الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر العجز الكبير في الموازنة العراقية لعام 2017

نبيل جعفر عبد الرضا

2017 / 3 / 21
الادارة و الاقتصاد


مخاطر العجز الكبير في الموازنة
العراقية لعام 2017

واخيرا اسدل الستار وتم اقرار الموازنة الاتحادية في العراق بالاغلبية السياسية بعد جدل محتدم بين الكتل السياسية في البرلمان العراقي مع ان هذه الموازنة لا تختلف عن الموازنات السابقة بوصفها موازنة توزيعية مهمتها الرئيسة توزيع ايرادات النفط العراقي على ابواب الصرف التقليدية دون ان تؤدي الى تغيير نوعي او هيكلي في بنية الاقتصاد العراقي ، والمثير للقلق في هذه الموازنة هو العجز الكبير فيها والممول اساسا من الاقتراض وبالذات الخارجي منه والذي ربما سيوقع العراق في فخ المديونية !! وقبل التطرق الى ماهية العجز الكبير في موازنة عام 2017 ؟ وكيفية تمويله والمخاطر الناجمة عنه ؟ لابد لنا من التطرق الى بعض المحاور المتعلقة بالموازنة
مفهوم الموازنة العامة
الموازنة هي خطة أو برنامج عمل، تترجم فيه الحكومة سياستها الاقتصادية والاجتماعية إلى أهداف سنوية رقمية، وليست مجرد برنامج عمل خاص بوزارة المالية يبين الكفاءة في إدارة الأموال وحسب! ولا تتقرر فعالية الموازنة بذاتها فقط، بل ترتبط بأدوات التخطيط المالي الأخرى كسياسة التسليف وسياسة النقد الأجنبي، وتقاس بالنتائج الاقتصادية الاجتماعية وليس بالنتائج المالية فقط. والدور الاقتصادي والاجتماعي للموازنة العامة يكون أكثر فعالية في ظل الأنظمة الديمقراطية ، مقارنة بالأنظمة الديكتاتورية والبيروقراطية التي تلعب فيها الموازنة العامة دوراً هامشياً وضعيفاً ، من هذا المنطلق يمكن القول أن الموازنة العامة في العراق يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في دعم نمو الديمقراطية.
بدأ العمل بصيغة الموازنة في العراق سنة 1921 مع نشوء الحكم الوطني وانتقال الادارة المالية الى مسؤوليته فصدرت اول موازنة بالمعنى المعروف في بدأ العمل بصيغة الموازنة في العراق سنة 1921 مع نشوء الحكم الوطني في تشرين الثاني سنة 1921 وقد ضمن دستور البلاد الذي اعلن آنذاك حق البرلمان في مناقشة الموازنة والمصادقة عليها . إعتمدت وزارة المالية منذ العشرينات من القرن الماضي الأسلوب التقليدي أو ما يسمى بموازنة البنود في تخطيط وإعداد موازنة الدولة , وأستمر عليه حتى وقتنا الحاضر (بإستثناء بعض التعديلات عليها) على الرغم من كل المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي مر بها العراق ولا يزال , ويمكن أن تلتمس هذا من خلال قانون أصول المحاسبات العثماني الصادر سنة 1911 , والذي تم الإعتماد عليه منذ قيام الحكم الوطني سنة 1921 , ومن ثم صدور قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940 وتعديلاته المطبقة مع قانون الموازنة العامة للدولة رقم (107) لسنة 1985 . وقد نصت الفقرة (1) من المادة الثانية من قانون أصول المحاسبات على إن الموازنة هي ((الجداول المتضمنة تخمين الواردات والمصروفات لسنة مالية واحدة تعين في قانون الموازنة ))
ويتضح من خلال هذا التعريف للموازنة العامة الرؤية التقليدية للموازنة على إنها تمثل جداول لأرقام حسابية , مقسمة إلى مجموعتين أحدها يتعلق بالإعتمادات المخصصة والمتوقع إنفاقها للأغراض التي رصدت من أجلها , والثاني للإيرادات المتوقع الحصول عليها (جبايتها) وفقا لتقييم أنواعها ومصادرها .
وهذا يمثل قصورا كبيرا في الأهداف , والوظائف التي يمكن أن تؤديها الموازنة وفق منظورها الحالي المعتمد من قبل معظم البلدان المتقدمة والتي تعد الموازنة العامة لها البرنامج أو الخطة المستقبلية التي تهدف من ورائها تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة.
الموازنة التشغيلية والموازنة الاستثمارية في العراق

1- الموازنة الجارية :- وهي موازنة يتم إعدادها لأغراض تمويل الإنفاق الجاري الحكومي , وتستهدف تقديم الخدمات المتنوعة لتنظيم النشاط الاقتصادي والإجتماعي والمحافظة على كيان المجتمع , مثل خدمات الدفاع والأمن والعدل والتعليم والخدمات الثقافية والإجتماعية وخدمات المرافق العامة , وما ينفق في مـجالات الأبحـاث العلمـية, فـإن هـذه النفقات بمجموعها تمثل إستهلاكا للسلع والخدمات أي ما يسمى (الإستهلاك الحكومي)
2- الموازنة الإستثمارية: الموازنة التي تعبر عن نشاط الدولة في حقل التنمية الاقتصادية والإجتماعية فهي تمثل بوجه أساس التخصيصات التي تعتمد على تغطية الإنفاق الرأسمالي , وهي من الناحية المالية لا تختلف عن النفقات الرأسمالية في الموازنة الجارية إلا من خلال الحجم وطبيعة المشروعات التي تحتويها.
أما فيما يتعلق بتوزيع التخصيصات المعتمدة للموازنة الإستثمارية , فإن المشرع العراقي حدد آلية لتوزيع الإعتمادات كما يأتي :-
1- حسب نفوس كل محافظة .
2- حسب المحرومية عند إعداد وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي معايير هذه المحرومية على أن لا يعطل ذلك التوزيع حسب نفوس كل محافظة.
إلا أن الوثيقة ذاتها تعود وتعتبر حجم السكان هو المرجع الحاسم في هذا الأمر , وهي مسألة تخالف المعايير الدولية الشائعة اليوم , والتي تؤكد على الأهمية الحيوية لقياس درجات الحرمان الاقتصادي والإجتماعي للمجاميع السكانية كمؤشر سليم لتأمين العدالة بين السكان .

افتراضات الموازنة لعام 2017

1- سعر برميل النفط الخام المصدر = 42 دولار
2- معدل التصدير = 750و3 مليون برميل يوميا منها 250 الف برميل من اقليم كردستان و 300 الف برميل يوميا من نفط كركوك
3- سعر الصرف = 1182 دينار لكل دولار

المؤشرات الاجمالية في الموازنة
1- الايرادات العامة = 011و79 ترليون دينار
2- الايرادات النفطية = 950و67 ترليون دينار
3- الايرادات غير النفطية = 061و11 ترليون دينار
4- النفقات العامة = 67و100 ترليون دينار
5- النفقات الجارية = 217و75 ترليون دينار
6- النفقات الاستثمارية = 454و25 ترليون دينار
7- اجمالي العجز = 659و21 ترليون دينار

الايرادات العامة
المصدر الرئيسي للايرادات العامة يتاتى من الايرادات النفطية التي تشكل 86%,. وهذا يعني ان تقديرات الايرادات العامة مرتبطة بتقديرات الكميات المتوقع تصديرها من النفط الخام اضافة الى تقديرات اسعار النفط العالمية المتوقعة وهي عوامل تتميز بالتقلبات واحيانا الشديدة ، مما يوجب الحذر عند تقدير كل من النفقات العامة ( وخاصة النفقات التشغيلية الجارية) والايرادات العامة . وتعكس هيمنة الايرادات النفطية على الايرادات العامة وتدني مساهمة الانشطة غير النفطية طبيعة الاختلال الكبير والمستديم الذي تعاني منه الموازنات العراقية منذ عدة عقود والتي تؤشر بدورها مدى هشاشة الاقتصاد العراقي وتبعيته المتزايدة لسلعة النفط
اما الايرادات غير النفطية فهي شحيحة اذ لا تزيد عن 14% من ااجمالي الايرادات العامة وتتمثل بالاستمرار بفرض ضرائب على كارتات الهاتف النقل وبنسبة 20% وفرض رسم مقداره 25 الف دينار على تذكرة السفر الخارجي و 10 آلاف دينار على تذكرة الطيران الداخلية وزيادة ضريبة العقار من 10 % الى 12% . فضلا عن اوجه الايراد التقليدية المتمثلة بضرائب الدخل وايرادات املاك الدولة والرسوم الجمركية وغيرها .
النفقات العامة
تستحوذ النفقات التشغيلية على 75% من اجمالي النفقات العامة في موازنة عام 2011 وهي نسبة مرتفعة جدا . ان الارتفاع الكبير في الانفاق العام انصب على الانفاق التشغيلي الجاري بشكل اساس وهو ما يشكل مؤشرا خطيرا في دولة نامية كالعراق تحتاج الى موارد كبيرة وهائلة لاعادة اعماره في كل المجالات ابتداء من البنى التحتية بما فيها التعليم والصحة والاسكان والطرق الى قطاعات النفط والصناعة والزراعة بالاضافة الى توفير الحد الادنى لمستويات معيشة تليق بانسان في بلد متخم بالموارد. اما النفقات الاستثمارية فكانت بنسبة 25% وبمبلغ اجمالي بلغ 454و25 ترليون دينار لتغطية نفقات المشاريع الاستثمارية في الوزارات في حين لم يخصص سوى مبلغ ضئيل لا يتجاوز 500 مليار دينار لاعمار وتنمية مشاريع الاقاليم . والملاحظ على الموازنة المبالغة الكبيرة في تقديرات حجم النفقات العامة اذ ان بيانات وزارة المالية تشير الى ان الانفاق الفعلي قد بلغ 5و40 ترليون دينار لغاية ايلول 2016 ، وعلى وفق معدلات الصرف هذه يمكن القول بإن الانفاق الفعلي في العراق لعام 2016 سيبلغ نحو 54 ترليون دينار في حين ان التقديرات لعام 2017 تفوق ال 100 ترليون دينار وهو ما يتنافى مع احد خصائص الموازنة الحديثة والمتعلقة بدقة التقديرات التي تنطلق من روافد عدة من بينها حجم الانفاق في السنة السابقة للموازنة . ومن المتوقع ان تقود الزيادة الكبيرة في الانفاق الحكومي الى ضغوط تضخمية نتيجة لزيادة الانفاق الحكومي فوق مستويات السنوات القريبة الماضية بفارق لا يتناسب مع الزيادة المحتملة في العرض .
العجز في الموازنة الاتحادية لعام 2017
اصبح العجز صفة ملازمة للموازنات العراقية ولم تستثنى موازنة عام 2017 من هذه الصفة ، اذ بلغ العجز في موازنة عام 2017 نحو 659و21 ترليون دينار وبنسبة 5و21% من اجمالي النفقات العامة . ان مصدر الخطورة الحقيقية, كقاعدة عامة, يتاتى من الربط الوثيق بين نمو عجز الموازنة ونمو المديونية الداخلية والخارجية . وهذا الامر قد يدخل الاقتصاد والموازنات اللاحقة في حلقة مفرغة ذات اثار مدمرة للاقتصاد يفرض على العراق بشكل رئيسي الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي لتغطية العجز الكبير في الموازنة ، ففي موازنة عام 2017 اعتمد العراق على نحو كبير على الاقتراض الخارجي من خلال مايلي :
1- البنك الدولي = 182و1 ترليون دينار
2- صندوق النقد الدولي = 009و2 ترليون دينار
3- الوكالة اليابانية للتعاون الدولي = 354و0 ترليون دينار
4- قروض ضمان بريطانيا وفرنسا وكندا عن طريق البنك الدولي = 945و0 ترليون دينار
5- سندات خارجية = 364و2 ترليون دينار
6- قروض الاتحاد الاوربي = 118و0 ترليون دينار
7- حوالات عن طريق المصارف التجارية = 000و2 ترليون دينار
8- البنك الياباني للتعاون الدولي = 59 مليار دينار
9- قرض البنك الدولي لدعم المناطق المحررة = 165 مليار دينار
10- الفرض الامريكي للتسليح = 952و1 ترليون دينار
11- القرض البريطاني لدعم الصادرات = 118 مليار دينار
12- القرض الصيني للتسليح = 952و1 ترليون دينار
13- القرض الالماني = 224 مليار دينار
14- القرض السويدي = 177 مليار دولار
15- البنك الاسلامي للتنمية = 591 مليار دينار
16- القرض الايطالي = 158 مليار دينار

وبذلك يصبح اجمالي الاقتراض الخارجي للعراق (370و14) ترليون دينار في عام 2011 لتغطية عجز الموازنة . ان اللجوء الى المصادر الخارجية للتمويل وبالذات الاقتراض الخارجي سيحمل العراق اقساط سنوية لخدمة الدين الداخلي والخارجي والتي بلغت 608و5 ترليون دينار في موازنة عام 2017 وهو ما يعادل اكثر من 8% من عائدات العراق النفطية . واذا ما اضفنا اليها تعويضات الكويت البالغة 5% والتي أجلت الى عام 2018 ، فإن الاستقطاع من العائدات النفطية سيكون كبيرا وخاصة بعد انتهاء فترة السماح للعديد من القروض الممنوحة للعراق .
وعلى الرغم من خضوع السياسة المالية مترجمة عمليا بطريقة اعداد الموازنة الى شروط صندوق النقد الدولي, في ضوء اتفاقية الترتيبات المساندة SBA المعقودة في تشرين الاول 2005 مع الحكومة العراقية, اضافة الى وثيقة العهد الدولي , وما تفرضه عليها من توازنات مالية تقشفية لمعالجة العجز المزدوج-عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات- وسياسات انفتاح اقتصادي مصحوبة بتحجيم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي , الا انه بسبب الظروف الامنية والاقتصادية الاستثنائية التي مر بها العراق مابعد عام 2003 اجبرته على عدم الالتزام بسياسات صندوق النقد الدولي الخاصة بالتوازنات المالية وتخفيض الانفاق الحكومي.وذلك لمعالجة الجوانب الامنية التي لها الاولوية، ولمعالجة بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الهامة المتعلقة بالبطالة والاعانات والمنافع الاجتماعية والدعم ، والالتزامات المتعلقة بالمديونيات الخارجية وفوائدها .
ان اللجوء الى الاقتراض الخارجي والبحث عن مصادر تمويل خارجية ينبغي ان يكون لتغطية فجوة الموارد ( الاستثمار – الادخار ) واضافتها الى الموارد المتاحة للاقتصاد ، فإذا استخدمت هذه الموارد بشكل جيد من خلال توجيهها نحو الاستثمارات المدرة للدخل التي تسهم في تنويع الاقتصاد فإنها تفيد البلد وتساهم في عملية التنمية والنمو ، اما اذا كانت الديون موزعة بشكل غير ملائم من خلال توجيهها نحو الانفاق التشغيلي كما هو الحال في العراق فإن تكاليف الاستدانة تساهم في تعقيد المشاكل الاقتصادية الكلية في شكل مستويات غير مستدامة من خدمة المديونية . ان العجز الكبير في موازنة عام 2017 والمقدر بنحو 659و21 ترليون دولار يتم تغطيته من الرصيد المدور من وزارة المالية والوزارات الاخرى وبقيمة 2 ترليون دينار فقط اما الجزء الاكبر الذي يبلغ 659و19 ترليون دينار فيتم تغطيته من الاقتراض الداخلي والخارجي وبقيمة 3و5 ترليون دينار للاقتراض الداخلي و 370و14 ترليون دينار للاقتراض الخارجي .وهذا يعني ان نسبة 7و91% من عجز الموازنة العراقية لعام 2017 يجري تغطيته من الاقتراض الداخلي والخارجي . ويلاحظ ان الجانب الاكبر من هذه القروض تذهب لدعم الموازنة وللاغراض التشغيلية مما ستشكل مستقبلا قيدا كبيرا على امكانية الاقتصاد العراقي في التنمية والتطور بسبب الاستحقاقات الكبيرة مستقبلا لأقساط خدمة الدين التي ينبغي على العراق دفعها على حساب تنمية الاقتصاد العراقي . علما ان الدين العام في العراق قد بلغ (حسب التقارير الفصلية التي تنشرها وزارة المالية على موقعها الالكتروني ) في عام 2015 نحو 6و99 مليار دولار وبنسبة 1و66% من الناتج المحلي الاجمالي ، اما الدين الخارجي فقد وصل الى 1و66 مليار دولار وبنسبة 7و41% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة 118% من اجمالي الصادرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انخفاض جديد فى أسعار الذهب ... وهذا أنسب موعد للشراء


.. الذهب يفقد 180 جنيها فى يومين .. واستمرار انخفاض الدولار أم




.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى


.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024




.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال