الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاشية الجديدة

فريدة النقاش

2017 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



انحدر الينا مصطلح الإفقار المطلق من الأدبيات الإشتراكية فى القرن التاسع عشر، ثم جرى انتقاده حين حققت الشعوب انتصاراتها فى ميدان الحماية الاجتماعية، وأصبح مفهوم الإفقار المطلق باليا. ولكنه في ظل الرأسمالية المتوحشة والفاشية كوجه آخر لها يعود ليصبح أداة تحليل ناجعة بعد التفاقم الهائل على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية للتفاوت فى توزيع ثروات الكوكب، وزيادة الفقر والبطالة، وهو ما يشكل أرضا خصبة للفاشية الجديدة التي تدعونا معرفة أسبابها وجذورها وقيمها إلى الكفاح ضدها بلا هوادة، وتصحيح المسار البشري فى اتجاه الأهداف التي أطلقتها الإنفجارات الثورية




توالت فى السنوات الأخيرة وقائع صعود قوى اليمين الفاشي فى عدد من البلدان الأوروبية والأمريكية عبر الانتخابات. تواكب ذلك الصعود مع الأزمة العامة التي دخلت فيها الرأسمالية العالمية، والتراجع الملحوظ لقوى اليسار والقوى الديموقراطية عامة، مع استثناءات قليلة تؤكد الظاهرة التي تطرح مهمات جديدة على كل القوى الديموقراطية فى العالم. وتدلنا الشعارات والأهداف التي تتبناها هذه القوى الفاشية الصاعدة أن ثمة مشتركات جديدة توحد بينها، وتكاد تجعل منها قوة عالمية منسجمة، وهي المشتركات التي تعكسها المنظومة الفكرية لهذه القوى، فى مفاهيم وقيم الاستشراق الاستعماري الذي نشأ كتبرير ثقافي للغزوات وهي تبث الحياة مجددا والحروب الأوروبية والأمريكية من أجل نهب ثروات القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وبعد أن نجحت حركة التحرر الوطني فى المستعمرات بمساعدة البلدان الإشتراكية آنذاك فى تحرير بلدانها وإنشاء دول مستقلة بعد مقاومة عنيدة وباسلة، دخلت فى مرحلة الاستعمار الاقتصادي ونجحت العولمة الرأسمالية بعد ذلك فى فرض هيمنة الشركات متعددة الجنسية على هذه البلدان، واستخدمت بدلا من القوة العسكرية المؤسسات المالية الدولية أي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومعها هيئة المعونة الأمريكية، لتفرض عبرها سياسات الليبرالية الجديدة أي الرأسمالية المتوحشة عبر ما سمى بتوافق واشنطن، ولتهدم بالتدريج تجربة دولة الرفاهية التي كانت الشعوب قد فرضتها للتخفيف من حدة الاستغلال الرأسمالي، وبرزت إلى الوجود فى مطلع الثمانينيات سياسات الليبرالية الجديدة مع صعود «تاتشر» فى بريطانيا، وريجان فى «أمريكا».
انهارت منظومة البلدان الاشتراكية فى مطلع التسعينيات وحينها أطلق رجل الأمن القومي الأمريكي «صامويل هنتنجتون» ما يمكن أن نسميه « مانيفستو» الفاشية الجديدة، والذي واكبته عملية ترويج إعلامية هائلة فى كل أنحاء العالم. وما هي إلا سنوات قليلة حتى انشغلت غالبية الدوائر الثقافية والسياسية المتنفذة بمفاهيم جديدة حول صراع الحضارات والهويات بديلا للصراع الاجتماعي والصراع ضد الهيمنة. وفى إطار هذا الصراع الجديد كان «الإسلام» هو العدو الرئيسي بديلا للشيوعية التي سقطت، وأضاف هنتنجتون إلى الإسلام كلا من الكونفوشيوسية والمسيحية الشرقية، وهي جميعا لا ترقى فى نظره إلى مستوى الحضارة التي استمرت فاعلة فى أوروبا لمدة ألف عام. ولم يلتفت مروجو هذه المنظومة المتهافتة إلى ما فيها من مغالطات تاريخية فجة، ولا لما فى تاريخ أوروبا الاستعمارية من انتهاكات فاضحة لحقوق الشعوب التي لم تتوقف مقاومتها لهذه المشاريع.
الآن ومن أمريكا لهولندا، ومن النمسا إلى فرنسا تجري عملية العداء للإسلام وللمهاجرين على قدم وساق، وتجرى عملية التنظير لفكرة تقول إن القيم الأوروبية هي صناعة المتحضرين وليس من بينهم المسلمون الغرباء على الحضارة، وتعج البرامج السياسية لليمين المتطرف بالكراهية والاستعلاء العنصري. ورغم الطابع الإقتصادي الأساسي والتوجهات الثقافية التي تصاحب الفاشية الجديدة، فإن الاستعمار الجديد لم يتخل عن الحلول العسكرية تماما، والتي ارتبطت بالديكتاتورية الإرهابية المفتوحة لكل العناصر الأكثر رجعية والأشد تعصبا فى الرأسمال المالي المهيمن على الاقتصاد العالمي.
فبعد أن أصدر « ترامب» قراره بمنع المواطنين من ست دول عربية وإسلامية ومعها إيران من دخول الولايات المتحدة الأمريكية قام برفع ميزانية التسليح بنسبة 10% ولم يستبعد معاونوه اللجوء إلى الحلول العسكرية فى الأزمات العالمية المتفاقمة، خاصة فى منطقتنا. وتتعاون مخابرات الدول الإمبريالية فى تشكيل وتسليح المنظمات الإرهابية باسم الدين مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، وتقوم هذه المنظمات بالأدوار المطلوبة فى منطقتنا، وعلى رأسها تحويل الصراع الاجتماعي فيها إلى صراع ديني وطائفى وعرقي لتفتيتها لمصلحة المشروع الصهيوني كرأس حربة للدفاع عن مصالح الإمبريالية الجديدة فى المنطقة وتدميرها وإعادتها إلى القرن الثامن عشر كما قال أحد الساسة الأمريكيين أثناء حرب الخليج الأولى.
انحدر الينا مصطلح الإفقار المطلق من الأدبيات الإشتراكية فى القرن التاسع عشر، ثم جرى انتقاده حين حققت الشعوب انتصاراتها فى ميدان الحماية الاجتماعية، وأصبح مفهوم الإفقار المطلق باليا. ولكنه في ظل الرأسمالية المتوحشة والفاشية كوجه آخر لها يعود ليصبح أداة تحليل ناجعة بعد التفاقم الهائل على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية للتفاوت فى توزيع ثروات الكوكب، وزيادة الفقر والبطالة، وهو ما يشكل أرضا خصبة للفاشية الجديدة التي تدعونا معرفة أسبابها وجذورها وقيمها إلى الكفاح ضدها بلا هوادة، وتصحيح المسار البشري فى اتجاه الأهداف التي أطلقتها الإنفجارات الثورية، وبلورتها المقاومة ضد الفاشية والعولمة الرأسمالية، التي وإن تراجعت فإنها تحقق الانتصارات هنا وهناك. وتحتاج لابتكار آليات جديدة فى مواجهتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رفيق التلمساني
أوسوبوكو مفتاح ( 2017 / 4 / 1 - 14:04 )
قرأت تعليق الأستاذ رفيق التلمساني على الفسبوك

كل كلمة فيه حقيقية واقعية

أشكر الأستاذة فريدة النقاش كاتبة المقال فهي عادة ما تدعو إلى الاستنارة

كما أشكر الأستاذ التلمساني لردّه القويّ الكاشف لزيف كل فكر معلّب فهو أيضا مسئول مع الظلاميين عن تسميم عقول أجيال في منطقتنا المنكوبة بهما...الاسلام مع اليسار هما سبب الخيبة والخراب


2 - السؤال الحاسم والمفصلي
فاخر فاخر ( 2017 / 4 / 1 - 19:39 )
السؤال الحاسم لمن تخلى عن الماركسية كفريدة تانقاش ولمن يسيء قراءة التاريخ كالتلمساني هو التالي ,,

من يسيء توزيع الثروة ؟

لا أعتقد أن بوسع الطرفين النقاش والتلمساني الإجابة على هذا السؤال المفصلي


3 - السؤال الحاسم والمفصلي
فاخر فاخر ( 2017 / 4 / 1 - 19:41 )
السؤال الحاسم لمن تخلى عن الماركسية كفريدة تانقاش ولمن يسيء قراءة التاريخ كالتلمساني هو التالي ,,

من يسيء توزيع الثروة ؟

لا أعتقد أن بوسع الطرفين النقاش والتلمساني الإجابة على هذا السؤال المفصلي

ولذلك عليهما أن يصمتا صدوعاً للمنطق


4 - اين نقد الذات
محمد البدري ( 2017 / 4 / 2 - 08:45 )
وماذا عن توزيع الثروة قبل ان ياتي الاستعمار الذي تحمله الكاتبة كل اوزار العالم؟ نقد الذات قبل تصويب مدافع لا تصيب اهدافها ابدا الي الخارج هو ما قامت عليه النظرية الماركسية. فالماركسية خرجت من قلب العالم الراسمالي. فهل نتعلم روح الفلسفة بدلا من شراء بمب العيد ونفرح بفرقعاته. فيالها من ثقافة عربية / اسلامية لا تريد لاصحابها المساس بها رغم كونها جرداء و كاحط ثقافة لا تنتج شيئا من داخلها


5 - الافقار الروحي أشد وأنكى
عبد الله اغونان ( 2017 / 4 / 2 - 18:25 )

ان سلمت الروح سلم الجسد
كلنا نحفظ
العقل السليم في الجسم السليم
فعندما فقدنا روحنا الاسلامية سنفقد كل شيئ حتى مصالحنا
لن يعوضنا عن ذلك النزعة اليسارية التي تجعل الصراع قاصرا على المادة
فاليسار الاشتراكي الرسمي نفسه مارس الامبريالية والتسلط
الى حين سقوط ماكان يسمى بالاتحاد السفياتي الذي لايقل امبريالية عن الراسمالية


6 - إلى عبدالله اغونان
فاخر فاخر ( 2017 / 4 / 2 - 21:47 )
عليك يا أغونان أن تبحث على ديوان يقبل من فية هذيانك
هل تعرف معنى الإمبريالية ؟
هل كان الاتحاد السوفياتي يصدر بضائع إلى الدول التابعة ؟
أنت يا عبدالله لم تدرس غير القرآن
بل حتى القران لم تدرسه بوعي
فأنت لم تتعرف على مئات الأخطاء اللغوية في قرآنك
وهذا حقيقة تتحداك في الصميم


7 - فاخر فاخر نحاور ولانهذي
عبد الله اغونان ( 2017 / 4 / 2 - 23:23 )

معنى الامبريالية هو احتلال بلدان الغير بالقوة والاتحاد السفياتي كان يصدر الانقلابات والافكار

الشيوعية التي لها طابع امبريالي لايختلف عن امبريالية الغرب الراسمالي وقد انتهتت الان

درست القران وحفظته واتدبره

ودرست حتى رأسلمال لكارل ماركس ودرست هيجل وحتى كتابات المتمركسين العرب

ان كنت متتبعا مايكتب في هذا الموقع عن الاسلام والنبي والقران ويمكن أن تجد تعليقاتي

فيما تزعمون أنها اخطاء لغوية في القران بما فيه ماكتب اليوم


8 - الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القران
عبد الله اغونان ( 2017 / 4 / 2 - 23:46 )
هذا الرابط للاخ فاخر فاخر

الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القران الكريم

ان كنت على اطلاع لغوي نحوي بلاغي فراجعه جيدا

وهناك كثير غيره من الروابط لمتخصصين في النحو واللغة والبلاغة

بهذا ومن ن هنا

يبدأ الحوااااااااااااااااااااااااااااار

اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة