الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر الشعبوية الجديدة فى الغرب

إبراهيم فتحي

2017 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تصاعدت الحركات الشعبوية فى الحياة السياسية والاجتماعية فى الغرب فى صور متعددة حتى صارت تسمى بالنزعة الشعبية أو الشعبوية الجديدة. وأصبح الخطاب الشعبوى تيارًا رئيسيًا فى الديمقراطيات الغربية المعاصرة حتى أن باحثين أطلقوا على الظاهرة “روح العصر” الشعبوية. فما هى الشعبوية؟ هل هى أيديولوجيا أم ظاهرة مرضية أم أسلوب فى العمل السياسي؟ يعتقد بعض الباحثين أن الشعبوية بناء أيدولوجى يعتبر أن المجتمع منقسم إلى مجموعتين متجانستين ومتعارضتين فى آن. فهناك “الشعب النقي” مقابل “النخبة الفاسدة”. ويرى أن السياسة يجب أن تعبر عن الإرادة الشعبية العامة. ووفق هذا التعريف يكون لدينا مفهومان متعارضان: النخبة مقابل الأغلبية. ولدى الشعبويين أصدقاء وأعداء فقط والخصوم ليسوا أصحاب أولويات وقيما مختلفة بل هم أشرار أو فاسدون، وهى لذلك لا ترضى بالحلول الوسط. ويمكن اعتبار النخبوية صورة عكسية للشعبوية حيث يشترك المفهومان فى النظرة الثنائية للعالم التى تقسمه إلى أخيار وأشرار. فالنخبوية تريد للسياسة أن تكون تعبيرًا عن النخبة “الأخلاقية” مقابل الشعب “غير الواعي”. والنقيض الحقيقى للمفهومين هو التعددية فهى فى المقابل ترفض الشعبوية والنخبوية حيث ترى المجتمع مكونًا من مجموعات مختلفة ومتنوعة، مجموعات وأفرادًا لهم رؤى وأهداف متعددة وقد تختلف على نحو جوهري.



ويختلف باحثون آخرون مع تعريف الشعبوية كإيديولوجية، فهى ليست مجموعة من المعتقدات ولكنها تمثل ما يمكن أن يطلق عليه “المنطق السياسي” أى أنها طريقة فى صياغة المطالب بصرف النظر عن محتواها. ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن تعريف الشعبوية بوصفها إيديولوجية يقلل من شأن البعد الاستراتيجى الحاسم للشعبوية ، كما ينزع عنها الصفة المؤقتة فالأحزاب التى تتخذ نهجًأ شعبويًا لا تظل شعبوية على الدوام. وعادة ما يرتبط وصف حركة سياسية بالشعبوية بتداعيات سلبية وربما يرجع ذلك إلى ارتباطها بحركات اليمين القومى المهددة للديمقراطية. ومن خصائص التيارات الشعبوية ظهور قيادة كاريزمية تتواصل مع الجماهير بالتركيز على الانفعالات والعواطف كالخوف من المهاجرين أو الإرهابيين، لا على الحجج المنطقية للموقف السياسي. وقد تتقاطع الشعبوية مع القومية وبخاصة فى الأحزاب اليمينية الصاعدة فى أوروبا، ولكن التمييز بين المفهومين ضرورى لفهم تكوين تلك الأحزاب. فبينما تعتمد الشعبوية مفهومًا رأسيًا عن هوة بين النخبة (من أعلى) والجماهير (من أسفل)، ترى القومية على نحو أفقى أنها تمثل جماعة متجانسة، أى عن داخل منتم مقابل خارج عن الجماعة. وفى أحزاب شعبوية قومية يرى ممثلوها أن “النخبة” قد خانت “الشعب” مستبعدين المهاجرين والأقليات العرقية من مفهوم الجماعة. ويستخدم “الشعب” لدى الفاعلين السياسيين الشعبويين كأداة خطابية لا علاقة لها بمجموعة معينة من الأفراد، ويسود مفهوم مثالى عن “روح الشعب” المستمدة من تاريخ مجتمع متخيل.



ورغم أن الشعبوية ترتبط عادة باليمين هناك حركات سياسية سواء فى اليمين أو اليسار استخدمت أساليب شعبوية لأهداف مختلفة، فعلى اليمين استخدمت للهجوم على المهاجرين والمسلمين واستبعادهم. أما على اليسار فقد دعت الحركات السياسية الشعبية فى اليونان وإسبانيا وبريطانيا، وحتى فى حملة برنى ساندرز للترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة، إلى تحجيم البنوك الكبرى وملاحقة الشركات المتعددة الجنسيات المتهربة من الضرائب وإلى نظام ضريبى أكثر عدالة.



ويثور جدل حول أسباب صعود الشعبوية فى العقدين الأخيرين. فيرى بعض الباحثين أنها تعبير عن أزمة اجتماعية وأن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التى حكمت طويلا فى غرب أوروبا لم تستطع أن تتعامل بنجاح مع متغيرات مجتمع بعد-صناعي. بينما يرى آخرون أن الشروط التى أسهمت فى نشوء وصعود الشعبوية هى استمرار الاستياء السياسى لدى قطاعات من الناخبين فقدت الثقة فى النخب السياسية فى التيار الرئيسي، بالإضافة إلى وجود تحد ظاهر متخيل”لطريقة الحياة” من جانب مهاجرين غير متأقلمين لهم قيم وطرائق حياة مختلفة. ولا يمكن إغفال أثر الركود الاقتصادى طويل الأمد والتفاوت الشديد فى توزيع الدخل، والأزمة الحادة فى 2007 و2008 وما تبعها من إنقاذ الحكومة للمصرفيين والمصالح المالية على حساب دافعى الضرائب.



يتوقع باحثون أن الشعبوية بما يتبعها من خطر الانتقال من سلطة قانونية ودستورية إلى سلطة كاريزمية ستظل سمة مميزة للحياة السياسية المعاصرة تبزغ كلما شعرت قطاعات كبيرة من “الأغلبية الصامتة” أن النخبة السياسية لا تمثلهم. ولكن تلك النخبة لا تقف موقف المتفرج، بل تتبع أساليب الاحتواء والاستبعاد، احتواء المطالب جزئيًا ومحاولات استبعاد الفاعلين الشعبويين. ولعل موقف إعلام النخبة فى الولايات المتحدة ضد دونالد ترامب نموذج لمحاولات الاستبعاد التى لم تكلل بالنجاح، ولكن الأيام ستظهر مدى قدرة المؤسسات السياسية القائمة على استيعاب ترامب حينما يكون فى موقع السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من الحنجرة الي الميكروفون
محمد البدري ( 2017 / 3 / 26 - 06:48 )
قبل اكتشاف الكهرباء وبالتالي قبل تحويل الاصوات الي ذبذبات كهربية يمكن تكبيرها واعادة بثها ظلت الغوغائية والدهمائية والسوقية منخفضة المستوي وبطيئة الانتشار ونموذجها الاسلام قديما اما الان فالعروبة والقومية العربية والديماجوجية الناصرية والبعثية ومعها اليساريةالهمجية الفوضوية وتلازمها مع النخاسة ومروجي اردا انواع السلع الاستهلاكية من تجار ونخاسة، كل هؤلاء جندوا كثيرا من عديمي التعليم وكارهي الفنون ومسطحوا التفكير وغرائزيي التوجهات ليكونوا الفاعل الرئيسي في الاحداث السياسية.

اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين