الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول زيارة السبسي إلى ايطاليا والشاهد إلى ألمانيا: الاتفاقيات تحتاج إلى مشروع وطني يحدد الأولويات الدبلوماسية

لطفي الهمامي
كاتب

2017 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حول زيارة السبسي إلى ايطاليا والشاهد إلى ألمانيا:
الاتفاقيات تحتاج إلى مشروع وطني يحدد الأولويات الدبلوماسية
أدى رئيس الدولة زيارة إلى ايطاليا ورئيس الحكومة زيارة إلى ألمانيا خلال شهر فيفري الجاري، وتم خلال هاتين الزيارتين عقد بعض الاتفاقيات الثنائية وفقا لما تداولته الجهات الإعلامية والرسمية. تأتى هذه الزيارات في ظرف دقيق سواء لتونس أو لأوروبا التي تشهد تغيرات هامة سياسية واقتصادية، ولكن الأهم من ذلك قضية الهجرة غير الشرعية والإرهاب. لقد برزت عدة تقييمات متضاربة ومتداخلة يغلب عليها الطابع العفوي في غياب مقاربة موضوعية لمثل هذه الزيارات.فكيف يمكننا تقييمها بعيدا عن الدعاية السياسية الفجة من قبل الحكم؟ ما هي المقاييس التي يتم الاعتماد عليها في تقييم منحاز إلى المصلحة العامة في الفقرة الدقيقة التي تمر بها بلادنا؟.
1- الأولويات المطروحة : دبلوماسية السعي الحثيث من اجل تحصيل القروض والهبات أم دبلوماسية حول مشروع
ما من شك أن تونس في حاجة إلى علاقات دولية متطورة،و أن تكون منفتحة على العالم وعلى كافة الأصعدة خاصة في ظل المرحلة التي تمر بها. لكن هذا الانفتاح بمعناه الدبلوماسي الذي يخضع إلى التخطيط، وأساسا إلى تحديد أهداف واضحة وفقا لتصوّر شامل يخص الجانب الاقتصادي والاجتماعي، يقتضى أن تكون حركة رئاسة الجمهورية والحكومة خاضعة إلى ضبط أولويات تونسية، أي إلى برنامج واضح حتى تكون تلك الزيارات ذات جدوى لأنها منسجمة ومتطلبات المرحلة التي تحتاجها البلاد.تتمثل هذه الأولويات في تحديد منوال تنموي اقتصادي ورؤية مجتمعية ذات أبعاد اجتماعية وفقا لما طرحته الثورة التونسية من أهداف مستقبلية للشعب وللدولة.إن الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تبرمها تونس، إذا لم تكن منسجمة ضمن خطة شاملة للنهوض تبقى حركة روتينية من درجة صفر في إفادتها لما نطمح إليه.من هذا المنطلق فان زيارة السبسي إلى ايطاليا كان الهدف المعلن منها هو مزيد تطوير العلاقة مع ايطاليا في عدة مجالات مثل التعاون المالي والفني والثقافة والتربية والصحة والنقل البري والسياحة والطاقة المتجددة.السؤال المطروح، هل لممثل تونس رؤية ومصلحة دقيقة في مجالات عقد تلك الاتفاقيات وبتلك المحتويات؟ هل تلك الاتفاقيات هي التي نرغب في عقدها اليوم أم أنها في حاجة إلى تغيير جذري يكون فيها الطرف التونسي حامل لمشروع ذوا أولويات تونسية وهى أولويات منسجمة ومشروع وطني شامل؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة بديهي وهو أن الدبلوماسية التونسية إلى حد الآن تتحرك في فضاء الماضي وبعقلية النموذج التنموي السابق والذي برهن على فشله الذريع ودفع بالتونسيين إلى ثورة. فمنذ عشرات السنين وتونس تعقد الاتفاقيات سواء مع ايطاليا أو ألمانيا ولكن أثرها لا يتجاوز الحد الأدنى الذي لم يعد غاية من غاياتنا ولم يعد محركا من محركات العلاقات المثمرة.لتزال ايطاليا إلى حد الآن في علاقتها بتونس وحتى بعد زيارة السبسي الأخيرة في جانب مصلحة الايطاليين ولتزال تونس تتعامل من موقع الدوني الذي لا حول له ولا قوة سوى طلب إعانة تونس للخروج من وضعها المتأزم وهى زاوية نظر خطيرة لأنها سوف تعمق النظرة الدونية لتونس من قبل الدول المانحة أو الدول التي تحاول الدبلوماسية التونسية استعطافها.لدى التونسيون اليوم عدة نقاط قوة يمكن أن تحقق لها إبرام اتفاقيات شراكة قوية للصالح العام ولكن سياسة الماضي لا تنظر إلا من زاوية مد اليد.من بين نقاط القوة هي قضية الهجرة وهى بيد تونس ولكن تراها رئاسة الجمهورية والخارجية التونسية أنها بيد البلدان الأوروبية.
أما زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى ألمانيا،فلم تخرج عن نفس التفكير والمنهجية التي أدى بها رئيس الجمهورية زيارته إلى ايطاليا.فمن حيث الهدف لم يكن واضحا والاتفاقيات لم تخرج عن نطاق ما جري به العمل سابقا أما الموضوعات الأكثر خطورة مثل الهجرة والإرهاب فان المقاربة التونسية ظلت مبهمة تنتظر الموقف الألماني لترد الفعل وفقا إلى الراهن وليس وفقا لرؤية شاملة سواء فيما تعلق بالهجرة أو الإرهاب أو بالنموذج التنموي وبمرجعية دبلوماسية ذات أهداف وطنية واضحة.
2- السيادة الوطنية من خلال الاتفاقيات
من بين الأفكار المشاعة حول السيادة الوطنية والاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، أنها عنصر انكماش وسلبية، ومن بين الأفكار والممارسات الشائعة كذلك أن الاتفاقيات تتم على قاعدة المصلحة. لكن هل أن المصلحة المتناقضة والسيادة الوطنية يمكننا قبولها من منطلق أنها مصلحة ولو كانت حينيّة؟
إن طرح السؤال المتعلق بالسيادة الوطنية ليست الغاية منه المجادلة النظرية، وإنما إعادة النظر لتقييم الزيارات والاتفاقيات التي يبرمها الائتلاف الحاكم اليوم ومدى تأثيرها على مستقبل تونس القادمة أي مستقبل الأجيال. فمن الواضح أن الاتفاقيات التي لا تندرج ضمن رؤية تنموية وإستراتيجية واضحة يمكن أن تعود بالضرر على الأجيال القادمة ولعلّ أهم مثال على ذلك أن الاتفاقيات سواء مع ايطاليا أو ألمانيا كانت مرتبطة بشكل يكاد يكون ميكانيكي وهي الاستثمار على قاعدة تسهيلات تصل إلى حد الضرر بالنسيج الاقتصادي التونسي، والنقطة الثانية هي الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة الحرة والتبادل وبالتعليم غير الخاضع إلى تصوّر تربوي تونسي، وكذلك الهبات والإشارات السياسية للتدخل من اجل ضمان المزيد من التداين ولا يخلوا كذلك الموضوع من الاتفاقيات الأمنية والتي تبقى في إطار شبه سرّي.إذا من بين العناصر الأساسية لتقييم مثل هذه الزيارات هي المسالة الوطنية والرؤية التنموية الإستراتيجية والتي كانت غائبة بامتياز خلال الزيارتين .
3- التونسيون بالخارج،الطرف الأكثر تضررا
من الملفت للانتباه خلال هاتين الزيارتين أن موضوع الهجرة غير الشرعية كان على طاولة النقاشات لأنه موضوع مطروح من قبل ايطاليا وألمانيا، أما موضوع التونسيون بالخارج فلم يطرح بتاتا لأنه من المفترض أن يكون مثارا من قبل الخارجية التونسية ويقدم كعنصر أساسي في أي اتفاق مع الدول الأوروبية لأنه من بين نقاط القوة بالنسبة لتونس. يعيش في ايطاليا حوالي 235 ألف تونسي جلّهم يدفع الضرائب، وحوالي 100 ألف بألمانيا من اليد العاملة بمختلف الاختصاصات فمن المفترض أن تكون لتونس سياسة خارجية تعتمد على هذا العنصر الهام.لكن الغريب أن تتحول نقاط القوة إلى نقاط ضعف للضغط على تونس.التونسيون بالخارج هم قوة مالية واقتصادية واجتماعية ودبلوماسية منسيّة من قبل الحكم اليوم، والأخطر من ذلك أن الدولة التونسية في شخص رئيس الحكومة وافقت على ترحيل حوالي 1500 تونسي من ألمانيا على أساس الهجرة غير الشرعية، وهذا الاعتراف سوف تكون له تداعيات خطيرة على كافة الأصعدة وخاصة الضغط السياسي على تونس في عدة نقاط تفاوض منها اتفاقية الشراكة بالأخص.
أما النقطة السلبية الثانية وهي الربط بين الهجرة غير الشرعية والإرهاب وهو ربط متعمد الغاية منه الابتزاز السياسي لان تونس في الحقيقة ليست مسئولة عن الأمن الداخلي الألماني أو الايطالي وإنما هي ملزمة بالتعاون الأمني الاستخباراتي والذي من المفترض أن يكون بعيد عن قضية الهجرة غير الشرعية لأنها مرتبطة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي ولا تمثل خطرا على الدول الأوروبية على شاكلة الإرهاب.كما أن تونس ليست مسئولة عن السياسية العدوانية للدول الغربية والتي بمقتضاها تخاض الحروب وتنهب الشعوب.كما ان الهجرة غير الشرعية ليست المصدر الأساسي لتنامي الإرهاب بالدول الأوروبية وإنما هم من بين ضحايا تدخل تلك الدول في بلدانهم.
4- المميزات الأساسية لدبلوماسية وطنية
ما يميّز الائتلاف الحاكم اليوم انه غير حامل لمشروع، فهو عبارة عن حكم تسيير أعمال من الصنف الرديء. فلا إصلاحات اقتصادية هيكلية ولا تخطيط لمشروع تنموي جديد ولا برنامج اجتماعي واضح الأفق.في مقابل استمرار تفاقم الركود الاقتصادي وارتفاع نسق البطالة وتراجع كافة المؤشرات الأساسية لنهوض ممكن. على نفس الطريقة فان الدبلوماسية التونسية لم يقع إصلاحها وهى تنشط بنفس المنهجية القديمة في ظل متغيرات داخلية وخارجية.
انه من الضروري اليوم، أن يكون للدولة التونسية سياسية دبلوماسية واضحة وفقا لمتطلبات الوضع الداخلي. من بين العناصر الأساسية التي يمكن أن تكون نقلة نوعية هي أولا وقبل كل شيء تحديد الأولويات الوطنية أي احتياجات تونس ثم رسم منهجية موضوعية لتحقيق تلك الأهداف على قاعدة السيادة الوطنية ويتم ترجمة ذلك عمليا في إعادة النظر في كافة الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف المناهضة لمصلحة الشعب التونسي والمتناقضة والمعاهدات الدولية. إن تحديد موقع كل دولة و تمتيعها بامتيازات استثمار أو غيره يكون من موقع مصلحة تونس العليا وليس على قاعدة الابتزاز السياسي المرتبط بقضايا مرحلية أو بنزاعات وأطماع دول كبرى تسعى إلى إعادة توزيع خارطة نفوذها الجيوسياسي في المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم