الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين النقد و الانتقاد

يوسف شوقي مجدي

2017 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بين النقد و الانتقاد ، و تاريخ موجز عن النقد



ما هو الانتقاد ؟ ، يمكننا القول انه الحكم علي شيء ما انه خطأ علي اساس افكارنا او معتقداتنا ، و بهذا يصبح الانتقاد امر غير مستحب يدعو الي النفور ، لانه يأتي الي اذهاننا هذا التصور النمطي الشكلي عن الانتقاد علي انه الحكم الذاتي علي الاشياء ، علي سبيل المثال من ينتقد اللون الوردي لانه لا يحبه ، او انتقاد طريقة حديث معينة او هيئة شكلية لانسان..الخ ، و لكن لا يتبادر الي اذهاننا تصور اكثر عمقا ، يمكننا ان لا ندرك انه انتقادا ، و لكنه هو كذلك ، مثل انتقاد اي شيء انطلاقا من مباديء فكرية معينة يعتنقها الشخص ، ولا اقصد مباديء دينية فقط و لكن مبادئ علمية ايضا او اي مباديء فكرية ، فما الذي يميز تلك المباديء او القوانين لنستبعد احتمالية كونها انتقادا ؟ ، هل يمكن لان العلم يعتمد علي الادلة المادية و بقية منطلقات الانتقاد لا تفعل ذلك ؟ و لكن فكرة الاعتماد تلك توجد بداخل النظام نفسه اي تمثل جزء اساسي في تكوينه و في بعض الاحيان تعبر عنه و تمثله ، بمعني اخر ، عندما نقر بصلاحية فكرة "الاعتماد علي الادلة " ، كأننا نأخذ من الشيء الذي نحاول اثبات تعاليه ، دليلا في ذاته علي التعالي او الصحة ، و هذا بالطبع مرفوض ، لاننا سنكون مازلنا نحاول "فرض المعايير علي الوقائع فرضا من الخارج " (*) و تظهر عندنا مشكلة "استحالة بيان خطأ اي شيء " التي تشل عقولنا بسبب تمسكنا الجامد بمعاييرنا ، و اصرارنا علي فرضها من الخارج.
فمن الأفضل استخدام "النقد " ، و بعكس الانتقاد ، يبدأ النقد من الداخل و ليس من الخارج ، اي انه يخلو من فكرة " الفرض من الخارج" و المعايير التي يستخدمها الناقد من المحتمل انه لا يؤمن بها ،لان تلك المعايير هي نفس معايير الشيء المراد نقده ، فالنقد لا يهتم بصحة نظام ما في المطلق لكنه يهتم بكفاءة النظام ، اي مدي تناغم عوامل قيام النظام وخصائصه مع بعضها البعض او تنافرها و يطلب ذلك معرفة اسباب نشوء تلك العوامل او الوقائع و ما الوقائع الجديدة التي سينتجها النظام خلال مراحل تطوره ، مثل ما فعل ماركس في تحليله العلمي لرأسمالية القرن التاسع عشر ، الذي كما نعلم ، افضي الي معرفة اسباب نشوء علاقات الانتاج في النظام الرأسمالي و معرفة ما الذي ستؤول اليه ، تناقضات الرأسمالية اي النظام الاشتراكي.
و شكل اخر للنقد ،هو النقد "المحايث " اي الذي يمشي جنبا الي جنب مع حقائق النظام محاولا اكتشاف وظيفة الادعاءات المحايدة في المجتمع في تدعيم النظام او الواقع مثل السينما و الفن بل و الثقافة ايضا ، و هذا الشكل اتبعته او في الحقيقة ابتدعته مدرسة فرانكفورت النقدية بجيلها الاول (ادورنو و هوركايمر و ماركوزه ) ، حيث بَيّن أدورنو و هركهايمر عملية صناعة الثقافة cultural -industry في كتابهما "ديالكتيك التنوير " و اثرها في تشكيل وعي الجمهور و تأييدها لسيرورة التشيؤ reification ، ذلك المصطلح الذي ظهر مع جورج لوكاش ، ويعني ظهور محتويات الواقع القائم و كأنها اشياء ثابتة خالدة لا تتحرك بدلا من تقديمها علي ان لها اصل اجتماعي و اقتصادي ، و اوضح ماركوزة فكرة التسفيل الكبتي repressive de-sublimation، و ذلك المصطلح الذي يبدو انه مناقضا لمصطلح فرويد ، و هو التصعيد الكبتي ، بمعني كبت الانسان لبعض غرائزه و توجيهها لاشياء اخري مثل الفن و الذي يساعد بدوره في رفع مستوي الحضارة و هنا يحدث التصعيد ، و لكن ما يقوله ماركوزه هو حدوث التسفيل ، و لكن هذا لا يقلل الكبت بل يزيد منه ، بمعني انه بعض السلع لكي تباع تحتاج استجابة ليبيدية من المُشترِي و هذا لا يحقق السعادة فيُزيل الكبت بل يزيد منه.
و اخيرا في الحديث عن النظرية النقدية ، و علي نفس الخط الفرويدي يمشي كريستوفر لاش في كتابه ثقافة النرجسية ، فالنرجسية بالنسبة لفرويد هي حالة طبيعية يمر بها الطفل في مراحل تطوره فيعتبر نفسه مركز كل شيء ثم يتعرف الطفل علي العالم فتزول نرجسيته ، و لو استمرت ، تصبح مرضا و ما رآه لاش ، ان المجتمع الحديث بإعلائه من قدر النجاح المهني و المالي يعزز من نرجسية الفرد البالغ و التي تساعدها ايضا عملية صناعة الثقافة في تشكيل شخصية الفرد فينشأ بما يعرف بالثقافة النرجسية cultural narcissism.
و يظهر نقد منظومة فكرية او مادية ما علي شكل وضع تلك المنظومة مع منظومات اخري في سياق أو تطور تاريخي ، وذلك لنفي الادعاءات المتعالية لدي المنظومة ، و هذا ما فعله ماركس عندما تعامل مع الرأسمالية ، كما ذكرنا سابقا ، فكان يريد ان ينفي الادعاء القائل ببقاء الرأسمالية و انها أقصى تطور يمكن ان يصل اليه المجتمع.
و ما قام به هابرماس في نقده لما بعد الحداثة ،و إظهاره ان مرحلة ما بعد الحداثة تمثل جزءا من الحداثة نفسها و ذلك عندما ينتقد الما بعد حداثيون ، الحداثة باستخدام ادوات الحداثة نفسها ، و هنا ينشأ ما يدعوه هابرماس بالتناقض الأدائي performative contradiction اي تناقض ما يقوله الكاتب مع ما ينويه ، مثل انتقاد الما بعد حداثيين لمفهوم الحقيقة و هم يكتبون ليعتبر الناس كلامهم حقيقي.
و النقد ليس احتكارا للماركسيين او المنظرين النقديين ، فقدم بعض فلاسفة ما بعد الحداثة ما يعتبر نقدا ، مثل جان ف.ليوتار ، الذي قال ان في العصر ما قبل الحداثة ، كانت تنتشر القصص و الاساطير الكبري ، و عندما جاءت الحداثة ، رفضت تلك الاساطير و القصص و لكنها صنعت اساطير مماثلة علي صورة سرديات كبري grand narratives ، مثل سرديات التقدم و تحرر الذات و التي أطلقت وعودا لم تتحقق ، ففي مقابل ذلك نشأ ما يعرف "بموت الذات " الناتج عن كون الذات جزء لا يتجزأ من السياق التاريخي.
و اخيرا في حديثنا عن النقد ، ما قصده نيتشة بنقد العلم او الوضعية ، و هو ان العلم يدّعي الموضوعية كونه يهتم بالحقائق الفيزيائية ، و لكن يري نيتشة ان العلم او الوضعية هي ضرب من ارادة القوة اي انه ، اي العلم ، يحوي بين طياته بُعد ذاتي و ميتافيزيقي ، بمعني ان سيادة العلم في الغرب كان بسبب معرفة ان العلم هو الطريق الامثل لتحقيق السيطرة علي الطبيعة اي تحقيق افضل النتائج ، و استخدم المنظرون النقديون هذا الخط النيتشوي ، في فهم دور العقل الأداتي ، في المجتمع الحديث من تعزيز سيرورة التشيؤ، و السيطرة علي الانسان و العقل الاداتي هو العقل الذي يهتم فقط بالتقنية و تحقيق نتائج السيطرة او الفائدة ، و يمكن ايضا ان نلمس تأثير نيتشة بشكل اكبر عند فلاسفة ما بعد الحداثة مثل ليوتار كما ذكرنا.


المصادر و المراجع:

(*)النظرية النقدية لآلن هاو
١ النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت..د.كمال بومنير
٢اصول الفلسفة الماركسية (٢جزء ) لجورج بوليتزر
٣فكرة الثقافة تيري إيجلتون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار