الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام ترنيمة الملائكة

عزيز سمعان دعيم

2017 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رنّم جوق الملائكة ليلة الميلاد أروع ترنيمة بأسمى الألحان وأقل الكلمات. فيها ثلاث عبارات قليلة الكلمات غنيّة المضامين، يتوسطها السّلام الحقيقي، وهو الآلية الصحيحة لوضع الأمور في نصابها السليم، سلام ما بين الأعالي والنَّاس.
سلام الله يهدف لتحقيق غرض الله في بشريته، غرض الله نحو الانسان الذي يقبله ويعيش وفق المخطط الإلهي، إذ تغمره السعادة والمسرّة، وهذه غاية الله لكل منا، وبالتالي يَرفع الانسان وتَرفع البشرية المتنعمة بالسلام التسبيح والحمد والتمجيد نحو الله، معترفين بحقّه وفضله ونِعمه علينا، فنعيش لمجده. فغاية الله لنا سعادتنا، وسعادتنا تمتلئ بفيض غزير في اعلاننا مجد الله، من خلال السّلام الذي صار لنا برّب السّلام. «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا2: 14).
التجسّد هو رسالة الله للإنسانية التائهة المضطربة، والرسالة السماويّة موضوعها السّلام، السّلام الحقيقي المبني على عمل وقصد ووعد الرّب، هو سلام يعمل باتجاهين، الأول: سلام عامودي، أي سلام مع الله "المجد لله"، والثاني: سلام أفقي، أي سلام مع الآخر، مع الناس "بالناس المسرّة".
كما أننا في هذه الآية المجيدة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"، نرى ونلمس السلام الحقيقي بأبعاده وأسسه الأربعة:
- السلام الروحي: "المجد للّه في الأعالي"، أي علاقة سليمة مع الرّب، فيها يعلن الإنسان حاجته إلى الرّب الذي هو خلاصه وملجأه، والذي به يحيا ويتحرك ويوجد، وكل نسمة فيه هي من نِعَمه وفضله عليه، فيعيش حياته في وسائط النعمة مسبحًا وشاكرًا عظيم مراحمه وألطافه عليه.
- السلام الذاتي: "المسرة"، عندما تكون العلاقة سليمة بين الإنسان والله، يُعشِش السلام داخل الانسان، فتغمره السعادة وينعم بالسلام الداخلي وهدأة البال.
- السلام الاجتماعي: "بالناس المسرة"، عندما يحلّ سلام الله في الانسان، يفيض الانسان بالسلام تجاه أخيه الانسان، وتجاه عائلته ومن حوله ومجتمعه، فيمتد السلام وينتشر بنعمة اللّمسة الإلهية، ليحُلّ في كل شخص ومجتمع يفتح باب قلبه لسلام الله ومحبته، فتسوده العلاقة السليمة النابعة من مصدرها الإلهي.
- السلام البيئي: "على الأرض السلام"، سلام الله الذي يملأ مؤمنيه، يؤثر فيمن حولهم من أفراد ومجتمعات، لتعُم المسرّة، بل ويتعدى ذلك ليشمل البيئة المحيطة، لتتحول لبيئة تعيش حياة سليمة بكل ما فيها من حيّ ونبات وجماد، مكللة برأس الخليقة: الإنسان.
السّلام الحقيقي، يتكلل بالامتياز وهدأة البال.
الامتياز: في عبارة "المجد لله في الأعالي"، نجد كلمات "المجد" و "الأعالي"، وهي مضامين فيها سمو ورفعة في أعلى المعايير، ويكون الامتياز في أبهى تألقه عندما يكون مصدره من الله ويُقدّم إلى الله.
هدأة البال: كلمة "المسرّة" هي كلمة تحمل في طياتها الفرح الذي لا يُنزع، فمهما اضطربت الأمور من حولك، واهتزت الأرض، وماجت البحار، وتقلقلت الدول، وانتفض الساسة، وفَسُدت السياسات، فالمسرّة الإلهية لا تتزعزع، لأنها مستندة على صخر الدهور، فوعد الأمين صادق "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (يوحنا14: 27)، وهو القائل " قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنا 16: 33).
ترنيمة الملائكة تتناغم بل تندمج مع ترنيمة وتسبيح التلاميذ والجماهير التي رحبّت بدخول الرّب المخلّص إلى اورشليم قائلين «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!» (لوقا19: 38)، فقد كان هذا اعلانًا عن أن السلام الذي بشر به جوق الملائكة في الميلاد، على وشك أن يتحقق في الصليب، وها هو يسوع مُصوّب وُجهَته نحو إتمام الفداء، ليعلن السلام في السماء بدمه لغفران خطايا من يؤمن به، ليحل سلامه فيه ويملأ السلام الأرض. فالسلام الحقيقي مبني على مصالحة الله القدوس للبشرية الخاطئة بالفداء الذي قدمه الرّب يسوع كفارة عن البشرية بعمله على الصليب، فكابن الله القدوس أمسك بيد الله، وكابن الانسان البار الذي لم يفعل خطية أمسك بيد الانسان، ليصالحنا بجسده على الصليب، فيعم سلامه الأرض "لكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ" (أفسس2: 13-18).
مشيئة السماء أن يحُلّ السلام على الأرض، ويسمو السلام بامتيازه إلى السماء ليعطِ المجد للرّب، ويتواضع ببساطته إلى الأرض ليملأ الناس هدأة بال ومسرّة، هذه هي المشيئة الإلهية، لا للمعاناة والفقر والجهل والمرض،
بل للخلاص والمسرة والفرح الحقيقي وهدأة البال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل