الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتراب مطر السياب

احمد ثامر جهاد

2006 / 1 / 22
الادب والفن


مغزى الاحتفاء بالشاعر في حاضر لاشعري
لعل من اليسير التوقع – في إطار الاحتفاء به - إن أي حلقة نقاشية عن السياب ستتحرى ما يمكن اعتباره حصيلة لتمثلات وقضايا التحديث في شعره وفق تراتيبية تاريخية أو بدونها تشخص غاية خروجه على المألوف وميله الأصيل للتجديد في النظم الموروثة للقصيدة ، وهو ما يشكل للدرس الأكاديمي السمة الأهم التي جعلت من الشاعر العراقي رمزا من رموز الحداثة الشعرية العربية إلى يومنا هذا .
إن نظرة من هذا النوع تؤكد في براهينها تصورا محددا ينحاز للتجديد في العملية الإبداعية سوف لن تشكل حاجزا يتعذر تجاوزه أمام وجهة نظر أخرى تحاول أن ترى في ارث السياب قيمة ثقافية تخرج عن سجن اغترابه الروحي باتجاه فضائها الراهن . وليس أكيدا أن قراءة رمزية السياب في الثقافة العراقية ستعني بالضرورة وفقط تقصي حقائق عالمه الداخلي المأزوم الذي بقي يردد لسنوات أصداء المرض والجوع والموت وكل مخاوف العالم الخارجي للشاعر المتمرد . إنها للحظة مناسبة أن يوضع هذا الرمز الثقافي وأمثاله في سياق رؤية ما تحقق من قضاياه ؛ ما تنبأ به وما دافع عنه وحلم برؤيته في حياته وإبداعه ، خاصة بالنسبة لمن تمتع بألمعية لا تطالها الشكوك ، ألمعية تحتذي بها الأجيال إذ تجمع على قدرتها في الدفاع عن هوية الإنسان مكرما في وطنه. هل من المعقول أن تمتد غربة السياب لتعم أجيالنا الحاضرة ؟ المرعب بعينه انتظار ذاك المطر كل هذا الدهر !
ربما درجت العادة أن المآثر الأدبية في ثقافة ما تتيح للنقد سلسلة من التأكيدات تتقصى عن وتبرهن على الأصداء التي ينتجها الأصل الإبداعي في سياق ثقافته لكنها تسمح أيضا – فضلا عن التأكيدات - بإضافات تسلك طريق إعادة إنتاج الأثر وقراءته في ضوء راهن يمد الرؤيا إلى أقصاها رغم وعورة التناقضات واختلاف الأزمان .
هل ثمة في وضعنا العراقي ما يسمح باستعمال القيمة الثقافية التي مثلها السياب بشكل اكبر من مجرد شغل الصورة النمطية لشاعر وطني مجدد ، امتزج شعره بالاغتراب المأزوم والخيبات وبترديد أصداء ( عراق ليس سوى عراق ) ؟
لمحاولة الإجابة على ذلك التساؤل ، يهمني هنا أن استعير سياق قراءة إدوارد سعيد لجوزيف كونراد والذي طرح فيه فكرة تستحق الإعجاب ، تفيد : أن التاريخ التالي يعيد فتح ، ويتحدى ، ما يبدو انه كان الختام النهائي لإحدى الشخصيات الفكرية السابقة ، عبر تمكينها من التواصل مع تشكيلات ثقافية ، سياسية ومعرفية .. إلى أن تمسرح المكنونات الموجودة في صورة أو شكل سابقين ، بما يسمح بتسليط الضوء مباشرة على الحاضر . . وهو ما يهمنا هنا .
هكذا تكون الحاجة للتجديد في صور الثقافة ( والأدب إحداها بالطبع ) هي حاجة لقلب موازين المجتمع والحياة نحو القيم المدنية بأوسع معانيها . وهو ما يسمح لنا بعد الضرورة الملحة التي دعت السياب لاعلاء صوته الواثق خارج جوقة الشعر العربي الكلاسيكي هي إحساسه الثقافي العميق بضرورة التجديد في النظم المتعارف عليها وان كان ذلك يعني الخروج العنيد على الأكثرية المتماسكة . .
ما أحوجنا اليوم للخروج على تلك ( الأكثرية ) ومنح السياب وسائر رموز الثقافة العراقية استحقاقهم ومعناهم المؤجل . حينذاك وحينذاك فقط سنتمكن من استعادة الجزء المشرق من تلك الكتابات والرؤى ورموزها الموحية بصيغ دالة تمنحنا مزيدا من التفاعل واكتساب الحياة .
اهطل علينا مطر أنشودته أم ما زال اغترابه وحزنه قائم فينا ؟
أنحتفي بالشاعر أم نعزي أنفسنا فيه ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و