الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع السيد ارا خاجادور و- حزب العمل العراقي -...الدلالات والمضامين

عارف معروف

2017 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية




كتب الشيوعي المخضرم السيد ( آرآ خاجادور ) مقالا بعنوان " حزب العمل العراقي" في موقع الحوار المتمدن بالعدد 5458 وتاريخ 12/3/2017 اجاب فيه ، بحسب ماكتب ، عن تساؤلات " بعض الرفاق والاصدقاء " حول " حزب العمل العراقي الذي " بادرنا الى تأسيسه اواخر عام 1978" .وقد جاء تأسيس هذا الكيان السياسي او التنظيم ، كما يقول السيد خاجادور ، بعد " ان وصل التحالف مع حزب البعث والجبهة الوطنية والقومية التقدمية معه الى درجة لا يمكن السكوت عنه وعنها ، حيث كانت الجبهة سائرة نحو الانهيار التام " والتي يستدرك الكاتب في ذات الفقرة الاولى من مقاله بانها لم تكن قائمة ، أصلا ،على اسس سليمة قابلة للتطور والرسوخ ثم يقول انها كانت نتيجة لسياسات تصفوية، بحسب تعبيره ، رغم انه لا يحدد مصدر هذه السياسات ، فمرة يذهب الى خروشوف والتحريفية العالمية وحينا يعرج الى بيان آب1964 ومن كان خلفه ، وثالثة يلمح الى قيادة الحزب ، لننتهي الى حالة السديم المعتادة !

يوضح الكاتب ، الغاية من هذا الكيان والضرورات التي املته ويتناول ، كما هو جدير بشيوعي ، " الظروف الذاتيه والموضوعية " التي تمخضت عنه ، وخلال هذا السياق يورد بعض الوقائع ذات الدلالات المهمة للغاية ، بل والمؤلمة اشد الالم ، بالنسبة لمن عاش تلك المرحلة واكتوى بنارها وعرف ما نتج عنها من تضحيات وضحايا ، جمة ومجانية وبلا أي طائل او ثمن ، نتيجة اسفاف وضحالة في قدرات القيادة و ممارستها السياسية كما يرى البعض ، او تآمر ونوايا تصفوية منهجية ومبيته ، كما يرى آخرون ، او ضغوط خارجية صادرة عن مركز اممي على قيادة كانت مجرد رجع صدى لذلك المركز تأتمر بأمره وتمتثل لنواهيه دون اعتبار لمصالحها السياسية و الوطنية او حساب لرؤيتها الخاصة كما يعتقد فريقٌ ثالث او كل هذه العوامل ، معا ، كما يذهب فريق آخر .
ان السيد ارا خاجادور ، يطرح هنا ، عيّنة نموذجية ، من طريقة تفكير وسلوك واستجابات تلك القيادة الشيوعية التي كان هو احد ابرز شخوصها ، للمخاطر والتحديات ، ومدى ادراكها السابق و اللاحق ، لجسامة المسؤولية التي ترتبت على كاهلها جراء ما قادت اليه تلك السياسات والاساليب ، من فواجع ، رغم اننا لم نلمس ، حتى اليوم ، وغب مرور اربعبن عاما، ما يضع بعض البلسم على الجراح ويطيب خاطر اهالي واصدقاء ورفاق الضحايا من نقد ذاتي شجاع وموقف صريح ومسؤول من هذا العضو القيادي او ذاك اتجاه تلك الفاجعة ، وجل ما عرفناه ، مذكرات ولقاءات تطنب في ابراز الجانب الذاتي وتحاول ، عبثا ، رفع المسؤولية عن كاهل الشخص ورميها باتجاه الآخرين او تعليقها على ظرف او عامل شبحي لا نكاد نلمسه او حتى نتبينه في اجواء ملبدة ..
ان القلب ، لينفطر ، حقا ، عند مطالعتنا ، في شتى المناسبات ، لصور عشرات العوائل ، ممن عرفنا شخصيا او لم نعرف ومئات الشابات والشبان ، الواعدات والواعدين ، من الاصدقاء والمعارف والرفاق ، من ابناء الشعب ، الذين تمزقت اجسادهم الغضة بين انياب ومخالب التعذيب الوحشية او خرجت ارواحهم البريئة الطاهرة الى بارئها في اقبية التعذيب او على اعواد المشانق او رميا بالرصاص ، وأذ يدرك الجميع مسؤولية النظام الاجرامي المقبور عن تلك الجرائم ويرى ان العدل والانصاف يقتضي محاكمة وادانة كل المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم واسهموا فيها تحت تسميات ما عرف بالقضاء ومحكمة الثورة سيئة الصيت او اجهزة الامن وهيئاتها التحقيقية او المنفذين الفعليين لجرائم الاعدام ، لا رأس النظام الاجرامي فحسب ، فأن الواجب والضمير وحس المسؤولية يملي ، ايضا ، التساؤل عن مدى مسؤولية المضللين والخونة والمؤدلجين والمروجين للاكذوبة والفكرة الزائفة التي اقتيد على اساسها اولئك الضحايا ،سواءً من الشباب قليلي الخبرة او حتى الكبار والمجربين ممن كانوا يلوكون وعودا باطلة ويتنفسون حكايا وهمية ، عن آفاق كاذبة وتحولات بلا اساس . ان العدل والواجب يقتضي محاكمة هؤلاء محاكمة سياسية واخلاقية ان لم يكن بالمستطاع مقاضاتهم جنائيا ، فلا اقل من محاكمة النهج الذي لم يكتف بتحبيذ الوهم ، والجر الى مصيدة وطريق مسدود ، بل و كان يكذّب ويماري حتى في الوقائع اليومية ، وكلنا يتذكر عبارة : " تصرفات فردية لا تمثل سياسة الحليف " او " خروقات محدودة يمكن تجاوزها او معالجتها " في وصف تلك الوقائع المريرة منذ بداياتها وحتى الساعة التي ابلغت فيها تلك القيادة الخائبة ، رفاق الحزب بأن " على كل منهم تدبر امره " ، تاركة اياهم لمصيرهم المظلم ! وكيف ظل دهاقنة الحماقة او المؤامرة ، من ارباب ذلك النهج يجدون المبررات او يتجاهلون ما بات ملموسا للجميع ويكتوي بناره كسياسة منهجية ويومية كانت تجري في طول البلاد وعرضها ، مقوضة لا الافراد فحسب بل وتنظيمات محلية وقطاعية كاملة ، في الوقت الذي لم ينتهوا، فيه ، بعد من التعويل على " كاسترو العراق "، صدام حسين ، وملقين باللائمة ، على جناح يميني شبحي ، لحزب البعث ، لا يوجد الاّ في عقولهم الملبدة ، حتى دهمهم ، كاسترو العراق نفسه ، في زيارته للامن العامة ، في اوج تلك الحملة ، آمرا بنشر صور الزيارة والتوجيهات ، مؤكدا ، انه هو بالذات ، (ومن غيره !!)، خلف تلك الحملة التصفوية وفاضحا حماقة وبؤس تلك العقول الصغيرة !
يخبرنا السيد آرآ " :
( إن تطورات الأحداث عززت قناعاتي السابقة بعدم الثقة في التحالف الذي وصل في سنواته الأخيرة الى طريق مسدود، شعر به حتى الذين وقفوا الى جانب ذلك التحالف بكل سيئاته، ووجدتُ ضرورة للشروع بمفاتحة بعض الرفاق حول إيجاد حل للخروج من التحالف، والحديث معهم بصورة مباشرة أحياناً، وأخرى بصورة غير مباشرة.)
عندها :
يفاتح ارا " بعض الرفاق "، لأيجاد حل للخروج من التحالف ، لكنه يتحدث اليهم مرة مباشرة واخرى مواربة ( لماذا ، خوفا واحتياطا ؟ وممن ؟ من ردة فعلهم وتشبثهم " بطريق التطور اللاراسمالي ، ام من التلغيم او التشبيك ، كما كان يسميه صدام ، والذي اغرق به التنظيم ، وخشية ان تصل تلك المفاتحات ، باسرع مما يتوقع ، الى صدام واجهزة الامن ؟!" ، فيفاتح الرفيق ثابت العاني حول ضرورة اصدار نشرة سرية لفضح ما يجري ، لكن الاخير يرفض ذلك بسبب حرصه على " الشرعية الحزبية " ، ثم يفاتح كريم احمد ويقول له : أيها الرفيق الى متى نبقى نتفرج على الأحداث المؤسفة التي يتعرض لها الحزب ومنظماته ورفاقه؟
فيقول له الاخير( جادا، او ساخرا ) : روح على الأزيني ، بمعنى اذهب الى الشيخ ، كما نفهم من سياق كلمات ارا( ولا اعرف معنى مفردة الأزيني لكن ارا يشير الى انها تعني روح عند المحفوظ ، ولا اعرف ان كان الشيوعيون يدعون شيوخهم بالمحفوظ او طويل العمر ، وما كنت احسب ان لهم شيوخا او اغوات رغم ان الكثير من الوقائع كانت تؤيد ذلك ) . وعندها يفاتح ، آرا ،عزيز محمد بما يدور في باله حول " الاحداث المؤسفة التي يتعرض لها الحزب " ( لاحظ : احداث مؤسفة ، وليست سياسة منهجية وخطة مدروسة، رغم انه ، في اماكن اخرى من المقال يقول انها سياسة تصفية معتمدة وانها امتداد لسياسة وسلوك البعث منذ 1963، ربما كانت العبارة الاولى تعكس طبيعة وعي ومفردات تلك الفترة اما العبارة الثانية فهي لغة راهنة ) ...وضرورة التحرك من جانبنا وعدم الذهاب ضحايا للأنتظار والترقب، دون الإقدام على حلول مناسبة ما، تساهم في إنقاذ الحزب من ورطته."
فيقول له عزيز محمد : " إذهب واعمل ما تشاء، منو لازمك " (!!)
ورغم هذا الرد " الزئبقي " كما يقول ، خاجادور ، فأنه يتلقف هذه البشاره او الفتوى الغامضة فرحا ، ليشرع في طرح الفكرة على دكلة وبهاء الدين نوري اللذين كانا يشاركانه امتعاضه وهواجسه )
ثم :
" وعقدنا نحن الثلاثة: بهاء، صالح، وأنا إجتماعاً في بغداد، وإتفقنا في ذلك الاجتماع على أصدار بيان بإسم حزب العمل العراقي، يصف طبيعة نظام حزب البعث كنظام دكتاتوري قمعي، ويطرح مهمة إسقاطه.
و :
(إتفقنا على توزيع البيان بسرية تامة، وتم توزيع مهام العمل بيننا لتوزيع البيان على الشكل التالي: بهاء يتولى مهمة التوزيع في كردستان، صالح دكله يوزعه في محافظات المنطقة الجنوبية، وأنا في بغداد والخارج. وبديهي أن مجمل التحرك كان يهدف الى إنقاذ الحزب دون توريطه في مواقف لم يستعد لها بعد.)

اذن فالغاية من كل هذا التحرك هي انقاذ الحزب الشيوعي دون توريطه ،كما يقول خاجادور ، فكيف نفهم ذلك ؟ هل المعني بانقاذ الحزب دون توريطه ، انقاذ اعضاءه ومنظماته من حملة التصفيات الدموية الجارية ؟ كيف ...هل ستتوقف هذه الحملة لمجرد صدور ونشر بيان من حزب غامض لا تعرف شخصياته ومدى ثقلها ودوره وامكاناته ؟! ام ان ذلك سيحصل بعد ترصين هذا الحزب وتهيئة اسباب قوته من خلال العضوية والتنظيم وحشد القوى باتجاه برنامج جديد ، ولكن كيف سيتم ذلك والاعضاء والقوة المحتملة تعصف بها حملة تصفية وهي في معظمها اما مطاردة او رهينة في المعتقلات ؟ الحقيقية ان كل ذلك هو من فوضى الافكار ولا منطقية الممارسة ، ومحاولة اعطاء ذلك التصرف اكثر من واقعه وحجمه بالقول انه " حزب وقوّة كان يُسعى لبنائها ، في حين هو مجرد وجود لفظي او لافته ، آنيه وعابره ، لقول مالم يكن بالمستطاع قوله !
لنلاحظ ان البيان الاول للحزب ، الذي لم يوجد بعد ، وهو ، حتى الان ليس سوى فكرة في رأس خاجادور ، وافقه عليها رفيقاه ، يصف فيه طبيعة نظام حزب البعث كنظام قمعي ( لمن ؟...) ويطرح مهمة اسقاط هذا النظام !( على من ؟ )
وتخيلوا معي الان : نظام قمعي بالغ الشراسة والجبروت ، نظام حزبي وبوليسي متشعب وقوي بل ويملك كل اسباب القوة ، يومذاك ، ، بحيث لم يستطع الحزب الشيوعي ، اكبر واوسع الاحزاب جماهيرية وتأثيرا ، الحزب الشيوعي بصلاته وحضوره الاقليمي والعالمي ، لم يستطع ، بل لم يجرؤ على البوح ببنت شفة عن واقع الحال ، وضحاياه تتساقط بالعشرات والمئات على مدار الايام . ويعجز عن ايضاح طبيعة النظام ،ليأتي حزب شبحي ، لم يتأسس بعد ، فيوضح طبيعته ويطرح مهمة اسقاطه !؟
على من يطرح هذه المهمة ؟...على اعضاءالحزب الشيوعي وجمهوره ؟ فلماذا لا يطرحها عليهم مباشرة ولماذا يحتاج الى قناع ؟ ومن سيعبأ بقناع وينقاد لتوجيهاته ويترك الحزب وسياسته . ثم اذا كان هذا التدبير ، كما يقول السيد حاجادور ، قد جاء لحماية الحزب فهل سيقفز فورا الى اسقاط النظام واعضاءه واصدقاءه كلهم رهائن في قبضة هذا النظام ليعطيه الذريعة المثالية لابادتهم !
لماذا لم يفكر خاجادور وجماعته ، او قيادة الحزب الشيوعي ، عموما ، بموقف او بيان صريح وواضح للحز ب الشيوعي يكشف الممارسات ومداها ثم يدينها ويطالب بوقفها ؟ لماذا يخافون ذلك ويحاول حتى الاكثر جرأة منهم ،ان يلقي مسؤولية ذلك على تنظيم شبحي ؟ هل سيخيف ذلك حزب البعث والنظام وهو الذي كان ينحر بلا رأفة العديد من التنظيمات والقوى ام ان ذلك ينفع فقط في التنفيس عن مشاعر مكبوته لدى هؤلاء ويشعرهم بالراحة لانهم اسقطوا فرضا وعبروا عن شجاعة وهمية ؟ ثم من الواضح انهم لم يفكروا بأشادة قوة حقيقية او بديل وانما كان تفكيرهم منصبا على " أصدار بيان بإسم حزب العمل العراقي، يصف طبيعة نظام حزب البعث كنظام دكتاتوري قمعي، ويطرح مهمة إسقاطه.، أي انهم كانوا ، ساعتها ، بحاجة الى الاسم للتخفي وراءه ، لا المضمون الفعلي لاعداد قوة سياسية او مسلحة قادرة على طرح مثل ذلك الشعار ، والاّ فان المنطق يقتضي ان تأسيس اية قوّة او تنظيم سياسي يمر بمراحل تأسيسية وتأهيلية لابد منها لكي يطرح نفسه بديلا او يتصدى لمهمة اسقاط نظام بمثل جبروت نظام صدام البعث يومذاك ! ام ان كل ذلك صدر عن الشعور بالحرج امام القوى الاقليمية من عربية وغيرها والقوى العالمية من وصف نظام بانه قمعي واستبدادي والدعوة الى اسقاطه وهم حتى الامس القريب حلفائه اللذين يصفونه بالتقدمية والديمقراطية بل والسير في طريق الاشتراكية ، مما اضطرهم لاستعارة اسم وهمي بغية التعبير عما يخالجهم ؟
ثانيا- كيف سيكون موقف الجماهير من حزب جديد لا ارث له يصف الحكم ويدعو الى اسقاطه عبر النشر في جريدة او جرائد لبنانية ، وبأمكان أي عدد من الانفار او حتى نفر واحد ان يدبج مثل هذا البيان وينشره في جريدة بيروتيه ؟ انه موقف مضحك ، اذ ان تأسيس حزب جديد يعلن ما عجز عنه الحزب الشيوعي يعني اما اننا امام رفض وانشقاق ، او حزب شبحي استعير اسمه للتشويش على النظام وارباكه ،وفي هذه الحالة اما ان يفهم حزب البعث ان هذا الحزب والبيان صادر عن الشيوعيين ، كما يلمح ارا لاحقا ، وفي هذه الحالة سيسخر منهم ولن يزيد حزبهم الجديد عن ان يكون تهديدا وهميا او انه سيحملهم المسؤولية ويزداد اتجاههم بطشا فما الذي جنوه او عنوه بحماية وتجنيب الحزب مغبة المواجهة ؟
ثم ما الذي سيفيده جمهور الحزب واعضاءه اللذين يقول ، ارا ، انهم عبروا عن ارتياحهم ، من هذه الخطوة ؟ هل كان المطلوب هو اراحتهم وبعث الامل الكاذب في نفوسهم عبر أي مورفين ممكن ، ولو جاء عن طريق حزب وهمي يزبد ويرعد عبر بيان غفل يُنشر في جريدة لبنانية او حتى بتوزيعه ، على نطاق محدود حتما ،في الداخل او الخارج ، هذا ان وزع في الداخل فعلا ،وهو ما اشك به كثيرا ؟!!!
الحقيقة ان كل ما اراده ارا وجماعته ، ان وجدوا، هو رمي حصاة ، مهما كانت صغيرة وبسيطة ، على شباك حكم البعث واثارة حنقه عبر بيان شبحي في الصحافة البيروتية ، متناسين ان هذه اللعبة ، اصلا ، هي واحدة من العاب صدام حسين المفضلة : تشكيل احزاب وقوى وهمية لغرض تاكتيكي او دعائي او مخابراتي... ألخ . لقد شَهدتْ حتى احلى سنوات " التحالف " مثل هذه الالعاب ، وكان الغرض منها شيئا آخر اكثر من مجرد التشويش على الحزب الشيوعي . وثمة مثال عرفته شخصيا ، ففي عام 1976-1977 تلقيت مطبوعين هما برنامج ونظام داخلي لحزب شيوعي ثوري بديل ، كانت لغة المنشورين واسلوب طباعتهما ، على السواء ، يذكران ببيروت والمنظمات الفلسطينية ، من خلال احد معارفي الذي دعاني الى هذا البديل ، وقد التقينا بشخص آخر ، كان هو المنظر للمجموعة، تكلم عن العنف الثوري والتغيير عبر البندقية ، وقد اخبرت الحزب بتفاصيل ذلك .
كان هدف هذه التنظيمات الاساس ، كما احسب ، ان تكون مغناطيسا لجذب واصطياد العناصر الثورية التي تنتقد وتشكك في مصداقية وجدوى التحالف الجبهوي ، لغرض تصفيتها من قبل الاجهزة الامنية ، بل ان الاجهزة الامنية شكلت، بين فترة واخرى ، وكلما اقتضت حاجتها ، تنظيمات زائفة من هذا النوع عملت على مختلف التيارات سواء القومية والناصرية او الاسلامية او الكردية ، فضلا عن الشيوعيين ...وكانت منذ تأسيس مكتب العلاقات العامة ، السلف الاول لجهاز المخابرات ، ممارسة روتينية للأمن العراقي .! فهل فكر السيد خاجادور بأن يبيع لصدام بضاعته القديمة والمألوفة من جديد ، او بحسب التعبير المصري كان يريد ان يبيع المّيه في حارة السقايين !
لم تهتم قيادة الشيوعي ، انذاك ، بترصين قناعات اعضاء الحزب وجمهوره ، التي كانت مزعزعة تماما اتجاه مصداقية وقدرة مفاهيم طريق التطور اللاراسمالي او الجبهة وافق تطورها المزعوم على الاقناع ،وعندما بدأت الحملة الشرسة ضدهم كانت هذه القيادة تؤكد ان الوقائع التي كانت تجري ، بشكل يومي ، هنا وهناك ، مجرد تجاوزات فردية او تصرفات غير مسؤولة لاشخاص موتورين انكرتها قيادة الحزب الحليف ، اما حينما تفاقم الامر ، ولم يعد بإمكان هذه الرقاع المفضوحة ان تستره فقد اسقط في يدها وكان جل ما فعلته ، لإعداد الاعضاء والمؤازرين من الشباب الغض هو استنساخ وتوزيع ، وان على نطاق محدود ، كراس او صفحات مستلة من كتاب " القمع في روسيا القيصرية "، وكيف كان البلاشفة يواجهون التحقيق ! ولا احتاج الى مزيد من الكلمات للتعليق على هذا الواقع البائس .و في الوقت الذي كانت الاعتقالات تجري على قدم وساق وشباب الشيوعيين يتعرضون للتعذيب اكتفت صحيفة الحزب ، طريق الشعب ، بنشر مقالات عن الاضطهاد والتعذيب في بعض بلدان امريكا اللاتينية ، وحينما كان يقال لهم لماذا الاهتمام بأمريكا اللاتينية وما لدينا اتعس واكثر شراسة يجيبون المعترضين ، الا تعرفون ، حقا ، الم تحزروا ما نرمي اليه ؟! اننا نقصد بذلك النظام وممارساته طبعا ، غير اننا نقوم بتورية يفهمها حتى النظام ؟!
اما المّرة الوحيدة التي نشرت فيها طريق الشعب ، اشارة ولو خجولة ومبهمة عما يجري فكانت حينما قُتل الشهيد عدنان هادي تحت التعذيب وقد نشرت الخبر في رقعة صغيرة جدا على صفحة داخلية وبهذه الصيغة :
" توفي متأثرا بجراحه ، في احدى مستشفيات بغداد ، الرفيق عدنان هادي ..الخ "
وهو اعلان كما هوواضح مثير للالتباس ، فهل دهس الرفيق المذكور ، هل سقط من سطح دارهم او بناية ما ، لكي يصاب بالجراح ، ثم أي مستشفى ذاك الذي توفي فيه ؟!... في حين ان ما حصل كان موت الشهيد تحت التعذيب وتسليم جثمانه الى مستشفى الرشيد العسكري على ما اذكر، لاصدار شهادة وفاة !
يبدو ان شللا ، كان يسيطر على سلوك تلك القيادة واعضاءها ، يشبه شلل الفريسة ، رعبا ، امام مفترس كاسر . واذا فكرنا ان المنظمات والاعضاء يُهاجمون ويُعذبون وتُنتزع اعترافاتهم ويُسقّطون سياسيا على مدار الساعة ويوميا فلن يبقَ امامنا من مبررات الرعب الاّ حفاظ هؤلاء القادة على حياتهم الشخصية وحرصهم على امنهم الذاتي ، لقد كانوا يعيشون رعبا اراهم صدام بعض نماذجه سواء في حملة 1970 -1971او حتى في اوج التحالف الجبهوي ، حينما اعُتقل ، على سبيل المثال ، كاظم حبيب ، مرشح اللجنة المركزية و عضو المجلس الزراعي الاعلى لمجرد ملا حظة بسيطة ابداها ولم تعجب صدام ، ليهان ويعذب وتكسر ذراعه ! لقد انعكس واقع هذا الرعب في صمتهم المطبق ثم حيرتهم وتخبطهم ثم مغادرة معظمهم البلاد ومنهم السيد آرا ، الذي تشتمل صورة مغادرته على ما يؤيد اشدّ النعوت التي قيلت بحق قيادات الشيوعيين ...
يكتب السيد ارا ، بصدد ظروف مغادرته للعراق ، عام 1979 :
(حين إستلم حزب البعث الجريدة اللبنانية التي نشرت البيان، أرسل نسخة منها الى قيادة حزبنا. ولاحقاً ركز البعثيون المراقبة عليّ ـ آرا خاجادور، كما نقل د. مهدي الحافظ ممثل الحزب في سكرتارية الجبهة الوطنية للحزب إستياء البعثيين مني، وعبر عن ذلك الإستياء القيادي البعثي وعضو سكرتارية الجبهة الوطنية نعيم حداد. وبعدها أخبرني الرفيقان عزيز محمد و زكي خيري بضرورة مغادرتي العراق باسرع وقت ممكن بقرار من المكتب السياسي، وفي اليوم التالي زارني القنصل السوفيتي في البيت، وجلب لي تذكرة سفر الى موسكو، ترددت كثيراً في موضوع السفر، وفي اليوم التالي أرسلت قيادة الحزب سيارة لنقلي الى المطار، ورافقني الى المطار الرفيقان فخري كريم وابو حمدان (محامي الحزب).

دخلت الى المطار وعند نقطة فحص الجوازات أخذوا مني جواز السفر. كان واضحاً بأنهم لا يريدون ختم الجواز، وتأخرت كثيراً حيث دخل كل المسافرين الى داخل الطائرة، وأنا الوحيد بقيت أنتظر، بعدها جاء ممثل السفارة السوفيتية الرفيق كريتشكو، وقال لي: ما الذي يحصل؟ قلت له: لا أعلم. إنتفض من مكانه معلناً بصوت جهوري بأن الطائرة لا تقلع من المطار بدون وجودك بها.

بعد فترة وجيزة جاء ضابط عراقي، وأخذ الجواز من الإستعلامات، وطلب منهم ختم الجواز، وبعد أن سلمني الجواز أخبرني بالذهاب مع ممثل السفارة ، وإنتظر كريتشكو صعودي الى الطائرة ، وانتظر هناك الى حين مغادرة الطائرة الروسية مطار بغداد. كان ذلك عام 1979 )

انها وقائع صادمة حقا ، فهل يدرك العزيز خاجادور مضمون ما يقول ؟
ففي الوقت الذي كان القنصل السوفيتي يأتيه الى بيته بتذكرة السفر ويحضر ممثل السفارة السوفيتيه الى المطار ليطمئن على مغادرته ، كان العشرات والمئات ، من الشيوعيين العراقيين، الشباب والشابات ، يعانون في مسالخ التعذيب ويموت بعضهم دفاعا عن اوهام واضاليل ، آملين ان يكون الغد افضل والمحنة عابرة وان قيادة الحزب والرفاق السوفييت والتضامن الاممي سيكون له وقع مؤثر ، دون ان يعنى لهم قنصل او يهتم بسلامتهم سفير !.
اما مجيء ضابط عراقي ، (مرسل من صدام حتما ولغرض واضح)، وختمه للجواز وتسليمه له واخباره ل ارا بان يذهب مع ممثل السفارة السوفيتيه الى الطائرة الروسية ، فتلك ثالثة الاثافي التي اترك لكم تقدير مضامينها !
بعد ذلك ، يضعنا السيد خاجادور ، في اطار النهاية المنطقية لذلك الحدث واسبابها " الموضوعية " :
( بعد هذه الأحداث إجتمعت اللجنة المركزية في موسكو، وطُرح بذلك الإجتماع موضوع الكفاح المسلح، الأغلبية وافقت على القرار على أساس، الدفاع عن النفس وحماية الحزب من التصفية، ولعدم وجود أي طريق آخر للنضال ضد نظام البعث، ومن أجل أعادة تنظيم الحزب داخل الوطن.

بعد إجتماع موسكو حصل لقاء في بلغاريا، حضره الرفاق عزيز محمد، صالح دكلة، وأنا، واللقاء حصل بسبب تصادف وجودنا في وقت واحد بصوفيا كل بشأنه الخاص. ناقشنا خلال ذلك اللقاء بعض جوانب الوضع السياسي. ووجدت ضرورة لطرح موضوع حزب العمل العراقي على المكشوف مع الرفيق عزيز محمد، وبمناسبة حضور صالح دكلة. وتم الإتفاق على إيقاف العمل في بناء حزب العمل العراقي (حل الحزب) بسبب إرتقاء سياسة الحزب الجديدة الى المواجهة المسلحة. بعد هذا اللقاء أخبرت الرفيق بهاء بالتوصل الى إتفاق بالتوقف عن العمل على إنشاء حزب العمل العراقي. قال الرفيق بهاء: لو كنت حاضراً لإعترضت على قرار الحل.)
ثم ننتهي الى خاتمة مستعارة من الادبيات السوفيتية ، حيث ضرورة تبيان تاريخية الخطوة او الحادثة ، واهميتها بل وضرورتها في تسلسل الاحداث :
( إن هدف ودور تشكيل حزب العمل العراقي إظهار خطأ سياسة الحزب في التحالف مع حزب البعث؛ "مع البعث لبناء الإشتراكية"، ومن أجل تعجيل إنتقال الحزب الى المعارضة، ولحماية الحزب. وأثبتت التجربة العملية ضرورة وجود تنظيم سري للحزب في كل الظروف والأحوال بما يُشكل ضمانة للحزب لمواصلة دوره حيث لا توجد ضمانة بأن لا يكون الحزب هدفاً للسلطات الحاكمة.)
لقد علمنا ، مما شرحه ارا ، نفسه ، ان تشكيل هذا الحزب لم يتجاوز البيان التاسيسي الذي نُشر ، وان وجوده وحقيقته محل اشتباه ولبس حتى من قبل من يصفهم ارا بانهم مؤسسيه ، فصالح دكله يخلط بينه وبين تنظيم الغد الديمقراطي وبهاء الدين نوري يتذكره بشيء من عدم الدقة ، كما يقول ارا . ولا يقدم لنا الكاتب صورة من ذلك البيان لكي نتمكن من الحكم فيما اذا كان قد اظهر خطأ سياسة الحزب وانتقدها ام لا ، هذا اولا .
ثانيا-كيف عجّل هذا الحزب بانتقال الحزب الشيوعي الى المعارضة ؟ هل من امثلة ملموسة ؟ ثم ان الحزب الشيوعي لم ينتقل الى المعارضة بل انتهى الى وضع قلق بائس اجبر فيه على الهجرة حينما غادرت قيادته واكثر من 6000 شيوعي ليصبح حزب منفى او ليتخذ له ، بعد ذلك ، قاعدة في كردستان كان غرضها توفير ملجأ آمن للحماية ( واية حماية !)اكثر من كونها ستراتيجية كفاح مسلح يستهدف اسقاط النظام . اما اهمية هذا الحزب الوهمي في حماية الحزب الشيوعي فهي وهم محض ، لا يدعمه العزيز آرا بأي مثال ملموس او برهان منطقي او سياسي . واخيرا ، وبالنسبة لضرورة وجود تنظيم سري للحزب في كل الظرف والاحوال ، فهو استنتاج ، يبدو بديهيا في ظروف العراق وتاريخه الحديث ، لكنه كان في متناول ادراك جمهور الحزب وحتى الفتية من اعضاءه ، في حين دُفعت ْاثمان باهضه واهرقت دماء زكية وعانت الوف مؤلفة من خيرة شباب العراق مرارة التشرد والمنفى والاغتراب ، لكي تدركه ، عبقرية القادة !
*******************
تبقى هناك اضافة مهمة لا بد من ذكرها في هذا السياق ، كانت في اساس اهتمامي بالموضوع وتفحصه ، هي اننا ، شكلنا ، انا والشهيد عادل تركي وآخرون ، عام 1979 وفي بغداد ، تنظيما اتخذ في البدء اسم حزب العمل العراقي ثم ابدلنا اسمه الى حزب الشعب الديمقراطي عام 1980 استنادا الى قناعات نظرية تتعلق بتحليل جاد وملموس للواقع التاريخي والاجتماعي للعراق وما يرتبه من حاجات واولويات .
لا شك ان التشابه في الاسم كان وليد الصدفة المحض ، لكن التوقيت المطابق ( 1979) كان يعني الادراك العام والمتنامي لضرورة ايجاد البديل الفعال والمعبر والجاد لحزب كاد يصبح او اصبح بالفعل ، وبحسب تعبير روزا لكسمبورغ ، الدقيق ، فطيسة . واذْ اتخذه السيد ارا وجماعته مجرد اسم لتمرير موقف ، فقد اتخذناه نحن بديلا سياسيا يعبر عن حاجة حقيقية وضرورة لا زبة تمثلت في اقامته لتنظيمات بديلة في ثلاثة محافظات عراقية وتشكيله لتنظيم عسكري كان يدرك مدى اهميته الحقيقية في ان يكون رأس حربة في أي تغيير حقيقي مراد باتجاه قلب الدكتاتورية واصداره جريدة صدرت منها ثلاثة اعداد قبل ان توجه له ضربة من قبل النظام .
ان ذكري لهذا الامر ، لا يصدر عن مناكفة او ادعاء ، وانما لتبيان ان ادراك حاجة او ضرورة ما ، يستلزم عملا جادا باتجاه تحويلها الى واقع ملموس .وأنه لمن الخير الف مرة ، اتخاذ موقف شجاع ومسؤول ومهما كانت التضحيات بدلا من الهروب الى عالم افتراضي ومنطقة اللاموقف . وان خوض معركة ، ولو يائسة ، كان يمكن ان تكلف دماءا اقل ، وتعطي ثمارا مستقبلية اوفر وتبقى عالقة في ذهن الاجيال دلالة خالدة ومنارة هادية . والتاريخ مزدحم بالامثلة النيّرة على انتصار الضحايا الذين قاتلوا بشجاعة وبطولة ولو بعد اجيال وعلى ايدي القوى الحيّة للشعوب التي اتخذت منهم ومن شجاعتهم واقدامهم مثلا وقدوة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر