الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الغلافي في رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء للروائية المصرية سلوى بكر

هويدا صالح

2017 / 3 / 3
الادب والفن


الخطاب الغلافي في رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء للروائية المصرية سلوى بكر
د. هويدا صالح


التشكيل الفني للغلاف
يتخذ التشكيل البصري للغلاف شكلين، فإما يكون تشكيلا واقعيا ، تشكيلا تجريديا، ويأتي غلاف رواية "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء " للروائية المصرية سلوى بكر التشكيل الواقعي ، فيشير بشكل مباشر، فالعربة التي يتم تجهيزها من قبل ساردة النص لا تصعد إلى السماء ، ويأتي التشكيل البصري ليعبر عن هذه الحالة.
من خلال التشكيل الفني للغلاف يمكن أن نتلمس رؤية الكاتبة للعالم، وقد يرى البعض أن تصميم الغلاف يشكله المصمم وليس كاتب النص، ومن ثم لا يصلح أن نعتبره أحد العتبات النصية التي يُقرأ بناء عليها النص، و يمكن الرد على هذا الرأي أن الفنان لا يقوم بتصميم الغلاف إلا بعد قراءة النص، واستلهام أجوائه ، لذا يمكن اعتبار الغلاف علامة نصية دالة على أجواء العربة الذهبية التي لم تصعد للسماء.

مثل غلاف رواية العربة الذهبية عتبة هامة ودالة لقراءة الرواية، فمنذ الغلاف نستطيع أن نتلمس رؤية الكاتبة للعالم. أول ما يلفت نظر القارئ هو سيطرة اللون الأزرق القاتم على التشكيل البصري للغلاف، أو ما يُسمى شعبيا باللون " الكحلي " وما يستدعيه هذا اللون من مخزون ثقافي يربطه بعالم الحزن والإحباط والفشل في الفعل( لا تصعد للسماء) وهو يتشارك مع اللون الأسود في دلالاته التي ترتبط بالكآبة والحزن ، ففعل الصعود إلى السماء الذي جهزت العربة الذهبية من أجله يفشل، بسيطرة لا النافية على الغلاف.
تتربع على هذه المساحة من اللون الكحلي الكابي رأس حصان أبيض ، مطهم بالأحمر من بداية الغلاف من أسفل، وحتى منتصفه أسفل العنوان،وكأنه يخرج الرأس عالية متصاعدة ابتداءً للإيحاء بالصعود المنتظر، فيغطي اللون الأبيض المطهم بالأحمر على المساحات القاتمة التي فرضها اللون توحي بالأمل في الصعود.
وتزيد من مساحة الأمل تلك الجملة التي كتبت بلون ذهبي لتكسر حدة الدلالة التي بسطها اللون الأزرق القاتم، تتربع مفردة العربة ووصفها بالذهبية أعلى الغلاف بلون ذهبي ومعرفة الألف واللام دلالة على التعريف والإشهار، وكأن القارئ يفترض ابتداء معرفته بـ " العربة الذهبية "، لكن الأمل لا يستمر طويلا، فنجد علامة النفي " لا " ترسم بشكل طولي على يمين الغلاف ، فتأتي كلمة "لا "لترسم مثلثلا منفرج الزوايا، فنجد المثلث منفرجا من أسفل لأعلى ليبسط دلالة الرفض وفقدان الأمل والإخفاق، وبجوار حرف اللام تتربع جملة " تصعد إلى السماء " بلون أبيض من أسفل إلى أعلى ويجوارها بخط أقل حجما جملة تصعد إلى السماء. العنوان كتب بخط النسخ بما له من تحديد ووضوح لمعالم الحروف، وتتناثر النقاط كنجوم على حروف " العربة الذهبية"، كما يتربع هلال صغير أعلى جملة لا تصعد، وأسفله تتناثر نجوم ذهبية، لتصير دلالة سيميائية على السماء.
تأتي أسفل العنوان كلمة " رواية" بخط أصغر وبلون أبيض خفيف، لتشير إلى تجنيس العمل، ومن أسفلها يتربع اسم الكاتبة" سلوى بكر" بخط أصغر من العنوان وبذات اللون الأبيض، وهذا البنط الصغير الذي كتب به اسم الكاتبة ربما يفسره أن هذه الرواية هي الرواية الأولى للكاتبة، وأن اسم الكاتبة لم يكن قد اشتهر بعد، فقد نشرت هذه الرواية في عام 1990، وكانت الكاتبة قد أصدرت قبلها مجموعة قصصية واحدة. ثم يتربع أسفل يسار الصفحة مربع مرسوم فيه شعار دار النشر، وبجانبه مكتوب اسم دار النشر باللون الأبيض " دار سينا للنشر " .
تتجاوز الكاتبة عتبات الإهداء والتصدير لتدخل مباشرة على النص، ربما يشير هذا إلى رغبتها في أن
تحكي الرواية قصة مجموعة من النساء دخلن السجن لأسباب اجتماعية عديدة، ويبدأ السرد بضمير الراوي العليم، ليحكي لنا قصة عزيزة الإسكندرانية التي وقعت ضحية لرجل ما هو زوج أمها، استغل براءة الأعوام الاثنى عشر وهيمن على روحها وجسدها، فوهبت له الصغيرة كل حياتها في غفلة من الأم الكفيفة، فثمة رجل خمسيني تزوج من امرأة كفيفة وكانت لهذه الكفيفة طفلة صغيرة عاشت في كنف زوج أمها، لكنها حين بدأ جسدها في التفتح، وعلى أعتاب الأنوثة يشتهي الرجل الجسد الغض، فيقيم معها علاقة سرانية لا يطلع عليها مخلوق حتى الأم الكفيفة، ويتفتح الجسد الأنثوي بين أيدي الرجل، ويظل مهيمنا على روحها ووعيها حتى أنها ترفض كل من يتقدم لخطبتها من الشباب، وتكتفي بأن تعيش في محراب العجوز، وحين تموت الأم، وتكون الصبية قد أصبحت متفتحة الأنوثة، يخونها ويُقدم على الزواج من صديقة لها، ساعتها تغضب العاشقة الصغيرة وتقرر قتله بدعوى أنه رجل غريب استلب روح حبيبها، وأن حبيبها لا يمكن أن يخونها، وحتما هذا الذي يريد أن يتزوج بغيرها بعد كل التضحيات التي قدمتها له ليس حبيبها.
يسيطر عليها الجنون وتقتله. تدخل السجن وهناك تلتقي بهذه العوالم المختلفة من حيوات نساء وضعتهن الظروف الاجتماعية في السجن. تتخذ الكاتبة فكرة الصعود إلى العربة الذاهبة للسماء كتكأة سردية لتستعرض كل هذا الظلم الواقع على النساء، فكل شخصية تقرر عزيزة الإسكندرانية أن تصطحبها معها للسماء تحكي حكايتها وتُعرِّف القارئ بها، ثم تقرر أن تصطحبها معها إلى السماء. كان معيار عزيزة في الاختيار أن يكن هؤلاء النسوة طيبات وخيرات وألا يكن شريرات بطبعهن، بل يجب أن تكون الظروف الاجتماعية هي التي دفعتهن لذلك. إذن هي تقدم تبريرا سرديا لتدفع بالشخصية إلى الفضاء السردي.
النصوص الداخلية في الرواية
أولاً ـ الإهداء:
الإهداء عتبة نصّية تحمل علامات لغويّة وإشاراتٍ دلاليةً وإيحاءاتٍ رمزيةً، يعلن فيها المؤلِّف عن إهداء كتابه لشخص ما أو لمعنى أو لرمز من الرموز. وقد يكون الإهداء بشكل مباشر إلى شخص أو شخوص بعينها، فيجد القارئ نفسه أمام المُهدِي ( المؤلف) والمُهدَى إليه الشخص الذي اختاره المؤلف، ليتوجه إليه بالخطاب الإهدائي.
وقد يقدم الكاتب نصه دون إهداء ما سواء خاص أو عام، وهنا يمكن تفسير غياب الإهداء من نص ما أن هذا يدل على درجة الصفرية، وكأن الكاتب خالي الذهن تماما ممن يمكن أن يهديهم كتابه، وقد فسر غياب الإهداء البعض بأن الكاتب تقصّد أن يقول:"هذا الكتاب غير مهدًى إلى أحد..وهذه العبارة تشي بأن الكاتب لا يرى أحداً يستحقّ الإهداء، أو أنّه يُغالي من قيمة كتابه فلا يرى أحداً مستحقّاً له"( )
وربما يكون غياب الإهداء في بعض المؤلّفات والأعمال الإبداعية عائداً إلى رغبة المؤلف في مباشرة القارئ فعله القرائيّ دون مقدّمات تأثيرية، أو إشارات دلالية،فنجد سلوى بكر تتجاوز عتبة الإهداء، فلا نراها تهدي النص لأحد، بل تدخل إلى الفصل الأول مباشرة، وكأنها
ثانيا المقدّمة:
كما تجاوزت الكاتبة أيضا عتبة المقدمة والتصدير، وربما يرشح هذا فكرة درجة الصفرية التي تريد أن تضع القارئ فيها، فلا مؤثرات من أي نوع تحيل إلى المؤلف ، ربما إمعانا في التخييل، وحتى لا تكسر إيهام القارئ، فنجدها تفاجئ القارئ بعالم الرواية مباشرة دون تقديم أو تصدير أو تمهيد.
ثالثا العناوين الداخلية
العناوين الداخلية من عتبات النص التي تعين القارئ على قراءة المتن الروائي، وقد يعنون الكاتب فصول روايه بعناوين دالة، فيفرض العنوان الداخلي للفصل دلالة جزئية قد تتشاكل مع العنوان الرئيس أو تتقاطع معه، وقد يعطيها أرقاما فقط، فنجد الفصل الأول والثاني والثالث وهكذا أو حتى ربما نجد رقم 1، 2 ، 3 ، وقد تأتي الفصول دون أرقام وعناوين، ويضطر الكاتب فصل الكاتب بين فصول الرواية بصفحة بيضاء أو صفحين.
تختار سلوى بكر أن تعطي لفصولها عناوين داخلية، فنجدها تعنون الفصل الأول بـ " حيث صبّ البحر" فالكاتبة عبر صوت الراوي العليم افتتحت روايتها بهذا العنوان الذي يتجادل مع الواقع الذي تعيشه بطلتها" عزيزة الإسكندرانية" فرغم أن العنوان يوحي بأننا سنجد للبحر صدى كمكان في النص، إلا أن القارئ يكتشف أن البحر غاب من النص، وأنه مجرد خلفية استرجاعية يأتي من ذاكرة الفلاش باك، وأن البطلة الآن تعيش خلف أسوار السجن، تتابع رحيل الشمس وسط معزوفة للعصافير التي تسكن الشجرة التي تجاور زنزانتها في سجن النساء. فلا بحر صبّ ولا صوت له في النص، بل يأتي من الذاكرة الاسترجاعية فقط، حيث تقضي عقوبة السجن بعد قتلها لحبيبها، وتفكر في تجهيز عربة ذهبية تصعد بها إلى السماء حيث لا سجن، ولا عقوبات ولا سجانات، حيث لا قهر ولا تهميش لهؤلاء النساء، ومن خلال هذه الحيلة الفنية تستعرض الكاتبة تاريخ الشخصيات اللاتي ينزلن في هذا السجن مسجونات، فتستعرض عزيزة الإسكندرانية تاريخهن المأساوي.
الفصل الثاني أعطته الكاتبة عنوان" فصل الخطاب في تآخي الأضداد" ورغم هذه الصياغة التراثية للعنوان إلا أن الفصل يحكي حكاية " حنة " العجوز التي تقف على الضد من زوجها الذي لم يكن يمل إتيانها بقسوة وعنف حتى اضطرت لقتله، ودخلت السجن بسبب هذه الجريمة، لكن أي أضداد تقصد الكاتبة؟! الأضداد كانت الفرق الجسدي الكبير بين "حنة" دقيقة الجسم والنحيفة ، بل شديدة النحافة، وبين زوجها الذي منحه الله فِرطة في الجسم وكذلك فِرطة في الشهوة والرغبة في إتيان زوجته طوال النهار والليل، مما جعل المرأة التي تحول الفعل الجنسي لديها إلى معاناة يومية أن تقتله ، وتفضل أن تدخل السجن على أن تعيش معه تلك الحياة.
وتلك الأضداد لم تقتصر على حنة وزوجها فقط، فعظيمة إحدى شخصيات الرواية، فهي لم تكن تتمتع بالجمال الكافي لتنال اهتمام الرجال، ومع ذلك طمع في مالها شاب ذو جمال ووسامة، وبدأ ينصب لها الفخاخ، حتى يوقعها في حبائله، ولما أفلح أخذ مالها وتنكر لها.
وهكذا تتجلى العناوين الداخلية داخل النص ، ونجد لها صدى واضح.
ثالثا عتبة الواقع وعتبة التاريخ في النص:
يمكن اعتبار الواقع الاجتماعي عتبة مهمة لقراءة الرواية، لأن الكاتبة حاولت أن تكشف قبح الواقع ورداءته في الرواية، بأن اختارت سجنا من سجون النساء ليكون مكانا للأحداث، واختارت لهذه الأحداث نماذج نسائية اجتماعية تكشف من خلالها المشكلات الاجتماعية التي يمكن أن تعاني منها مجموعة من النساء تمثل أحد المكونات الثقافية للمجتمع، وبهذا صار للواقع تجلياته في النص، صحيح أن الكاتبة تشتغل على التخييل، فحتما هذه النماذج الإنسانية لا تمثل الواقع، بل يصبح الواقع خلفية ثقافية لها.
تحاول الكاتبة استجلاء مناطق التهميش ليس للمرأة فقط، بل التهميش الاجتماعي في مفهومه الأوسع. الساردة قررت أن تناهض التهميش، وتدفعه عن هؤلاء النساء المعذبات اللاتي حكم عليهن المجتمع بالإقصاء والاستبعاد داخل سجن من سجون النساء، قررت أن تدفع عنهن العذابات، وأن تأخذهن في عربتها الذهبية التي خططت أن تصعد بهن إلى السماء:"تفكر بصفاء ودقة في كل أولئك اللواتي سوف تأخذهن معها في عربتها الذهبية الجميلة ،ذات الأقواس البيضاء المجنحة الصاعدة إلى السماء، واللاتي تحرص أن يكن من أفضل وأنبل نساء السجن ، بل اللواتي هن في الحقيقة، ملائكة بلا أجنحة، ضللن طريقهن إلى السماء ، فجئن إلى هذا الموضع الموحش الكئيب الذي ستصعد بهن منه ،معيدة إياهن إلى موضعهن السماوي اللائق بهن".
وللتاريخ أيضا تجليات واضحة في النص، ولكن تجليات التاريخ فالكاتبة تقوم بالتناص مع شخصية " حتحور " التي تمثل مصر الفرعونية القديمة، فهي تمثل ربة الخصب وحامية النساء والأطفال ، صحيح أنها ذهبت إلى الجانب الميثيولوجي في التاريخ، وليس التاريخ الحقيقي التوثيقي، لكنه أحد تجليات التاريخ القديم للشعوب، حينما كانت الأسطورة وسيلة من وسائل تفسير العالم قبل الدين والعلم عند الإنسان القديم. إن أم الخير إحدى نزيلات السجن، والتي دخلت السجن وتحملت العقوبة نيابة عن ابنها، تمثل مانحة الحياة في السجن، إنها حتحور الجديدة التي ترعى كل الكائنات حتى قطط السجن الصغيرة. ظهرت أعظم تضحياتها حينما تحملت عن ابنها البكر تهمة الاتجار بالمخدرات. حتحور راعية النساء والأطفال في الثقافة المصرية القديمة تجلت صورتها في شخصية الفلاحة أم الخير، فلم يستغرق عزيزة الأمر بضع دقائق حتى قررت أن تضم أم الخير إلى راكبات العربة الذهبية، ولما لا وعطفها وحنانها يطال كل شئ، ويتصالح مع كل شئ:" عزيزة شدت إلى أم الخير وانفتح قلبها لها مذ رأتها لأول مرة في السجن مشمرة عن ساعديها، جالسة القرفصاء، تفت في طبق من الصاج الأزرق بعض الخبز وتصب فوقه قليلا من مسحوق اللبن الذي مزجته بقليل من الماء لتقدمه لقطة السجن التي كانت قد وضعت لتوها بعد ولادة عسيرة استمرت ليلة كاملة"

تجليات العنوان الرئيس للرواية داخل المتن السردي :
ثمة عناوين ترتبط باسم البطل أو المكان، أو حادثة ما، فنرى مثلا روائيا يعنون روايته باسم السارد، فنجد رواية يطلق عليها الكاتب " نور " أو " ملاك الفرصة الأخيرة " مثلا أو يعنونها باسم المكان، فنجد رواية يطلق عليها الكاتب " بنات الرياض" أو " شارع بسادة" . وقد نجد كاتبا يختارا عنوانا عاما يفرض دلالاته على النص، مثل " أحلام سرمدية " و" كائنات بلا ظل " ، والعنوان العام يحرص الكاتب على أن يكون له تجليات داخل النص.
