الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبعاد السياسية لجرائم عبّاس في غزة

محمد أبو مهادي

2017 / 4 / 10
القضية الفلسطينية


الأبعاد السياسية لجرائم عباس في غزة

بقلم: محمد أبو مهادي

ظنّ الناس أنّ الإنتخابات التشريعية التي حصلت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2006 كانت عملية ديمقراطية خاضها الشعب الفلسطيني بإرادته الحرّة، وقد اختار ممثليه لاستكمال عملية التحرر الوطني وبناء مؤسسات الدولة، بعد أن جرى تزييف الوعي العام من قبل نخبة اقتصادية وسياسية وإعلامية فلسطينية بأن الانتخابات والسلطة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي يمكنها أن تسرع في عملية قيام الدولة الفلسطينية، وتعزز من عملية المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني، وأن الإحتلال سيمكن الفلسطينيين من بناء تجربة ديمقراطية رائدة تشطب تفرّده "الديمقراطي" في منطقة الشرق الأوسط الذي يستقطب على أساسه التعاطف العالمي، وأخفت هذه النخبة عن وعي الشعب ألغام اتفاق أوسلو، التي عطلت فرص بناء تجربة ديمقراطية ناجحة ومكّنت اسرائيل باعتبارها الطرف الأقوى من تحديد عدد النواب الذين سيختارهم الشعب، وعدد الوزراء الذين لم تعاملهم في مرة من المرات بهذه الصفة، وحدود المناطق التي ستجري فيها الانتخابات، وأن رئيس بلدية في أي بلد ديمقراطي في العالم يقرر أكثر من رئيس السلطة الفلسطينية، وكل ما جرى بعد أوسلو كانت بداية لترسيم واقع الاحتلال والتعايش معه، واعفاؤه من المسؤولية المباشرة عن مآسي الفلسطينيين، وزجّ الشعب الفلسطيني في أتون صراع على السلطة بدأ وبدأت معه مختلف أنواع الجنون، ليصبح المشهد بتكثيف شديد، سلطة تحت الإحتلال منزوعة الصلاحيات، واحزاب تتصارع عليها، وديكتاتور يمارس البلطجة على الشعب والحركات السياسية، واحتلال يستفيد من كل الظروف.

كل ما جرى بعد الإنتفاضة الشعبية الفلسطينية في عام 1987 كان حراكاَ عالمياً عنوانه السلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وفي حقيقة الأمر أنها كانت محاولات لإنقاذ إسرائيل من مآزق سياسية كبيرة أمام المجتمع الدولي، مأزق أخلاقي قبل كل شيء، ومحاولة إخماد انتفاضة شعبية طويلة وضعت الاحتلال في حالة استنفار دائم دون أن يجد حل لمشكلة طفل يلقي حجر على دبابة، وأمام السؤال المحرج من شعوب العالم، ماذا يحدث هناك في فلسطين، ولماذا تلقى الحجارة على جنود إسرائيليين، ولماذا يقتل الأطفال، وما هو جذر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والى متى سيستمر هذا الصراع؟

جرت عملية بعث جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني، وأصبح للفلسطينيين برنامج سياسي مجمع عليه مع بدايات الانتفاضة، لهذا كان اتفاق أوسلو المفاجئ والسريع عام 1993، الذي استبدل الحجارة والزجاجات الحارقة والمتاريس، بأغصان زيتون رفعت فوق العربات العسكرية الاسرائيلية، وجدران تم تبييضها، وبساطاَ أحمر نام عليه المقاتلون من أجل الحرية والاستقلال، اختلفت كل مفاهيم الصراع وأدواته مع الاحتلال الإسرائيلي وتنفس العالم الصعداء!

محمود عباس ربما كان الشخص الوحيد من القيادات الفلسطينية الذي يعلم ماذا فعلت يداه، مهمته لم تكن سهلة، وخطته طويلة الأمد، استغرقت حتّى الآن قرابة عقدين ونصف من التدمير وتجارة الأوهام، مفاوضات حتّى يموت الحلم، حلم الشعب في دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة تصان فيها كرامة الناس وحقوقهم، ونجح بهدوء في تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، منذ ذلك الوقت حتّى اليوم، من اعلان أوسلو إلى بدعة الانتخابات التي كان يعلم يقيناً حتمية فوز حركة حماس فيها، كما كانت إسرائيل وأمريكا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعرفون هذا الأمر، كل خطط إصلاح النظام المالي والإداري للسلطة التي اقترحها العالم، وتحجيم دور منظمة التحرير الفلسطينية وإلغاء ميثاقها، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، اغتيال الزعيم ياسر عرفات، وموافقة شارون على مشاركة أهل القدس الشرقية في الانتخابات عام 2006، وتمويل دول إقليمية لانقلاب عسكري في غزة، وتقويض حركة فتح وإشغالها في معارك داخلية، ولاحقاً عقد مؤتمر كوميدي لها، انتهاءاَ بجريمة تقليص الرواتب على موظفي الحكومة من أبناء قطاع غزة بعد حرمانها لمدة عشر سنوات من أي وظيفة جديدة، وإحالة آلاف الموظفين للتقاعد وقطع رواتب المئات منهم، وجملة من الممارسات التي خلقت حالة إحباط غير مسبوقة في أوساط الشعب الفلسطيني، ودفعت الكثير من الشباب للهجرة أو الانتحار جراء مناوبات حركة حماس ومحمود عباس في بطش الناس وتعسير فرص عيشهم.

ما من شكّ أن مستشاري عباس قد أوضحوا له تداعيات قطع وتقليص الرواتب عن الموظفين الحكوميين من أبناء قطاع غزة، هم يعرفون أن أكثر من 80% من الموظفين حصلوا على قروض من البنوك، وأن قرابة 40% منهم سيذهبون للبنك ولن يجدوا عشرة شواقل في حسابهم، البنوك أوّل من يأخذ نصيبه من الراتب، كما تضمن الحكومة نصيب شركة الكهرباء، وتفعل ذلك مؤسسات الإقراض المختلفة، وبذلك يحرم صاحب الراتب من راتبه الشهري، ويحرم معه من السداد صاحب البقالة، ومقاول البناء، وبائع الخضار، وصاحب المطعم، وتتقلص إلى الحد الأدنى الزيارات العائليةـ وتنعدم فرصة سداد الديون ما بين الأصدقاء، وفي نهاية الأمر تنعدم فرصة الحياة، ليضع أبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، في متاهة العنف الاجتماعي ويجعل من بحث الشباب عن أقرب فرصة للفرار من قطاع غزة عمل بطولي سيحسدهم عليه من لم يتمكنوا من الفرار!
بالنسبة لحركة حماس، لا مشكلة لديها في إشعال حرب جديدة مع إسرائيل إذا قُرر لها، الحرب واردة في أي وقت، ليس بسبب اغتيال المناضل مازن الفقهاء، ولا بسبب فشلها في إدارة شؤون قطاع غزة، بل لأن إسرائيل التي لم تتمكن من إلقاء غزة في البحر، ما زلت تحلم في إلقائها، في أي مكان آخر غير قطاع غزة، ربما في سيناء إذا ما اشتدّت الحرب وأصبحت أكثر دموية.

منذ بداية الإحتلال حتى يومنا هذا، لم تتخلّ إسرائيل عن فكرة حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حساب دول الجوار، مصر والأردن وسوريا ولبنان، وعلى ما يبدوا أنها اقتربت كثيراً من تحقيق هذا الأمر، وقد أحسنت تحالفها مع محمود عباس وقطر وتركيا، وإلى حد كبير مع جماعات المصالح في حركتي فتح وحماس، مجزرة الرواتب التي نفّذها عبّاس أحد عوامل الدفع نحو هذا الحل بشكل واضح ومباشر، ودون خوف من أحد، لأنه ضمن الحماية الإسرائيلية الكاملة لكل ما يقوم به، وسيواصل إغراق غزة بنكبات جديدة حتّى يكمل ما بدأه في أوسلو الملغوم.

الحركة الوطنية الفلسطينية ستشاركه هذا الإجرام بحق الوطن والمواطن، إذا استمرت في صمتها، وواصلت تزوير وعي الناس وحرف تحركاتهم عن جوهر الحقيقة، فالمشكلة الحقيقية ليست في الوزراء ولا رئيسهم، هم جميعاً أعضاء في خلية إجرام واحدة يترأسها محمود عباس، ولن يجرؤ غيره على اتخاذ قرارات خطيرة من هذا النوع سواه، هو المسئول الأول عن كل ما يجري، صاحب سياسات فصل غزة عن الضفة الغربية، وكذبة اوسلو والإنتخابات والديمقراطية، المواقف مفصلية وهامش الفذلكة والمناورات السياسية محدود جداً، لا وقت يهدره الفلسطينيون في رهانات على رئيس كشفت عورته.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت