الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجايجي ، ذاكرة الشارع البغدادي

جواد البياتي

2017 / 4 / 11
كتابات ساخرة


دردشة مع جايجي بغدادي
اجبرني حظّي على الاستيقاظ مبكرا وترك السرير الذي لم اعرف قيمته الاّ بعد احالتي على التقاعد ، هذا السرير الذي اودعته مايعادل 30 % من عمري بين كسل ونوم ومرض ولذة المغامرات في ظلام دامس أو تحت ضوء خافت ، انه متعة الكسالى في ليالي الشتاء التي لم اتحسسه الاّ عند الحاجة الى الجاكيت اللنكاوي الامريكاني الذي اشتريته بصحبة عميد الصداقة ومزمنها ، الضليع والخبير طارق عبد الواحد علوان آل عنيسي الخزاعي والد كل من ...... وشقيق كل من ...... ، ولا انسى تلك الليالي التي يكون فيها الحرمس شريك سريري كما لاتغيب عن ذاكرتي ليالي القلق والخوف والحزن والالم والتربص والغيرة بل ومن الليالي ماكانت الأطول في ساعاتها وعذاباتها عندما أشعر بأن رقبتي تكون فيها بين حدي موس او تحت مقصلة الحب والحقد والحكومة في عهد الصبا والشباب والمغامرات غير المحسوبة .
كان الاستيقاظ المبكر فرصة للفرار من البيضة المسلوقة التي تنتظرني كل صباح داخل قوري معدني مطعج ومعقج ومضروب 1000 جلاّق ، إنه عزيز قوم ذل بعد رحيل العلوية فاطمة ، فقد كان له بين يديها بريقاً يغشي الابصار . ومنّيت نفسي بريوق سلطاني بعد انجاز معاملة قريب لي بوقت مبكر حيث الذهاب الى محل الحاج طه لتناول الكاهي مع القيمرفي الحيدرخانة ثم العودة الى الباب الشرقي لتناول الباسطرمة بالبيض من محل ابو يحيى المصلاوي النازح من مدينة الموصل الكافرة بعد فتحها من قبل جيوش امير كافة المؤمنين – بمن فيهم انا – ابو بكر سالم القرشي العدناني القحطاني ونشر دينه فيها وضبط تصرفات المصالوة بعد ان كانوا يدخنون النركيلة والسيكار والجرود والبايب وما تيسر لهم من السكائر على راحتهم ويشربون الخمور المحلية بالمفرد المختوم والاجنبية السكوتش والعياذ بالله .
لقد اصبح دكان ابو يحيى مأوى للمصالوة ( النازحين ) وخلية لهم ، لاتسمع فيها سوى القاو والقي والقو والقوق والقاق والقيق والعجي والعوجايي وتعال نطمّش عند ابو يحيى وناكل قليي وكبّي ، الله يستر من هكذا خلية في بغداد .
تبعثرت احلامي بعد ان تأخر انجاز المعاملة بسبب اجتهاد السيد الموظف في طابو الكرادة لسبب علمه عند ابو بكر عزت ظل الله في ارضه – علما بأنني رصدت شخصياً حالتي رشوة واحدة مع السيد فراش المدير والاخرى مع السيد الموظف المجتهد مع احد الدلالين او المتابعين الذين نشرت بحقهم لافتات منع الدخول الى الدائرة على كل الجدران .
فوضت امري الى الله وتناولت ريوك بائس في الباب الشرقي وقلت ان ادعمه بأستكانا شاي سنكين عند ( ابا ابراهيم ) الجايجي في شارع سينما السندباد ، وهو سليل جايجي العصر البغدادي الشهير( ابا حالوب ) رحمه الله وادخله مدخل صدق ، ولما حاولت ان استذكر معه تاريخ مشاهير الجايجية قال لي بكبرياء واضح :
- يمعود آني اقدم منهم جميعا .. لاتشوفني هكذا وحدي ، كان يعمل تحت ايدي خلفتان .. وما يلحقون يصبون شاي للزبائن ، والزبائن كان جميعهم من الافندية اللي يشرب شاي يشرب عشرة .
- قلت : اللهم صل على محمد وال محمد و صحبه .
- قال .. تعال وشوف بالليل من يطلعون من السينمات والملاهي .. ما ألحق اصبّ شاي . هذولاك الزبائن .. خو مو مثل هذولة ( الخرنكعيه ) يشرب جاي وينسّ – يقصد يغادر خلسة دون ان يدفع الثمن -– واشار الى شرطي كان يحتسي الشاي منه .
ولكي ابعد عن نفسي الشبهة في دائرة ظنونه سارعت الى طلب شاي آخر مع الدفع الفوري له ، كي ادخل معه في حوار عن اقدم جايجية بغداد ( المحترمين ) قال :
- افضل الجايجية هم من يختارهم اصحاب المطاعم البغدادية المحترمة مثل : تاجران بفرعيه في شارع الرشيد والباب الشرقي ، ومطعم نزار وإبن سمينه والقره غولي والحاتي وابو يونان ومطعم الاخلاص في شارع المتنبي ، وفي الكرخ مطعم الشمس ومطعم شباب الكرخ وباجة ابن طوبان ، واشهر الجايجية هم لطيف الجايجي وجعفر ابو صادق واسماعيل وهوبي وانا وابو حالوب وابو جبار واولاده وحماده الجايجي ، واكثر هؤلاء انتقلوا الى رحمة الله . فقد كان لكل جايجي ( سر المهنة ) في خبطة الشاي التي يهيأها لزبائنه الذين يأتون اليه من كل فج عميق فقد كانت تسحرهم رائحته التي كانت ( تعط ) في المكان
ولما سألته عن واقع الجاي والجايجية في فترة مابعد الباشا نوري السعيد قال :
- لقد ذهب العصر الذهبي للجاي والجايجية وزبائن المهنة وجاء الى المصلحة ( شعيط ومعيط ) وبعد ان كان الجايجي محترم في حماية صاحب المطعم او الجايخانه المرتبة النظيفة وزبائنها الافندية ، صار الجايجية كالمجادي يفترشون الارصفة والشوارع والساحات ، لاتهمهم النظافة ولا الجاي ولا الزبون حتى المكان الذي يعملون فيه لايهمهم ان كان قذرا او نظيفا .
تركت اخي ابا ابراهيم الأنيق بصدريته البيضاء النظيفة وكأنه طبيب انف واذن وحنجرة وذقنه الحليق وشعر المصبوغ بعناية وفق موديل كلاسيكي راقي يسمى ( درب النملة ) وهو خط ناعم ينام على الشفة العليا للفم .
رعى الله جايجيينا النجباء وجاينا السنكين المجيد ومد الله في عمر ابا ابراهيم ظهيرا قويا للتراث والفولكلور البغدادي الاصيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج