الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-كل ما أعرفه هو أنني لست ماركسيا-

سعيد زارا

2017 / 3 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



في الرابع عشر مارس من سنة 1883 خسرت الطبقة العاملة و الإنسانية جمعاء أعظم الشيوعيين و قد رفض أن يأتي إلى الشيوعية من باب العاطفة بل فتح بابها و كشف أسرار الانتقال إليها بالعلم رغم انه كان مرهف الأحاسيس مفعما بالمشاعر الإنسانية, ماركس الذي قال عنه رفيقه انجلز انه كان رجل علم , "فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية, اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري". لم ينحز إلى الفقراء و عموم الكادحين متعاطفا بل كشف بضوء الديالكتيك , الذي لا يأبه لأية مشاعر إنسانية , دور البروليتاريا في تحرير البشرية من قيود الاستغلال و براثن الفردانية و قد سلحها بأحدث العلوم و المعارف لتكسب معركتها ضد عدوها البورجوازي.

كارل ماركس كشف مصفوفة من القوانين بل القانون العام الذي يحكم حركة كل أشكال المادة و تهيؤاتها و عرف كل مفاصل النظام الرأسمالي و كشف زيف عدالته في توزيع الثروات و قد شرح و بين بما لا يقبل الشك ما عجز عنه كل الاشتراكيين ليسلط الضوء على فائض القيمة و كيف يسرق الرأسمالي العامل" الحر". و رأى الإنتاج الرأسمالي يتركز في احتكارات قبل أن يشعر بذلك ذهاقنة اقتصاده و اللذين سلموا بالمنافسة "الحرة" قانونا طبيعيا له .

كثيرة هي إسهامات و اكتشافات ماركس في تنوير درب الإنسانية إلى الرقي و التقدم , بل كشف التاريخ أن الماركسية هي البوصلة الوحيدة, إن استعملت بعناية, التي تشير إلى طريق الخلاص في عتمة الإيديولوجيات و ظلمة الخرافات و متاهات (labyrinthes) نفاق البورجوازية الوضيعة, و رغم ذلك لم تنج من التشويه و التحريف و العداء حتى من طرف دعاتها اللذين لم يتركوا بابا لم يدخلوه لنخر هذا الفكر الشامخ و العظيم.

كانت عبارة ماركس الشهيرة "كل ما اعرفه, هو أنني, لست ماركسيا" إحدى المداخل التي اعتمدها أعداء الماركسية و دعاتها لتشويهها و تحريفها. فقد راح أعداء الماركسية يستشهدون بالعبارة إياها و هم يفصلونها عن سياقها التاريخي ليقولوا للعالم أن ماركس يرفض أن تكون إسهاماته و اكتشافاته العلمية مرجعية لنفسه فلماذا يقبل أن تكون الماركسية مرجعية للآخرين, و هم يرغبون في أن لا تصل البروليتاريا إليها و تهتدي بها.

أما دعاة الماركسية فإنهم يشهرون العبارة إياها كلما أرادوا "تطوير" الماركسية و "تشذيبها" كما يحلوا لهم ليبرروا انحرافهم و ضلالتهم. و منهم من ذهب بعيدا كألتوسير و قد عارض أفكار ماركس بعضها ببعض و قد استعار مفهوم القطيعة الابستمولوجية من غاستون باشلار ليقول بان هناك أفكارا لماركس الشاب و أفكارا لماركس الناضج و ما بينهما قطيعة معرفية و لكأن ماركس لا يقبل النقد الذاتي لمسار أفكاره و التي أكد التاريخ انسجامها و تناسقها الجميل. و منهم من يردد العبارة ليقول إن ماركس لم يكن "مطلقا" بل كان نسبيا و هي الأحجية التي يرددونها للتشكيك في اكتشافات ماركس العلمية, فعلا إن الشيء ليس هو الشيء ذاته في ذات اللحظة أي أن المادة في تغير دائم و هذه حقيقة مطلقة يؤكدها ماركس , و لكن إن سلمنا بان هذه الحقيقة هي نسبية فذلك يعني أن المادة يمكن أن تكف عن التغير الدائم و يبقى الشيء هو هو على حاله. هذا تضليل فظيع .

لكن ما حقيقة هذه العبارة الشهيرة التي تتخلل كتابات كل من هب و دب لتشويه ماركسية ماركس ؟؟؟

للعبارة سياق تاريخي محدد يقصد دعاة الماركسية و أعدائها عدم الإدلاء به و فصله عنها , فبسياقها و أحداثها تأخذ معنى غير الذي يروجه أعداء الماركسية.

قد لا يتضح سياق العبارة و مغزاها في رسالة انجلز إلى برينشتاين بتاريخ 2 نونبر 1882 , إلا أن رسالته إلى كونراد شميدت يوم 5 غشت 1890 توضح معنى العبارة و أحداثها و سياقها التاريخي. فقد كتب انجلز يقول: ""(...) علما أن هذا الرجل (بول بارث) لم يفهم بعد أن الشروط المادية للعيش هي السبب الرئيس, و هذا لا يمنع المناخ الإيديولوجي أن يؤثر بدوره عليها , غير أن تأثيره هو ثانوي, هذا الرجل لم يستطع أن يفهم بشكل من الأشكال المادة التي يكتب بصدد. و مع ذلك , اكرر, أن معلوماته ليست من مصادر مباشرة, ة موريتز ( كاتب انتقد بارث),انه صديق خطير. الفهم المادي للتاريخ له الآن أصدقاء كثر و من بين هؤلاء أولئك اللذين به يتذرعون لكي لا يدرسوا التاريخ. ماركس قال, في أواخر 1870, و هو يشير إلى "الماركسيين" الفرنسيين : "كل ما اعرفه , هو أنني لست ماركسيا"."

اذن لم يتجرد ماركس من ماركسيته بل رفض "ماركسية" الفرنسيين اللذين يتذرعون بالفهم المادي للتاريخ حتى لا يدرسوا التاريخ و هو ما يفيد انه كل من يدعي الماركسية ليس بماركسي. ماركس رفض "ماركسية" الفرنسيين و إن كانوا اصد قاءا و "مناصرين" للفهم المادي للتاريخ فالنوايا الحسنة لا تكفي. لان الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

كانت العبارة الشهيرة يافطة أيضا للهجوم على الاتحاد السوفياتي, فلم تسلم الاشتراكية, التي صممها لينين و التي قاد بناءها ستالين, من هجوم بعض دعاة الماركسية و هم يدبجون عداءهم لأول دولة دكتاتورية البروليتاريا في العالم بعبارة ماركس الشهيرة ليعلنوا أن الحمر , البلاشفة, قد صنموا ماركس لأنهم كما يدعون أن تجربتهم مليئة بالأخطاء. فعلا للحمر أخطاء فذلك بديهي و راجع لطبيعة البناء الاشتراكي المعقد لأنه من لا يمارس لا يخطئ, إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة ساطعة أن الاشتراكية التي قادها ستالين كانت تحيى بالماركسية, و لولا روحها تلك لما استطاعت الاتحاد السوفياتي أن تخرج أقوى دولة في العالم في اقل من ثلاثة عقود, و لما استطاعت شعوب الاتحاد السوفياتي أن تهزم النازية, و لو كتب لماركس أن يعيش لقال: "أنا شيوعي بولشفيك".

انهار المشروع اللينيني لأنه تم التخلي عن دولة دكتاتورية البروليتاريا التي استبدلت بدولة الشعب كله. و هو ما يعني أن انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي هو دليل آخر على صحة الماركسية التيا ترى في الاشتراكية فترة انتقالية تتكلف فيها دولة دكتاتورية البروليتاريا بمحو الطبقات.


الماركسية ليست اختيارا, إنها قدر الطبقة العاملة لكي تستأنف الإنسانية رحلتها التقدمية , و إن رفضت قدرها هذا ستنحط بالبشرية إلى البربرية و الوحشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صفعة لاطمة
كاظم أبو سنان ( 2017 / 3 / 18 - 12:25 )
الكاتب الفذ يوجه صفعة لاطمة لإولئك الذين يبتذلون الماركسية باتهامها بأنها ذات أهداف إنسانية وهو ما يعني أن الماركسية تم بناؤها لراحة الإنسان وسعادته
من هؤلاء القوم الذين يبتذلون الماركسية يبرز -ماركسيو- مدرسة فرانكفورت الذين يزعمون بأن عقل الانسان قادر على معاكسة التاريخ وصناعته كما يشتهون ويقولون بالاستقلال النسبي للبناء الفوقي عن البناء التحتي بالرغم من أن ماركس كان قد سد هذا المهرب وقال صحيح أن الإنسان هو
من يصنع التاريخ لكن ليس وفق مشيئته
طالما هناك حقوق مشروعة في المجتمع فالصراع الطبقي لا خيار فيه
فليتعظ ذوو الابتذال

تحياتي للكاتب الفذ


2 - لا تدوخوا فيما قيل وقال حول لست ماركسياً
علاء الصفار ( 2017 / 3 / 18 - 14:48 )

ماركس يعمل فلم يوتوب ممتع
الرابط في الاسفل
ارجو التمتع بالسخرية ادناه قبل مشاهدة المسرحية العصرية الافتراضية بعودة ماركس!
عودة سريعة ليرد على كل اعدائه من صعا ينية وشلل وملل ونحل من يهو د صعا ينة ومسيح شهود يعوى ومسلمين وعابيين برا برة وكل اتباع الشيطان ويزيد ابن معاوية والشمر ابن الجوشم وعمر ابن العاص وسعد بن ابي وقاص وجورج بوش الحشا ش والمعتتتوه دونالد ترامب والمقبور القذ ر صد ام حسين وهتلر وشاه ايران وسلطان قابوس صاحب الذيل الذي لا يخفيه كيس! لكن ماركس رجع خصيصاً ليرد على اعضاء الشلل والوراقين في الماركسية من امثال برودون بيبر وبكاونين واليوم الكتاب المر تز قة الذين يملكون كتاب راس المال منزل في الحاسوب و بمجرد ذكر كلمة واحدة من راس المال لتظهر لهم الجزء لا بل الفصل و رقم الصفحة ليذهلوا البشر بسعة قراءتهم لكن في الحين ذات ليعرضوا تهافتهم في النيل من ماركس الذي مات ولكن لم يمت !
استمتعوا برد ماركس يرد ساخراً ساحراً على كل تخرصات صدرت من الشلل الصعيو_ وهابية واليمين الانتهازي في الشيوعية والامبريالية الامريكية!ن
https://www.facebook.com/jassim.alhelfi/posts/10211277175900552


3 - مدرسة فرانكفورت
سعيد زارا ( 2017 / 3 / 18 - 14:55 )
السيد المحترم كاظم سنان تحية طيبة

اشكرك على اثارة موضوع مدرسة فرانكفورت و الحق يقال انه كان يجب علي ان اشير الى هذه النقطة خصوصا ان رسالة انجلز التي اوردتها اعلاه تقول بما يوحي ان للايديولوجيا و هي من البناء الفوقي استقلال نسبي عن البناء التحتي, لكن ليس كذلك كما يظن البعض , قد يكون للايديولوجيا تاثير لكن ذلك يكون ثانويا و تبقى الشروط المادية للعيش هي العامل الرئيس في تحديد كل البناء الفوقي , فقبل ان يفكر الناس السياسة و الايديولوجيا و الفن الخ... عليهم ان يتدبروا امور الماكل و الملبس و المشرب و الماوى.... ما يعني ان الناس و هم ينتجون شروط حياتهم المادية يصنعون تاريخهم لكن دون ارادتهم.

تحياتي


4 - السيد رفيق التلمساني من الفيسبوك
سعيد زارا ( 2017 / 3 / 18 - 15:16 )
السيد رفيق التلمساني من الفيسبوك تحية طيب

موضوع الماركسية هو دراسة و رصد منعطفات التغيرات الدائمة الحدوث, فكيف لها تكون عقيدة؟؟؟ و كما تعلم فالعقيدة تقوم على الثبات و الايمان .

موضوع الماركسية هذا يجعل منها علما معقدا يتقدم بذوي المؤهلات العظيمة في سعة الاطلاع و الانضباط الى صرامة الديالكتيك في التشخيص الدقيق لكل تغير.

الماركسية هي وريثة كل فكر انساني تقدمي و منه فكر الانوار.

الماركسيون يعون جدا انهم يبحرون في محيط لا شاطئ له, انه محيط الماركسية الذي ينهل من كل العلوم لمواكبة كل التغيرات


للنقاش بقية




اخر الافلام

.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز


.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ




.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا


.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟




.. تصريح الرفيقين جمال براجع وعبد الله الحريف حول المهرجان الخط