلك تخلّي ترامب عن حل الدولتين، تجاوبا مع مطالب نتنياهو. ومعروف أن الحركة الصهيونية واصلت علاقاتها بنظام هتلر وعقد الصفقات المشبوهة معه حتى وهو يرسل أفواج اليهود الى المحرقة.بل لعل حكام إسرائيل يرون في عودة معاداة اليهود مساعدة لهم في حفز الهجرة الى إسرائيل بعد أن جفت.ويبدو أن العودة الى معاداة اليهود ظاهرة مشتركة للفاشيين الجدد، ليس في الوﻻيات المتحدة وحسب، فهذه ماري لو بان، الفاشية والمرشحة للرئاسة الفرنسية تعلن بأنها إذا ما انتخبت رئيسة لفرنسا فإنها ستضع حدا ﻻزدواجية الجنسية لليهود:إما فرنسي أو إسرائيلي.فهل هذه وتلك مؤشرات أولية على عودة معاداة اليهود، في خدمة الرأسمال الكبير والصهونية معا؟
وتبقى القضية اﻷخطر في توجهات ترامب المعلنة،حتى اليوم، وهي العزم على المواجهة مع كل من الصين وايران ؛يقابل ذلك غزل يتراجع مع بوتين وروسيا. يذكّر هذا التوجه بما قام به نيكسون في سبعينات القرن الماضي، حين زار الصين التي كانت في أوج صراع إيديولوجي مع اﻹتحاد السوفييتي. كان غرض الزيارة وااعتراف اﻷميركي بالصين الشعبية واضحا، وهو محاولة التحالف مع الصين ضد اﻹتحاد السوفييتي. وتشير الصحافة الى أن الداهية الصهيوني كسينجر، هو من نصح ترامب بخطوة التقارب التكتيكي مع روسيا ﻹبعادها عن حليفيها اﻷقربين: الصين وإيران، مقابل اعتراف واشنطن بعودة القرم لروسيا ورفع العقوبات الاقتصادية عنها. لكن ما أبداه بوتين وإدارته من ذكاء وحنكة في أزمات الشرق اﻷوسط بنوع خاص،يجعل احتماﻻت نجاح هذه المناورة اﻷميركية غير وارد.وبالمقابل: فالمواجهة بين روسيا والوﻻيات المتحدة ﻻ مناص منها، إذا ما أصرّت اﻷخيرة على فتح صراع عنيف مع الصين وإيران. كان ترامب قد انتقد الغزو اﻷميركي للعراق عام 2003، وذكر بأنه كلّف ثلاثة تريليونات دوﻻر.لكن إذا غامر ترامب وهاجم أيا من الصين أو يران فإن تكلفة غزو العراق ستبدو مجرد "مقبلات" مع تكلفة مغامرات كهذه، مقرونة بفشل محقق، في ضوء المتغيرات في موازين القوى إقليميا وعالميا من جهة، وتراجع قدرات الوﻻيات المتحدة، بشكل ملحوظ،حتى عما كانت عليه لدى غزو العراق.
وإذا كان من المبكر اﻹحاطة بكل ملامح نظام ترامب،إذا ما أفلح بالبقاء،فإن إجراءاته المتسارعة كفيلة بإيضاح الصورة في وقت قريب، بمزيد من ملامح فاشية في الوﻻيات المتحدة، تتعزز في حال حقق اليمين المتطرف في أوروبا نجاحات ذات شأن، في انتخابات كل من فرنسا وألمانيا وهولندا هذا العام. لكن كل هذا يعتمد، في نهاية المطاف، على نشاط الشعوب والطبقات الدنيا، المسلحة بتجارب غنية من تاريخ صراعها مع فاشية القرن العشرين،وذلك في تضاديّها للفاشية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيناريو هوليودي جديد
ابراهيم الثلجي ( 2017 / 2 / 25 - 11:30 )
سيد نعيم الامريكان صناع الافلام وصناع الكونترا اللاتينية والعربية بشكلها الخليجي الجديد وصناع داعش ومن قبلها القاعدة وتدمير الابراج للاطاحة بالامة العربية تحت ركامها
المؤسساتية الاميركية ليست غافلة عن بروز فاشي او هتلري باسم الديمقراطية والاتيان به كان ضمن سيناريو ابعد
السيناريو الجديد اقرا به بان الديمقراطية قد تاتي بمجانين على هيئة ترامب ولوبان وغيرهم في اوروبا
اذن ما هي الرسالة
لا بد من شخصيات لها صفة قداسة على الطريقة التي كانت تتحكم بها كنيسة بولس في المصادقة على الاباطرة
خدمة (الرب المسيح) سبحان الله عما يصفون والاعتناء باوليائه على الارض
مرسيدسات وليموزينات وحياة ابهة مقدسة مع ترانيم موسيقى ملائكية ساحرة تزيد من رخامتها المعابد الفسيحة العالية مع صدى ساحر لزوم الشغل؟؟
للاختصار المطلوب بناء رغبة عند الناس ان يكون الحاكم مقدسا من عرق خاص سامي
فيتفق بالتالي كل اولياء الرب المزعومين على تشكيل حاكمية من نوع جديد لقيادة العالم والاستحواذ على ثرواته
صورة من صور توحش الرسمالية التي اساسا تقاد منذ نشاتها بهذه العقلية الفاشية الفوقية
ويتم تبرير وحدة المرجعيات الدجالة من كل نوع عالميا

اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في