وحين يتخذ الناقد من العنوان عتبة مهمة لقراءة النص الأدبي، عليه أن يبحث عن تجليات العنوان في الداخل، فلو كان عنوانا خاصا بحدث أو شخصية أو مكان حتما سيجد له ترددات وصدى في داخل النص، وكذلك لو كان العنوان عاما يبسط دلالاته العامة على فضاء النص سوف يجد له القارئ ترددات وأصداء، في رواية
في حديث سلوى بكر عن شخصية عزيزة ، تتحدث عن العربة الذهبية التي منحت الرواية عنوانها، فهي تقول:""تفكر بصفاء ودقة في كل أولئك اللواتي سوف تأخذهن معها في عربتها الذهبية الجميلة ،ذات الأقواس البيضاء المجنحة الصاعدة إلى السماء، واللاتي تحرص أن يكن من أفضل وأنبل نساء السجن ، بل اللواتي هن في الحقيقة، ملائكة بلا أجنحة، ضللن طريقهن إلى السماء ، فجئن إلى هذا الموضع الموحش الكئيب الذي ستصعد بهن منه ،معيدة إياهن إلى موضعهن السماوي اللائق بهن"
وثمة تجلٍ آخر للعنوان تنهي به روايتها، حيث تمنح القارئ سردية أخيرة عنوانها:" لحن الصعود السماوي " وفي لغة عذبة تقترب من لغة الشعر تصف كل شئ بدقة، كل شئ بما فيه اللحن الموسيقي الذي سيرافق نساء العربة وهن يصعدن بأحلامهن إلى السماء، كل شئ معد ومرتب بدقة. لكن هاجسا ما يسيطر على عزيزة ، فربما لا تقدر على الصعود بعربتها النسوية إلى السماء، فربما يحاول مأمور السجن وإدارته أن يعوقوا تقدم العربة الصاعدة ، فربما رغبوا في مرافقتهم : " لكنها وبدون أن تعرف كيف جرى ذلك على وجه التحديد، فوجئت بمأمور السجن، والسجانات اللواتي طالما كرهتهن، يظهرون أمام العربة ،فيعترضونها، ويوقفونها، محاولين الركوب فيها. عندئذ ارتفع ضغط دم عزيزة، وكانت وحيدة في زنزانتها ارتفاعا كبيرا حتى تجلط الدم جلطات متتالية في مخها الذي ما كف لحظة قبل توقفه الأخير، عن التفكير في العمر الذي مضى، والحياة التي تسربت في دروب الأقدار وما عاشته من سنوات فرح وسنوات حزن"(23).
لكن ثمة مقاومة أخيرة يجب أن تقوم بها النساء، ثمة فرصة أخيرة لتنهضن وتتقدمن باتجاه الصعود. إنه أمل ما يقدم لهن فرصة أن يهربن بأرواحهن المسلوبة. في منطقة ما يتماهى فيها الحلم بالغيبوبة يعمل عقل عزيزة بدأب، ما زال عقلها يعمل رغم دخول الجسد في غيبوبة، فترى في الحلم الافتراضي نساء العربة وهن يدافعن عن حلمهن المفترض. هي رغبة سلوى بكر أن يعلو صوت النساء لمرة وحيدة وأن يناهضن ما يتم بحقهن من قهر وظلم وتهميش وإقصاء: " فلما دخلت في غيبوبتها الأخيرة، وبدأت تنازع نزع الموت الذي ما شهدته نجمة سماوية واحدة. رأت مختاراتها من نساء السجن يهبطن بسرعة من العربة الذهبية، ويشتبكن مع هؤلاء الذين يودون اقتحامها والصعود فيها حتى نجحن في ردهم خائبين بعد أن أسقطنهم تحت أرجل الأفراس البيضاء، ذات الأجنحة الذهبية التي أخذت ترفرف بأجنحتها، لتنطلق إلى السماء بعد أن رفعت عزيزة يدها بصعوبة مكررة شارة الصعود، لولم تتوقف دقات قلبها التي كانت قد أخذت تخبو شيئا فشيئا، لينتهي دبيب الحياة فيها إلا بعد أن تيقنت من إحكام إغلاق نوافذها وأبوابها على كل اللواتي كن قد عدن إليها من صفوة نساء السجن، وأن الأفراس البيضاء رفعت أقدامها عن الأرض وطارت بأجنحتها الذهبية إلى السماء".

1ـ سلوى بكر ـ العربة الذهبية لا تصعد للسماء ـ سينا للنشر ـ القاهرة ـ 1991 ،ص27.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية