الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد المصري بين الناصرية والساداتية - حوار لجريدة الكرامة المصرية

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2017 / 4 / 2
الادارة و الاقتصاد


حوار حول الاقتصاد المصري بين الناصرية والساداتية

أجـراه : أحمد أمين

جريدة الكرامة المصرية - العدد 495 ، الأحد 15 يناير 2017م

فى ذكرى ميلاده التاسعة والتسعون ، وبرغم مرور مايزيد على ستة وأربعون عاما على رحيل الجسد ، يظل الزعيم جمال عبد الناصر حاضراً فى وعى وذاكرة شعوب الأمة العربية ، والأحرار فى العالم ، كزعيم وطنى حارب الاستعمار والرجعية وساند كل الشعوب فى كفاحها من أجل الاستقلال ، وأسس مع زعماء العالم الحر أمثال تيتو ونهرو وسوكارنو وشوين لاى وغيرهم ماسمى بقيادة دول عدم الانحياز فى فترة عصيبة كان الاستقطاب الثنائى لروسيا وأمريكا سيد الموقف ، كما خاض معارك البناء والتنمية كالسد العالى وتأميم قناة السويس وبناء آلاف المصانع لأبناء وطنه ، لكل ذلك وغيره الكثير ، لم يكن غريباً أن تحمل الجماهير العربية فى ثوراتها صورته ، وبالطبع كانت موجتى الثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو تأكيداً لذالك ، إلا انه وبعد تسلم القيادة الحالية برئاسة السيسى سدة الحكم فى مصر ، بدأت نعرات رجعية فى الهجوم على ناصر واعتبار أن السيسى امتداد له ، بسبب الخلفيات العسكرية ، برغم التناقض الظاهر فى كل شىء ، بدايةً من رفض التطبيع ومروراً بالتوجه الاقتصادى وحتى التنازل عن الجزر المصرية ، وقبل كل شىء تصدر ناصر لثورة هو قائدها وتولى السيسى لمنصب ضمن مشهد كانت الجماهير المصرية هى البطل الأوحد فيه ، لكل ذلك ومع الذكرى العطرة للميلاد أجرت الكرامة حواراً مع الباحث الاقتصادى مجدي عبد الهادي ليبيّن لنا ماهية فترة ناصر الاقتصادية وربطها ببعدها الاجتماعى ، مقارناً بين فترات مصر فى العصر الحديث وما آلت إليه الامور نتيجة السياسات الحالية ، شهادة علمية للوطن وللشعب وللتاريخ .


------------------------------


• لو عقدنا مقارنة سريعة للأداء الاقتصادي في الفترات المختلفة في مصر عبر القرنين الماضيين ، فما هى أفضلها ؟ وما هى معايير التقييم الموضوعية لها في رأيك ؟

لا شك أن أفضل الفترات أداءً في التاريخ المصري الحديث كانت فترتا محمد علي وجمال عبد الناصر ، والمعيار واضح وبسيط ، وهو مدى التطور الهيكلي للاقتصاد ، أي تطوره النوعي باتجاه اقتصاد صناعي متنوع سلعياً وعميق صناعياً ، وبهذا المعنى كانت هاتين الفترتين الأفضل نسبياً ، وتليهما فترة ما بين الحربين العالميتين لظروف عارضة دفعت بريطانيا لترك الصناعة المحلية للنمو قليلاً لإشباع الطلب المحلي لقواتها المقيمة بمصر وللشعب المصري في ظل الحمائية الدولية السائدة وقتها وتدهور التجارة الدولية بسبب ظروف عدم الاستقرار وظروف الحربين بالتأكيد .
والمُلاحظ في التجربتين الدور القيادي للدولة حد امتلاكها للكتلة الرئيسية الحرجة من القطاع الإنتاجي ، خصوصاً في الصناعة ، وفي هذا الشأن لم تكن مصر بدعاً من الدول في مسار تطورها الصناعي ، فاليابان بدأت بطريقة مشابهة لتنمية قطاع خاص إنتاجي ، فليس هناك مسار واحد للتصنيع ، وأعتى رأسماليات اليوم المُتشدقة بحرية المشروعات وعدم تدخل الدولة مارست في مرحلة ما من مراحل نشأة رأسمالياتها ، وفي ظل ظروف أكثر مواتاة من ظروفنا ، دعماً وبناءً وحمايةً قوية لصناعاتها ورأسمالياتها !
لقد نمى الإنتاج الصناعي خلال فترة عبد الناصر (1952 – 1970) بنسبة 215 % ، مع تركّز معظم النمو في السنوات 1954 – 1964م والتي تصاعد خلالها تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عموماً والنشاط الصناعي خصوصاً ، وقبل محاصرة التجربة ثم ضربها في النكسة ، وهذه النسبة لم تتحقق لا سابقاً ولا لاحقاً في أي مرحلة اللهم إلا في مرحلة محمد علي بسبب الانطلاق من مستوى إنتاج صناعي منخفض في الأساس .



• في رأيك لماذا اصطدم ناصر بالرأسمالية المصرية رغم أنه لم يكن يحمل لها عداءً إيديولوجياً من البداية ؟

هذا تُسئل فيه الرأسمالية المصرية التي لم تستجب لأي دعوات للاتجاه للصناعة ، وظلت تغلّب الاستثمار في الخدمات والعقارات على نشاطها ، كما كانت تنتظر بشوق غنائم التمصير لتهيمن عليها بأثمان بخسة .
لم يكن ناصر يحمل إيديولوجية مُحددة يوم استلامه السلطة ، فقط إيمانه بوطنه ورغبته في رفعته ، ومنه انطلق بمنهج التجربة والخطأ يجرب ويستكشف ، وقد كان أول قوانين ثورة يوليو قانون لتشجيع الاستثمار الأجنبي ، ولعل هذا مما كان من أسباب الموقف السلبي لبعض اليسار من الثورة وقتها .
لقد ظلت استثمارات تلك الرأسمالية حتى عام 1962م مثلاُ ، بعد ما يقرب من نصف قرن من نشأتها ، وفي ذروة معركة البناء الاقتصادي والتأسيس الصناعي يغلب عليها طابع الصناعات الخفيفة الهامشية والخدمات وغيرها من أنشطة مضمونة العوائد سريعة الأرباح ، فبلغت نسبة منشآت القطاع الخاص في المواد الغذائية مثلاً أكثر من نصب إجمالي المنشآت ، وفي التجارة والمال ما يقرب من ربعها ، وفي الخدمات والنقل حوالي خمسها ، فبرب السماء عن أي رأسمالية صناعية وطنية دمرها ناصر كانوا ولا زالوا يتحدثون ؟!



• ما هى الآثار الاجتماعية للتجربة الناصرية ؟ وكيف تراها مقارنةً بالفترات اللاحقة ؟

كانت بلاشك في اتجاه إيجابي نوعاً ، فتحسن مستوى معيشة عموم المصريين ، مع توسع في الطبقة الوسطى التي حازت مزايا تتجاوز مستوى التطور الاقتصادي وقتها ، ما مثّل إهداراً للموارد سببه ترضيات النظام لهذه الطبقة واتخاذه لها قاعدةً إجتماعية ، وبالأرقام نجد أن معامل جيني ، الذي يشير لزيادة عدالة توزيع الدخل كلما انخفض كنسبة من الواحد الصحيح ، فقد اتخذ مساراً إيجابياً ، حيث انخفض من 0.42 عام 1958/1959م إلى 0.38 عام 1974/1975م ، وهو انخفاض ليس هيناً بالنسبة لقصر الفترة الزمنية ، وانخفضت نسبة الأسر تحت خط الفقر في الريف من 35 % إلى 26 % وفي الحضر من 30 % إلى 27 % خلال الفترة 1958 – 1965م ، والتي سرعان ما عادت للتدهور مع ضرب التجربة الناصرية بالنكسة ثم الارتداد بالثورة الساداتية المضادة .
كما زاد نصيب العمال الزراعيين – الذين لا يخفي كم الظلم الواقع عليهم دوناً عن باقي العمال - في الدخل الزراعي من 7.1 % عام 1960م إلى 11.5 % عام 1976م ، علماً أنها كانت في اتجاه مستمر للزيادة بين عامي 1959 و 1966م ثم اتجهت بعدها للانخفاض حتى عام 1975م .
كما انخفضت نسبة الأمية من 78 % عام 1947م إلى 56 % عام 1976م ، وهو انجاز بالقياس للفترات التالية التي لم تعرف مثل هذا المعدل في خفض معدلات الأمية ولا حتى قريب منه ، وفي التعليم الجامعي زادت نسبة المتعلمين تعليماً جامعياً خمس مرات ونصف خلال نفس الفترة ، وهذه المعدلات رغم زيادة عدد السكان خلال تلك الفترة بنسبة 50 % ، وعلماً بأن حوالي 60 % من هذا التغير تم خلال النصف الثاني من الفترة ، أي بين عامي 1960 و 1976م !



• كيف ترى الهجمة اليمينية على فترة عبد الناصر بمجملها سواء من الليبراليين أو الإسلاميين ، وربط ناصر بالاستبداد واعتباره سبباًَ لما نعانيه حتى اليوم ؟!

هى هجمة طبيعية ومُتوقعة ، وهى تمثل الكذب والنفاق في أجلى صوره ، فهؤلاء الليبراليون والإسلاميون الكذبة هم أنفسهم من يتسامحون ويتعاملون بمنتهى الأريحية مع أنظمة فائقة الإجرام لمجرد تبنيها لتصوراتهم عن الحرية الاقتصادية ، تلك الحرية التي لا تعدو أن تكون الإسم المُهذب للمصالح الرأسمالية ، وتجدهم يدفعون بالمبررات للاستبداد والديكتاتورية ما دامت في صفهم ، هذا أولاً من جهة أمانتهم ونزاهتهم ، حتى لا ترهبنا اتهاماتهم !
إن علينا أن نضع هذا الهجوم في سياقه لنفهمه ، الهدف الحقيقي ليس ناصر بشخصه ، فعلى قوله هو نفسه ، وبالتعبير القرآني ، لو "اتبع ملّتهم" ومالئ مصالحهم ؛ لرضوا عنه وتغنّوا بعظمته مهما كان استبداده ، هم ببساطة يريدون تشويه أي سياسات اقتصادية اجتماعية لا توافق مصالحهم ، وهى سياسات كانت بداهةً لن تتحق بالديموقراطية التقليدية في سياق سياسي يهيمنون هم عليه .
ولا يمنع هذا أن التجربة الناصرية قد اتسمت بالديكتاتورية بحكم الطبيعة البيروقراطية العسكرية للدولة التي وصفها الرجل نفسه بعد النكسة بأنها "رأس السمكة التي اصطادتنا منها سنارة الإمبريالية" ، لقد كانت أزمة التجربة الناصرية كما وعاها مبكراً دون أن يعمل بالطريقة الصحيحة على علاجها ، هى غياب التنظيم الذي يكفل نظم الحركة الشعبية والتعبير عن إرادتها وضمان رقابتها على أجهزة الدولة ، وكان أساس هذا الظرف التاريخي الصعب الذي تمت فيه والطريقة التي أُنجزت بها ثورة يوليو التي بدأت كانقلاب عسكري قاده مجموعة من صغار الضباط في الجيش ، والذين أتوا بدون إيديولوجية ومن خلفيات اجتماعية متنوعة مُجتمعين على مجموعة من الآمال الوطنية العامة وولاءات الصداقة الشخصية والزمالة المهنية ؛ فكان سهلاً بعد الثورة تشتتهم وتنازعهم ، فضلاً عن نجاح البيروقراطية الراسخة في تفريغ أي سياسات اجتماعية راديكالية من مضمونها ، لا غرابة أن قال ناصر في أواخر أيامه بيأس أن "ما تحقق شئ وما كنا نريده شئ آخر" !
وكا ما سبق يعني أن للأمر جذوراً تعود لما قبل ناصر نفسه ، بدليل أن هذا كان هو الوضع الغالب في العالم ولا يزال هو نفسه تقريباً ، فالديموقراطيات في العالم كله لا تزال الاستثاء لا القاعدة ، بل إنها حتى مُهددة في مراكز انطلاقها الأولى نفسها ، وعموماً فمن المهم أن ندرك أن الناس – حتى زعماء الثورات ورؤساء الجمهوريات منهم - لا يخلقون واقعهم ، إنهم على ما قال ماركس يغيّرون تاريخهم في ظل ظروف لم يخلقوها ، بل مُعطاة بالنسبة لهم ، وهو ما يعني وجود قيود موضوعية لابد من أخذها في الاعتبار عند تقييم أي مرحلة تاريخية أو مُنجز بشري .
أما عن ربطه بما يجري هذه الأيام فهو استمرار لمسلسل الكذب من جهة والجهل من جهة أخرى ، فهو يتجاهل التحوّلات في طبيعة واتجاهات السلطة مع ثورة السادات المضادة في 15 مايو 1971م ، وإذا كان السادات قد ورث تلك الدولة الاستبدادية وأعاد توجيهها وجهةً فاسدة إجرامية تابعة فهو أمر يتحمل ناصر منه الوزر الضئيل لما سبق أن ذكرناه .
كما أنه رغم الانفتاح السياسي الظاهري في مرحلة السادات لكن تكفي بعض الأرقام كدلالة على تعاظم استبداد النظام ورغبته في الهيمنة السياسية والاجتماعية على مستوى نوعي جديد يمثل قطيعة مع ما سبقه وبما يتواءم مع سياساته الجديدة المُعادية لغالبية الشعب العاملة ، فيكفي أن نعرف أن عدد العاملين بأجهزة القمع قد زاد بين عامي 1977 و 1981م بنسبة 212 % ، بينما زاد في قطاعات التعليم والبحوث والشباب بنسبة 120 % وفي الخدمات الصحية والاجتماعية بنسبة 125 % وفي الإسكان والتعمير بنسبة 120 % وفي الزراعة بنسبة 116 % وفي الكهرباء بنسبة 63 % ، وظل الإنفاق على قطاع القمع هذا أكبر من غيره من القطاعات حتى اليوم بما يغلّب اعتبارات الأمن على اعتبارات التنمية واحتياجات الشعب !



• لو طلبنا وصفاً مُوجزاً للمأزق الاقتصادي المصري الحالي ، فكيف تصفه ؟

المأزق الحالي هو تعبير عن سقوط نمط ، إنه سقوط نمط الانفتاح الاقتصادي واللبرلة الرأسمالية ، والذي تجلى لدينا واقعياً في عديد من الأزمات الهيكلية على جميع المستويات الاقتصادية :
فأولاً على مستوى الإنتاج المادي ، في تراجع القطاعات السلعية لصالح القطاعات الخدمية، فنجد أنه خلال الفترة 1975 – 2015م، انخفض نصيب الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات البنك الدولي، من 29.03% إلى 11.8% منه، وهو انخفاض كان يمكن أن يكون طبيعيا، لولا أنه ارتبط في السياق المصري بانخفاض الإنتاجية وتضخم الفجوة الغذائية ، كما انخفض نصيب الصناعة التحويلية من 17.41 % إلى 16.59% منه، على عكس الاتجاه الطبيعي لأي اقتصاد متخلف يطمح للتصنيع، بينما ارتفع نصيب الخدمات بشكل ضخم من 44.07% إلى 52.50% منه.
وثانياً على المستوى التجاري ، في حجم ونوع التجارة الخارجية لمصر، فلم يعد الاقتصاد المحلي قادرًا على إشباع احتياجاته الداخلية؛ ما زاد من اعتماده على الخارج وانكشافه عليه، فبلغ حجم التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي 24.9% في العام الماضي، وهى نسبة كبيرة بالنسبة لاقتصاد ليس صغيرا وليس اقتصاد تصدير بأي حال؛ ما يعني درجة عالية من الانكشاف على الصدمات الخارجية والتأثر بتقلبات الأسواق الدولية.
كما أدى ضعفه الإنتاجي هذا لقصور عرضه المحلي عن تغطيه الطلب؛ ومن ثم لعجز مُزمن في الميزان التجاري، حيث تزيد الواردات على الصادرات دائمًا، حتى وصلت لدرجة أن لا تغطي الأخيرة سوى حوالي ثلث الأولى أواسط عام 2015م ؛ ما انعكس بالسلب على هيكل ميزان المدفوعات عمومًا ، وبحيث اختلفت طبيعة استخدامات النقد الأجنبي عن موارده، فبينما غلب على الأولى طابع الضرورة للاستهلاك والإنتاج المحلي، ومن ثم طابع الاستقرار وصعوبة تقليصها؛ غلب على الثانية طابع الريعية، ومن ثم التقلّب والتدهور في الأجل الطويل.
وثالثاً على المستوى المالي ، تعاني الموازنة العامة من عجز مُزمن، حيث نتج عن هذا النمط الاقتصادي بما له من طبيعة خدمية وريعية، ضعفاً في الإنتاجية وسوءًا في توزيع الدخل القومي؛ بما أدى لضعف الحصيلة الضريبية، وهو الضعف الذي تعزّز بضعف كفاءة الجهاز الضريبي خصوصًا والحكومي عمومًا، وبانحياز القوانين الضريبية للأغنياء، وكثرة الثغرات والتلاعبات بها، بحيث نتج عن هذا كله ضعف وعجز في الإيرادات العامة المتوافرة عن تغطية النفقات العامة الضرورية؛ بما دفع الحكومات المتعاقبة لسياسة التمويل التضخمي لتغطية ذلك العجز المُزمن.
ورابعاً كنتاج لهذا كله على المستوى النقدي حدث تدهور مزمن يبدو بلا نهاية في قيمة الجنيه المصري مقابل باقي العملات والدولار الأمريكي المربوط به بالأخص ، فمسيرة المذلة التي عاشها الجنيه المصري أمام ذلك الدولار ، ليتقلص من جنيه محترم يعادل دولارين ونصف عام 1978م إلى جنيه مسكين يعادل خمسة سنتات تقريباً عام 2017م ، لم تكن من الظواهر الطبيعية الخارجة عن إرادة الإنسان ، بل هى نتاج طبيعي مُتوقع تماماً في ضوء الهيكل الاقتصادي المصري السائد منذ بدأت سياسات الانفتاح الاقتصادي بأبعادها وآثارها المذكورة على المستويات الثلاثة السابقة ، فالرافدين الأساسيين لحالة التدهور المزمنة للجنيه المصري ، من عجز ميزان تجاري وعجز موازنة عامة ، ليسا في الواقع سوى نتاج لاختلال هيكلي في الاقتصاد المصري نفسه ، مُضافاً إليهما رافد مؤسسي يتعلق بتشريعات اللبرلة التي سمحت وفتحت الباب على مصراعية لحركة رؤوس الأموال والمضاربات بما رهن الجنيه لأهواء المستثمرين من ناحية ، والأخطر بما سلبنا سيادتنا النقدية من ناحية أخرى .



• تجري الحكومة حالياً مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأجل قرض بقيمة 12 مليار دولار وستنفذ للحصول عليه بعض (الإصلاحات) ، فما هو رأيك في هذا الأمر وفي تجربة مصر مع الصندوق عموماً ؟

تلقينا كثير من القروض والمعونات ، بل إننا منذ السبعينات كنا من أكثر دول العالم تلقياً للقروض والمعونات ، القروض لن تعالج شيئاً بفرض حتى حسن الإدارة الغائب عنا ! ، فأزمتنا في بلاعة النمط الريعي الاستهلاكي غير المنتج التي تشفط أي موارد وتهدرها ، وليست في كبر أو صغر صنبور النقود !
أما عن تجربة الصندوق فمصر لا تفعل اليوم أكثر من سلوك الطريق الذي هجره الآخرون ، وكأنما التعلم بالطريقة الصعبة هواية وغيّة مصرية ، بل وكأنما عدم التعلم من تجاربنا السابقة مع ذلك الصندوق – كما مع غيره من جهات وقضايا – قدر !
فلمصر تجارب مع الصندوق كانت أولاها أواسط السبعينات بعد الحرب ، وثانيتها أوائل التسعينات ، جاءت الأولى في سياق سياسات الانفتاح الاقتصادي ، والثانية في سياق سياسات الإصلاح الاقتصادي ، واللتان أنتجتا نمواً محدوداً مؤقتاً ومتقلباًَ ، اعتمد على المديونية ، وانقلب بعد سنوات معدودة لنمو يكاد يكون سلبياً ! فضلاً عن آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية مدمرة على الشعب المصري ، يكفي واقعنا اليومي وصفحات الجريمة لبيانها ، فضلاً عن كتاب مثل "ماذا حدث للمصريين؟.. تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945 – 1995م" للدكتور جلال أمين !
والمنطق العام لهذه الدورانية الغريبة ، من مديونية تقودنا للصندوق ، فيفرض علينا برامج لا تصنع نمواً مُستداماً وتغرقنا في مديونية جديدة تعمّق حاجتنا للخارج وللصندوق ؛ فنعيد الكرّة مرةً أخرى ، إنما يتمثل في عجز النمط الانفتاحي الذي بدأناه منذ السبعينات ، مُتمثلاً في رأسمالية حرة لا يمكنها سوى أن تكون تابعة ريعية ، لا تختلف كثيراً عن اقتصاد تصدير القطن الذي عرفته مصر عبر قرن تقريباً ، والذي ذهبت معظم عوائده لسداد الديون وحكمت تطوره حاجات مصانع لانكشاير في انجلترا ، إننا تقريباً نعيد تجربة صندوق دين مصر القرن التاسع عشر في عالم القرن الحادي والعشرين !



• يري البعض أن المشاكل الحالية مؤقتة وأن علينا أن نتفائل ونتحمل حالياً حتى يعبر الاقتصاد المصري كبوته ، فما رأيك في هذا الكلام ؟

هذا عشم إبليس في الجنة ، كان السادات يعد بالرخاء وبفيلا لكل شاب وفتاة ، وكان مبارك يتغنى بمحدودي الدخل الذي ستجلب لهم مشروعاته وإصلاحه الاقتصادي الخير العميم ، الأزمة في الهيكل والنمط نفسه يا عزيزي ، وما يرتبط بهما من سياسات يعمل النظام الحالي ليس فقط على استمرارها ، بل إنه يعمّقها ويتوسع في تنفيذها !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية


.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط




.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد